النمو العضوي والعقلي للأطفال في مرحلة الرضاعة

النمو البشري هو سلسلة من مراحل نمائية مرتبطة بالعمر، تتميز كل مرحلة من هذه المراحل بمجموعة من الخصائص العضوية والعقلية والنفسية والاجتماعية، والنمو العضوي هو حجر الأساس لكل نوع من أنواع النمو الأخرى، ومرحلة الرضاعة واحدة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان.



مبادئ النمو العضوي في مرحلة الرضاعة:

تمتد مرحلة الرضاعة بين الولادة وسن الثانية تقريباً، وتتميز هذه المرحلة بكونها فترة نمو كبيرة ومرنة وشاملة لجوانب الفرد كلها، وتوجد عدة مبادئ متعلقة ومتحكمة بالنمو، وحقيقةً تساعد سرعة نمو الرضيع على إيضاح هذه المبادئ، وعموماً ينمو الأطفال بسرعة من عمر عام إلى عامين في حين يتراجع هذا النمو بعد عمر السنتين، ويحتاج الأطفال إلى سعرات حرارية أقل، وفيما يأتي سنتعرف بالتفصيل إلى مبادئ النمو العضوي في مرحلة الرضاعة:

1. معدل النمو:

يتصف معدل نمو الرضيع بالانتظام الذاتي؛ ففي الأحوال الطبيعية يزداد وزن أغلب الرُّضَّع وطولهم وفق اضطراد عادي متناسق، في بعض الأحيان يحدث ما يسمى الشذوذ عن القاعدة فيختل النمو، ولكن سرعان ما يعود إلى معدلاته الطبيعية عندما تزول الأسباب التي أدت إلى هذا الخلل كالمرض أو الفقر الذي سبَّب نقص غذاء.

هنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ حالة الانتظام الذاتي للنمو هذه لديها القدرة على مواجهة الاضطرابات الثانوية؛ لكنَّها ستعجز أمام الاضطرابات النمائية الشديدة مثال، يمكن للأطفال مبكري الولادة الذين ولدوا بوزن لا يتجاوز 2,750 كغ أن يصلوا إلى الوزن الطبيعي لأقرانهم خلال السنة الأولى، في حين أنَّ الأطفال الذين يلدون بوزن أقل من 2,25 سيبقون دائماً أقل طولاً ووزناً وحتى ذكاءً من أقرانهم.

2. وجهة النمو:

لكل مجال من مجالات النمو وجهة خاصة به؛ فمثلاً يتعلم الأطفال التنسيق بين حركة أذرعهم وسيقانهم قبل تعلمهم التنسيق الحركي بين أصابع اليدين أو الرجلين، كما أنَّ الأطفال يمكنهم الوقوف وإدارة الرأس قبل أن يقدروا على الالتفات التفاتاً كاملاً، وعموماً من المألوف أن يمتد النمو من الرأس حيث ينمو الدماغ أسرع من أي عضو آخر منحدراً باتجاه المركز ثم الأطراف.

3. التميز والتكامل:

التميز هو انقسام الحركة العامة، ثمَّ توزعها في حركات وظيفية مستقلة، أمَّا التكامل فهو استعانة المنظومات الحركية ببعضها لأداء فعل أكبر. يتقدم النمو الحركي وفق هاتين الآليتين المتظافرتين. يمكننا ببساطة ملاحظة هذا التكامل الحركي عند مراقبة سلوك طفل وكيفية وصوله إلى الأشياء التي يريدها، فيرمي الطفل بكامل جسده على الشيء الذي يريد التقاطه، وفي حوالي الشهر السابع أو الثامن يبدؤون بتعلم كيفية تحريك جزء محدد من أجسامهم؛ كاستخدام أصابعهم لإمساك شيء، وحقيقة لا يتوقف التميز والتكامل على النمو الحركي؛ بل إنَّه يظهر في مختلف جوانب النمو الأخرى كالعقلية والإدراكية والاجتماعية.

4. تلاحق النمو:

تلاحق النمو عام لدى أفراد البشر كلهم؛ فأطفال دمشق يمرون بالمراحل ذاتها التي يمر بها أطفال يعيشون في السنغال مثلاً؛ فعلى الأطفال أن يتعلموا أولاً الجلوس دون مساعدة، بعدها الزحف، ثم الوقوف بمساعدة، وبعدها المشي بمساعدة، إلى أن يقفوا بأنفسهم ويمشوا أخيراً.

شاهد بالفيديو: كيف يتم العناية بالطفل حديث الولادة؟

الخصائص العضوية للطفل الرضيع بعمر السنة:

على الرغم من أنَّ الطفل الرضيع يظهر من ناحية اكتمال الأعضاء إنساناً كاملاً إلا أنَّ الوليد الجديد في الحقيقة ما يزال بعيداً عن حالة العضوية الكاملة وفي أكثر من مجال، وفيما يأتي سنتعرف إلى أهم الصفات العضوية للطفل الرضيع بعمر السنة:

1. القلب والرئتين والقناة الهضمية:

جميعها تحتاج إلى مزيد من النمو للوصول إلى مرحلة العمل ضمن الشروط الصعبة والظروف المختلفة.

2. المعدة:

ما تقوله الجدَّات عن إمكانية إطعام الطفل الرضيع أيَّ طعام هو حقيقة كلام غير دقيق علمياً وغير صحيح ويسبب كثيراً من المشكلات مستقبلاً؛ فمعدة الطفل الصغير في سنته الأولى ليست مهيَّئة بعد لهضم أطعمة الراشدين المعقدة، وحقيقة على الرغم من أنَّ هذا سيكون صادماً لبعض الأمهات فإنَّ معدة طفلك لن تكون جاهزة تماماً لتناول طعام الراشدين حتى سن دخول المدرسة.

إقرأ أيضاً: أسباب فقدان الشهية عند الأطفال وطرق معالجتها

3. العظام:

عظام الطفل الرضيع في عمر السنة تختلف عن عظام البالغين من ناحية الشكل والعدد والصلابة، ويظهر في جمجمة الرضيع منطقة رخوة تشير إلى عدم تماسك عظام الجمجمة، ولا تتصلب تلك المنطقة حتى الشهر التاسع تقريباً من عمره.

4. الأسنان:

تبدأ الأسنان بالظهور تقريباً من الشهر السادس وحتى نهاية السنة الأولى للطفل.

5. الجهاز العصبي:

يماثل دماغ الطفل الرضيع دماغ الراشد في البنية والعصبونات، إلا أنَّ العصبونات في دماغ الطفل الرضيع خالية من التغليف؛ أي إنَّها خالية من الغمد الشحمي العازل، ويبدأ اكتمال تغليف العصبونات من الشهر الرابع، وقد يستمر حتى نهاية الطفولة المبكرة، ومن المعروف أنَّ لتغليف العصبونات دور وفائدة في إقامة أقنية اتصال بين الدماغ والعضلات.

إضافةً إلى هذا كله فإنَّ أكثر ما يميز نمو الرضيع في عمر السنة السرعة كما ذكرنا سابقاً، فيزداد وزن الطفل في نهاية السنة بمقدار ثلاثة أضعاف وزنه عند الولادة، أمَّا طوله فيزداد بمقدار ثلث طوله عند الولادة.

أهم تطورات الطفل الرضيع في عمر السنة:

يتسارع النمو العضلي للأطفال في مرحلة الرضاعة إلى حدٍّ كبير؛ فيطول استيقاظ الرضع في شهرهم الثاني، وفيما يأتي سنعرض أهم تطورات الطفل الرضيع في عمر السنة:

  • تتحرر أصابعهم وسيقانهم وأذرعهم فلا تبقى مشدودة كما كانت عند الولادة، وقد يبدأ بعض الأطفال في الشهر الثاني برفع رؤوسهم وصدورهم، وتبدأ أيضاً حركة مص الأصابع.
  • في الشهر الثاني ترى ابتسامة طفلك لأول مرة.
  • في الشهر الرابع يبدأ الطفل بإدارة رأسه للوصول إلى الأشياء؛ لكنَّه حتى الآن ليس قادراً على الزحف والمشي؛ لأنَّ هاتين الحركتين تحتاجان إلى نمو عصبي وحركي أعمق.
  • يصبح الطفل في هذا العمر أكثر قدرة على تناول الأطعمة المخصصة له وهضمها، ويرجع هذا للنمو العصبي والعضلي للسان.
  • في الشهر الرابع أيضاً يزداد اهتمام الطفل الرضيع بأصابعه سواء في الرجلين أم اليدين فيبدأ باللعب بالأصابع في هذا العمر.
  • يستطيع الطفل من الشهر الرابع الجلوس إذا أُسنِد، ويستطيع رفع رأسه.
  • من الشهر الخامس يبدأ الطفل بالزحف، ومن الشهر السادس يبدأ العض على اللثة نتيجة نمو الأسنان.
  • في الشهر السابع يجلس الطفل دون مساعدة؛ لأنَّ عضلات بطنه وظهره قد أصبحت أقوى.
  • من الشهر الثامن يصبح الطفل قادراً على التقاط الأشياء الصغيرة؛ بسبب امتلاكه رصيداً ضخماً من الحركات الدقيقة.
  • في الشهر التاسع تبدأ محاولات الطفل الانتقال وحده، وفي العاشر يستطيع الزحف، الحبو، الجلوس، الشرب من الكأس، ابتلاع الطعام، وتبدأ رغبهم بتناول الطعام وحدهم.
  • في نهاية السنة الأولى يكون الطفل قد حقق كثيراً من التقدم نحو الحركة الاستقلالية وأغلب الأطفال يمشون في هذا العمر، كما يقبضون على الأشياء ويعضونها ويحاولون ابتلاعها، وإضافةً إلى هذا يصدرون أصواتاً قريبة من الأصوات الحقيقية.
إقرأ أيضاً: فك شفرة دموع الأطفال: لماذا يبكي طفلك؟

الخصائص العضوية للطفل الرضيع في السنة الثانية:

يطلق على هذه المرحلة مرحلة الفعاليات الحركية، فينتقل الأولاد بعد تعلمهم المشي إلى مرحلة زاخرة بالفعاليات الحركية؛ فخلال هذه المرحلة يبدأ الأطفال بالقفز واللعب والركض، إضافة إلى هذا تظهر تفضيلات اليد والأذن والعين وتتقوى.

في بداية السنة الثانية تكون قدما الطفل متباعدتين وحركتهما غير متناسقة، ولكن مع التدريب على المشي تتقارب القدمان ويصبح المشي أكثر تناسقاً، ومن الملاحظ أنَّ الطفل في عمر الثانية ما زال بحاجة إلى النظر ومراقبة قدميه لتجنب المعوقات، وبحلول السنة الثالثة يتجنب الطفل هذه المعوقات.

يستطيع الطفل القفز في نهاية السنة الثانية، في حين يبقى عاجزاً عن التسلق والإمساك وقفز الكرات؛ لأنَّ هذه الحركات تحتاج إلى تناسقٍ بصريٍ وحركيٍّ ما زال ابن الثانية عاجزاً عنه.

كما ذكرنا آنفاً تظهر تفضيلات اليد والعين أيضاً في سن الثانية، فتجد الطفل يميل إلى إمساك الأشياء بيد واحدة، أو معاينتها بعين واحدة، وحقيقة حتى الآن لم يتمكن العلماء من اكتشاف سبب هذه التفضيلات التي تبدأ من عمر الثانية؛ فما زال السبب العضوي المسؤول عن العسر مجهولاً حتى الآن.

طرائق هامة للحفاظ على صحة الأطفال في مرحلة الرضاعة:

يحتاج الأطفال إلى العناية والاهتمام في أي مرحلة عمرية يمرون بها، وتزداد هذه الحاجة في مرحلة الرضاعة، وسنقدم لكم فيما يأتي مجموعة من الطرائق الهامة للحفاظ على صحة طفلك وتقليل فرص إصابته بالأمراض خلال هذه المرحلة الحرجة:

  • التواصل الدائم مع الطبيب، لا سيَّما في حال كنتِ أماً للمرة الأولى، وأيضاً من الهام عدم التأخر عن الزيارات الدورية للطبيب للتأكد من نمو الطفل الرضيع على نحو طبيعي ودون أيَّة مشكلات.
  • على الوالدين أيضاً أن يكونا على دراية بأكثر المشكلات الصحية والعضوية التي تواجه الأطفال الرضع وأهمها المغص وارتفاع درجة الحرارة، كما عليهم تعلم الطرائق الصحيحة لمعاملة الطفل في هذه الحالة، والابتعاد كلياً عن نصائح الجارات والخالات والعمات، والرجوع إلى الطبيب والمتخصصين فقط عند مواجهة أيَّة مشكلة.
  • اعتماد الرضاعة الطبيعية أيضاً من الأمور الهامة التي يجب على كل أم وضعها في الحسبان؛ فالعناصر الغذائية الموجودة في حليب الأم لن توجد في الحليب الصناعي.
  • التدرج في إدخال الأطعمة للطفل مع مراعاة عمر الرضيع وأنواع الأطعمة المسموح له تناولها.
  • اعتناء الأم بغذائها في هذه المرحلة في حال كانت تعتمد الرضاعة الطبيعية.

شاهد بالفيديو: 8 فوائد لحليب الأم تميزه عن الحليب الصناعي

في الختام:

أطفالنا أمانة في أعناقنا، وعلينا الحرص كل الحرص على العناية والاهتمام بصحتهم ونموهم الطبيعي من كل النواحي جسدياً ونفسياً واجتماعياً وعقلياً، ويبقى النمو العضوي كما ذكرنا حجر الأساس لأنواع النمو الأخرى؛ لأنَّ نمو الطفل عضوياً وجسدياً نمواً صحيحاً وسليماً ضروريٌّ لنموه نفسياً وعقلياً واجتماعياً بصورة صحيحة في المستقبل.




مقالات مرتبطة