تأثير التصاميم المعمارية على إنتاجيتنا و5 نصائح للاستفادة منها

توجد عدة إجراءات يمكننا القيام بها لتحسين إنتاجيتنا، فيمكننا قراءة الكتب وحضور المحاضرات واتِّباع روتيناتٍ جديدة، ولكنَّ الأهم من ذلك، يمكننا أن نحاول تحسين صحتنا، فممارسة مزيدٍ من التمرينات، واتباع نظام غذائي صحي، والاعتناء بصحتنا بشكل عام هو وسيلةٌ مؤكدة لتحسين الإنتاجية؛ ولكن هل يوجد مستوى آخر لصحتنا، مستوى ما زلنا أقل وعياً به، والذي قد يؤثر أيضاً في إنتاجيتنا؟



الإجابة باختصار: نعم، فمع تطوُّر معرفتنا الطبية وأبحاثنا عن الإنتاجية، أصبح من الواضح يوماً بعد يوم أنَّ الأشياء التي نقوم بها ليست وحدها التي تؤثر في صحتنا ومدى إنتاجيتنا، بل المكان الذي نمارسها فيه أيضاً، ويؤكد العلماء أنَّ تصميم المباني والهندسة المعمارية هي عوامل هامة تؤثر في صحة الأشخاص الذين يشغلون مبنى ما، سواء منزل أم مكان عمل، وإذا أردنا حقاً بلوغ أقصى درجات الإنتاجية، فقد يكون هذا عاملاً أساسياً يجب النظر فيه.

كيف يمكن للمبنى أن يجعلك أكثر أو أقل إنتاجية؟

لسوء الحظ، لم نعِ هذه المشكلة لأنَّنا اكتشفنا سر تحسين الإنتاجية من خلال تصميم المباني، بل لأنَّنا أدركنا الآثار الضارة التي يمكن أن تُحدِثها التصاميم المعمارية السيئة في أدائنا، وترتبط الطريقة التي يؤثر بها تصميم المبنى في إنتاجيتنا ارتباطاً مباشراً بتأثير الأماكن المختلفة في صحتنا، على الرغم من أنَّ عنصراً نفسياً قد يؤدي دوراً أيضاً.

جودة الهواء:

إذا كان الهواء الذي نتنفسه ذا نوعية رديئة، فلن نكون قادرين على تقديم أفضل أداءٍ لدينا، وتوجد بعض العوامل المختلفة التي تساهم في جودة الهواء، بما في ذلك مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) والملوثات وجودة التهوية العامة، ويُجمع العلم على: "إن لم تكن جودة الهواء في المبنى عالية، فقد تتأثر الوظيفة الإدراكية سلباً".

مستويات الإضاءة:

قد يكون استخدام مصطلح "المستويات" هنا مضللاً بعض الشيء؛ لأنَّه في حين أنَّ مستوى الإضاءة هام - في حال مشكلات مثل إجهاد العين، وهو أمر هام خاصة لموظفي المكاتب الذين يستخدمون أجهزة الحاسوب - فإنَّه ليس بالضرورة العامل ذا التأثير الأكبر في صحتنا وإنتاجيتنا.

عندما يتعلق الأمر بالهندسة المعمارية وتصميم المباني، فإنَّ التأثير الأكبر في وظائفنا المعرفية والعملية يعود إلى مقدار الضوء الطبيعي (ضوء الشمس) الذي يمكننا الحصول عليه.

يُزوِّد ضوء الشمس أجسامنا بفيتامين د (Vitamin D)، والذي بدوره يعزز النمو الصحي للعظام، وقد وُجِدَ أنَّه يساهم بقوة في إنتاجيتنا الجسدية والمعرفية؛ ببساطة، إذا لم يصل ما يكفي من أشعة الشمس إلى الأماكن التي نقضي فيها وقتاً طويلاً، فقد تتأثر إنتاجيتنا، خاصةً في فصل الشتاء، عندما تكون ساعات النهار أقصر.

إقرأ أيضاً: 14 نصيحة مميزة لزيادة إنتاجيتك بجهد أقل

الجماليات البصرية:

لا تؤثر العوامل البيولوجية فقط في إنتاجيتنا؛ بل تؤدي العوامل النفسية دوراً أساسياً أيضاً، لربما سمعت كثيراً من النصائح التي تشير إلى أهمية العمل في بيئةٍ تلهمك، وبينما يمكننا في بعض الأحيان التحكم بشكل مباشر في هذا الأمر، فإنَّه يتعلق أيضاً بشكل مباشر بتصميم المبنى بحد ذاته.

تعدُّ الجماليات الداخلية والخارجية جزءاً أساسياً من عملية التصميم المعماري، وأصبح من الواضح بشكل متزايد أنَّ لها أيضاً تأثيراً ملموساً في وظائفنا المعرفية وحتى الجسدية، والتي بدورها تحدد مدى إنتاجيتنا؛ بمعنى أبسط: إنَّ المبنى الباهت والقبيح ذا الإطلالة التعيسة والإضاءة السيئة والشعور "البارد" لن يجعلنا نشعر حقاً بالإلهام، ونتيجةً لذلك، من المحتمل ألَّا يكون عملنا مثمراً كما يجب.

قد يبدو هذا علماً زائفاً بعض الشيء، لكن يوجد عدد هائل من الأدلة لدعمه، على سبيل المثال، أشار تقرير صادر عن المجلس العالمي للمباني الصديقة للبيئة (World Green Building Council) إلى أنَّ "التأمل بعيداً عن شاشات الحواسيب أو المستندات المكتوبة يقلل من التعب والصداع وآثار إجهاد العين على الأمد الطويل، وتؤثر الإطلالة البعيدة أيضاً تأثيراً إيجابياً في صحتنا، ويعود ذلك جزئياً إلى توفيرها تواصلاً نفسياً مع مجموعات أخرى من الناس بينما نكون في مكان آمن".

أقر نفس التقرير أيضاً أنَّ "المكاتب الصحية تحوي ألواناً وأقمشةً ومواداً لطيفةً وهادئة تذكِّرنا بالطبيعة؛ لأنَّ الجمالية البصرية هي عامل رئيس من عوامل الرضى في مكان العمل".

كيف نستفيد من هذه المعرفة في الهندسة المعمارية وتصميم المباني؟

على الرغم من أنَّ هذا كله قد يكون مثيراً جداً للاهتمام، إلا أنَّ ما يهم حقاً هو كيفية تطبيقنا لهذه المعرفة عندما نصمم وننشئ مباني جديدة أو نجدد المباني القديمة، فمع نمو السكان، ودخول أجيال جديدة إلى القوى العاملة، فإنَّ فهم كيفية تأثير مبانينا في الإنتاجية ما هو إلا جزء واحد فقط من الحل، لذا يجب علينا أيضاً أن نفعل شيئاً حيال ذلك على أرض الواقع.

من المسلَّم به أنَّ العوامل الجمالية لم تصبح بعد الركيزة الأساسية للتصميمات المعمارية، ولكنَّها عاملٌ أصبح المهندسون المعماريون أكثر إلماماً واهتماماً به في عملهم.

في العقود الأخيرة، اتخذ المسؤولون عن تصميم المباني مزيداً من الإجراءات التي تشير إلى أنَّنا قد نكون في طريقنا نحو بيئة بناءٍ أكثر إشراقاً وخضرةً وإنتاجية.

يتم التوجه حالياً نحو المعمارية البيوفيلية، وهي التصميم الذي يتضمن علاقةً أوثق مع الطبيعة، وهو شيء ثبت أنَّه يحسن إنتاجيتنا، كما أعيد النظر في مجالات الابتكار التي نركز عليها، فيعدُّ اليوم العديد من المتخصصين صحتنا وسلامتنا أساساً لتصميم بعض المباني الأكثر حداثةً وتطوراً، حتى إنَّ بعضهم توجَّه إلى بناء منازل مصنوعة بالكامل من الزجاج، والتي صُمِّمت لمساعدتنا على إعادة ضبط نظمنا اليوماوية، وتحسين صحتنا، وتعزيز إنتاجيتنا.

شاهد بالفيديو: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية

نصائح للاستفادة من هذه المعرفة في حياتك الخاصة:

بالنسبة إلى معظم الناس، لن يكون السؤال هو "كيف يمكن للمهندسين المعماريين استخدام هذه المعرفة لتغيير طريقة عملهم؟"؛ بل "كيف يمكنني استخدام هذه المعرفة لتحسين إنتاجيتي؟"، لكن لا تقلق، فتوجد نصائح عديدةٌ لمساعدتك.

عليك أن تفهم أولاً كل ما يتعلق بتصميم المباني وتأثيره في مدى إنتاجيتنا، وبعد الاطلاع على ذلك، يمكننا أن نلاحظ تأثير الهندسة المعمارية في حياتنا، من خلال تفحُّص المباني التي نقضي فيها معظم الوقت، ثم اتِّخاذ بعض القرارات المستنيرة التي من شأنها أن تزيد إنتاجيتنا.

إليك 5 نصائح تساعدك في ذلك:

1. حسِّن الإضاءة الداخلية:

هل تعمل في مبنى مظلم وكئيب؟ هل تعيش في منزل أو شقة بالكاد تدخلها أشعة الشمس؟ اتخذ بعض الخطوات لمعالجة هذا الأمر: يمكنك ببساطة تبديل مصابيحك الحالية بمصابيح طبيعية أقل حدة، أو يمكنك التفكير في شراء صندوقٍ ضوئي لمحاكاة تأثيرات ضوء النهار، يمكنك حتى استخدام هذه المعرفة في أثناء تجديد المنزل، من خلال تثبيت نوافذ جديدة أو أنابيب شمسية تعزز الإضاءة الطبيعية.

2. اختر مكان عمل مناسباً:

إذا كان لديك أي تحكُّم بالمكان الذي تعمل فيه على سبيل المثال، إذا كنت تعمل لحسابك الخاص أو مسؤولاً عن اختيار مكان عمل فريقك، فاحرص على اختيار مكانٍ يحفِّز الإنتاجية، اختر مكاناً تصله أشعة الشمس، وله تهويةٌ جيدة وتصميم ملهم.

3. خذ فترات راحة في الهواء الطلق:

إذا لم تصل أشعة الشمس والهواء الذي تحتاجه إلى الأماكن الداخلية التي تتردد عليها كثيراً، عليك اتِّخاذ خطوات لمكافحة ذلك، في العمل وفي المنزل إن أمكن، فخذ فترات راحة منتظمة بالخارج للحصول على بعض الهواء النقي وأشعة الشمس، ويجب أن تحاول أيضاً قضاء بعض الوقت في الطبيعة إذا كنت تعيش أو تعمل في بناءٍ اسمنتي.

4. أعد تصميم ديكور منزلك:

إن كانت المشكلة تكمن في المنزل وليس في العمل، فقد يكون من الضروري إجراء بعض التغييرات الجذرية، فقد تبدو إعادة التصميم تغييراً مكلفاً وشاقاً، ولكن إذا خططت لها بعناية قد تكون معقولة التكلفة، وحتى التغييرات الصغيرة قد تُحدِث فرقاً كبيراً، وإذا لم يكن منزلك مصدر إلهام لك، فربما قد حان الوقت لبعض التحديث.

إقرأ أيضاً: معلومات مفيدة حول كيفية اختيار ديكور مريح وعصري

5. استعن بمهندس معماري:

من المحتمل أنَّه ليس بحل واقعي بالنسبة إلى معظم الناس، ولكن إذا كنت تخطِّط لتجديد المنزل، سواء توسيع أم إعادة تصميم منطقة موجودة مسبقاً، فربما عليك استشارة مهندس معماري أو متخصِّص يفهم تأثير التصميم الداخلي في صحتك.

قد يبدو هذا بمنزلة قفزة كبيرة، ولكن بالمعرفة التي لديك الآن، وإذا كنت ستستثمر المال والوقت في مشروع إعادة تصميم، فتأكد من تنفيذه بطريقة تساعدك على عيش حياتك بأفضل طريقةٍ ممكنة وأكثرها صحةً.




مقالات مرتبطة