تأثير العطور على الحالة النفسية

يُعرَفُ "الأروماكولوجيا" بأنَّه علم الروائح الذي أوجَدَ العلاقة بين العطور ومشاعر الإنسان المختلفة؛ كالسعادة، والفرح، والاسترخاء، والشهوانية، وغيرها من المشاعر التي لوحظ أنَّ عطوراً معينة تُحفِّزها، وأخرى تُثبِّطها، فقد أُجريَت عدَّة دراسات وأبحاث لإثبات أنَّ المناطق المسؤولة عن المشاعر واليقظة والتركيز يمكنها التأثر إيجاباً أو سلباً عند شم العطور والروائح.



كذلك مصطلح "أروماكولوجيا" يشير إلى مؤسسة العطر، ومعهد حاسة الشم الذي يقع في نيويورك في الولايات المتحدة التي اهتمت كثيراً بشأن علاقة سلوك النفس البشرية بالعطور الطبيعية؛ وهي وروائح أزهار النباتات والأشجار الاصطناعية التي تُصَنَّع باعتماد المواد الكيميائية، وعن هذا الأمر قامت مجلة جمعية الكيميائيين للتجميل في اليابان ببحوثٍ تُبَيِّن تأثير العطور في الاستجابة القلبية عند الإنسان؛ فلاحظوا تباطؤاً في معدل ضربات القلب عندما يشم الفرد رائحة معينة، وارتفاعاً في معدل ضربات القلب عند شم روائح أخرى.

جميع الأبحاث التي أُجريَت خلال سنوات عديدة أكَّدت تحفيزَ العطورِ لمسارات الشم؛ من ثمَّ تحفيز الدماغ على إطلاق النواقل العصبية التي تؤثر في الحالة العقلية والنفسية للإنسان وبطرائق مختلفة، ومقالنا الحالي سيوضح تأثير العطور في حالة الإنسان النفسية، وأهم العطور ذات التأثيرات الإيجابية؛ كي نستفيد منها في حياتنا اليومية.

كيف تؤثر العطور في الحالة النفسية؟

حاسة الشم تتلاعب بعواطف صاحبها أكثر من أي شيء آخر؛ والسبب وراء ذلك أنَّ المعلومات الشَّميَّة تُعالَج في عقلنا اللاواعي على خلاف سائر المعلومات التي ترتبط بالحواس الأخرى؛ كاللمس، والسمع، والبصر، فيُختَرَق النظام الحوفي الذي يُسمَّى: "الدماغ العاطفي"؛ وهي المنطقة المسؤولة عن الحالة النفسية عند الإنسان التي تنعكس سلباً أو إيجاباً على سلوكه بحسب ما يصل إليها من معلومات.

تأثير العطور في الحالة النفسية:

تأثير العطور في حالة الإنسان أمرٌ لا يمكن إنكاره حتى إن لم تقرأ عن هذا الموضوع أو تسمع شيئاً عن نتائج الأبحاث سابقاً؛ فمن المؤكد أنَّك تشعر بالسعادة عند شم عطر معين، وتشعر بالاسترخاء عند شم غيره، ومن تأثيرات العطور في الحالة النفسية نذكر ما يأتي:

1. التقليل من التوتر:

أثبتت عدة تجارب قدرة أنواع محددة من العطور على التقليل من إنتاج هرمون الكورتيزول الذي يُسمَّى "هرمون الإجهاد والتوتر"؛ من ثمَّ فإنَّ استنشاقها كفيل بالتخلص من التوتر والشعور بالاسترخاء، كما أنَّ بعضها يساعد على النوم؛ لأنَّ التوتر يرتبط بالأرق؛ لذا فإنَّ التخلص منه يؤدي إلى التخلص من الأرق.

2. زيادة التركيز:

لقد وجدت الدراسات أنَّ بعض العطور تحفز الدماغ على إنتاج الهرمونات التي تزيد الشعور باليقظة؛ فتقلل من الشعور بالنعاس، أو الملل الذي ينتاب الإنسان عادةً في أثناء العمل أو الدراسة؛ من ثمَّ تلك العطور تسهم في رفع الإنتاجية والتقليل من هدر الوقت والتقليل من الوقوع بالأخطاء، واستفاد من نتيجة ذلك البحث كثير من المنتجين اليابانيين؛ إذ رشُّوا العطور في مصانعهم بهدف الحفاظ على تركيز العمال على النحو الأمثل.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة لتحافظ على نفسيتك وتتلّخص من التوتر والإجهاد

3. تعزيز السلوك الإيجابي:

إنَّ روائح العطور لها تأثير كبير في النفس؛ فهي كفيلة بتغيير المزاج السيئ إلى الأفضل؛ من ثمَّ تعزز السلوك الإيجابي للإنسان، فهي تقلل من الغضب الناتج عن الضغط والتوتر الذي يمر به الإنسان؛ فيصبح أكثر قدرة على السيطرة على توتره العاطفي؛ من ثمَّ تهدئة الأعصاب وضبط النفس.

4. زيادة الثقة بالنفس:

توجد علاقة قوية تربط رائحة بعض العطور بثقة الإنسان بنفسه، فقد أثبتت الدراسات أنَّ الإنسان يصبح أكثر ثقة بنفسه عندما يشم الروائح العطرة ويستخدمها لنفسه، ربَّما لأنَّه يُعِدُّ تلك الرائحة عاملاً لجذب الطرف الآخر إليه؛ فاستخدمها، لا سيَّما النساء؛ إذ تشعر النساء بأنوثتهنَّ عند شم العطور ورشها؛ فيزداد احترامها لشخصيتها، وترتفع ثقتها بنفسها لثقتها بأنَّها قادرة على ترك انطباع دائم لدى الآخرين، وهذا السبب وراء اهتمام كثير من البشر بالعطور التي يضعونها؛ كاهتمامهم بما يرتدونه من ثياب وأحذية.

5. تعزز الشعور بالانتعاش:

هذا الشعور يرتبط بالحركة والحيوية التي تزيد من قدرة الفرد على البدء بيومه بنشاط؛ من ثمَّ إنهاء كافة الأعمال المترتبة عليه، وقد تم التأكد من أنَّ العطور قادرة على منح الإنسان هذا الشعور؛ لذلك يُنصَح باستخدامها في الصباح، كما أنَّ العطور أثبتت جدارتها في زيادة قدرة الرياضيين المتمرنين على القيام بمزيد من التمرينات عند تعرضهم لشمها.

إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

العطور التي تؤثر في الحالة النفسية:

العطور التي تترك أثراً في نفس الإنسان كثيرة، ويصعب ذكرها جميعاً؛ لكن هذه أبرز العطور التي تترك أثراً واضحاً في حالة الإنسان النفسية:

1. عطور تساعد على الاسترخاء:

إن كنت تمر بيوم مرهق وتشعر بالتوتر والإجهاد وترغب بالتخلص من تلك المشاعر السلبية، فإنَّ أكثر ما يفيد هو عطر "اللافندر" الذي أثبت جدارته في التخلص منها؛ لدوره في تقليل معدل ضربات القلب، كما أثبتت التجارب أنَّ الخزامى والورد الجوري والفانيليا والقهوة جميعها تساعد على التخلص من التوتر وبث الشعور بالراحة؛ من ثمَّ تساعد على الاسترخاء.

تُعتَمَد تلك العطور - لا سيَّما اللافندر - في إجراء جلسات المساج؛ لضمان الوصول إلى الاسترخاء والراحة بسرعة، أمَّا في حال أردت شم العطور التي تساعدك على الاسترخاء والنوم؛ فيمكنك إضافة إلى الخزامى واللافندر والورد استخدام زيت البابونج أو زيت الجيرانيوم (زيت إبرة الراعي) أو زيت البردقوش الحلو أو الياسمين؛ الذي أكدت الدراسات أنَّ الأشخاص الذين استنشقوا رائحته وهم نيام حصلوا على نوم عميق وأكثر جودة وأقل حركة من غيرهم.

2. عطور تساعد على تحسين المزاج:

عطر زهر البرتقال أو الليمون يرتبط بتهدئة النفس، وتحسين المزاج، وتحسين السلوك، والتخلص من الغضب، كما أنَّ العطور المتصلة بالحمضيات أثبتت قدرتها على رفع المعنويات وزيادة التفاؤل والتخلص من الاكتئاب الذي يعكر صفو المزاج ويضعف طاقة الإنسان؛ لذلك يُنصَح بإشعال شمعة تبعث عطور حمضية ليتغير المزاج إلى الأفضل؛ فإنَّ رائحة الليمون تقلل من القلق والتوتر وغيرها من المشاعر السلبية؛ لذلك يمكن وصف زيت البرتقال بأنَّه ترياق للمزاج المُعكَّر.

تأثير العطر

3. عطور تساعد على التركيز:

رائحة الياسمين تُعَدُّ من العطور التي تزيد القدرة على التركيز؛ من ثمَّ تزيد من إنتاجية الإنسان، كما تزيد القدرة على التعلم والحفظ والتحصيل الدراسي؛ لأنَّها تنشط الذاكرة بسرعة كبيرة.

4. عطور تعطي شعوراً بالانتعاش:

النعناع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتعاش؛ فقد أثبتت الدراسات قدرة الدماغ على تحفيز منطقة مسؤولة عن الاستيقاظ صباحاً؛ من ثمَّ فإنَّ استنشاقه يساعد على استعادة الحيوية والنشاط، ولكن لا تقتصر أهمية رائحة النعناع على كونها منشطة؛ فهي أيضاً تقلل من الشعور بالغثيان.

من العطور التي تزيد الحيوية والنشاط؛ نذكر رائحة القهوة، واليانسون، والليمون، والصنوبر، والزعتر الأخضر، والزنجبيل؛ الذي يفيد في الشعور بالانتعاش، وإبعاد الشعور بالوحدة.

5. عطور تزيد من الثقة بالنفس:

رائحة اللافندر تتصدر قائمة العطور التي تزيد ثقة الإنسان بنفسه؛ وذلك لقدرتها على جذب الانتباه إليه، كما أنَّ رائحة اليقطين من الروائح العالمية التي تجذب الرجال، لا سيَّما بعد دمجها برائحة اللافندر، إضافة إلى ما سبق؛ فإنَّ رائحة الزنبق والياسمين والبرتقال تزيد الثقة بالنفس؛ لأنَّها من العطور التي تعطي الإنسان سلاماً داخلياً؛ لذا تنعكس على تصرفاته مع الآخرين، وتزيد من الهدوء والراحة؛ فتجذب الآخرين إليه.

إقرأ أيضاً: الزهور بين الجمال والفوائد العلاجية

العلاج بالعطور:

العلاج بالعطور من الممارسات القديمة التي قام بها الأجداد منذ آلاف السنين؛ لأنَّهم اكتشفوا الفوائد الجسدية والنفسية للزيوت العطرية، وعلى الرَّغم من عدم اعتماد الأطباء العلاجَ بالعطور علاجاً رسمياً، إلَّا أنَّه يندرج تحت اسم "العلاج البديل" الذي لم تمنعه السلطات الصحية، كما أنَّه يساعد على علاج الأمراض الجسدية؛ لذا فإنَّه يساعد على استعادة الراحة النفسية، وأكثر من اهتم بهذا العلاج هم الأطباء الفرنسيون والألمانيون؛ لأنَّهم أدركوا الفوائد العظيمة للنباتات.

من أمثلة العلاج بالعطور نذكر زيت الميرمية الذي يقلل من هرمون الكورتيزول؛ فيساعد على تقليل الاكتئاب في مرحلة بعد انقطاع الطمث عند النساء، وزيت الليمون يقلل الالتهابات ويخفف من الصداع وعسر الهضم، أمَّا اللافندر فقد استُخدِم قبل إجراء العمليات الجراحية؛ ليتخلص المريض من توتره وقلقه ويسترخي؛ فيدخل إلى العملية الجراحية بحالة نفسية جيدة.

في الختام:

العطور تترك تأثيراً كبيراً في الحالة النفسية للإنسان، فقد أكدت الدراسات ارتباط حاسة الشم بالجزء المسؤول عن استجابة الإنسان للمؤثرات وسلوكه، ومن أهم التأثيرات الإيجابية للعطور في الحالة النفسية هي قدرتها الكبيرة على التقليل من التوتر الذي نعانيه جميعاً نتيجة ضغوطات الحياة؛ وذلك بفضل قدرتها على التقليل من إفراز هرمون الإجهاد، كما أنَّ للعطور قدرة على زيادة الشعور باليقظة؛ من ثمَّ التخلص من الملل والنعاس.

تفيد العطور أيضاً في تحسين المزاج وزيادة الحيوية والانتعاش ورفع ثقة الإنسان بنفسه، ومن العطور التي تساعد على الاسترخاء ثمَّة عطر اللافندر والورد والقهوة، أمَّا العطور التي تساعد على التركيز فأهمها الياسمين، ومن العطور التي تساعد على تحسين المزاج نذكر عطر زهر الليمون.

أمَّا العطور التي تساعد على الشعور بالانتعاش، فأهمهما النعناع واليانسون والزعتر الأخضر، ولأنَّ الإنسان بحاجة دائماً إلى ما يعزز ثقته بنفسه؛ يُنصَح باستخدام عطر اللافندر الذي يلفت الانتباه ويجذب الآخرين بسرعة.




مقالات مرتبطة