تضعنا هذه الأرقام أمام واقع مزدوج: من جهة، انخفضت البطالة العامة إلى مستويات لم تكن متوقعة قبل عقد تقريباً، ومن جهة أخرى، فإنّ المعدل العالي بين الشباب يشير إلى وجود عقبات جوهرية وراء هذا المشهد. نبحث، في هذا المقال، في أهم أسباب البطالة في السعودية، ونستعرض السياسات والحلول الممكنة لمعالجتها. والغاية ليست مجرد تقليص الأرقام في التقارير، بل تمكين الشباب وتحويلهم من باحثين عن وظيفة إلى صناع فرص حقيقية و شركاء فاعلين في مسيرة النهضة والتنمية الوطنية.
أهمية معالجة بطالة الشباب في السعودية
معالجة بطالة الشباب في السعودية ضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز الاستقرار المجتمعي، فهي تسهم في استغلال الطاقات الشابة لزيادة الإنتاجية وتحويلهم من قوة استهلاكية إلى منتجة، وبما يحقق أهداف رؤية (2030) في تنويع الاقتصاد. كما تحد من المشكلات الاجتماعية والسلوكية كالفقر وتأخر سن الزواج، وتفتح المجال أمام الشباب للتمكين والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبلهم ومجتمعهم.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لنطوّر ذاتنا أثناء فترة البطالة
معدل البطالة بين الشباب في السعودية
لا يزال معدل البطالة بين الشباب في السعودية مرتفعاً مقارنة بالمعدل العام. فقد أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء أنّ معدل البطالة بين الشباب السعوديين الذكور (15–24 سنة) بلغ 11.6% في الربع الأول من عام 2025، رغم انخفاضه مقارنةً بالربع الرابع من عام 2024. أما بين الشابات السعوديات في نفس الفئة العمرية، فقد ارتفعت المشاركة في سوق العمل إلى 18.4%، مع تحسن في معدل التوظيف ليصل إلى 14.6%، وهو ما يعكس تحدياً قائماً لكنه يشير أيضاً إلى تقدم تدريجي في دمج الشباب في سوق العمل.

أهم أسباب البطالة بين الشباب في السعودية
تُعد بطالة الشباب في السعودية من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر مباشرةً في مسار التنمية الوطنية؛ إذ لا يزال معدل البطالة بين الشباب في السعودية مرتفعاً بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة حالياً . وهذا يعود بطبيعة الحال لمجموعة من الأسباب :
1. عدم تطابق المهارات ومخرجات التعليم
يُعد عدم تطابق المهارات ومخرجات التعليم من أهم أسباب البطالة في السعودية؛ إذ تخرّج الجامعات أعداداً كبيرة في تخصصات نظرية لا يطلبها السوق. يؤدي هذا الخلل إلى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب في السعودية؛ لأنّ كثيراً منهم يفتقرون إلى المهارات العملية المطلوبة. كما تحدّ وصمة التعليم الفني والمهني من الإقبال عليه رغم الحاجة الفعلية المتزايدة إليه.
2. تفضيل القطاع العام
يميل عديدٌ من الشباب السعوديين إلى الوظائف الحكومية لما توفره من استقرار وأمان وظيفي ورواتب جيدة. يجعل هذا التوجّه فرص القطاع الخاص أقل جاذبية ويزيد من طول فترة البحث عن عمل. وبذلك، يظهر أثر واضح على معدل البطالة بين الشباب في السعودية؛ إذ يرفض البعض فرصاً متاحةً منظرين الوظائف الحكومية.
3. فجوات المهارات الرقمية وسرعة تغير سوق العمل
يشهد سوق العمل تحولات سريعة بسبب الرقمنة، وهو ما خلق طلباً متزايداً على المهارات التقنية. إلا أنّ كثيراً من الشباب يفتقرون إلى هذه القدرات، ما يزيد من بطالة الشباب في السعودية. فأصحاب العمل غالباً يشتكون من صعوبة إيجاد كفاءات رقمية مؤهلة.
4. عوائق أمام ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة
يصطدم تفكير الشباب في ريادة الأعمال بتحديات كبرى مثل التمويل والإجراءات البيروقراطية وضعف الوصول للأسواق. تحدّ هذه العوائق من قدرة المشاريع الناشئة على خلق فرص عمل جديدة ويفاقم بطالة الشباب في السعودية.
5. قيود اجتماعية وجندرية وثقافية تؤثر على إدماج الفتيات/الشابات
على الرغم من تقدم مبادرات تمكين المرأة، إلا أنّ بعض القيود الاجتماعية والثقافية لا تزال تحد من فرص الشابات في سوق العمل وتتسبب في رفع معدل البطالة بين الشباب في السعودية، وخاصة بين الإناث.

6. ضعف الانتقال من المدرسة/الجامعة إلى سوق العمل
تعرقل قلة فرص التدريب العملي والربط بين الجامعات وأصحاب العمل دخول الشباب إلى الوظائف بسرعة. يزيد هذا الضعف من طول فترة الانتظار بعد التخرج و يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب في السعودية.
7. تركيب القطاع الاقتصادي والاعتماد على العمالة الوافدة في بعض القطاعات
تعتمد بعض القطاعات الحيوية اعتماداً كبيراً على العمالة الوافدة منخفضة التكلفة، وهو ما يحدّ من فرص الشباب السعوديين. يسهم هذا الوضع في بقاء بطالة الشباب في السعودية مرتفعة رغم توفر وظائف.
شاهد بالفيديو: طرق معالجة البطالة في المجتمع
استراتيجيات السعودية المستقبلية لتعزيز توظيف الشباب
تركّز السعودية في استراتيجياتها المستقبلية على تمكين الشباب من الدخول الفعّال إلى سوق العمل من خلال تطوير المهارات، ودعم ريادة الأعمال، وتعزيز التوافق بين التعليم واحتياجات السوق.
1. مبادرات “العمل المبكر” واكتشاف الطاقات الشابة
أُطلقت مبادرة (Early Work) في الأول من ديسمبر (2024) عبر صندوق تنمية الموارد البشرية (HRDF)، كجزء من برنامج تنمية القدرات البشرية في إطار رؤية السعودية (2030)، وتهدف إلى تمكين الشباب من الفئة العمرية بين 15 و24 عاماً من دخول سوق العمل مبكراً.
تضم المبادرة خمسة برامج رئيسة تشمل: التوجيه المهني، والتدريب الإلكتروني (دروب)، والتدريب التعاوني، والخبرة المهنية، وبرنامج "تمهير" لتطوير الخريجين.
وتسعى المبادرة إلى تزويد الشباب بالمهارات والكفاءات اللازمة، وتعزيز قيم العمل والانضباط لديهم، إضافة إلى ربطهم بالفرص العملية عبر شراكات مع القطاع الخاص، بما يسهم في الحد من بطالة الشباب في السعودية وتحويلهم إلى مساهمين فاعلين في الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة.
2. تعزيز منظومة المهارات والتدريب المهني والتقني
تركّز السعودية في استراتيجيتها الوطنية على تعزيز منظومة المهارات والتدريب المهني والتقني عبر إطلاق برامج نوعية مثل أسبوع المهارات (Skills Week) و مبادرة واعد للتدريب الوطني، التي تستهدف توفير ملايين الفرص التدريبية حتى عام 2028 من خلال شراكات فعّالة بين القطاعين العام والخاص.
كما تولي المملكة اهتماماً خاصاً بتنمية المهارات الرقمية المتقدمة والتعليم المهني (TVET) والتدريب المستمر، لضمان تكيّف القوى العاملة مع التحولات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد. وتشير تقارير (PwC) إلى أنّ الاستثمار في هذه المسارات يعزز جاهزية الشباب لمواكبة سوق العمل المستقبلي ويُسهم مباشرةً في معالجة أهم أسباب البطالة في السعودية.

3. تحسين مطابقة مخرجات التعليم مع سوق العمل
تركز المملكة على تعزيز الشراكات بين المؤسسات التعليمية والقطاعات الصناعية والمهنية لضمان مواكبة المناهج والبرامج التدريبية لاحتياجات أسرع القطاعات نمواً، مثل التقنية، والطاقة المتجددة، والتصنيع المتقدم. وبحسب تقارير (Kas.de)، فإنّ هذا التوجه يسعى إلى تقليص الفجوة بين التعليم والوظائف المتاحة.
كما أُنشئت مجالس مهارات قطاعية (Sector Skills Councils) تتولى مهمة تحديد المهارات المطلوبة، ورصد التغيرات في سوق العمل، وبناء إطار عمل يحقق توافقاً أفضل بين ما يتعلمه الشباب والفرص الوظيفية الواقعية، الأمر الذي يُسهم في معالجة معدل البطالة بين الشباب في السعودية ويعزز جاهزيتهم للمستقبل
4. تعزيز ريادة الأعمال وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة
تركز المملكة على دعم روح المبادرة بين الشباب عبر تسهيل الحصول على التمويل، وتقديم الاستشارات الفنية والإرشاد، إضافة إلى تحسين بيئة الأعمال بما يشجع على تأسيس المشاريع.
كما تهدف الشراكات مع القطاع الخاص – إلى جانب المبادرات الحكومية، مثل برامج الحاضنات – إلى تحويل أفكار الشباب إلى مشاريع ناشئة قائمة قادرة على خلق وظائف محلية تساهم في تقليص معدل البطالة بين الشباب في السعودية.
5. التركيز على القطاعات الاستراتيجية الجديدة والمتقدمة
تعمل السعودية على نمو قطاعات، مثل السياحة، والطاقة المتجددة، والتصنيع المتقدم، والتكنولوجيا، والمشاريع الضخمة “الجيجا-مشاريع” كـ (NEOM)، و(Qiddiya). توفر هذه المشاريع فرصاً واسعة للشباب، خاصة في المجالات التقنية والإبداعية والإدارية.
الأسئلة الشائعة
1. كيف تساهم رؤية السعودية 2030 في حل مشكلة البطالة؟
تدعم رؤية (2030) التوظيف عبر تطوير المهارات، تعزيز ريادة الأعمال، توطين الوظائف، وتنمية القطاعات الواعدة لتوفير فرص عمل متنوعة للشباب.
2. ما هو الدور المطلوب من القطاع الخاص للمساهمة في توظيف الشباب؟
يتعيّن على القطاع الخاص خلق وظائف مستدامة، المشاركة في برامج التدريب والتطوير، ودعم المشاريع الناشئة وريادة الأعمال للشباب.
3. كيف يمكن للشاب السعودي زيادة فرصه في الحصول على وظيفة مناسبة؟
بتطوير المهارات العملية، والانخراط في التدريب المهني والتقني، واكتساب خبرة من خلال التدريب التعاوني، ومواكبة احتياجات سوق العمل المتجددة.
في الختام
يُعد معدل البطالة بين الشباب في السعودية مؤشراً هاماً على التحديات الهيكلية في التعليم وسوق العمل وسياسات التوظيف. تعكس هذه الأرقام الحاجة الملحة لمواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات القطاعات الواعدة، وتعزيز المهارات الرقمية والفنية، وتشجيع ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما تُظهر استراتيجيات رؤية السعودية (2030) وبرامج التدريب والتوطين المستمرة تُظهر إمكانات كبيرة لتقليص الفجوات وتحويل الشباب من باحثين عن فرص عمل إلى عناصر فاعلة ومبتكرة في الاقتصاد الوطني.
أضف تعليقاً