تعلم من المقاهي: روتين جديد ووجهة نظر جديدة

سندويشات الفطور السيئة، والتوتر المفرط الناتج عن الكافيين، ونقاش بسيط لطيف، وتحديد بعض التواريخ الهامة؛ كل هذه الأمور مجتمعة قد تشكِّل مجموعةً من المشتتات، ولا تبدو أنَّها تمثِّل بيئة عمل مثالية، لكنَّها تمثِّل الجو العام للمقاهي؛ وبصفتي كاتباً مستقلاً، فقد كانت المقاهي بمنزلة مكتب غير شخصي خلال 8 سنوات من عملي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "جوني أوبنج" (Jonny Auping)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في المقاهي.

سندويشات الفطور السيئة، والتوتر المفرط الناتج عن الكافيين، ونقاش بسيط لطيف، وتحديد بعض التواريخ الهامة؛ كل هذه الأمور مجتمعة قد تشكِّل مجموعةً من المشتتات، ولا تبدو أنَّها تمثِّل بيئة عمل مثالية، لكنَّها تمثِّل الجو العام للمقاهي؛ وبصفتي كاتباً مستقلاً، فقد كانت المقاهي بمنزلة مكتب غير شخصي خلال 8 سنوات من عملي.

لقد بدأ الأمر كطريقة لتغيير الأمور في وقت مبكر من مسيرتي المهنية عندما كنتُ أكتب مقالات مفصلة وأحاول إقناع المحررين بنشرها، ولكن مثل أي أمر تكرِّره مراتٍ عدَّة، فقد تحوِّل الأمر من عادة إلى روتين، إلى إدمان كامل، لقد قضيتُ أكثر من أربع ساعات في المقهى بمعدل ستة أيام في الأسبوع خلال عشرينياتي.

إذا فكرتُ في الأمر بتمعُّن، فمن المحتمل أن أخبرك في أي مقهى كنتُ عندما كتبتُ قصةً معيَّنة على مر السنين، وتلك الرائحة القوية لحبوب القهوة التي تتعشق في فتحات أنفك في اللحظة التي تدخل فيها المقهى فتزيد من حدة تركيزك مثل صوت الجرس في تجربة بافلوف، أعرف شخصياً أكثر من 15 صانع قهوة (باريستا)، ويمكنني أن أخبرك بما كانوا يدرسونه في الجامعة، لقد كان مقدار المال الذي صرفته على القهوة هو نفسه مقدار القهوة المجانية التي حصلتُ عليها نتيجة العلاقة التي بنيتُها مع الأشخاص الذين يحضِّرون القهوة.

لكن أصبح هذا النوع من العمل مستحيلاً عندما بدأَت أزمة جائحة كورونا (COVID-19)، في الحقيقة كنتُ محظوظاً لأنَّه كان في إمكاني إنجاز عملي في أي مكان، ولكن في الوقت نفسه، كانت تلك المقاهي هي المكان الذي اخترتُ العمل فيه.

لا أستطيع أن أتخيل أنَّ أيَّ شخص قد نجح في الوصول إلى عام 2020 دون معاناة نفسية، ومع ذلك يقولون إنَّه على الرغم من العواقب الصحية والمالية الحقيقية المرتبطة بالجائحة، فإنَّ الأحداث القاسية تزيد المشكلات الموجودة أصلاً صعوبةً، والتي ستحتدم في ظل جميع آليات التصدي التي وضعناها للبقاء في حالة أمان.

إقرأ أيضاً: هل مللت من حياتك؟ إليك كيفية جعلها مثيرة من جديد

يمكن أن تكون الأعمال الروتينية إكسيراً فعَّالاً لعدد من المشكلات، لذلك أنا أوصي بها الجميع، ولكن عندما تجد أمراً ناجحاً، فأنت لا تتساءل عادةً عن سبب نجاحه، وقد لا ترغب في التعمق أكثر لترى أنَّ المشكلة أكثر تعقيداً وألماً ممَّا وصفتَها.

لقد تغيَّرَت كل مخططات عملي رأساً على عقب، لكنَّني بقيتُ أستخدم جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي وأكتب وأنجز عملي، فالكتابة بَقِيَت على حالها بغض النظر عن مكان قيامك بها، ومديري لا يهتم بمكان وجودي عندما أكتب.

بعد أن حصلتُ على اللقاح، شعرتُ أنَّني عند مفترق طرق، وأردتُ معرفة فيما إذا كان الذهاب إلى المقاهي سيساعدني على الشعور بالانخراط في العمل مرةً أخرى، وإذا كان في إمكاني التعامل مع الغرباء بعد فترة العزلة التي قضيتُها.

لذلك، حاولتُ البدء بحذر لمدة ثلاثة أيام، وفي ثلاثة مقاهي مختلفة، ليس الأمر أنَّني أردتُ أن تكون الكتابة سهلةً مرةً أخرى، فهي لم تكن كذلك، وإنَّما أردتُ فقط معرفة أي المقاهي مناسبةً بالنسبة إليَّ.

في اليوم الأول، عدتُ إلى العمل مرةً أخرى، فقد ذهبتُ إلى مقهىً كنتُ أذهب إليه كثيراً في الأشهر القليلة الماضية لاحتساء القهوة، وقد وضعتُ خطةً لإنجاز الكثير من الأعمال، فلا شيء يصعب على الدماغ، لقد كان هدفي هو استعادة مستوى الراحة مع الحضور حول الناس والقدرة على التركيز.

حاولتُ الاستمرار، لكنَّني فقدتُ مهارتي في مراقبة الناس، فقد وجدتُ نفسي أحدِّق فيهم، ولا أتقبلهم دون سبب وجيه، وحينما كنتُ في المقهى، التقى صديقان تحدَّث كل منهما عن موضوعات مختلفة، ومن الواضح أنَّ كليهما لم ينصت إلى حديث الآخر، وتحدَّث زبون آخر إلى النادل لمدة 45 دقيقةً بعدم احترام، لقد كانت تلك النماذج من البشر مصدر تسلية ومحط اهتمام بالنسبة إليَّ، وكنتُ أرى أنَّ لدى كل واحد منهم قصته.

وقد كان شخص ما يرتدي قبعةً صغيرةً غريبةً وعصريةً في طقس حار جالساً أمامي، حينها خطرَت على بالي بعض الأفكار مثل، لماذا يرتدي تلك القبعة؟ أو من يظن نفسه؟ أو هل يمكنني القيام بأمر غير متوقع مثله؟ أو من أين أحصل على قبعة كهذه؟ أو هل سيكون غريباً لو سألتُه من أين حصل على قبعته تلك؟

مع ذلك، مكثتُ مكاني، وهؤلاء الأشخاص غادروا أو جلس مكانهم أشخاص جدد، وقلَّ شعوري بالانزعاج وأدركتُ أنَّ مراقبة الناس ليست كما كانت، فمن غير المفترض أن تتعامل مع شخص واحد، فقد تحضر للحظات في حياتهم وتحصل على لمحات بسيطة عنهم.

فيما بعد، اعتقدتُ أنَّه من الجيد أنَّه لم ينصت هذان الصديقان إلى بعضهما بعضاً، على الأقل كان لديهما شخص ما في حياتهما للتعبير عمَّا في داخلهما.

في الواقع، لم أنجز الكثير من العمل في ذلك اليوم، لكنَّني أنهيتُ القليل، وكان التنقل مع الأحداث غير المثيرة من حولي كافياً لتشتيت ذهني عن مشاعر الخوف التي تميل إلى الظهور يومياً لدفع مسيرة العمل نحو الأمام.

في اليوم التالي، ذهبتُ إلى مقهىً آخر، ومع حلول المساء، كان عدد قليل من الأشخاص يجلسون في قسم الطعام أكثر من قسم القهوة، لكنَّني كنتُ على استعداد لمواجهة الوضع؛ حيث يمكن للأشخاص أن يكونوا صاخبين، لكنَّهم لن يؤثروا في عملي لأنَّني أضع سماعاتي.

لم يرتبط هذا اليوم بالشعور بالراحة نتيجة الحضور مع الناس، وإنَّما كان الأمر يتعلق بإعادة ضبط جسدي، والابتعاد عن المنزل، فقد تكون قادراً على التحكم بالعناصر الموجودة في منزلك، لكنَّ هذا لا يجعل تركيزك سهلاً، وأحياناً يكون الذهاب إلى العمل هو الطريقة الوحيدة ليجبرك على إنجاز أعمالك.

لقد قابلتُ زوجتي في بداية الجائحة، بينما كان الحجر الصحي في العالم الخارجي قائماً، لقد كانت علاقتنا ممتعةً ورائعةً ومرضيةً كثيراً ولم نواجه أيَّة عقبات، لكنَّها كانت كاتبةً أيضاً، وقد تطوَّرَت علاقتنا إلى زملاء عمل على الرغم من أنَّنا نكتب عن أمور مختلفة لصحف مختلفة، فقد يكون الإحباط معدياً بعض الشيء، وكذلك التسويف، ومن المؤكد أنَّ وجودك مع شخص تحب التحدث إليه مصدر كبير للإلهاء، وأدركتُ فيما بعد - حتى لو لم تعترف بذلك - أنَّها يمكن أن تستفيد من إخراجي من المنزل خلال ذروة ساعات كتابتها.

شاهد بالفديو: 20 نشاط يمكنك ممارسته أثناء الحجر الصحي المنزلي

لقد كان هذا المقهى على بعد 25 دقيقةً سيراً على الأقدام من منزلنا، وكان المشي إلى المقهى هو أفضل خيار ممكن إذا كان الطقس لطيفاً، فقد كان المشي يهيئني للكتابة، لكنَّ المشي في طريق العودة هو الذي كان ينقذ أمسيتي، ومن الصعب التخلص من التوتر الناتج عن العمل، لكنَّ المشي مسافةً طويلة إلى منزلك يريحك منه أكثر من الجلوس في المنزل.

لقد أنجزتُ عملاً جباراً في هذا المقهى، حتى أنَّني قدَّمتُ قصةً معقدةً إلى المحرر، وكنتُ قلقاً من ألا تنال الإعجاب، أو ألا تكون ما يريده ذلك المحرر، ولكن بعد فترة وجيزة من تقديم تلك القصة، كنتُ أسير إلى المنزل والقلق يشغل تفكيري، وشعرتُ حينها بالانفصال عن العمل لفترة وجيزة، فقضينا ليلة هادئة.

في اليوم الثالث ذهبتُ إلى مقهىً يوجد فيه أشخاص مثلي، وهذا يعني أشخاصاً غير محتملين ويختلقون أحداثاً ويبدو أنَّهم متحمسون لإخبارك بها.

كان لدي الكثير من الأمور للعمل عليها، لقد كنتُ مرتبكاً وغير واثق من نفسي، ولم أكن أعتقد أنَّه يمكنني إنهاء العمل الذي يجب عليَّ إنجازه، ولم أكن أعرف كيف سأنال المزيد من عروض العمل عندما أنهي ما أفعله، فلم تكن هذه الأفكار نادرةً في مسيرتي المهنية المستقلة.

إنَّ الأعمال الروتينية جيدة لأنَّ الاستقرار أمر ضروري، لكن أحياناً قد تملأ يومك بخطة معيَّنة، والأفكار الجيدة لا تستحق أن يتخللها أفكار سيئة.

إنَّ التشكيك في قدراتك، والقلق السريري، وعلامات الاكتئاب، وبعض أعراض اضطراب الوسواس القهري، وفكرة أنَّ الأشخاص الذين أهتم بهم لن يكونوا جزءاً من حياتي، كلها أفكار تشغل بالي، فبعض الناس لديهم أسوأ من هذه الأفكار بكثير، لكن لدى كل شخص أمر ما أو مجموعة مزعجة من الأمور، ولا يمكن للعمل أن يحل تلك الأمور، لكنَّ الطريقة التي تملأ بها أيامك هي دليل على أنَّك أقوى من الأمور التي تخيفك.

لقد كتبتُ بعضاً مما أريده في ذلك اليوم، وكان الأشخاص من حولي ينجزون أموراً خاصة بهم، وشعرتُ بالارتياح لتقاسم هذا الحيز مع الآخرين، فقد كان مصمم جرافيك يساعد شخصاً ما في موقعه على الويب، وكان صديقان يتقابلان لتناول طعام الغداء في استراحة العمل، وكان معلمان يقيِّمان الخطط الدراسية.

إقرأ أيضاً: 6 أفكار لتغيير روتين حياتك

مع حلول نهاية ذلك اليوم، تذكرتُ سبب ذهابي إلى المقاهي، فقد كان الأمر أكثر من مجرد روتين، لقد كان تذكيراً بأنَّ عملك يمكن إنجازه خارج الأماكن المعتادة، فالجميع يفعلون ذلك، وبعد عام من العزلة بسبب الأزمة، ربما يكون من السهل نسيان ذلك، فعملك هام وإلا فلن تحصل على أجر مقابله؛ لذا افتخِر بما تعمل.

عدتُ إلى المنزل في ذلك اليوم وأنا أعلم أنَّني أعمل، والأهم من ذلك أنَّني أعلم أنَّني سأعود إلى المقهى، فأنا دائماً أعود لأنَّني أريد ذلك.

أعلم أنَّني أخبرتك أنَّك ربما لا تهتم بمكان وجودي وأنا أكتب هذا المقال، ولكن فقط في حال كنتَ شخصاً فضولياً أعتقد أنَّني سأخبرك أنا على متن طائرة؛ ذلك لأنَّه أصبح من الآمن السفر مرةً أخرى، وأعتقد أنَّني سأستمتع بذلك؛ حيث يمكنني الكتابة أينما كنتُ.

في هذه الأيام، أحاول فقط المواظبة على العمل الجيد واتخاذ القرارات الصائبة، وكل ما يزيد على ذلك يكفي، قد تراني في أحد المقاهي في يوم من الأيام، وقد أبدو مركِّزاً جداً، لكنَّني سأكون صادقاً معك تماماً فربما أريدك أن تلقي التحية.

المصدر




مقالات مرتبطة