اليأس: مفهومه، وأسبابه، وسبل التخلص منه

يعيش الفرد منَّا حياته في تبدُّل دائم ومتكرر، فلا تجري الأمور على نسق واحد دائماً؛ ففي بعض الأحيان، تكون حياتنا مليئة بالسعادة، وفي أحيان أخرى تكون ممتلئة بالضجر والإحباط. ثم إنَّ كيفية تعامل الإنسان مع الظروف التي تواجهه، هي ما تمكِّنه من القدرة على التحمل والتكيف مع تلك المتغيرات المتكررة؛ إذ قد تسيطر على حياته بعض الأحاسيس وتستملكه مدة طويلة من الزمن، وقد تكون هذه المشاعر ذات أثر إيجابي؛ ممَّا يجعل السعادة والفرح ينتشران في ذاته.



ولكن في بعض الأحيان، قد تكون هذه الأحاسيس ذات آثار سلبية أيضاً، فتؤدي دوراً مخرباً في حياة هذا الإنسان، ولعلَّ من أبرز هذه الأحاسيس السلبية، والتي كثيراً من الأحيان ما نسمع بها، هي مشاعر اليأس؛ لذا، سنتحدث في مقالنا هذا عن أسرار تتعلق باليأس، شارحين مفهوم اليأس، وأسبابه، وطرائق التخلص منه.

مفهوم اليأس:

اليأس هو إحساس ينبع من باطن الإنسان، يسيطر على نفسه وعقله في آنٍ واحد، فينتاب الإنسان شعوراً بالضجر، ويصبح بعيداً كل البعد عن الراحة والاسترخاء، ويسيطر عليه الإحباط وانقطاع الأمل في الدنيا وعدم امتلاك الاستطاعة على تبديل الحال السيئ.

يدفع الشعور باليأس الإنسان إلى الثبات في وضع الحزن والإحباط؛ الأمر الذي يوجب عليه نتيجة ذلك التوجه إلى عيادات الأطباء المتخصصين في علم النفس من أجل التخلص من حالة الاكتئاب هذه، واستعادة الإحساس بالفرح في الحياة مرة أخرى.

يُعَدُّ الإحساس باليأس والإحباط من المشكلات النفسية القوية والمستعصية التي تحتاج إلى جلسات عديدة وكثيرة عند الأطباء النفسيين، وقد يصل الأمر بالإنسان إلى الذهاب إلى مصح للأمراض العقلية والنفسية، ولقد باتت هذه المشكلات موجودة بشكل خيالي ومذهل في العصر الحالي، ومع ذلك، يكون علاج المرض النفسي سهلاً وغير مستعصٍ في بدايته، لكن إن بقي مدة طويلة من الزمن دون علاج، فقد يصبح صعباً.

أنواع اليأس:

  1. اليأس من مغفرة الله سبحانه وتعالى: وهذا أمر محرَّم في الشرع والدين، فالله من أسمائه الحسنى الغفور والرحيم والرحمن وهو فعَّال لما يريد، وقد شجعنا عز وجل على عدم اليأس من مغفرته؛ لذا يُصنَّف الإنسان اليائس من مغفرة الله سبحانه وتعالى على أنَّه من الجاحدين والمنكرين لفضل الله عز وجل، فرحمة ربنا جلَّ وعلا وسعت كل شيء، وشملت الخلق عامةً سواءً من الإنس أم من الجن أم من الحيوانات.
  2. اليأس من تحسُّن الظروف: قد تمرُّ بالإنسان أيام شدة صعبة تودي به إلى الجنون أحياناً، فيغدو الإنسان كئيباً هزيلاً مستسلماً للأمر الواقع، وهو يظن أنَّه مهما فعل لن يستطيع تحسين حالته السيئة، وهذا ما يزيد من شدة المصيبة.
  3. اليأس من إحسان الناس: دائماً ما يتوقع العديد من الناس الشر من غيرهم؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ الإحسان بين الناس قد اختفى، ويعتقدون أيضاً أنَّ كل مشاعر المحبة والتآخي هي مشاعر كاذبة منافقة لا صحة لها، فيعيش الإنسان في حالة من العزلة واليأس آخذاً تصرفات الناس جميعاً من منحى سيئ.
  4. اليأس من الشفاء من المرض: لا بُدَّ أن نشير هنا إلى أنَّ العامل النفسي يؤدي دوراً كبيراً في الشفاء، فعندما يكون الإنسان المريض ذا همة عالية وثقة تامة بأنَّه سيشفى ويعود إلى حياته الطبيعية السليمة، عندها يكون احتمال شفائه من مرضه أكبر وأقوى، أمَّا إذا كان ضعيفاً ومكتئباً ويائساً، فيكون احتمال عدم الشفاء كبيراً؛ لأنَّ اليأس وحده يشكِّل مرضاً.
إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الاكتئاب النفسي وتعيش حياة سعيدة

ما هي أسباب تغلُّب اليأس وسيطرته علينا؟

  1. عدم توافر مُعلِّم أخلاقي وإلهي؛ حيث يشعر الإنسان بأنَّه إن لم يحقق النجاح في مسألة معيَّنة فإنَّ ذلك هو آخر يوم في حياته، ظنَّاً منه أنَّه هو وحده المالك لشؤون النجاح أو الفشل، فينسى أنَّ أحد أركان الإيمان هو الإيمان بالقضاء والقدر سواءً بالخير أم بالشر، وبأنَّ الأقدار مسجلة في اللوح المحفوظ عند الله سبحانه وتعالى، ناهيك عن نسيانه أنَّ التوكل على الله عز وجل، يتطلب القبول بكل ما قد يحدث له من مصائب وأزمات ومشكلات.
  2. استعجال الشخص في الوصول إلى الغاية التي يريدها ويطمح إليها بشغف، ووزنها بموازين الحياة الدنيا وليس بموازين الحياة الآخرة.
  3. فشل الإنسان وعدم تمكُّنه من النجاح في محطة ما من محطات حياته، على سبيل المثال: العمل أو الزواج أو العلم.
  4. عدم امتلاك القدرة على حل المشكلات أو التكيف مع الأحوال التي تحيط بنا بكل ما فيها من مصائب وأفراح وأتراح وفشل ونجاح.
  5. الابتعاد عن الناس وتجنب الجلوس معهم أو التواصل معهم، ظناً بأنَّ الناس جميعهم سيئون، على الرغم من أنَّ الحياة مليئة بالناس الخيرين، ويوجد منهم من يجب علينا التقرب إليهم والاعتناء بهم ليكونوا عوناً لنا في أيامنا الصعبة الحزينة؛ إذ إنَّ من الناس من هو مستعد لبذل الغالي والنفيس من أجل سعادة من يحب ومساعدته على تحقيق أهدافه وطموحاته الكثيرة.
  6. الاستياء من الأحوال المالية القاسية أو المتقلبة وغير الثابتة؛ إذ إنَّ المال شيء هام في حياة الإنسان، يستطيع من خلاله تأمين حياة حرة كريمة له ولأهله وأقاربه.
  7. وجود بعض المشكلات العائلية التي تؤثر تأثيراً سلبياً في حياة الإنسان، وينعكس ذلك على حالته النفسية، فقد تؤدي المشكلات الأسرية إلى الإصابة بالإحباط.
  8. معاناة المجتمع ككل من عدم توافر الاستقرار؛ وذلك نتيجةً لكثرة المشكلات الاقتصادية أو السياسية أو الأخلاقية أو المدنية.

علاج اليأس:

يُنظَر إلى الشعور باليأس على أنَّه ظاهرة مَرَضيةً من الظواهر التي تصيب النفس البشرية، فيصبح الإنسان غير قادر على الوصول إلى المراتب العالية؛ لذا ارتأينا أن نضع بعض العناوين المفيدة، ونقدم العديد من الطرائق التي نتمنى أن تكون مفيدة بما يكفي في معالجة مرض اليأس الخطير والمستعصي، ومن هذه الطرائق:

  1. تثبيت اليقين عند الإنسان من خلال الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، وبمعناه الدقيق والمفيد، وتعويد الإنسان نفسه على التوكل على الله سبحانه وتعالى؛ ونقصد بذلك أن يستند قلب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى في الوصول إلى الغاية، مع الأخذ في الحسبان الطرائق المُحلَّلة دينياً، والعمل بإخلاص ومسؤولية للوصول إلى الغايات المطلوبة؛ إذ إنَّه لا يمكن تحقيق أيَّ شيء دون أمرين هامين هما العمل بجد، وكسب رضا الله جلَّ وعلا.
  2. تعظيم الثقة بالذات البشرية، والاستناد إلى النفس في إنجاز العمل، وأنَّ الإنسان هو المسؤول عمَّا ينتج عنها دون ضعف أو خجل، فالإنسان المسؤول هو الذي يكون جاهزاً لكل الأمور، سواءً أكانت جميلة أم تعيسة، ويتقبلها بروح مرحة ونفس مطمئنة.
  3. الإيمان بقدرة الإنسان على تبديل حاله السيئ إلى حالٍ أفضل في العديد من مناحي الحياة؛ حيث يمكن ترسيخ هذا الإيمان بالاطلاع على تجارب الناس الذين حققوا النجاحات في العديد من مجالات الحياة، وحين تقرأ كيف وصل الناس إلى مبتغاهم على الرغم من الصعوبات، ستجد نفسك قادراً على تحقيق أهدافك؛ لأنَّ ما ينقصك عن هؤلاء الذين حققوا النجاحات هو المزيد من الجهد والتعب والإخلاص فحسب.
  4. مطالعة سير حياة القديسين والصالحين والأنبياء، الذين بدَّل الله عزَّ وجل بقداستهم وحِلمهم وأخلاقهم طعم الحياة المر وجعله أكثر حلاوة ونقاء، على الرغم من المصاعب والأمور الشاقة التي واجهَتهم، والتي تغلبوا عليها بإصرار قوي وعزيمة دائمة، حتى وصلوا إلى مبتغاهم بالتوكل على الله سبحانه وتعالى وبذكرهم الدائم والمستمر لله عز وجل.
  5. الإيمان بأنَّ الخضوع والرضوخ لحالة اليأس والإحباط، لن يحصد راجيها إلا الكثير والكثير من عدم النجاح والحزن ومعاناته من الأمراض؛ لذا يجب عليه أن يدرك أنَّه ما من بديل عن اليأس أقوى من التفاؤل والعمل الجاد لتحقيق الأهداف التي ظنها محالة وصعبة التحقيق.
  6. التقرب من الناس الإيجابيين الذين يعطونك طاقة إيجابية ودفعاً جيداً للمضي في الطريق الذي تريده أنت، فالإنسان الإيجابي موقن بأنَّه لا يوجد شيء غير قابل للتحقيق، فالشيء الذي كان خيالاً البارحة أصبح متاحاً اليوم، وكل ذلك بفضل الإصرار والعزيمة والثقة بتحقيق الأهداف.
  7. الابتعاد عن الأشخاص السلبيين الذين يبعدون لك البعيد، ويستخفُّون بأهدافك ويصفونك بالحالم الغبي، فيحاولون إقناعك بأنَّ كل ما تصبو إليه غير قابل للتحقيق وأنَّ مصيرك الفشل حتماً.
  8. الابتعاد عن جو المشكلات والمشاحنات التي ليس من شأنها سوى تدمير عزيمة الإنسان، وجعله يشعر بحالة مستعصية من الإحباط واليأس.
  9. التفكر في تفرعات المشكلات والمصائب، لندرك أنَّها مصائب وإن طالت فمصيرها الزوال والاختفاء، فهذه حال الدنيا متقلبة بين عسر ويسر وبين حزن وفرح وبين رخاء وضيق.
  10. تقوية العلاقات الاجتماعية وزيادة التواصل؛ ذلك لأنَّ الحياة الاجتماعية الكثيفة تشغل الإنسان عن اليأس والإحباط، ويصبح وقته ممتلئاً لا يجد فيه وقتاً للتفكير في بالأمور عديمة الفائدة والتي قد تؤذيه في بعض الأحيان.

شاهد بالفديو: 10 نصائح لمحاربة اليأس والاستسلام

وبذلك، نرى أنَّ على الإنسان التحكم في أفكاره وجعلها إيجابية؛ لأنَّ الأفكار السلبية محطِّمة لكل ما هو جميل في هذه الحياة، ومحطمة للحلم وللقدرة للذكاء، ومحطمة لكل شيء، كما أنَّها تحد من عزيمة الإنسان وقدرته على تجاوز المصاعب والأخطار، والأفكار السلبية تتجسد بشكل كبير في اليأس، الذي يُعَدُّ آفة العصر ومرضاً نفسياً خطيراً يتوجب علينا الإسراع في علاجه قبل أن يفتك بنا ويصبح مستعصياً وصعب العلاج؛ لذلك فليراقب كلٌّ منَّا أفكاره وليوجهها في الطريق السليم ليصل إلى أهدافه بكل سهولة.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة