تأثير التربية الأسرية على التحصيل الدراسي

تعدُّ الأسرة أهمَّ الجماعات الاجتماعية وأكثرها تأثيراً في الطفل، ويرجع هذا إلى احتكاك الطفل اليومي بها ولفترة طويلة من حياته، ومن ثم فإنَّ كل ما يحدث داخل الأسرة سيكون له بالغ الأثر في الطفل وفي سلوكاته وثقافته وبطبيعة الحال في تحصيله الدراسي، ومن ثم فإنَّ موضوع تأثير التربية الأسرية في التحصيل الدراسي من الأمور الهامة جداً التي يجب إلقاء الضوء عليها والبحث فيها؛ إذ تؤدي بعض الأساليب التربوية دوراً في تحسين هذا التحصيل، في حين أنَّ أساليب أخرى تؤدي إلى تراجع تحصيل الأبناء الدراسي، فهذا المقال مخصَّص لمعرفة تأثير التربية في التحصيل الدراسي.



أساليب التربية:

لاقت أساليب التربية والتنشئة الأسرية اهتماماً كبيراً من قِبل علماء الاجتماع والتربية، فمن المعروف أنَّ الأسرة هي المنبع الأساسي ومنه يستقي الأبناء ما يحتاجونه لإكمال حياتهم من قيم ومعارف ومهارات، وحتى يمكننا القول إنَّ كل سلوك من سلوكات الأبناء ليس إلا انعكاساً لأسلوب من أساليب التربية الأسرية.

إذاً للمعاملة الوالدية كما ذكرنا تأثير في حياة الأبناء في العديد من الجوانب والاتجاهات، والتحصيل الدراسي ليس إلا واحداً من هذه الجوانب، وباختصار وببساطة يمكننا القول إنَّ الطفل الذي يلقى الاهتمام والعناية والتشجيع من أهله سيظهر هذا في تحصيله الدراسي ليحصِّل أعلى الدرجات، وعلى النقيض من ذلك فالأبناء الذين يعانون من الإهمال والقسوة يتراجعون في دروسهم، حتى إنَّ دافعهم نحو الدراسة سيكون أقل، وهذا ما يظهر في تحصيلهم الدراسي.

أساليب التنشئة الأسرية السوية:

تتعدد الأساليب التي تتبعها الأسرة في تربية أبنائها، وفيما يأتي سنقوم بتعداد بعض أساليب التربية الأسرية السوية:

1. السواء:

يعدُّ هذا الأسلوب في التربية من أكثر الأساليب التي تحقق الصحة النفسية للأطفال؛ إذ يتضمن تجنُّباً تاماً لكل أساليب التربية غير السوية، مع تطبيق كامل لأسس الصحة النفسية، وطبعاً تطبيق مثل هذا النوع من الأساليب التربوية يؤدي إلى إعداد أبناء أصحاء نفسياً وأكثر قدرة على التكيف الاجتماعي.

2. أسلوب الثواب والعقاب:

ببساطة يعتمد هذا الأسلوب على مكافأة الأبناء عند قيامهم بسلوك صحيح ومعاقبتهم عند القيام بسلوك خاطئ، فمثلاً نكافئ الطفل عند التزامه بالتعليمات كترتيب غرفته والقيام بواجباته ووظائفه، ويعاقب عند إهمالها وعدم الالتزام بالتعليمات، والهدف طبعاً يكمن في إكساب الطفل السلوكات المرغوب تعليمه إياها من خلال مكافئته على القيام بها.

3. أسلوب التشجيع:

يعتمد هذا الأسلوب على تشجيع الطفل وإثابته معنوياً أو مادياً عند قيامه بعمل إيجابي أو سلوك جيد، مع إهمال للعمل غير الجيد والسلوك الخاطئ.

شاهد بالفديو: أهم النصائح لزيادة ذكاء الطفل وتحقيق التفوق في المدرسة

أساليب التربية غير السوية:

قد يتبع الأهل في سبيل تربية أبنائهم بعضاً من أساليب التربية غير السوية التي ستظهر انعكاساتها لاحقاً في حياة الأبناء، وفي جميع الجوانب كالتحصيل الدراسي الذي سنشرح بالتفصيل فيما بعد تأثير هذه الأساليب فيه، ومن هذه الأساليب:

1. الحماية الزائدة:

أحد الأساليب التربوية الخاطئة التي يتبعها بعض الأهالي هي الحماية الزائدة، فعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين أنَّهم بهذه الطريقة يحمون أطفالهم، إلا أنَّهم في الواقع يسلبون رغبتهم بالاستقلال والحرية ويقفون في وجه بناء شخصيتهم بالشكل الأمثل الذي يمكِّنهم فيما بعد من تحمُّل مسؤولياتهم.

2. الإهمال:

يلجأ أيضاً بعض الأهالي إلى إهمال أبنائهم بوصفه أسلوباً لمعاقبتهم، والحقيقة أنَّ هذا الأسلوب يخلق فجوة كبيرة بين الطفل وأهله ويؤثر كثيراً في شخصيته.

3. أسلوب التذبذب:

يعد هذا الأسلوب من أسوأ أساليب التربية وأكثرها خطورة على الطفل وعلى صحته النفسية، وبسببه يعيش الطفل في حالة من الضياع وعدم الاستقرار، فقد يُثاب ويعاقب على العمل ذاته والسلوك نفسه.

العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي:

1. أسلوب الرفض:

يشعر الطفل من خلال الطريقة والأسلوب الذي يتعامل فيه والداه معه بأنَّه غير مرغوب به وغير مقبول من قِبلهما، وهذا ما ينعكس على حياته عموماً، فيشعر دائماً بأنَّه غير مقبول وغير محبوب.

2. تسلُّط الوالدين:

يقوم الأهل الذين يتبعون هذا الأسلوب بفرض العديد من القيود والأحكام التي تجعل الطفل يشعر وكأنَّه داخل سجن، وعليه التقيد بمعايير قد لا تناسب عمره، وبمجرد الخروج عنها يعاقب.

3. أسلوب التفرقة:

يعد هذا الأسلوب من أكثر الأساليب شيوعاً؛ إذ يقوم الوالدان بالتفريق بين أبنائهم بسبب الجنس أو السن أو العمر، فيظهرون حباً واهتماماً ورعاية لأحدهم يفوق الآخرين، وهذا طبعاً من شأنه إثارة كثيرٍ من مشاعر الحقد والغيرة بين الأبناء.

بناءً على الأساليب السابقة يبدو واضحاً أنَّ كل طفل ينمو بشكل مختلف عن الآخر، وستكون سلوكاته وتصرفاته في المدرسة لا تشبه غيره؛ وذلك نظراً للدور الكبير الذي تؤديه التنشئة الاجتماعية في نموهم من الناحية النفسية والاجتماعية.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تقف وراء ضعف التحصيل الدراسي عند الطلاب

العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي:

يُعرَّف التحصيل الدراسي لغةً بأنَّه: "ما يكتسبه التلاميذ من معارف وخبرات واتجاهات وميول وقيم وأساليب تفكير وقدرات على حل المشكلات نتيجة لدراسة ما هو مقرر عليهم في الكتب المدرسية، ويمكن قياسه بالاختبارات التي يُعِدُّها المعلمون".

يُعرَّف أيضاً بأنَّه: "الأداء الناجح أو المتميز في موضوعات أو ميادين أو دراسات خاصة، والناتج عادة عن المهارة والعمل الجاد المصحوبَين بالاهتمام".

يوجد للتحصيل الدراسي ثلاثة أنواع هي:

  1. التحصيل الدراسي الجيد.
  2. التحصيل الدراسي المتوسط.
  3. التحصيل الدراسي المنخفض.

توجد عدة مبادئ يقوم عليها التحصيل الدراسي والتي من شأنها مساعدة الطالب على الفهم والاستيعاب، كالدافعية والفروق الفردية.

العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي:

توجد عدة عوامل مؤثرة في التحصيل الدراسي سنذكرها جميعاً لكن باختصار، في حين سنركز أكثر على العوامل المتعلقة بالتربية الأسرية، وذلك لأنَّ مقالنا مخصص للبحث في تأثير التربية الأسرية في التحصيل الدراسي.

1. العوامل الذاتية:

تقسم هذه العوامل إلى عوامل عقلية تتمثل بالقدرات العقلية للتلميذ وذكائه، وعوامل نفسية وانفعالية ولهذه العوامل تأثير كبير في التحصيل الدراسي وفي دافعية التلميذ للدراسة، مثلاً مرور التلميذ بأزمات نفسية ينعكس سلباً على نشاطه المدرسي وتحصيله الدراسي.

2. العوامل الموضوعية:

تقسم إلى العوامل المدرسية والعوامل الأسرية، وسنتحدث فيما يأتي بالتفصيل عن العوامل الأسرية وتأثيرها في التحصيل الدراسي.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال

تأثير العوامل الأسرية في التحصيل الدراسي:

تعد العوامل الأسرية من أكثر العوامل تأثيراً في الطفل وفي كل جوانب حياته، فالطفل يعيش ضمن أسرة، ومن ثم سيتأثر بها ويتعلم منها عاداتها ويكتسب ثقافتها وسلوكاتها وأفكارها، وهذا سينعكس بالضرورة بدوره على التحصيل الدراسي للتلميذ، وسنتحدث فيما يأتي عن العوامل الأسرية وكيفية تأثيرها في التحصيل الدراسي:

1. المكانة الاجتماعية والحالة الاقتصادية:

يعتقد معظم العلماء أنَّ ثمة علاقة بين مستوى الأسرة ومكانتها الاجتماعية وتحصيل أبنائها الدراسي، فقد أشارت الدراسات إلى أنَّ التلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة غالباً ما يكون مستواهم الدراسي أقل من التلاميذ المنحدرين من أسر ذات خلفية اجتماعية واقتصادية أرقى، ويعزو العلماء السبب إلى الإهمال الذي يعاني منه الأطفال في هذه الأسر؛ وذلك بسبب انشغال الوالدين بالوضع الاقتصادي وتأمين الطعام والشراب، ناهيك عن تبعات الفقر من ظروف المسكن وضيقه.

بعض العلماء يدعمون هذا الرأي، ومنهم "بيار بورديو"، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّه وعلى الرغم من هذه الدراسات، فإنَّ كثيراً من التلاميذ ينتمون إلى أسر فقيرة، وعلى الرغم من ذلك يحصلون على الدرجات؛ ويرجع هذا إلى العديد من الأسباب أهمها الدافع الشخصي الموجود لدى هؤلاء التلاميذ الذي يحفزهم لمواجهة الظروف الصعبة التي يمرون بها وتجاوزها.

2. المستوى التعليمي والثقافي:

تتأثر التربية الأسرية أيضاً بمستوى الوالدين التعليمي، ويؤدي المستوى الثقافي للأسرة دوراً كبيراً في تحسين تحصيل التلاميذ الدراسي، ويرجع هذا إلى المساعدة التي يمكن للوالدين تقديمها عندما يكونان بمستوى ثقافي جيد أو عالٍ، وعموماً يهتم الوالدان المتعلمان بأبنائهما ويتابعان دراستهم، ويفتحان في المنزل مجالاً للنقاش والحوار، ويبحثان في أسباب تراجع أبنائهما أو تقصيرهم، ويحاولان دائماً وضع الحلول لها.

3. الجو الأسري:

عدم التوافق الأسري وكثرة المشكلات العائلية والخلافات له تأثير بالغ في تحصيل التلميذ، ويرجع هذا إلى المشكلات الكثيرة التي يسببها هذا الجو للتلميذ، فقد يصبح انطوائياً أو خجولاً، وقد أثبتت الدراسات أنَّه كلما كانت العلاقة بين الوالدين قوية ومتينة كانت شخصية الطفل أقوى، ومن ثم تحصيله الدراسي أفضل.

إقرأ أيضاً: أهم النصائح لزيادة ذكاء الطفل وتحقيق التفوق في المدرسة

4. المعاملة الوالدية:

ذكرنا في بداية مقالنا الأساليب المختلفة للتربية التي يتبعها الآباء مع أبنائهم، والحقيقية أنَّ تأثير التربية الأسرية في التحصيل الدراسي واضح وكبير جداً، فمثلاً الحماية الزائدة للطفل والمغالاة في حبه يجعل الأهل يعيشون في حالة قلق دائمة على أبنائهم، وهذا سينعكس بالضرورة على الطفل الذي يكبر ضعيف الثقة بالنفس، وكارهاً للمدرسة لأنَّها بالنسبة إليه ليست مصدراً للأمان، فتخف دافعيته نحو الدراسة والتعلم.

كذلك الأمر بالنسبة إلى الطفل الذي يعاني من إهمال والديه وعدم اهتمامهما بدراسته ونتائجه، وهذا ما يشعره بالإحباط والفراغ العاطفي، فشعور الطفل بوجود أسرته إلى جانبه يعطيه القوة ويمده بالثقة التي يحتاجها ويقوي الدافع لديه للتعلم والدراسة، وبذلك فإنَّ الطفل الذي يحظى بالتربية الأسرية السوية ينمو وقد أُشبعت حاجاته النفسية والاجتماعية، وهذا يجعله أكثر قدرة على التكيف مع محيطه، ومن ثم أكثر قدرة على التعلم والإنجاز، وهذا ما ينعكس على تحصيله الدراسي.

في نهاية حديثنا عن العوامل الأسرية وتأثيرها في التحصيل الدراسي لا بد من التأكيد على النقاط الآتية:

  • اتباع الأهل للأسلوب الديمقراطي مع أبنائهم يزيد من تحصيلهم الدراسي، فالأطفال بحاجة إلى النقاش مع أسرهم والحديث عن مشكلاتهم الشخصية، وهذا يؤثر في نتائجهم الدراسية؛ وذلك لأنَّه يساهم في مساعدة الطفل على تجاوز عقده وأزماته، وهذا يزيد دافعيته للتعلم.
  • عدم وجود تشجيع من قِبل الأهل والإهمال واللامبالاة يؤثر سلباً في نفسية الطفل ودافعيته للتعلم، وهذا يسبب تراجعه دراسياً.
  • علاقة التلميذ الجيدة بوالديه تزيد من تحصيله الدراسي، وهناك العديد من الدراسات التي أثبتت هذا.
  • الأساليب غير السوية في التربية كالأسلوب التسلطي يؤدي إلى إخفاق الأبناء دراسياً في كثير من الأحيان.

في الختام:

لا بد من التأكيد على أنَّه من الخطأ جداً التعامل مع الأبناء على أنَّهم مجرد علامات دراسية، يكافؤون في حال كانت جيدة ويعاقبون إذا كانت سيئة، وهذا في الحقيقة ما يجعل الأبناء يعتقدون أنَّهم مجرد أشياء لا قيمة لهم إلا من خلال هذه العلامات، وهذا يدفعهم إلى البحث عن طريقة للتعويض وقد يكون تأثيرها سلبياً، فالحياة في النهاية ليست تحصيلاً دراسياً فقط وليست مجرد سعي وراء العلامات الجيدة؛ بل التحفيز والتشجيع يجب أن يأخذ منحى آخر تماماً، واتباع طرائق التربية الحديثة هام جداً لأنَّه يشجع الأطفال ويحفزهم بشكل غير مباشر.




مقالات مرتبطة