انتكاسة الاكتئاب: أسبابها وأعراضها وطرق علاجها

350 مليون شخص حول العالم مصابون بالاكتئاب حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، وفي الواقع هو رقم مخيف بعض الشيء ويفتح أبواب العديد من التساؤلات عن الأسباب والعوامل والظروف التي تكمن وراء إصابة هذا العدد الهائل من الناس بالاكتئاب، كما يدفعنا إلى التساؤل عن إمكانية العلاج ومدى فاعليته، وما هي المخاطر المحتملة في رحلة العلاج هذه.



كما في أي مرض آخر يوجد احتمال كبير لحدوث انتكاسة في أثناء العلاج أو بعده؛ أي عودة الاكتئاب لمهاجمتك من جديد، ولأنَّ الانتكاسة كما يُقال أصعب من المرض نفسه، فكان لا بدَّ من أخذ حدوثها في الحسبان والاستعداد لمواجهتها للتخفيف من أعراضها وآثارها على أقل تقدير؛ إذ إنَّ منع حدوثها يفوق طاقاتنا أكثر الأحيان، وتكمن خطورة الانتكاسة في كونها سبباً لشعور المريض بالإحباط ومن ثم تقلل من عزيمته في مواجهة المرض وقد تدفعه إلى الاستسلام.

في هذا المقال سنتحدث عن انتكاسة الاكتئاب وأسبابها وأعراضها وطرائق علاجها.

أولاً: ماذا يعني مصطلح انتكاسة الاكتئاب، وما هي أعراضه؟

"تمكَّن الاكتئاب مني مجدداً" هذه العبارة التي نسمعها باستمرار من مرضى الاكتئاب؛ على الرغم من بساطتها إلَّا أنَّها يمكن أن توضح معنى هذا المصطلح الذي يشمل عودة أعراض الاكتئاب للظهور مجدداً لدى الشخص الذي اعتقد أنَّه شفي من اكتئابه بعد فترة من تلقيه العلاج أو في أثنائه، فإذا كنتَ من الأشخاص الذين عانوا من الاكتئاب وقد أنهيت رحلة علاج طويلة، فضَع في حسبانك أنَّ الانتكاس أمر وارد، لكن لا داعي للقلق؛ يُمكنك أن تهزمه مجدداً.

أظهرت الأبحاث أنَّ حوالي ثلث الأشخاص الذين اعتقدوا أنَّ الاكتئاب غادرهم إلى الأبد عاد إليهم خلال عام فقط، وهنا من الضروري أن ننتبه إلى أنَّ عودة الاكتئاب لا علاقة لها بمدى فاعلية العلاج ولا تدل مطلقاً على فشله، والأسباب المؤدية إلى انتكاسة الاكتئاب تتعلق بأسباب وعوامل أخرى سنذكرها لاحقاً.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتقديم الدعم لشخص يعاني من الاكتئاب

ثانياً: ما هي أعراض انتكاسة الاكتئاب؟

هل كل شعور بالحزن أو الألم يعني عودة الاكتئاب؟ وهل كل رغبة في الانعزال تعني أنَّنا أمام مواجهة جديدة لمرضنا؟ في الحقيقة لا يمكن أن نَعُدَّ المشاعر العابرة وردود أفعالنا الطبيعية على المواقف الحياتية المختلفة والمثيرات الخارجية انتكاساً.

فإذا كنَّا ما نزال نمتلك القدرة على ضبط أنفسنا ومشاعرنا والتحكم بحياتنا، وما نعانيه لا يسيطر علينا ولا يمنعنا عن ممارسة حياتنا بشكل طبيعي ولا يقف عائقاً أمام تأدية أعمالنا؛ فهذا يعني أنَّنا ما زلنا في برِّ الأمان، وما يحدث معنا هو استجابات وردود أفعال طبيعية يقوم بها أي إنسان، أمَّا عن أعراض انتكاسة الاكتئاب فيمكن إجمالها في عدَّة نقاط، ويقتضي الانتباه قبل البدء بتعدادها إلى وجود بعض التشابه في بعض الأعراض بين الاكتئاب وبين انتكاسة الاكتئاب، وهذه النقاط هي:

  1. سيطرة مشاعر الحزن والألم والبؤس عليك من جديد؛ إذ لا تكون هذه المشاعر عابرة أو مؤقته؛ بل هي مشاعر مستمرة تحملها طوال اليوم وقد تمتد معك لأكثر من أسبوعين وتجعل مزاجك سيئاً وشهيتك على البكاء مفتوحة دائماً دون أي سبب واضح وملموس.
  2. سرعة في الانفعال وغضب غير مبرر من مواقف لا يستحق التعامل معها هذا السيل من العبارات الغاضبة والانفعالات الشديدة؛ أي حالة أشبه بكونك بركاناً يحتاج إلى شرارة صغيرة فقط ليثور في وجه من يحيط به.
  3. الشعور بالإحباط والتركيز في الأمور التافهة والتعامل معها على أنَّها ذات أهمية بالغة، حتى أنَّ تعليقاً بسيطاً على الشكل أو على أداء العمل قد يجعلك مستاء طوال النهار ومحبطاً.
  4. عدم الشعور بالسعادة وفقدان الإحساس بالمتعة الذي كنت تشعر به سابقاً عند قيامك ببعض النشاطات المحببة لديك: أغانيك المفضلة، رياضتك الصباحية، ممارسة هواياتك؛ جميع هذه الأشياء لم تَعُد تستطيع تحسين مزاجك، حتى أنَّ رؤية الأصدقاء بعد أن كانت مساحة لك للشعور بالراحة والأمان أصبحت عبئاً يثقل كاهلك.
  5. تراجع في العلاقة مع الشريك وفقدان الشغف تجاهه حتى أنَّ هذا التراجع يطال رغبتك الجنسية أيضاً.
  6. صعوبة كبيرة في التركيز واتِّخاذ القرارات وهي حالة يصح تسميتها بتباطؤ العمليات المعرفية، فتصبح معها غير قادر على إجراء أيَّة عملية ذهنية مهما كانت بسيطة بسرعة، كما أنَّك تصبح مشوشاً وهذا بالطبع ما يترك أثراً واضحاً في عملك وحياتك.
  7. مشكلات في الذاكرة تؤثِّر في سير حياتك الطبيعي، فقد تنسى فجأةً رقماً هاماً أو عنواناً ضرورياً.
  8. مشكلات عديدة في النوم تبدأ مع الصعوبة بالنوم وتنتهي بالأرق الذي قد يستمر طوال الليل، وأحيانا قد يقضي المصاب بانتكاسة الاكتئاب أياماً دون نوم، وأحياناً أخرى يقضي أياماً في سريره دون أيَّة رغبة في النهوض ومواجهة العالم، وكأنَّ سريره هو المكان الآمن الوحيد في هذا العالم.
  9. كره الذات وجلدها طوال الوقت مع الإحساس بانعدام القيمة وانعدام الإنجازات، وسوف تفتح عينيك على إخفاقاتك فقط وتنظر إلى كل أفعالك وإلى نفسك حتى بعين الناقد الذي لا يرحم، وتبدأ يومك دائماً بمراجعة قائمة أعددتها بنفسك ودوَّنت عليها أخطاءك وذكرياتك السيئة ومشاعرك المؤلمة متجاهلاً أي إنجاز جميل قمت به أو ذكرى جميلة عشتها.
  10. ازدياد الرغبة في الابتعاد عن الجميع وتجنُّب اللقاءات والأحاديث؛ وذلك لأنَّ أي حدث مهما كان عابراً وبسيطاً يحفر عميقاً في قلبك دون القدرة على المواجهة، فتقرر الانسحاب وترك العالم المزدحم الذي لم تَعُد تقوى على احتماله.
  11. اضطراب في أنماط الأكل لديك وما ينتج عن ذلك؛ أي إمَّا زيادة في الوزن بسبب الشراهة غير الطبيعية أو فقدان في الوزن بسبب انعدام الشهية.
  12. الشعور بالتعب والإرهاق طوال الوقت وعدم القدرة على ممارسة نشاطاتك اليومية.
  13. الشعور ببعض الآلام العضوية دون وجود سبب لها.
  14. الأفكار الانتحارية والرغبة في إيذاء نفسك والآخرين.

ثالثاً: ما هي أسباب انتكاسة الاكتئاب؟

سيخطر في بالنا بالتأكيد أن نسأل عن السبب الذي يؤدي إلى عودة الاكتئاب إلينا على الرغم من شفائنا منه وعلى الرغم من اتِّباع خطوات العلاج وتناولنا الدواء، وفيما يأتي سنقدم مجموعة من الأسباب التي تُعَدُّ عوامل محفزة لعودة الاكتئاب:

  1. فقدان شخص عزيز قد يكون أحد أفراد الأسرة أو صديقاً مقرباً أو حبيباً، وقد يكون الفقد بسبب الموت أو السفر أو حتى الطلاق والانفصال.
  2. تعرُّضك لمشكلة كبيرة أو اقتحام حدث مفاجئ لحياتك الهادئة.
  3. عدم الالتزام الكامل بالخطة العلاجية التي قد تتضمن استراتيجيات دفاعية عديدة، فترك إحداها يعني ترك ثغرة واضحة تمكِّن غريمك من إعادة اقتحام حياتك، وقد أكَّد الكثيرون من الأطباء على الضرورة الكبيرة لإكمال علاجك حتى لو أحسست بأنَّك شُفيت.
  4. تغيير إجباري في نمط حياتك كاستلامِك وظيفة جديدة تتطلب منك الكثير من الجهد والتعب؛ مما يؤثر في نمط حياتك ويُحدث اضطراباً حتى في نمط نومك.
  5. تعرُّضك لذات الضغط الذي تسبب باكتئابك في الأساس كفشل في عمل ما أو رسوب أو حتى تعرُّضك للتحرش أو الاغتصاب أو العنف المنزلي.
  6. التغييرات الهرمونية قد تكون سبباً بانتكاسة الاكتئاب أيضاً؛ كالتغيُّرات التي تحدث في سن البلوغ أو عند بدء سن اليأس.
  7. عودة شبح الذكريات السيئة لمطاردتك من جديد.
  8. مضادات الاكتئاب تُعَدُّ أيضاً من الأسباب الرئيسة لحدوث الانتكاسة، وربما من أخطر ما قد يفعله شخص يعاني من الاكتئاب هو التوقف عن تناول مضادات الاكتئاب التي وصفها الطبيب له فجأةً ودون استشارته؛ وذلك لأنَّ الانقطاع المفاجئ عن تناول هذه المضادات يُعَدُّ سبباً أساسياً لحدوث الانتكاسة.

كما أنَّ استجابة المريض لهذه المضادات قد تقل لسبب ما، وهذا يسبب الانتكاسة أيضاً، وعلى العموم فإنَّ الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب أكثر عرضة من غيرهم لحدوث الانتكاسة فيما بعد كما أكَّدت العديد من الدراسات.

رابعاً: تشخيص وعلاج انتكاسة الاكتئاب

عند ملاحظة الأعراض سابقة الذكر وخاصة عند تفاقمها وزيادة حدَّتها بشكل يؤثر في السير الطبيعي للحياة، لا بدَّ من مراجعة الطبيب المتخصص لتقييم الحالة وتقديم العلاج المناسب الذي يمكن أن يشمل ما يأتي:

  1. العلاج السلوكي المعرفي الذي يتم من خلال جلسات فردية أو جماعية يشارك فيها المصاب بانتكاسة الاكتئاب، ويُساعَد فيها المريض على فهم الأسباب التي أوصلته إلى مثل هذه الحالة؛ وذلك لأنَّ فهم الأسباب يساعد كثيراً على تعديل السلوك وتخطي حالة الضياع والعذاب التي يعاني منها الشخص المصاب.
  2. العلاج الدوائي الذي يتضمن مضادات الاكتئاب وأدوية مهدئة وأدوية للمساعدة على النوم ومحسنة للمزاج، ومن الجدير بالذكر أنَّ الأدوية التي يصفها الطبيب عند علاج انتكاسة الاكتئاب قد تكون مختلفة عن الأدوية التي وصفها عند الاكتئاب، وقد يزيد الجرعة أو يُنقصها، وكل ما عليك أن تفعله هو الالتزام بالخطة العلاجية.
  3. العلاج الدوائي بالتزامن مع العلاج المعرفي السلوكي.
  4. العلاج بالصدمات الكهربائية يُعَدُّ أحد الحلول المقترحة لإعادة التوازن الذي فقده المريض.
  5. في حال كان الوضع أشد خطورة من المتوقع وبدأت آثاره تهدد السير الطبيعي لحياة المريض، فيمكن الإقامة في المشفى أو في مركز متخصص حتى يتم العلاج نهائياً.
إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

خامساً: بعض النصائح للتغلُّب على انتكاسة الاكتئاب

سنقدم لك فيما يأتي مجموعة من النصائح التي تساعدك على التغلُّب على هجمة الاكتئاب الجديدة، أو على الأقل التخفيف من الأعراض قدر الإمكان:

  1. ابنِ حياة صحية من جميع النواحي؛ كالحصول على قسط جيد من النوم والراحة، ممارسة الرياضة، تناول الطعام الصحي؛ وذلك لأنَّ جميع هذه الأمور تساهم في رفع حالتك المزاجية وتزيد من مقاومتك للأمراض سواء النفسية أم الجسدية.
  2. اقطع حبل التفكير في الذكريات السيئة والماضي القاسي؛ فهذا الحبل أنت تلفه بيديك وتشده حول عنقك، ولست مضطراً إلى شدِّه وحمل كل تلك الأعباء، اقطع هذا الحبل وخفِّف من حمولتك وستجد أنَّ الحياة ستصبح أكثر سهولة.
  3. تذكَّر دائماً أنَّك في حرب مع الاكتئاب وسوف تنتصر وأنت الأقوى، فقط أشهِر سلاحك في وجهه ولا تختبِئ وتحلَّ بالعزيمة والإصرار.
  4. قاوِم شعورك بالرغبة في الانعزال والابتعاد عن الناس، واقبَل يد العون التي يمدها أهلك وأصدقاؤك؛ وذلك لأنَّ الوحدة ستزيد الأمر سوءاً وتعطيك الوقت الذي تحتاج إليه للتفكير والتأمل في الأمور السيئة التي تحيط بك.
  5. أَعطِ نفسك الفرصة لتكتشف أنَّ القادم أفضل والمشاعر المؤلمة التي تشعر بها الآن ستصبح أقل قسوة مع الوقت وهذا ليس كلاماً فقط، أعطِ نفسك الفرصة لتكتشف هذا بنفسك.
  6. افعَل أشياء ممتعة؛ مثل مشاهدة فيلم، نزهة في الطبيعة، قراءة كتاب ملهم.
  7. دوِّن ملاحظاتك باستمرار، وأطلِق سراح مشاعرك الدفينة بالكتابة.
  8. لا تتأخر عن جلساتك ولا تهمل أدويتك ولا تقطع علاجك دون استشارة الطبيب.
إقرأ أيضاً: كيف تتجاوز النكسات وتستعيد الحافز؟

في الختام:

لا تستسلم واستمر في حربك حتى النهاية، ولا تجلس وتحدِّق في جدران غرفتك وكأنَّ العالم انتهى هنا؛ إذ ما يزال يوجد الكثير في انتظارك لتعيشه، فقط افتح هذا الباب الذي أوصدته بيديك، وتعلَّم كيف تتقبَّل ما يجري حولك، وكيف تستمر في السير رغم كل شيء.

تذكَّر دائماً أنَّ أهلك وأصدقاءك بجانبك دائماً وطبيبك أيضاً، وحتى الحياة التي تعتقد أنَّها تشهر سيفها في وجهك إن عدَّلت الزاوية التي تنظر منها وإن غيَّرت إدراكك قليلاً للظلم والمأساة والقسوة التي تتعرَّض لها، فسيتحسن كل شيء، فبدلاً من الانغماس فيها عُدَّها سبباً للمقاومة والتغيير وتحسين الواقع الذي تعيشه.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة