تطور مصطلح "رائع" (Cool)

لماذا يتغير تصورنا عن مصطلح "رائع" مع مرور الوقت؟ من المؤكد أنَّ ألعاب السيارات التي امتلكتها حينما كنت طفلاً ليست بروعة السيارة الفاخرة التي تملكها الآن - مع أنَّ لديَّ وجهة نظر مغايرة في هذا الموضوع - لكنَّ فهمك للأمور يجب أن يكون أعمق من ذلك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "إيفان ترافر" (Evan Traver)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته حول معنى ومدلول مصطلح "رائع".

مصطلح "رائع" (cool) مبنياً على عوامل خارجية:

إنَّ إدراكك مصطلح "رائع" يتغير مع تقدمك بالعمر ومع تطور ذوقك؛ لذا إنَّ تصورك عن الروعة يتغير بناءً على مستوى إنجازاتك.

إذا فكرت في الأمر، بعد خوضك "العالم الحقيقي" - أنا شخصياً لست واثقاً تماماً من ماهية العالم الحقيقي، لكنَّني أفضل عدم العيش فيه - فإنَّ تعريفك للروعة ينتقل من الألعاب التي كنت تملكها والشعبية التي كنت تحظى بها حينما كنت في المدرسة الثانوية، إلى تعريفٍ مبني على تحقيق الأهداف وبلوغ المكانة الصحيحة تبعاً لذلك.

ما هو "الرائع" برأيك في الوقت الحالي؟ هل هو مسمى وظيفتك، أم الوظيفة نفسها، أم الأشياء التي يمكنك شراؤها بالأموال التي تجنيها من تلك الوظيفة، أم هو المسار المشترك لكل ذلك؟ لا بد أنَّه واحد ممَّا سبق؛ لذا إذا كان تعريفنا الحالي لـ "رائع" يوافق مسار حياتنا الحالي، فمن الطبيعي أن يكون تعريفنا ديناميكياً كما هو هذا المسار، أليس كذلك؟

على سبيل المثال، عندما كنت خريجاً جديداً من "جامعة سان دييغو" (University of San Diego)، وكنت مثقلاً بالديون، أتذكَّر أنَّني كنت أفكر كم من الرائع لو أصبحت محللاً مالياً؛ بل إنَّه سيكون أروع شيءٍ ممكن، وفي ذلك الوقت، كنت ما زلت أستمد قيمة حياتي من العوامل الخارجية، وكنت مفتوناً بفكرة تقديم نفسي إلى الآخرين بصفتي محللاً مالياً، لقد كان ذلك غبياً جداً، وأنا أعلم هذا.

لم أستطع حينها حتى أن أميِّز الفرق بين المحلل المالي للشركات والمحلل المالي الاستثماري، لكنَّني كنت أعرف أنَّني أريد أن أغدو محللاً مالياً؛ لذلك، فقد أصبحت محللاً مالياً، كان الأمر رائعاً للوهلة الأولى، لكنَّني لم أملك الدافع إلى المضي قدماً، وسرعان ما تلاشى بريق الفكرة من عيني.

كنت حينها ما زلت أنظر نظرةً حالمة إلى المسار المالي الذي كنت أخوضه، فقد أدركت أنَّ شعوري بالروعة قد بدأ بالتلاشي؛ لأنَّه وجب عليَّ أن أتحمل مزيداً من المسؤولية، وكان يجب عليَّ الانضمام إلى شركةٍ ناشئة؛ فالشركات الناشئة رائعة، أليس كذلك؟

لذا، فقد دخلت في هذا المجال أيضاً، وأصبحت مدير المالية لشركةٍ ناشئة ممولةٍ برأس مالٍ مخاطر، وقد شعرت حينها بروعةٍ عظيمة، لكن مرةً أخرى، كنت أستمد ذاك الشعور بالروعة من مصدرٍ خارجي، وقد كان ذلك المصدر يتمثل في المسمَّى الوظيفي المكتوب على بطاقة عملي، الذي ظننت أنَّه كان رائعاً، بالإضافة إلى الشعور بالمسؤولية الذي جاء معه.

مع مرور الوقت، وخلال بضع سنواتٍ شاقةٍ حسَّنت بها ذاتي وصقلت عقليتي، بدأت أفهم أنَّ الرائع هو سيطرتك على عواطفك ووقتك ومكانك؛ إذ لا يتعلق الأمر أبداً بالعوامل الخارجية كالمناصب والحالة الوظيفية، بينما سيكون من الرائع أن تملك وظيفةً يمكنك فيها إنجاز مهامك عن بعد.

وهو ما يجعلني أضحك عندما أنظر إلى الوراء وأرى مدى إعجابي بفكرة أن أكون محللاً مالياً؛ فلم يعد مسار الحياة ذاك يتناسب مع معتقداتي اليوم، ولو كنت ما أزال حتى اليوم موظفاً جامداً أعمل ضمن المقر الفيزيائي للشركة، لفقدت الإحساس بالروعة كلياً، لكن بصرف النظر، كان ذلك كل ما أتخيل أنَّني أريد فعله في ذلك الوقت.

شاهد: 8 طرق لترفع مستوى هرمون السعادة في جسمك

لن أعيد الكرَّة من جديد:

على الرغم من أنَّ رحلة حياتي قد بلغت ما بلغته اليوم، إلا أنَّني أستطيع أن أشعر بشكل التطور القادم لمفهومي عن الروعة، وإنَّ ريادة الأعمال أمر رائع، لكنَّني بدأت أفكر جدياً في موضوع الإرث؛ إذ أظن أنَّ المستوى التالي للروعة يكمن في استثمار قدراتنا في شيءٍ يحمل تأثيراً إيجابياً في المجتمع، وبالنسبة إليَّ، يعني ذلك بدء عملٍ تجاري يترك إرثاً، فالحرية والعمل عن بُعد أمران رائعان، لكنَّ ترك إرث أمرٌ رائعٌ جداً بدوره أيضاً، لدرجة أنَّه قد يكون الأروع، وهذا ما أظنه في الوقت الحالي.

تؤكِّد رحلتي هذه على قيمة سير العملية أكثر من تركيزها على الإنجاز بحد ذاته؛ إذ بالأساس، من الطبيعي بالنسبة إلينا أن نربط هويتنا بهدفٍ ما، وعندما نصل إلى ذلك الهدف، نشعر بالفراغ داخلنا إلى حد ما.

تشعر بالعظمة للحظاتٍ قليلة، لكنَّ الرضى الذي تناله من تحقيق هدفٍ ما يتناقص تناقصاً كبيراً مع مرور الوقت، وحتى بعد تحقيق هدفٍ أو "مستوى معيَّنٍ من الروعة"، غالباً ما أجد نفسي أسأل: "حسناً، ما الذي يلي ذلك؟".

إقرأ أيضاً: 22 حقيقةً يصعب سماعها عن الحياة، لكنها ستجعلك شخصاً أفضل

بدلاً من النظر إلى تعريف المصطلح من الخارج، ابحث عنه في داخلك:

تكمن النقطة الهامة في أنَّ الكثير من الأشياء تبدو رائعةً عند النظر إليها من الخارج، لكن بعد أن تنظر نحو داخلها، ستدرك أنَّ الأمر لم يكن تماماً كما كنت تتوقعه، وهذا هو السبب الكامن وراء أهمية إيلاء سير العملية قيمة أكبر.

أفكِّر دائماً في رواد الأعمال المُلهِمين؛ فإن كنتَ رائد أعمالٍ جديداً وتركت وظيفتك، ثم أخبرت شخصاً ما أنَّك رائد أعمال، فسيكون معجباً بذلك للغاية، ومن ثم سيربط فكرته العاطفية عن معنى رائد الأعمال بك، لكن ما لا يعلمه، أنَّك تحاول جاهداً تدارك عدة مشكلات متعلقة بمبيعاتك، ومن المحتمل أنَّك تعيش في حالةٍ من التوتر الشديد بمحاولتك نقل شركتك إلى مستوىً أعلى.

بالنسبة إليك، ربما لا تشعر بالروعة؛ بل في الواقع، قد تشعر بالفشل، لكن بالنسبة إلى الغريب، فأنت الأروع؛ إذاً، ما هو "الرائع"؟ وكيف يجب أن نحدده؟

بالنسبة إليَّ، الرائع هو السعي الحقيقي للأمور التي تسفر عن نمو وتحسين الذات، أمَّا ما دون ذلك، فلا يمكن عدُّه رائعاً على الإطلاق؛ إذ إنَّ الروعة لا تكمن في مسمىً وظيفي أو في شيءٍ مادي؛ بل هي حالة ذهنية، فإنَّ منظورك عن الروعة يتطور ويتبدل، ليس بسبب مسار حياتك في حد ذاته؛ بل لأنَّه على الرغم من السعي الجاد وراء الروعة، فإنَّك تزيد من إيجابية تفكيرك، وتعمِّق فهمك للحياة.

إقرأ أيضاً: كيف تكون سعيداً عندما تسوء الأمور؟

في الختام:

ستمهد لك فكرتك السطحية عن الروعة الطريق للوصول إلى فهمٍ أكثر تعقيداً لما يعنيه أن تكون رائعاً، وكيفية تحقيق ذلك بالضبط؛ لذلك من خلال هذا المنطلق، من الأفضل أن تكون شخصاً يعيش بانتظار راتبه كل شهر ويحب الحياة، على أن تكون رائد أعمال يربح الملايين ويكره ما يفعله.

مع التعريف التقليدي لمصطلح "رائع"، ستكون ريادة الأعمال هي الأروع، لكنَّنا نعلم الآن أنَّ الروعة عبارة عن حالةٍ ذهنية، وما دمت سعيداً ومرتاحاً مع نفسك، فأنت رائع جداً أينما كنت وأينما ذهبت.

المصدر




مقالات مرتبطة