تخلَّص من الملل وكن أكثر نشاطاً

يقول جبران خليل جبران: "لا تعش نصف حياة، ولا تمُت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلَّق بنصف أمل، النصف هو لحظة عجزك، وأنت لست بعاجز؛ لأنَّك لست نصف إنسان، أنت إنسان وُجدت كي تعيش الحياة".



في إحدى مراحل حياتك لا بدَّ أن تجد الملل يُحيط بك من كل جانب، هذا الملل الذي يشير إلى فقدك المعنى الحقيقي لوجودك في الحياة، وافتقارك إلى وجود دافع أو حافز لتحريك قواك باتجاهه والسعي إلى إنجازه وتحقيقه على أرض الواقع، كما يُعَدُّ الملل إشارة إلى أنَّك بعيد عن محيطك الاجتماعي، ولا تشارك في قضايا أفراده واهتماماتهم، فالملل يدفعك إلى فعل أشياء أنت لا تحبها أو ربما لا تفضِّلها وتعرف مسبقاً أنَّها لن تعود عليك بأي فائدة تُذكر، ولن تمثِّل أي خطوة هامَّة باتجاه تحسين حياتك.

ربما تجلس ساعات طويلة تقلِّب في مواقع التواصل الاجتماعي، وتستوقفك أخبار أو إعلانات لم تكن يوماً من اهتماماتك، كما يمكن أن يكون الملل بداية لتعلُّم سلوك غير جيد تجد فيه متعة مؤقتة؛ كتعلُّم التدخين مثلاً، أو اللجوء إلى السهر في حفلات الشباب، فالملل بالمعنى الحرفي هو مرحلة تركيزك في اللاشيء؛ إذ تشعر بالفراغ، وبعبثية الحياة، وبعدم وجود شيء هام لتفعله، فإذا كنت في هذه المرحلة، وتشعر بالملل، فلا تشعر باليأس؛ بل اعلم أنَّ الملل هو البداية الحقيقية للإبداع والبداية الحقيقية للنجاح.

ما هو الملل وهل هو حقاً مرض نفسي؟

عندما تعزف عن المشاركة في الحياة ونشاطاتها، وتتوقف عن السعي إلى فعل ما هو جديد، وعندما ترفض القيام بواجباتك الروتينية، سواء في المنزل أم في العمل، وتجلس مُتفرِّجاً، عندها فقط يمكن القول إنَّك مصابٌ بالملل.

الملل هو حالة أو شعور داخلي بعدم الاستقرار، تصيب كل الناس على اختلاف أعمارهم، فهو لا يرتبط بصغير أو كبير، ويعكس نظرة تشاؤمية للحياة، وليس مرضاً نفسياً؛ بل هو الافتقار إلى الهدف والحافز، فتكرار الأعمال نفسها يومياً دون تجديد، واتخاذ الحياة اليومية صبغة الروتين، والبعد عن الحياة الاجتماعية، وعدم التجديد في النشاطات أو تعلُّم شيء جديد أو التعرُّف إلى أُناس جدد يحملون معهم التغيير، كل ذلك يجعل أيام الفرد متشابهة لحدِّ الملل، فيغدو لا يفرِّق بين أيام الأسبوع، ولا يرى ضيراً في مضيِّ أيام حياته بصورتها الروتينية المعتادة، أو ربما يعي أهمية ما يحدث معه فيلجأ إلى القيام بنشاطات لحظية بغرض إنهاء الملل واستعادة لهفة الحياة، لكن سرعان ما تخبو ولا توفِّر تحدياً طويل الأمد.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من الملل في 20 خطوة

نصائح بسيطة تُخلِّصك من الملل لتكون نشيطاً وتستعيد حماستك:

قبل أن تبدأ برحلة التغيير للتخلُّص من الملل عليك أن تتذكَّر أنَّ حياتك هي لحظات، وأنَّ كلَّ لحظة تمرُّ بها لها قيمتها التي سوف تفتقدها في يومٍ ما، وتسأل نفسك ماذا فعلت بها، وكيف سمحت لها أن تمضي بلا فائدة؛ لذا عليك أن تضع تصنيفاً لحياتك، يتضمَّن: حياتك الروحية، والعلمية، والأدبية، والصحية، والمادية، وعملك وحياتك المهنية، والاجتماعية والثقافية، واعلم أنَّ كلَّاً ممَّا سبق له حق عليك، حق تطويره وتحسينه، فلا وقت لدخول الملل إلى قلبك وإغفال حياتك، وسأخبرك عزيزي القارئ ببعض النصائح التي ستساعدك على تخطِّي الملل، وتجعل منك شخصاً نشيطاً:

1. شارِك في الأعمال التطوعية:

العمل التطوعي هو نشاط اجتماعي يشارك فيه الفرد من تلقاء نفسه؛ وذلك من خلال التبرع بالمال أو الخبرة أو جزء من الوقت دون أجرٍ أو مقابلٍ مادي؛ بل الهدف منه مساعدة الآخرين على تجاوز المحن والمصاعب الواقعين فيها، فالعمل التطوعي يعني في مضمونه التفاني في البذل والعطاء عن طيب خاطر دون إجبار أو إكراه، فالمشاركة في الأعمال التطوعية في المجتمع من أفضل السبل للتخلُّص من الملل، كما أنَّها تُحقِّق الفائدة للآخرين وتُساعدهم.

إقرأ أيضاً: 4 دروس يقدمها لنا منظمو الأعمال التطوعية أهمها الامتنان

2. اهتم بأُسرتك وأفرادها:

من أفضل الأشياء التي يمكنك فعلها عند شعورك بالملل هو محاولة الانتباه إلى أفراد أسرتك، وإعطاء الاهتمام اللازم للقضايا التي تشغلهم ويهتمون بها، ومساعدتهم على إنجاز ما يجب عليهم من أعمال ومهام، فمساعدة العائلة إضافة إلى أنَّها واجب عليك أداؤه، فإنَّها ستمنحك شعوراً جميلاً ليس له مثيل من الرضى والسرور.

3. اطلبْ العلم وزد من معارفك ومهاراتك الذهنية والعملية:

العلم منير للعقول ومهدِّئ للقلوب، فأكثر من يمكن أن يفيد الإنسان ويعزِّز ثقته بنفسه، هو التزوُّد بالعلم ومتابعة كل جديد فيه وتطوير قدراته ومهاراته وَفق تطور العلم كي يبقى على سويَّة جيدة مع الآخرين، فالسعي وراء العلم في أي مرحلة ومهما كان ظرفك هو عمل رابح بكل المقاييس.

4. حافظ على علاقاتك الاجتماعية:

تحدَّث مع أصدقائك الجدد أو القدامى، وأخبرهم بمشكلاتك، واستمع إلى مشكلاتهم، شاركهم في لحظات سعادتك، واعمل على أن تشاركهم لحظاتهم السعيدة أيضاً، وإذا شعرت بالملل اقصدهم وأخبرهم بذلك، فربما تجد الحل عند أحدهم.

5. دقِّق في أهدافك:

انظر إلى الأهداف التي سبق أن حدَّدتها، دقِّق بها لترى أيها لم يتحقق، وركِّز في الأمور التي ستساعدك على تحقيق أهدافك المؤجلة.

6. ابتعد عن الأشخاص السلبيين:

كما يقول ألبرت أينشتاين: "ابتعد عن الأشخاص السلبيين في حياتك، فهم يختلقون المشكلات حتى مع أسهل الحلول"، فهؤلاء الأشخاص يمثِّلون عائقاً في وجه نجاحك، فهم قادرون على قلب مزاجك في لحظةٍ من حالة سعادة إلى حزن، ومن نشاطٍ في العمل إلى خمولٍ وكسل، ويجعلون منك شخصاً جامداً لا حول لك ولا قوة، فهم في الحقيقة جمَّدوا طاقتك الإيجابية، وجعلوا طاقتهم السلبية تنتقل إليك، ويجعلونك تتخلَّى عن أفكارك الجميلة، وتعكف عن تحقيق أحلامك وطموحاتك؛ لذا تعلَّم كيف تتجنَّبهم قدر المستطاع.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحمي نفسك من الأشخاص السلبيين

7. اختر برامج تلفزيونية مفيدة:

لا تجلس أمام التلفاز لمجرد أن تُقلِّب المحطات دون جدوى؛ بل اختر برامج تصبُّ في صلب اهتماماتك بحيث تمثِّل عامل جذب لك وتستفيد منها في نفس الوقت.

8. أجرِ تغييرات في العمل وتخلَّص من الجو الروتيني السائد:

قد يتشكَّل لديك شعور سلبي تجاه قيامك بنفس الأعمال يومياً لدرجة أن تولِّد تلك الأعمال الملل لديك؛ لذا أجرِ تغييرات في طريقة أدائها وأساليب إنجازها، فربما يكون العمل المتراكم هو السبب في حدوث الملل، فيمكنك مثلاً تقسيمه إلى أجزاء يسهل القيام بها.

9. جدِّد في أهدافك:

يجب التدقيق في قائمة الأهداف التي وضعتها لنفسك في كل فترة، والتأكُّد من الأهداف التي تُحقَّق والأهداف التي لم تُحقَّق بعد، ضع خطة لتحقيق ما لم يتحقَّق، ومن ثمَّ جدِّد هذه القائمة وضمِّنها أهدافاً جديدة تبعث فيك الأمل بالحياة من جديد.

10. مارِس هواية تفضِّلها وحاول تطوير نفسك بها:

إذا كنت تعمل في عمل معيَّن، فهذا لا يعني أنَّ عليك الالتزام به طوال حياتك؛ بل يجب أن تمنح ما تحب الوقت أيضاً، فإذا كنت مثلاً من محبي الرسم مع أنَّك تعمل في مجال آخر، فيمكنك أن تفكِّر بتطوير موهبتك، أو تعلُّم الرسم والمشاركة في نشاطاته في المجتمع بحيث كلما تبادر إلى ذهنك الملل، فرَّغت تلك الطاقة السلبية في الرسم، أو اكتب رواية، أو حلِّل الأخبار، وما إلى ذلك من هوايات يمكن أن تكون عوناً لك.

11. مارِس التمرينات الرياضية:

الرياضة لها تأثير إيجابي كبير في جسم الإنسان ونفسه في الوقت ذاته، فهي تبعث على الراحة النفسية، وتجعل منك شخصاً نشيطاً ومُتمتِّعاً بالصحة، وتبعد الملل عنك.

شاهد بالفيديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية

12. تعلَّمْ مهارات جديدة:

مثل طهي الطعام، أو حياكة الملابس، أو العزف على آلة موسيقية جديدة.

13. شارِكْ في النشاطات الفنية في مجتمعك:

اذهب إلى حضور فيلم أو مسرحية، أو شارك في الندوات الثقافية.

14. انظُرْ إلى الحياة بإيجابية:

لا تستسلم للأزمات، واسعَ إلى أن تكون جديراً بالحياة التي منَّ الله عليك بها.

15. اعتنِ بمظهرك:

اهتم بترتيب ملابسك، وحسِّن هندامك، وتابع الجديد في عالم الموضة، واختر منه ما يناسبك.

16. اختر ألعاب ذكاء ومارسها:

مثل لعبة الشطرنج التي يمكنك مشاركة الآخرين بها والدخول في المنافسات التي سوف تشعرك بالحماسة.

17. تعلَّمْ التكنولوجيا الحديثة:

ثمَّة عدة تطبيقات وبرامج تكنولوجية حديثة يساهم التعلُّم عليها في تسهيل القيام بالأعمال في الحياة؛ إذ إنَّ التعلُّم عليها سيشكِّل تطوير معرفتك وعملك في آنٍ واحد.

18. روِّح عن نفسك:

وذلك عبر الرحلات المشتركة إلى أماكن جديدة، ومشاركة الأصدقاء مناسباتهم وغير ذلك.

في الختام:

الوقت هو هِبة من هبات الله عز وجل للإنسان، وهو مورد لا يتجدَّد ولا يُدَّخر، ولا يمكن لأي فرد أن يهب أو يسترجع منه، ولا توجد طريقة لحفظه، فكل دقيقة تمضي في حياتك لا يمكنك تعويضها، وكل يوم يجب استغلاله في سبيل تحقيق ذاتك وتطويرها، والشعور بالملل وعدم النظر إلى أهمية ما تفقد من ذاتك خلال مرورك بذلك الشعور، إضافة إلى تأثيره في علاقاتك الاجتماعية واكتسابك بعض العادات السلبية، وإمكانية حدوث انحراف واضح في السلوك إن لم تعالج ذلك الملل بسرعة وتتخلَّص منه؛ لذا فالتخطيط الجيد لكيفية قضاء وقتك، والتخلص من الملل، سيمكِّنك من إنجاز أعمالك بنجاح، ويسهم في تطوير ذاتك وبنائها والتغلُّب على مشكلاتك الاجتماعية والنفسية.




مقالات مرتبطة