الوقت (أنت) بين الماضي والمستقبل والحاضر

ما هو الوقت؟ هل لماضينا تأثير على حاضرنا؟ هل لحاضرنا تأثير على مستقبلنا؟

ما هي علاقة حاضرنا بماضينا؟ ما هي علاقة حاضرنا بمستقبلنا؟ كيف ننظر إلى الوقت؟

كيف ننظر إلى الماضي؟ كيف ننظر إلى الحاضر؟ كيف ننظر إلى المستقبل؟

وهل لطريقة نظرنا للوقت تأثير على عمرنا؟



هذه أسئلة مهمة ومن الجميل أن نبحث فيها، ولكن لندرك الوقت أولاً:

ينقسم الوقت الذي نعيش فيه إلى ثلاثة أقسام: ماض، وحاضر، ومستقبل، يقول الإمام أبو حامد الغزالي في "إحيائه": "الساعات ثلاث: ساعة لا تعب فيها على العبد، كيفما انقضت: في مشقة أو رفاهية، وساعة مستقبلة لم تأتِ بعد لا يدري العبد: أيعيش إليها أم لا؟ ولا يدري ما يقضي الله فيها، وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه" وقال أحد الشعراء:

ما الدهر إلّا ساعتان: تأمل         فيما مضى وتفكّر فيما تبقى

"أي أنّه ألغى الحاضر تماماً، ولكن ينبغي أن نعلم أنّ الحاضر في عرف الناس هو اللحظة الحاضرة المتصلة بالجزء القريب من المستقبل، الذي يعتبره الإنسان كأنّما قد حضر بالفعل" (11صفحة51)، وإذا تأملنا قليلاً نجد أنّ الحاضر ليس إلّا خطّاً وهمياً بين الماضي والمستقبل، ولقد شبه دارسو البرمجة اللغوية العصبية إدراك الإنسان للزمن بخط وهمي يمكن تخيله، يُعبّر عن الماضي والمستقبل، والحاضر عبارة عن نقطة وهمية عليه، فالحاضر هو اللحظة الحالية التي كانت منذ لحظة مستقبلاً وستصبح بعد لحظة ماضياً، أنت عبارة عن وقتك الذي هو ماض وحاضر ومستقبل، فلننظر سوية في أصناف الناس، ولتبحث أيٌّ أنت منهم.

إقرأ أيضاً: 11 نصيحة للتخلص من التفكير في إخفاقات الماضي والتفكير في المستقبل

والناس أصناف في علاقاتهم ونظراتهم إلى الوقت، "فهناك عبيد الماضي، وبجوارهم عبّاد الحاضر، وإلى جانبهم سدنة المستقبل، وهناك المعتدلون المتوازنون، الذين يعطون لكلّ منها حقه، بلا طغيان ولا إخسار، وقليل ما هم".

فلنبحث في هذه الأصناف، ولتبحث أيٌّ أنت منهم:

1- عبيد الماضي:

بعض الناس يركزون تفكيرهم وأحاسيسهم في الماضي، ولا يعرفون (بالكاد) غيره، من حاضر أو مستقبل حيث يكون حاضرهم تعبيراً عن تركيزهم في الماضي الشخصي، أو ماضي أسرهم أو ماضي آبائهم أو أمهاتهم، فمنهم:

  1. المستسلم النادم على الفائت منه.
  2. المُعتز بأمجاده دون تقديم المزيد.
  3. المقلد الأعمى لا المُختبر المُميّز.

1. المستسلم النادم على الفائت منه:

يردد عبارات مثل:

  • لو كان لدي مليون دولار.
  • يا ليت لم أترك الجامعة!
  • لو أنفقت وقتاً أكبر على دراسة اللغة والكون.
  • يا ليتني لم أثق به.
  • يا ليت انتسبت لكلية التجارة والاقتصاد.
  • لو أنّي أخبرته بحقيقة الأمر.

يردّد عبارات مثل "ليتني فعلت كذا" بشكل سلبي دون محاولة البحث عن حلول، نادماً متشائماً دون أمل، وهنا يضيع التركيز على المستقبل والتطلع إليه (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) (الحشر18) (11صفحة 40).

"ولا غرو أن أنكر القرآن الكريم والسنة الشريفة هذا السلوك، يقول الله تعالى بعد ما أصاب المسلمين في غزوة أحد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (آل عمران 156)، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أنّني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان".

فالإيمان بقدر الله تعالى يدخل هنا كعامل إيجابي مؤثر، ينتزع الإنسان من سلبية "لو" و"ليت" ونحوها ويأخذه إلى إيجابية العمل والبناء للمستقبل. وفي هذا تغنى الشعراء:

ليتَ شعري، وأين منّي "ليت"؟          إنَّ "ليتاً" و"إنََّ" لوَّاً" عنـــاء!

وليس براجعٍ ما فــات مني           بـ"لهف" ولا بـ"ليت" ولا "لوانِّي"

سبقت مقاديرُ الإله وحكمـه            فأرح فؤادك من "لعل" ومن "لو"

إقرأ أيضاً: 5 نصائح مهمّة تساعدك على نسيان الماضي والبدء من جديد

2. المُعتز بأمجاده دون تقديم المزيد:

من أمجاد أسرته أو أمته، دون أن يضيف جديداً يصل فيه حاضره بماضيه ويومه بأمسه، يردّد عبارات مثل:

  • جدي فلان باشا..
  • أنا أنتسب لعائلة كذا المشهورة وذات الأصالة المعروفة..
  • أجدادنا هم أسباب النهضة الأوروبية..
  • نحن من أوجد رقم الصفر..
  • كان لأجدادنا التأثير الكبير في كل العلوم الحالية...

يردّد عبارات مثل: فعلنا كذا وقمنا بكذا أو أنجزنا كذا، ولمثل هذا قال الشاعر:

لئنْ فَخَرتَ بآبــاءٍ ذوي حَسَبٍ       لقد صــدقت، ولكن بئس ما وَلَدُوا

وقال آخر:

كُن ابن من شئتَ واكتسب أدباً         يُغنيك محمودُه عن النســـــب

إن الفتى من يقول: ها أنـذا         ليس الفتى من يقول: كان أبي

إنّ الاعتزاز بأمجاد الماضي، ومآثر الأجداد، أمر محمود، إذا دفع إلى إكمال ما بدؤوا، والإقتداء بهم في خير ما فعلوا، ولكن الوقوف عند التغني بذلك أمر سلبي لا يُقدّم في بناء الأمم شيئاً. وماذا يفيد العظام النخرة أن تقول: كنت فيما مضى جسداً حياً؟ إنّ الموقف الإيجابي هنا هو ما عبّر عنه الشاعر بقوله:

إنَّا وإن كرمت أوائلنا            لسـنا على الآباء نتَّكلُ

نبني كما كانت أوائلنا           تبني ونفعل مثل ما فعلوا

إقرأ أيضاً: بعض الاستراتيجيات لتحرير نفسك من الماضي

3. المُقلد الأعمى لا المُختبر المُميّز:

لمّا رأى (أو سمع) ما كان عليه آباؤه الأولون، دون تمحيص واختبار، فهو نسخة أخرى غير مطورة عن آبائه أو أجداده أو مجتمعه، بأخطائهم وحسناتهم (11صفحة 41)، يردد عبارات مثل:

  • أربي أولادي كما رباني أهلي!
  • "نمشي الحيط الحيط ونقول يا ربي السترة" هكذا كان يقول أبي..
  • هكذا رأيت أبي يفعل..
  • هكذا سمعت أمي تقول..
  • هذا ما كانوا يعتقدون به أجدادنا..

وقد أنكر القرآن على هذا الصنف من الناس، وهذا الجمود العقلي، وهذا التحجّر على ما كان عليه الآباء، والتبعية العمياء لما توارثوه، وواجههم بمثل هذه الآيات: "أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (المائدة 104)، "قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ" (الزخرف24).

إقرأ أيضاً: العقلية الدوغمائية المتحجرة!

2- عبيد المستقبل:

مثلما يوجد أناس يركزون تفكيرهم وأحاسيسهم على الماضي، يوجد عبيد المستقبل الذين يركزون تفكيرهم وأحاسيسهم على المستقبل متناسين الماضي وأحياناً الحاضر، فمنهم:

  1. المتمني الحالم.
  2. الرافض للماضي.
  3. المتشائم من المستقبل.

1. المتمني الحالم:

الذي يعيش حياته بأمانيه، ولكن هناك فرق بين الأمنية والهدف، فالأمنية فكر بلا عمل، بينما الهدف فكر يعكسه التخطيط والعمل، يقول كعب بن زهير: "إنّ الأماني والأحلام تضليل"، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لابنه: "إياك والاتكال على المنى، فإنّها بضائع النوكى"، أي: الحمقى، وقال الشاعر:

أعلل بالمنى قلبي لعلـي            أروح بالأماني الهمَّ عني

وأعلم أن وصلَكِ لا يُرجّى            ولكن لا اقل من التمنـي

وقال آخر:

ولا تكن عبد المنى، فالمنى           رؤوس أموال المفاليس!

وفي هذا جاء الحديث "الكيّس من دان نفسه وعمل لبعد الموت، والعاجز من أتّبع بنفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، وقال الحسن "يا أيها الناس، اتقوا هذه الأماني، فإنّها أدوية النوكى فيحلون بها، فو الله ما أتى الله عبداً بأمنية خيراً في الدنيا ولا في الآخرة"، وقال: إنّ قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقول أحدهم: أحسن الظن بربي! لو أحسن الظن لأحسن العمل له، وتلا قول الله تعالى: "وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ" (فصلت 23).

أما الرجاء فالقرآن ينوه به، ويثني على أهله في مثل قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة 218)، وقال بعض الصالحين: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وارتجاء الشفاعة بلا إتباع للسنة نوع من الغرور، وارتجاء رحمة الله مع المعاصي حماقة وجهل.

إقرأ أيضاً: العقلية الحالمة لا تحقق الأحلام!

2. الرافض للماضي:

الذي يعرض عن الماضي بكل ما فيه من دروس وعبر، دون التمييز بين النافع والضار منه ويركز على المستقبل ويغالي بالتشبث به، ويقول: "إنّ أعيننا لم تُخلق في أقفيتنا لننظر إلى الوراء، بل خُلقت في وجوهنا لننظر إلى الأمام،  فلماذا تكلفوننا دائماً الإلتفات إلى الخلف، وهو ممّا يعوق انطلاقنا وتقدمنا بسرعة نحو الهدف المنشود).

قد نأخذ موقفاً ما من شخص معين (من شخص بعينه، أو من مجتمع، أو من مجموعة ما) ، ولكن هذا لا يعني أن نرفض مواقف الشخص كله ونلغيه، فقد يكون هناك أخطاء كثيرة تمت في الماضي ولكن هذه الأخطاء لا تلغي الإيجابيات الأخرى المتوفرة، وإلّا سيضطر الرافض للماضي أن يتقدم بحياته اعتماداً على تجاربه التي سيكون فيها الكثير من الخطأ والصواب، فلماذا يقوم باختراع العجلة من جديد؟ نستطيع تقييم الماضي والاستفادة منه ومن عبره، وما أصدق قول الله تعالى في كتابه منبهاً إلى الاستفادة من الماضي وعبره: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج 46).

إقرأ أيضاً: 9 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

3. المتشائم من المستقبل:

هو المولع بارتداء النظارات السوداء القاتمة على عينيه لينظر إلى الحياة والزمان والمكان، نظرة يأس وقنوط، فهو مقتنع بأن الأمور لن تتحسن بل هي تسير من سيء إلى أسوأ، وأنّه لن يأتي الصباح، وكأنّه لا يعلم أنه بعد الغروب يأتي الشروق، وبعد النوم يأتي الاستيقاظ، وبعد العسر يأتي اليسر، وأنّ دوام الحال من المحال، يقول الله تعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) (الحجر56)، وقال الشاعر:

اشتـدي أزمــــة تنفرجي     قد آذن ليـــلُك بالبَلَـــج

وقال آخر:

ولرُبَّ نازلة يضيقُ بها الفتـى     ذرعاً، وعند الله منها المخرجُ

ضاقتْ فلما استحكمت حلقاتُها      فُرِجَتْ وكنتُ أظنُّها لا تـُفرجُ

إقرأ أيضاً: نصائح فعّالة لتزرع التفاؤل في حياتك

3- عشاق اللحظة الحاضرة:

من الناس من "لا يفكر ولا يهتم إلا باللحظة الآتية الحاضرة، يرتشفها، وينعم بها، دون أن يُنغّص على نفسه بتذكر الأمس، أو التفكير في الغد" (11 صفحة51)، فهو لا ينشغل بماض قد ذهب، فما ذهب لن يعود ومن لا يعود لا يستحق التفكير فيه، ولا يشتغل بمستقبل مجهول، حيث لا ينبغي للإنسان الواقعي أن يتعلق بمجهول، فذلك مضيعة للوقت (في نظره) وبالتالي لن يستفيد من دروس وعبرات وأمجاد الماضي، وسيضيّع المستقبل بعدم التطلع والتخطيط له، وفيه قال الشاعر:

ماضي فات، والمؤمل غيب   ولك الساعة التي أنت فيها

4- السادة المعتدلون المتوازنون:

الذين يعدلون بين الماضي والمستقبل والحاضر، ويعطون كل زمن حقه، يقيّمون الماضي ويستفيدون منه ويحاسبون أنفسهم عليه ويعتبرونه مخزن العبر، يعتبرون بأحداثه ومصائر الناس والأمم من قبلهم، ويستدلوا منه على السنن الكونية التي يعمل الكون من خلالها (وهم أيضاً يعملون من خلالها)، وفي نفس الوقت يعتزّون بأمجادهم السابقة بشكل يحفزهم على العمل والنشاط، ويستفيدون ممّا عمله الآخرون من أعمال جيدة ولكن بعد التمحيص والتحقق، وذلك من أجل الاستفادة من أخطاء السابقين، حيث أنه من الضروري عدم اختراع العجلة من جديد.

ويتطلعون للمستقبل ويخططون له بشكل واقعي ومتفائل، ويوجهون اهتماماً خاصاّ إلى الحاضر، إلى الساعة التي يعيشونها بالفعل وذلك ليغتنموها قبل أن تذهب ولا تعود، لأنهم يدركون بأنّ الماضي هو أسباب ما هم عليه في الحاضر، وأن الحاضر هو من أسباب المستقبل.

إقرأ أيضاً: كيف نطور فكر قراءة المستقبل!

يقول الإمام أبو حامد الغزالي في إحيائه: "الساعات ثلاث: ساعة لا تعب فيها على العبد، كيفما انقضت: في مشقة أو رفاهية، وساعة مستقبلة لم تأتي بعد لا يدري العبد: أيعيش إليها أم لا؟ ولا يدري ما يقضي الله فيها، وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه، ويراقب فيها ربه، فإنّ لم تأت الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى، ولا يطول أمله إلى خمسين سنة، فيطول عليه العزم على المراقبة فيها، بل يكون ابن وقته، كأنّه في آخر أنفاسه وهو لا يدري. وإذا أمكن أن يكون هذا آخر أنفاسه، فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحالة، وتكون أحواله مقصورة على ما رواه. أبو ذر رضي الله تعالى عنه.

ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمن ظاعناّ إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم"، وما روي عنه أيضاً في معناه: "وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر في صنع الله تعالى، وساعة يخلو فيها للمطعم والمشرب" فإنّ في هذه الساعة عوناً له على بقية الساعات، ثم هذه الساعة التي هو فيها مشغول الجوارح بالمطعم والمشرب، لا ينبغي أن يخلو عن عمل هو من أفضل الأعمال، ألا وهو الذكر والفكر، فإنّ الطعام الذي يتناوله مثلاً، فيه من العجائب ما لو تفكر فيه وفطن له، كان ذلك أفضل من كثير من أعمال الجوارح" (11 صفحة 59)، يقول الشاعر:

مضى أمسك الماضي شهيداً معدّّلاً       وأصبحت في يوم عليك شهيــد

فإن كنت بالأمس اقترفت إسـاءة        فثنّ بإحسان وأنت حمــــيد

ولا تُرج فعلَ الخير يومـاً إلى غد       لعل غداً يأتي وأنت فقـــــيد

فيومك إن أعتبته عاد نفعــــه      عليك، وماضي الأمس ليس يعود

للإنسان عمر زمني يبدأ بلحظة ميلاده، وينتهي بلحظة وفاته، ويُحسب هذا العمر بالسنوات والشهور والأسابيع والأيام والساعات والثواني، أي يحسب بالوقت: الذي ينقسم إلى ماض وحاضر ومستقبل: ماض نستفيد من عبره ونعتبر أمجاده قوةً وحافزاً لنا ولكن مع اختباره وتمييز ما يُفيدنا فيه، وإدراك أنّه من أسباب ما نحن عليه في الحاضر. وحاضر نغتنمه قبل أن يذهب ويصبح ماضياً، نستثمره كاملاً لأنّنا نعرف أنّه من أسباب المستقبل، ومستقبل مليء بالتفاؤل والأحلام الواقعية التي يعكسها التخطيط والعمل.

بعد أن أدركنا أنّ لنظرتنا للوقت تأثير كبير على حياتنا وما ننجزه فيها، يصبح من الضروري أن نُعدّل نظرتنا له، وأن نبحث في الوقت لنَزَيد إدراكنا له ولتتعرف على خصائصه بشكل أكبر. 

 

المصادر:

  • الوقت في حياة المسلم - د. يوسف القرضاوي - مؤسسة الرسالة
  • جدد حياتك - محمد الغزالي - دار القلم
  • حفظ العمر - الإمام عبد الرحمن بن الجوزي - دار البشائر الإسلامية - دار الصديق



مقالات مرتبطة