تدنِّي احترام الذات عند الأطفال: انسَ ما كنت تعرفه

احترام الذات وتقديرها هي عبارات متغيرة نستخدمها لتحديد ثقة أطفالنا في قدرتهم على التعامل مع مشكلات الحياة، وأعتقد أنَّها شعور ينبع داخلهم بأنَّ الأمور تسير على ما يرام، وأنَّه يمكنهم التعامل مع العوائق في طريقهم بأنَّهم يحترمون أنفسهم.



في كل مرة يواجه فيها الطفل مشكلة جديدة، يتم اختبار تقديره لذاته وثقته فيها في حل هذه المشكلة الجديدة، وبالنسبة إلى الأطفال فإنَّ قلة خبرتهم تعني أنَّهم يواجهون مشكلات وفرصاً جديدة كل يوم؛ ونتيجة لذلك فإنَّ تقديرهم لذاتهم وقدرتهم على التعامل مع الأمر يخضع للاختبار باستمرار.

إذا تمكن طفلك من التعامل مع هذه المشكلات فإنَّ إحساسه بتقدير الذات ينمو، وإذا لم يتمكن من ذلك فإنَّ احترامه لذاته يتضاءل ولا يتطور كما ينبغي، وببساطة يأتي احترام الذات من القدرة على العمل خارج منطقة الراحة الخاصة بالفرد دون شك، وكلما تعلَّم المزيد من الناس كيف يكونون مستقلين ويقومون بالأشياء بشكل مستقل، ارتفع تقديره لذاته وكان شعوره أفضل تجاه أنفسه.

لا يمكنك إصلاح تقدير طفلك لذاته:

إحدى الحقائق الهامة التي تحتاج إلى معرفتها المتعلقة باحترام طفلك لذاته هي أنَّه لا يمكنك إصلاحه بنفسك، فستصاب بالجنون وستجعل ابنك مجنوناً، ولن تجعله يشعر بالتحسن، وأفضل طريقة للأطفال لتنمية احترام الذات هي الانتقال إلى خارج منطقة الراحة الخاصة بهم، فاحترام الطفل لذاته لا يمكن أن يأتي منك، وبدلاً من ذلك تحتاج إلى تزويد طفلك بالأدوات التي يحتاجها ودعمه في أثناء تعلُّم طرائق حل المشكلات بنفسه، وفي هذا العالم يُعَدُّ عدم احترام الذات مشكلة يتعين علينا جميعاً حلها كل يوم.

غالباً ما يكون التعامل مع المشكلة هو الحل:

تذكر أنَّ التعامل مع شيء ما هو الحل غالباً، فإذا فشل طفلك في الاختبار، فإنَّ أفضل ما يمكن فعله هو التعامل معه عاطفياً من خلال إدراك أنَّه الوحيد المتحكم بسعيه إلى الحصول على درجة أفضل في المرة القادمة، وهذا يعني أنَّه يتعلم ألا يجلد نفسه وأن يحاول مرة أخرى، كما يجب أن يشعر الآباء بالقلق بشأن احترام الذات، لكن بطريقة تمكنهم من تعليم أطفالهم المهارات التي يحتاجون إليها.

الفكرة الكاملة للحياة هي الوصول إلى نقطة مع مشاعرك؛ إذ يمكنك تجربتها ووضعها في مكانها الصحيح في أثناء قيامك بالأشياء التي عليك القيام بها، لذلك إذا ذهبنا إلى العمل وشعرنا بالغضب أو الحزن أو الإحباط، فإنَّنا نضع مشاعرنا جانباً ونقوم بعملنا فحسب، وهذه مهمتنا.

شاهد بالفديو: 10 أمور تجعلك تحب ذاتك أكثر

يطور الأطفال احترام الذات من خلال مواجهة التحدي:

بصفتك أحد الوالدين كيف تبني احترام الذات عند الأطفال؟ يطور الأطفال احترامهم لذاتهم من خلال القيام بأشياء صعبة تستحق الاحترام وتتحداهم، وبعبارة أخرى عندما يحل طفلك مشكلة صعبة، فإنَّه يشعر بالرضى عن نفسه ويتحسن تقديره لذاته.

على سبيل المثال، يقول أحد الآباء عندما كان ابني طفلاً صغيراً وتعلم ربط حذائه لأول مرة كنا فخورين به وأثنينا عليه، فكان ربط حذائه إنجازاً بالنسبة إليه في تلك السن، لكن عندما أصبح ابني في الثامنة من عمره، لم يعد ربط حذائه حدثاً جديراً بالملاحظة، فإنَّ مدح طفلك لربط حذائه عندما يبلغ من العمر ثماني سنوات هو مدح مصطنع، والمديح المصطنع لا يبني احتراماً حقيقياً للذات.

المديح المصطنع لا يحسن احترام الذات:

في أفضل الأحوال يجعل الثناء المصطنع طفلك يشعر بالرضى لبضع دقائق فقط وبعدها يزول، وعندما تحدث تحديات غير مألوفة، فإنَّه سيفتقر إلى الثقة لمعالجة هذه المشكلات الجديدة؛ لذا إذا كنت ما تزال تقول لطفلك: "أحسنت صنعاً" لربط أحذيته عندما يبلغ من العمر ثماني سنوات، فلن يحقق ذلك أي شيء، وقد يكون من الجيد القيام بذلك، لكن اعلم أنَّ مدح طفلك على المهام قليلة القيمة لن يبني احترامه لذاته.

بدلاً من ذلك عليك أن تنظر إلى احترام الذات من خلال إطار حل المشكلات، فالشعور بالرضى المصطنع عن نفسك مشكلة يجب عليك حلها، ويمكنك حلها عن طريق تعلم كيفية القيام بالأشياء بشكل أفضل، وليس بالحديث عنها والشعور بتحسن مصطنع؛ إذ يحتاج الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم إلى التحدي أيضاً، فبعض برامج التربية الخاصة تتعامل مع تقدير الأطفال من خلال تعيين مهام سهلة لجعلهم يشعرون بتحسن.

يثني المعلمون على الأطفال ويمنحونهم درجات امتياز في عملهم، ولكنَّ الطفل يعرف أنَّ ما يفعله سهل بالنسبة إليه، فقد يحصل على بعض الإشباع اللحظي، ولكنَّه لا يحصل على أي احترام حقيقي للذات، وقد يشعر طفلك بالرضى عن نفسه ويعود إلى المنزل ويخبرك: "انظري يا أمي، لقد حصلت على علامة ممتاز"، لكن بعد ذلك يختفي هذا الشعور ويبدأ بعدم الثقة في قدرته على إدارة الحياة أو التعامل مع مشكلاته.

غالباً ما يتصور الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو أي اضطراب تعليمي أو سلوكي أنَّهم لا يرون العالم كما يراه الآخرون، ففي الواقع سوف يتحدى ذلك احترامهم لذاتهم لأنَّهم سيرون أنفسهم دائماً على أنَّهم ضعيفون قليلاً في المواقف الاجتماعية، ومع تقدمهم في السن يصبح هذا التصور منتشراً جداً، وهو إحساسهم وتفكيرهم في أنَّهم مختلفون عن غيرهم، ويفسر الأطفال كلمة "مختلف" على أنَّها "غباء أو أقل قيمة".

بالنسبة إليهم "أنا مختلف" تعني "أنا قبيح"، و"أنا مختلف" تعني "أنا فاشل"، وصدقاً هذه أشياء مخيفة للطفل، وإحدى المقولات تقول: "إذا كنت ترغب في تنمية تقدير الذات، فافعل أشياء يمكنك تقديرها، وإذا كنت تريد احترام الذات، فعليك أن تفعل أشياء يمكنك احترامها"، وهذا صحيح بالنسبة إلى الجميع.

إقرأ أيضاً: 11 طريقة بسيطة لاكتساب تقدير الذات

تحدي صنع العذر الذي يؤدي إلى مشكلة احترام الذات:

إذا كنت ترغب في مساعدة طفل يعاني من تدنِّي احترام الذات ويتصرف بشكل غير لائق، فعليك مواجهة التفكير الذي يستخدمه لتبرير السلوك غير المناسب، فلنفترض أنَّ ابنك لديه عذر لعدم قيامه بواجبه المنزلي، وبصفتك أحد الوالدين، أولاً تريد أن تجعله يكمل مهمته، وثانياً يجب أن تخبره أنَّ إعطاءك عذراً لن يساعد على تخطيه لواجباته، فيجب عليك تحدي هذا النوع من الاعتقاد الخاطئ.

إليك كيف ينهار صنع العذر فيما يتعلق باحترام الذات؛ فتخيل أنَّ أحد الأطفال يذهب إلى المدرسة دون أن يقوم بواجب الرياضيات المنزلي، بينما يقوم طفل آخر بأدائه، فالطالب الذي لم يكمل واجباته في الرياضيات يشعر بالسوء ويصبح غاضباً ومحبطاً ويراقب الأطفال الآخرين ممن أتم واجباته، ثم يأتي إليه المعلم ويقول: "أين واجبك يا طالب؟" وهنا لن يبرر له المعلم مهما قال من أعذار، وسيعطيه درجة سيئة وسيُحبط أكثر ويقل تقديره لذاته.

لكنَّ الطفل الذي أنهى واجبه المنزلي لديه كل الأسباب ليشعر بالرضى عن نفسه؛ وذلك لأنَّه قد أتقن المسؤولية؛ ولذا عندما يعود إلى المنزل يقوم بواجبه المنزلي مرة أخرى، وقد لا يفهم مدى قوة وتأثير أفعاله البسيطة هذه، ولكنَّه يتعلم عادات ناجحة تولِّد احترام الذات.

أهمية الاستقلال لتقدير الذات:

كلما تعلم المزيد من الناس كيف يكونون مستقلين ويقومون بالأشياء بشكل مستقل، ارتفع تقديرهم لذاتهم وكان شعورهم أفضل تجاه أنفسهم، فالاستقلال هو من أهم الخصائص التي يمكن أن يتمتع بها الطفل، وفي الواقع إذا اختبرت أطفالاً يتمتعون بتقدير قوي لذاتهم، فستجد أنَّهم حصلوا على درجات عالية في الاستقلال ومهارات حل المشكلات.

لكن لا يدرك جميع الآباء ذلك لأنَّ لا أحد يخبرهم بهذه الحقيقة، فالاستقلال هو من أهم الصفات التي يمكن أن يكتسبها الطفل في الحياة، ويجب على الآباء المساعدة على بنائه، فإذا كان لديك طفل يعاني من تدنِّي احترام الذات أو مشكلات سلوكية أو اجتماعية، فقد تضطر إلى تطوير مجموعة مختلفة من مهارات الأبوة والأمومة عما كنت تستخدمه.

في بداية حياة الطفل غالباً ما يكون لدى الوالدين فكرة مثالية عما سيكون طفلهم عليه، على سبيل المثال، قد يعتقدان أنَّه سيكون رياضياً جيداً ومحبوباً ويحسن أداءه في المدرسة، ويفهم الوالدان أنَّ طفلهما قد يسيء التصرف من وقت لآخر، ولكنَّهما يتوقعان أن يكون مسؤولاً، لكن عندما لا يكون الطفل مطابقاً لتوقعاتهم، يبدأ لديهم رد فعل عكسي محاولين فيه تربية الطفل الذي يتوقعونه بدلاً من تربية الطفل الذي لديهم.

إذا كان طفلك يعاني من تدنِّي احترام الذات، فالأمر لا يتعلق بما يمكنك قوله بصفتك أحد الوالدين، والحقيقة هي أنَّك لا تستطيع قول أي شيء لتحسين وضعه، وبدلاً من ذلك يجب أن يكون لديك نهج منظم لكيفية مساعدة طفلك على إدارة افتقاده لقيمة الذات؛ وذلك لأنَّ هذه مشكلة يحتاج إلى حلها في الحياة، تماماً مثل العودة إلى المنزل في الوقت المحدد والوفاء بالمسؤوليات الأساسية.

إقرأ أيضاً: الاستقلالية عند الطفل: كيف تربي طفلاً مستقلاً؟

في الختام:

يشعر الأطفال الذين يعانون من تدنِّي احترام الذات بمشاعر صعبة، وكذلك الحال مع أي شخص آخر طوال الوقت، وبصفتك أحد الوالدين فإنَّ وظيفتك هي تعليمهم كيفية التعامل مع عواطفهم بأفضل طريقة ممكنة، فبالنسبة إلى الطفل الذي يتصرف بطريقة غريبة، يجب أن يكون الهدف الرئيس هو السعي إلى أن يتصرف تصرفاً مقبولاً بصرف النظر عن شعوره وعما إذا كان يأخذ دواءً أو يعاني من إعاقة من نوع ما، وإذا لم يتعلم كيفية تحديد المشكلات وحلها بشكل فعال، فسيستمر السلوك غير المناسب وستكون له عواقب طوال حياته.

إذا نظرت حولك سترى بالغين يبدو أنَّهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، وقد تتساءل عن سرهم، وإليكم الحقيقة، ما يزال لديهم الكثير من المشكلات، ولكنَّهم يقبلون أنَّ المشكلات جزء من الحياة، ولديهم أيضاً طريقة لمحاولة إدارة وحل المشكلات التي تواجههم، فإذا كان بإمكانك تعليم طفلك قبول أنَّ الحياة بها مشكلات وتوضح له الطرائق الهامة للتعامل مع هذه المشكلات، فسيكون لديه الكثير من راحة البال واحترام الذات.




مقالات مرتبطة