جنون العظمة: أسبابه، وأعراضه، وعلاجه
كثيراً ما نسمع عن مصطلح جنون العظمة وعن أشخاص مصابين به، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن هذا المرض وأعراضه وأسباب الإصابة به، وعمَّا إذا كنَّا معرضين للإصابة أم أنَّ هناك أشخاصاً أكثر من غيرهم معرضون للإصابة. للإجابة عن هذه التساؤلات إليكم المقال التالي.
ما هو جنون العظمة وما هي أنواعه؟
يُعَدُّ جنون العظمة أحد الاضطرابات العقلية الأكثر شيوعاً، ويخلط الكثير من الناس بين مصطلحي جنون العظمة وجنون الارتياب (البارانويا)، وعلى الرغم من التشابه بالأعراض والأسباب إلا أنَّ المصطلحين مختلفان؛ إذ إنَّ اضطراب جنون العظمة يؤدي إلى الإحساس والاعتقاد بأنَّ الشخص فوق الجميع؛ نتيجةً لما يمتلكه من قدرات وإمكانات عظيمة، في حين أنَّ هذه القدرات والإمكانات غالباً ما تكون غير موجودة إلا في ذهن صاحبها، والمشكلة هي أنَّ المصاب يصدِّق أوهامه هذه، فهو لا يستطيع التمييز بين الحقيقي والمتخيل.
أمَّا بالنسبة إلى البارانويا؛ فهو اضطراب يعتقد فيه الشخص المصاب أنَّه دائماً مضطهد ومُلاحق، كما يشعر بالريبة من تصرفات أيِّ شخص ويشك في نوايا الجميع تجاهه.
في كثير من الأحيان، لا يأتي مرض جنون العظمة منفصلاً؛ بل يرتبط وجوده بوجود حالة مرضية ذهنية أخرى، كالاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب أو الشيزوفرينيا.
كما يُستعمَل هذا المصطلح خارج النطاق الطبي للإشارة إلى كثير من الحالات النفسية المنتشرة بشكل شائع بين الناس؛ إذ قد يُستعمَل للإشارة إلى كلِّ سلوك يظهر فيه الشخص محباً للسيطرة ولتعظيم نفسه، غير أنَّه في الحقيقة، وكما ذكرنا آنفاً، هو مرض ذهني عقلي يتوهم به الشخص الكثير من الأوهام حول حقيقته؛ إذ تُقسَم هذه الأوهام إلى الأنواع الآتية:
- الأوهام المتعلقة بالشهرة: يعتقد المريض في هذا النوع من الأوهام بأنَّه شخص مشهور ومعروف للغاية من الجميع.
- النبوَّة: بسبب التعظيم الكبير لنفسه، وبسبب أوهامه عن امتلاك صفات خاصة تميزه عن غيره، يعتقد الشخص أنَّه نبي.
- الشعور بامتلاك قدرات خارقة: يعتقد المصاب أنَّ لديه مواهب خارقة وخارجة عن الطبيعة ليست لدى أحد غيره، ومن هذه المواهب التكلم مع الحيوانات مثلاً.
- الاعتقاد بأنَّ لديه اتصالاته الخاصة: يخترع قصصاً عن تواصله بشكل خاص مع رؤساء ومسؤولين، وقد يعتقد أنَّه على اتصال بأجهزة استخباراتية.
يعيش مريض جنون العظمة حياته بشكل طبيعي في كثير من الأحيان؛ إذ يقوم بالأعمال ويمارس حياته كاملة. ومع ذلك، فإنَّ الحياة الاجتماعية لديه هي الأكثر عرضةً للتأثر؛ إذ إنَّه في كثير من الأحيان يعيش منعزلاً، وغالباً ما تكون حياته الاجتماعية غير مستقرة.
أسباب الإصابة بجنون العظمة:
ترجع الإصابة بمرض جنون العظمة إلى أسباب كثيرة، كما تساهم الكثير من العوامل في رفع خطر الإصابة به، ونذكر منها:
- الوراثة: تؤدي الوراثة دوراً في زيادة خطر الإصابة بجنون العظمة، فإذا وُجِد في العائلة أقارب من الدرجة الأولى مصابون به، أصبحت فرصة إصابة الشخص أكبر.
- تناول بعض أنواع الأدوية، وخاصة حبوب الهلوسة التي تجعل من الشخص يهلوس معتقداً نفسه قائداً عظيماً أو نبياً.
- أسباب بيولوجية: إنَّ تغيُّر نسبة النواقل العصبية في الدماغ عن الحد الطبيعي، قد يكون من العوامل المسببة لظهور الاضطرابات الذهنية التي غالباً ما يكون جنون العظمة مصاحباً لها، كاضطراب ثنائي القطب أو الشيزوفرينيا.
- الظروف الاجتماعية والمشكلات النفسية: غالباً ما ترتبط هذه الأسباب بمرحلة الطفولة؛ إذ إنَّ تعرُّض الشخص في طفولته للضغوط الاجتماعية سيؤدي إلى إصابته بالعديد من المشكلات النفسية، التي ستكون فيما بعد سبباً رئيساً لإصابته بجنون العظمة؛ فإنَّ تعرُّضه للإهمال والاضطهاد سيجعلان منه شخصاً قلقاً وخائفاً دائماً من الفشل؛ وهذا يدفعه إلى وضع الأعذار والمبررات لنفسه دائماً، ليعتقد في نهاية الأمر أنَّه دائماً على حق والجميع حوله مخطئون.
- قلة الثقة بالنفس التي تظهر على شكل غرور وثقة زائدة.
- الاضطرابات في نمو الشخصية.
- الأمراض الجسدية: تأتي الإصابة كما ذكرنا آنفاً كأحد أعراض الإصابة بمرض جسدي معيَّن، كداء باركنسون أو نقص السمع أو شلل الأطفال أو السكتة الدماغية، أو كأحد الأمراض المؤثرة في الجهاز العصبي، كمرض الزهري والخرف.
أعراض الإصابة بجنون العظمة:
تتعدد الأعراض وتتنوع ولا يمكن القول إنَّ هذه الأعراض واحدة عند جميع المصابين، فهي تختلف من مريض إلى آخر، ويرجع هذا الاختلاف في الأعراض إلى الاختلاف في طبيعة الأوهام والخيالات التي يعاني منها المصاب، وأهم هذه الأعراض:
- الهلوسة، والحساسية الشديدة تجاه النقد.
- المزاج المتقلب والمتبدِّل، والإحساس بفرط النشاط.
- اضطرابات في النوم.
- الشعور بالإعجاب الشديد بالنفس، وكثرة الكلام والثرثرة دائماً.
- الشعور بأنَّ الشخص دائماً على حق ولا يُخطِئ أبداً.
- العدوانية في بعض الأحيان، وتكون هذه العدوانية رد فعل على الأوهام الكثيرة في رأسه.
- العصبية الشديدة وعدم القدرة على التأقلم.
علاج جنون العظمة:
هناك الكثير من طرائق العلاج التي تساعد في علاج المشكلة والتخفيف من أعراضها، وسنذكر أهمها فيما يأتي:
- العلاج الطبي: لا يمكن اللجوء إلى هذا النوع من العلاج إلا بعد اقتناع الشخص بأنَّ لديه مشكلة وعليه حلها، وهنا تكمن صعوبة هذا العلاج. يتلقى المريض العلاج في المستشفى تحت إشراف طبي، ويكون بالاعتماد على الأنسولين المعدل والصدمات الكهربائية.
- العلاج الدوائي: عن طريق بعض أنواع الأدوية مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات للتخفيف من الانفعال الذي يصيب الشخص.
- العلاج النفسي: شأنه شأن العلاج الطبي؛ إذ إنَّه من الصعب أن يعترف شخص ما بإصابته بجنون العظمة؛ لأنَّ المشاعر التي يعيشها عن نفسه وعن تفوقه وعن قدراته الخارقة هي مشاعر حقيقية من وجهة نظره، فهو لا يكذب عندما يقول إنَّه ذكي وخارق كونه يعتقد ذلك فعلاً؛ لذلك من الصعب جداً التحاقه بجلسات العلاج النفسي سواءً الفردية أم الجماعية، التي تهدف إلى إقناع المريض بمشكلته، وإلى التخفيف من الأعراض قدر الإمكان، ومساعدته على مواجهتها ومواجهة المشكلات الاجتماعية التي تحدث بسببها. تجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّه من الصعب إقناع الشخص باستشارة المعالج النفسي؛ لأنَّه لا يثق بأحد وسلوكه عدائي غالباً تجاه الجميع.
- العلاج السلوكي: إنَّ هذا النوع من العلاج هو الأفضل والأكثر تأثيراً؛ إذ تؤدي الأسرة والبيئة دوراً كبيراً في مساعدة الشخص على الاندماج في المجتمع وعلى القيام بأعماله، والتخفيف من إحساسه بأنَّه مركز ومحور الكون، ومحاولة إقناعه بأنَّه شخص عادي مثله مثل الجميع.
وفي نهاية حديثنا عن العلاج، سيخطر بالتأكيد في بالنا السؤال الآتي:
كيف أتعامل مع قريب أو صديق مُصاب بجنون العظمة؟
للتعامل مع شخص مصاب بجنون العظمة، علينا أن نضع في بالنا النقاط الآتية:
- كما ذكرنا آنفاً، الشخص المصاب لن يشعر أبداً بحاجته إلى علاج، وهنا يأتي دورك في محاولة إقناعه بضرورة الذهاب إلى اختصاصي؛ لأنَّ تصرفاته حتماً ستكون مزعجة للمحيط. كما يجب الوقوف إلى جانبه ودعمه للاستمرار في العلاج، وعدم التغيب عن الجلسات، والالتزام بها قدر الإمكان.
- افهم جيداً أنَّه شخص مريض؛ لذلك حاول استيعاب وتفهُّم ما يقاسيه.
- اعتقاده وكلامه عن قدراته ليس كذباً، فهو مقتنع بذلك، ومحاولتك لإقناعه بعكس هذا لا جدوى منها.
- وجِّهه نحو ممارسة النشاطات وشاركه فيها وساعده على ملء وقته والقيام بأشياء مفيدة. والأهم من هذا كله، التوقف عن استمرار لومه.
شاهد بالفديو: طرق بسيطة لتحسين صحتك العقلية
بعض المشاهير المصابين بجنون العظمة:
أُصيب الكثير من المشاهير والعظماء والسياسيين والعلماء بهذا المرض، وسنذكر منهم:
- هتلر: عُرِف عن هتلر إصابته بجنون العظمة؛ إذ كان هذا الزعيم النازي يحلم بتطهير الجنس الألماني بسبب اعتقاده بتميُّز هذا العرق عن بقية البشر، وقد قام في سبيل تحقيق هدفه هذا بالكثير من الجرائم بحق الإنسانية عموماً، واليهود خصوصاً؛ إذ عُرِف عنه قيامه بإحراق أسر يهودية بأكملها بعد تجميعهم في معسكرات، وما هذا التصرف وغيره الكثير من الأعمال والتصرفات إلا دلائل تؤكِّد إصابته بجنون العظمة.
- معمر القذافي: هو أحد الشخصيات السياسية المعروفة التي كانت مصابة بجنون العظمة، وكثيراً ما كنَّا نسمع في خطاباته عبارات تدل على إصابته مثل: "أنا العقيد، أنا الزعيم، أنا قائد الثورة، أنا أمين القومية العربية، أنا عميد حكام العرب، أنا رئيس الاتحاد الإفريقي، أنا ملك ملوك إفريقيا، أنا الأقوى، أنا الأذكى".
- ريتشارد نيكسون: وهو كما عدَّه علماء النفس، أفضل الأمثلة عن المصابين بجنون العظمة، وهو الرئيس 37 للولايات المتحدة الأمريكية.
- بريتاني ميرفي: أصاب مرض جنون العظمة هذه الممثلة الأمريكية التي توفيت عام 2009، وقد ظهرت والدتها في فيلم وثائقي لتؤكِّد إصابتها.
- جون فوربس ناش: حاز عالم الاقتصاد الشهير "جون فوربس ناش" على جائزة "نوبل" للاقتصاد وجائزة "ليدوي ستيل"، وهو يُعَدُّ من أذكى العلماء في العالم؛ إذ كان بمقدوره حل عدد كبير من المسائل الحسابية المعقدة، وقد لاحظت زوجته بشكل مفاجئ ظهور أعراض الانفصام لديه، حتى إنَّه قاوم العلاج مقاومةً كبيرةً نظراً إلى إحساسه بأنَّ الأطباء جاؤوا لقتله، وقد وقفت زوجته إلى جانبه حتى تماثل للشفاء أخيراً.
في الختام:
نشير إلى أنَّ تأثيرات الإصابة بهذا المرض تبقى أخف وأقل وضمن محيط ضيق فيما إذا كان الشخص المصاب عادياً، غير أنَّ المشكلة الكارثية تحدث إذا ما وصل المصاب إلى مراكز قيادية أو أصبح رئيس دولة أو قائداً عسكرياً مثلاً؛ ذلك لأنَّه لن يستطيع رؤية الحقيقة أبداً، وستكون كل قراراته نابعة من اعتقاده بأنَّه شخص لا يمكن أن يخطئ، وقد يسبب الكثير من الأذى لعدد كبير من الناس بسبب السلطة التي يمتلكها.