تعرف إلى أهم الطرق المبتكرة لتحفيز طفلك

يُعَدُّ الطفل بنية هشة وطيِّعة، ويتأثر تأثيراً كبيراً فيما حوله، كما يتبنى تصرفات مَن حوله - وخاصة أهله - على أنَّها حقائق مطلقة وقوانين ثابتة وصحيحة لا شكَّ فيها، ومن هنا يدمجها الطفل في كينونته الذهنية والنفسية من أجل تشكيل هويته الخاصة، أو بالأحرى من أجل تطوير أدواته الذاتية والشخصية لمواجهة ما يحيط به من أشياء.



ومن هنا تأتي أهمية الأهل؛ إذ إنَّهم أصحاب القرار وبيدهم كل المفاتيح، فإمَّا أن يصبح طفلهم إنساناً بالغاً ومتوازناً من النواحي النفسية والشخصية ومن ثم ينجح في حياته الاجتماعية والعملية والمهنية، أو أن يُخطِئوا في أساليب تربيته فيصبح فرداً قلقاً أو متردداً في خيارات حياته أو غير قادر على فهم ما يعتريه من مشاعر أو عواطف، ومن ثم يصيبه الفشل في مفاصل حياته الشخصية والاجتماعية والمهنية.

لذا، سنحاول في هذا المقال أن نُضيء على موضوع هام في تربية الطفل؛ ألا وهو تحفيز الطفل؛ وذلك من خلال سرد أهم الطرائق المبتكرة لتحقيق ذلك ومناقشة موضوع التحفيز من خلال التهديد من وجهة نظر علم النفس.

أهم الطرق المبتكرة لتحفيز الطفل:

1- الروتين اليومي للطفل، وشعور الأمان:

إنَّ أهم شعور يحتاج إليه الطفل ويحب أن يشعر به طوال الوقت هو شعور الأمان، وأكثر ما يجعل الطفل يشعر بالأمان هو علمه بقائمة الأشياء التي سيفعلها خلال اليوم واليوم التالي؛ لذا، فإنَّ وضع روتين يومي للطفل يجعله يشعر بالأمان والأريحية ويُبعِد عنه مشاعر القلق والترقب، وهذا الروتين يمكن أن يبني في الطفل شخصية مُنظَّمة تعي ما تريد فعله خلال اليوم، وإنَّ افتقاد هذا التنظيم في حياة الطفل قد يجعله يعتاد على عدم التنظيم مع مرور الوقت، وقد يخلق منه إنساناً حائراً أو قلقاً أو متردداً أو فوضوياً؛ وذلك وفق درجات مختلفة طبعاً.

من الهام أن يكون الروتين اليومي للطفل غير معقد؛ إذ يتضمن القيام بمهام سهلة ومفيدة في الوقت نفسه، وفي أوقات محددة ومنتظمة في كل يوم؛ على سبيل المثال، من الهام أن نُعوِّد الطفل على شرب كوب من الماء عند الاستيقاظ في الصباح، وكذلك ترتيب فراشه في حال كان في مرحلة عمرية تسمح له بذلك، ولا ننسَ تدريبه على تنظيف أسنانه كل يوم قبل النوم بالفرشاة والمعجون.

2- جعل الطفل يشارك في المهام اليومية:

صحيح أنَّه يجب أن يتم الاهتمام بالطفل الصغير وتلبية جميع احتياجاته، ولكن في الوقت نفسه يجب على الأهل الانتباه إلى موضوع غاية في الأهمية؛ ألا وهو إشراك الطفل في مهام الرعاية اليومية الخاصة به مثل تنظيف الشعر أو الاستحمام أو تسريح شعره بمشط صغير أو ارتداء الملابس وما إلى ذلك من المهام السهلة، التي لها أهمية بالغة في بناء ثقته بنفسه، وتصبح لديه شخصية قوية؛ فيمكن الاعتماد عليه، وهذا أمر هام جداً لبناء إنسان سليم من الناحية النفسية والذهنية

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

3- السماح للطفل بممارسة غريزته الاستكشافية من وقت إلى آخر:

لا يمكن الإنكار بأنَّ لكل والدين الحق في حماية طفلهم، فهي غريزة لدى الأهل من خلال إبقائه إلى جانبهم؛ وذلك لتجنيبه أي خطر ممكن، ولا شك أنَّ هذا الأمر هو غاية في الأهمية ولكن يجب على الأهل تجنُّب الإفراط في حماية أطفالهم، والسماح لهم باستكشاف الأشياء من حولهم؛ وذلك بمراقبة الأهل مع إمكانية التدخل في الوقت المناسب في حال تعرَّض الطفل إلى خطر ما.

فعلى سبيل المثال، إذا رأيت طفلك يتابع نملة تسير على جانب الطريق، فلا تقاطعه؛ بل دعه يسير وراءها ويتصرَّف بتلقائية وعفوية، وقد يبدو هذا الأمر سهلاً بالنسبة إلى الأهل أو حتى سخيفاً، ولكنَّه يحمل في طياته الكثير من الفوائد العظمى في بناء شخصية الطفل وعقليته؛ وهذا يجعله في المستقبل بعيداً عن مشكلات تشتت الانتباه، وقادراً بشكل أكبر على التركيز في المهمة الموجودة بين يديه أو الموضوع الذي يتابعه.

شاهد بالفيديو: فوائد التعلم باللعب للأطفال

4- الاستماع لطفلك عندما يتكلَّم عن مشاعره، وتجنُّب مقاطعته:

من الهام جداً أن تُوفِّر لطفلك وقتاً دائماً في كل يوم؛ أي تجلس معه لمدرة ربع أو ثلث ساعة وتطلب منه أن يخبرك عما يريد هو أن يقوله لك، ويُعبِّر عن رأيه في مختلف الموضوعات، وتخبره بأنَّك تريد أن تصغي إليه؛ وذلك ضروري من أجل أن يفرِّغ الطفل كل ما في قلبه من مشاعر سلبية، ويجب على الأهل الانتباه إلى عدم مقاطعة الطفل أو الرد على الهاتف أو محادثة شخص آخر في أثناء الفترة التي يتحدث فيها الطفل عن ذاته؛ لأنَّ ذلك قد يُشعِره بالحرج أو قد يؤثر في شخصيته؛ إذ يعتاد مع مرور الزمن على أن يكون إنساناً مهمَّشاً.

إقرأ أيضاً: دور المنزل في تربية الطفل

5- الاستمرار في المديح:

من المفيد جداً قيام الأهل بتوجيه عبارات المديح والتعليقات الإيجابية المحفزة للطفل عندما يحاول القيام بمهام صعبة نوعاً ما؛ فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تقول لطفلك بعد إنجازه العمل: "لقد كان عملاً صعباً عليك من الناحية الجسدية ولكنَّك على الرغم من ذلك أنجزته على أتم وجه وبكل إتقان"؛ وهذا أمر في غاية الأهمية لأنَّ الأطفال يحبون الشعور بأنَّهم أذكياء ومحبوبون، فعندما يشعر الطفل بالرضى حيال ذاته، يتولَّد لديه الطموح في الانتقال إلى تجارب جديدة من أجل إثبات جدارته، وهذا ما يزيد ثقته بنفسه في مواجهة مصاعب الحياة.

6- التعبير عن الحب الدائم للطفل، وبشكل غير مشروط:

من الضروري جداً أن تُبادِل طفلك مشاعر الود والحنان؛ وذلك من خلال تقبيله كل يوم في الصباح، وقبل خروجه من المنزل، وعند وصوله إلى البيت أو عندما يحقق أي إنجاز مثل الدرجات العالية في المدرسة أو الفوز ببطولة رياضية على مستوى المدارس، وعلى المقلب الآخر، يجب على الأهل الانتباه إلى موضوع غاية في الأهمية، وللأسف الشديد لا ينتبه إليه معظم الأهل ويرتكبون الخطأ؛ وذلك عندما لا يبدون مظاهر الحب والود لأطفالهم حين يفشلون في أمر؛ بل إنَّهم أحياناً قد يلجؤون إلى تقريعهم أو ضربهم عندما يخسرون درجات في الامتحان.

صحيح أنَّ العقاب قد يكون ضرورياً في بعض الحالات، ولكن يوجد قانون أساسي في تربية الطفل؛ ألا وهو الحب غير المشروط؛ وهذا يعني أنَّ حب الأهل لأطفالهم يجب ألَّا يكون مشروطاً بالنجاح أو الفوز أو تحقيق الإنجازات؛ بل يجب أن يكون حباً دائماً ومطلقاً؛ إذ إنَّ أكثر وقت يحتاج فيه الأطفال إلى الحب هو وقت الفشل والخسارة والإحباط.

إقرأ أيضاً: النجاح في تربية الطفل: 6 طرق فعّالة لتنمية ذكاء الطفل في سنٍ مبكر

هل يمكن أن يكون الإطراء مؤذياً في بعض الحالات؟

لا بدَّ أنَّ أي إنسان يحب المديح والتشجيع والإطراء، والطفل تحديداً هو الأكثر حباً للإطراء، وهو الأكثر اعتماداً عليه، ولكن هل من الممكن أن يكون الإطراء سلبياً في بعض الحالات؟

نعم، قد يسبب المديح فتح جروح عميقة وقديمة عند الأطفال الذين قد نجوا من كوارث أو جرائم أو رضوض نفسية قوية؛ إذ يؤدي الإطراء إلى شعورهم بالخوف والقلق والارتباك الشديد، ويقفز تفكيرهم إلى مناطق غير معتادة؛ إذ يتساءلون عن سبب هذا الإطراء في أنفسهم، وما هي الغاية من وراء هذا الكلام؟ وهل توجد دوافع خفية؟ وهل من الممكن أن يكون هناك فخ يكمن وراء هذا المديح؟

من الصعب جداً على الطفل الذي تعرَّض إلى رضٍّ نفسي شديد - لم يُعالَج بعد - أن يستسيغ تلقِّي المديح، وحتى لو أتى هذا المديح من شخص موثوق؛ وذلك لأنَّ المديح - من وجهة نظر الطفل - يأتي من عالم آخر غريب لا يستوعبه الطفل، ولا يدخل في وجدانه بطريقة سلسة مثل الأطفال الآخرين؛ إذ إنَّ الرضَّ النفسي قد قسَّم نفسية الطفل إلى شطرين، يظل أحدهما يخبر الآخر بأنَّه غير نافع وغير مؤهل ولا يستحق هذا الثناء.

هل من المفيد استخدام التهديد من أجل تحفيز الطفل على القيام بأمر ما؟

من الشائع في بعض المجتمعات استخدام لغة التهديد مع الطفل؛ وذلك من أجل تحفيزه على الدراسة أو الاهتمام اهتماماً أكبر بدروسه أو من أجل تحفيزه على طاعة والديه وما إلى ذلك؛ إذ يُعَدُّ أسلوب التهديد من أسوأ الأساليب في التعامل مع الطفل؛ إذ إنَّه يدفع عقل الطفل إلى تخيُّل أبشع وأقسى وأشد حالات الألم ويعيشها بشكل قوي في ذهنه ومشاعره وخياله؛ وهذا ما يجعله سجيناً لحالة من الخوف الدائم، ويعيش في قالب من التوجس طوال اليوم؛ وهذا يؤدي إلى ضعف الأنا في داخله وانكماشها بشدة.

على الرغم من أنَّ الطفل الذي تعرَّض إلى مثل هذه المواقف من التهديد سيدرك في وقت لاحق أنَّ هذا الخوف الأسطوري والألم الزائد لا وجود لهما على أرض الواقع وفي الحياة العامة؛ بل إنَّهما كائنان خرافيان موجودان في خيالاتهما فقط.

وإنَّ أهم فترة لتطور ونمو قدراته الذهنية والعقلية والمعرفية ومهاراته الحياتية تكون قد مضت، ويكون الطفل قد خسر هذا النماء الذي كان يجب أن يحصل عليه، ومن ثم يكون قد فقدَ جزءاً من ذاته، وسيصبح عندما يكبر غير قادر على استعادته، ومن ثم قد يصبح إنساناً مضطرباً من الناحية النفسية أو الذهنية أو العقلية وبدرجات متفاوتة؛ وذلك حسب طبيعة التهديد وحسب طبيعة الطفل واستعداده الجيني والوراثي للتأثر في مثل هذه التهديدات.

في الختام:

قد تكون هذه العادات التي نعلِّمها لأطفالنا ونحفزهم من خلالها سهلة وغير هامة في نظرنا، ولكنَّها في حقيقة الأمر تُشكِّل فارقاً كبيراً في شخصيته على الأمد البعيد.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة