الوجوه المتعددة للمدير

يوجد تمثال في أقصى معبد الكهف في جزيرة إليفانتا (Elephanta) في الهند، له ثلاثة وجوه يُدعى تريمورتي (trimurti)، حيث يُمثِّل كل وجه مظهراً مختلفاً من مظاهر القوة: الخلق، والحفاظ على الحياة، والدمار، ولدى المديرين (رغم أنَّهم بالكاد يشبهون هذا التمثال) سلطات ومسؤوليات تُعبِّر عن نفسها بأشكال مختلفة - كما هو الحال مع "تريمورتي".



يجب أن يكون المدراء داعمين في بعض الأحيان، وموجِّهين في أحيان أخرى؛ ويُثيرون الإلهام حيناً، ويُهدِّئون الأوضاع حيناً آخر؛ ويُقِّدمون نصائح حكيمة تارةً، ويستمعون في صمت تارةً أخرى.

بعد دراسة وتدريب الآلاف من المدراء، لوحِظ أنَّ المدراء العظماء يُغيِّرون أسلوب إدارتهم بما يتناسب مع الموقف، فهم لا يلتزمون بأسلوب واحد؛ وإنَّما يستخدمون مجموعة متنوعة من التكتيكات والاستراتيجيات لإنجاز المَهمة.

هناك نموذج لاستخلاص بعض الاتجاهات الأكثر شيوعاً التي يستخدمها المدراء العظماء مع فِرَقهم، وتجدر الإشارة إلى أنَّ نقاط قوة المدراء وتفضيلاتهم هي أوضاع (وليست نماذج أساسية) يُمكِن لكل مدير الدخول فيها. إليك بعض النصائح المهنية عن كل وضع يمكِن أن يدخل المدير فيه:

1. وضع التعاطف:

يدخل المدراء في هذا الوضع عندما يكونون متآلفين مع فريقهم، ويستشعرون ما يشعر به الموظفون دون أن يخبرهم أي منهم بمشاعره صراحة، فهم يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء العاطفي ومهارة في التواصل غير اللفظي؛ حيث يستخدمون أسلوب التواصل الفردي ويساعدون فريقهم في التحلي بالاتزان ورباطة الجأش.

كيفية تعزيز وضع التعاطف:

إنَّ مصدر قوة التعاطف الخارقة لديهم هو قدرتهم على الإصغاء، وبذلك يستطيع الشخص المتعاطف بناء الثقة وتعزيز العلاقات مع الآخرين. تتَّبع بعض الشركات طريقة إصغاء تسمَّى التشغيل ثلاثي المستويات، حيث تقوم فكرة هذه الطريقة على إظهار الإنصات وتقديم الدعم من خلال تحديد "ردود" مختلفة في المحادثة وهي:

  • المحتوى: ماذا يقولون؟
  • العاطفة: بماذا يشعرون؟
  • الحاجة: ماذا يحتاجون؟ 

على سبيل المثال، يُخبرك زميلك في العمل: "إذا رأيتُ اجتماعاً آخر على تطبيق زوم (Zoom) في جدول أعمالي؛ فسأرمي جهاز الكمبيوتر من النافذة". قد يكون الرد في هذه الحالة: "يبدو أنَّك مرهق من الاجتماعات الافتراضية، فهل تحتاج إلى مزيدٍ من الاجتماعات الفردية؟ أم تريد شيئاً آخر؟". 

شاهد بالفيديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟

2. وضع التهدئة:

عندما يكون المدراء في هذا الوضع؛ فإنَّهم يزدهرون تحت الضغط ويحبون أن يكون هناك حاجة إليهم، وينتقلون إلى وضع حل المشكلات في مواجهة الطلبات العاجلة أو حالات الطوارئ، كما يَعتمد مَن يعمل في هذا الوضع على التحليل والمنهجية على حد سواء، حيث يُقسِّم المشكلات المعقدة إلى أجزاء يمكِن التحكم فيها، ويكون هؤلاء قدوةً يحتذيها الآخرون ويجلبون الهدوء لفريقهم من خلال تقديم الدعم لهم. 

كيفية تعزيز وضع التهدئة:

يَستخدم مَن يعمل في وضع التهدئة أداة نفسية تسمَّى إعادة التقييم المعرفي لإعادة صياغة رد فعلهم الأولي على موقف صعب، على سبيل المثال: إذا وصل طلب عاجل إليهم، وشعروا باستجابة فيزيولوجية قوية (مثل زيادة معدل ضربات القلب، وتعرُّق راحة اليد، وما إلى ذلك)، فبدلاً من أن يقولوا: "أشعر بالتوتر"؛ يُعيدون صياغة الرد ويقولون: "جسدي يستعد للتحدي".

من أجل ممارسة إعادة الصياغة بشكلٍ فعَّال، يطرحون أسئلة مثل:

  • هل هناك طريقة أخرى لرؤية هذا الموقف؟
  • هل هناك رد فعل آخر؟
  • ما هو الإطار المفيد هنا؟
إقرأ أيضاً: أساليب إدارة النزاعات من أجل تواصل فعال في العمل

3. وضع النشاط:

يضمن المدراء في هذا الوضع أنَّ أعضاء الفريق لديهم الدافع والثقة في قدراتهم، وإنَّهم يعملون بجد لخلق توافق جيد بين أعضاء فريقهم والعمل الذي يقومون به، كما أنَّهم يؤمنون بإمكانات كل عضو في الفريق، ويُجيدون رفع الروح المعنوية عندما تكون المشاريع صعبة (مما يبعث على الأمل)، ويستخدمون اللقاءات الفردية لإنشاء خطط تطوير فردية، ومعرفة أفضل السبل لمساعدة أعضاء الفريق في التقدم الوظيفي

كيفية تعزيز وضع النشاط:

لإنشاء توافق أفضل بين الشخص والعمل الذي يقوم به، يتَّبع مَن يعمل في هذا الوضع أسلوب المحادثات العامة مع موظفيهم المباشرين؛ فالهدف من المحادثة هو أخذ استراحة من العمل اليومي لمناقشة الأمور العامة ورؤية أنماط الصورة الأكبر لكل موظف كما في الشكل التالي:

محادثات عامة: تعرَّف على موظفيك المباشرين

عبارات لافتتاح الحوار

المهارات التي يحبونها

المهارات التي يكرهونها

أوضاع العمل المثالية

ما الذي يُخرج أفضل أو أسوء ما فيهم؟

مجالات التطوير

المجالات التي تحتاج إلى تحسين والأمور التي يحتاجون فيها إلى تغذية راجعة

نقاط القوة المميزة

نمط التعليم

الاستماع-القراءة-المحاكاة وغيرها

4. وضع الحكمة:

عند العمل في هذا الوضع، يُقدِّم المدراء الحكمة لأعضاء الفريق الأقل خبرة، ولكن لا يفعلون ذلك من خلال تقديم المشورة؛ بل من خلال طرح أسئلة مفتوحة لاستنباط المعرفة، حيث يُشجِّع المدير الذي يعمل في وضع الحكمة أعضاء الفريق على تحمُّل مسؤولية المشكلات، وتوليد شعور بالالتزام لديهم بدلاً من الامتثال.

كيفية تعزيز وضع الحكمة:

ينتقل المدراء عند مساعدة فريقهم من وضع الحكمة افتراضياً إلى وضع الكوتشينغ؛ إذ تبيَّن أنَّ أفضل المديرين يعرفون كيفية تنظيم محادثة كوتشينغ للحصول على النتائج في الوقت المناسب، حيث يطرحون أسئلة مفتوحة لتوضيح الأمور لأعضاء فريقهم وحثِّهم على العمل.

يُمكِن اختصار عملية الكوتشينغ إلى أربع فئات أساسية مجموعة في كلمة سوون  (SOON)، وهي أسئلة حول النجاح، والعقبات، والخيارات، والخطوات التالية:

  •  النجاح (Success): كيف يبدو النجاح؟
  • العقبات (Obstacles): ما هي العقبات التي تواجهها؟    
  • الخيارات (Options): ما هي خياراتك؟
  •  الخطوات التالية (Next steps): ما هي الخطوات التالية؟ 
إقرأ أيضاً: ما الصفات التي يجب أن تبحث عنها في المنتور؟

5. وضع شبكة الأمان:

يتمحور عمل المديرين في هذا الوضع حول حماية فِرَقهم من المشكلات غير الضرورية، وخلق شعور بالأمل لديهم عندما تسوء الأمور، وتجنيبهم المآسي، وشرح طبيعة العلاقات الدقيقة، والحفاظ على وقتهم، وتطويرهم لتفادي المشكلات في المستقبل؛ باختصار إنَّهم مهووسون بخلق أفضل الظروف لفريقهم لتأمين فرصة الازدهار لهم.

كيفية تعزيز وضع شبكة الأمان:

يحمي المدراء الذين يعملون في وضع شبكة الأمان فريقهم من الإنهاك، وتتمثل إحدى طرائق القيام بذلك في إنشاء حدود - من خلال معايير التواصل - حول ساعات العمل. الوقت المظلم، على سبيل المثال: هو مصطلح يُستخدم لوصف الأوقات التي لا يكون فيها الموظفون متاحين للعمل (مثلاً، بعد الساعة 6 مساءً أو في عطلات نهاية الأسبوع).

بالنسبة لمَن يعملون في وضع شبكة الأمان، من الضروري تعميم نموذج هذا السلوك، ومحاسبة الآخرين أيضاً (خاصة عند العمل افتراضياً)، وإليك عيِّنة عن هذا النموذج لترسله إلى فريقك: 

"لقد لاحظتُ أنَّ بعض الأشخاص في الفريق يتواصلون خارج أوقات الدوام الرسمي، وكنتُ أتساءل عما إذا كان بإمكاننا وضع قاعدة صريحة حول متى يجب، ومتى لا يجب أن نتوقع من الناس الرد؛ فما رأيكم؟"

قياس الأداء في كل وضع:

حان الوقت الآن لتحويل هذه الأوضاع إلى أداة تشخيص، بينما قد ترى نفسك في كل وضع من هذه الأوضاع؛ خصِّص وقتاً لتقييم نفسك في كل منها باستخدام مقياس من 1 إلى 10، ويمكِنك أيضاً أن تطلب من فريقك تقييمك، والآن ضع دائرة حول أدنى درجاتك.

مارِس هذا الأسبوع المهارات المرتبطة بأقل درجاتك، وحاوِل زيادة النتيجة بمقدار نقطة واحدة كل أسبوع، وإذا شعرتَ بعدم الارتياح إلى حد ما، فأنت على الطريق الصحيح، لأنَّه إذا كان هناك شيء واحد مشترك بين مجموعة المدراء العظماء والذين يعملون في أوضاع مختلفة؛ فهو السعي المتواصل للتحسين.

 

المصدر




مقالات مرتبطة