المعتقدات: تعريفها، ونشأتها، وأنواعها، وكيفية التحرر من السلبية منها

تؤثر هذه المعتقدات في مسار الإنسان، وتطرح ذاتها بقوة مسيطرةً على كل خياراته وقراراته، فإمَّا أن ترفع من مستوى حياته، وإمَّا أن تخفضه، لتصنع منه شخصاً قوياً أو شخصاً هشاً.



"أنا لا أعتقد بأنِّي سأنجح في ذلك المشروع الجديد"، "أنا لا أنفع للزواج"، "أنا امرأة ضعيفة في مجتمع ذكوري ولا أملك القدرة على تحقيق أهدافي"، "أنا مدخِّن وأجد في التدخين متعة حقيقية، ولا أستطيع الإقلاع عنه"، "أنا لا أحب الرياضيات ولا أستطيع الالتحاق بكلية قائمة على هذه المادة"، "أنا لا أثق بالرجال وأجد أنَّهم كائنات خبيثة ومؤذية"، "لا يأتي المال إلَّا بعد عناء وكدح وتعب"، "الأغنياء أشخاص لا يملكون ضميراً وبعيدون كل البعد عن التصرفات الأخلاقية"، "أنا لا أستطيع أن أكون أباً صالحاً"، "لا أستطيع التعامل مع الناس الآخرين، فمنذ كنت صغيرة وأنا أجد العزلة أفضل من العلاقات الاجتماعية".

تغزو هذه المعتقدات وغيرها الكثير عقولَ الناس وذلك بعد نشأتها على هيئة أفكار من أيام الطفولة ومن ثمَّ تغذيتها بالمشاعر والتجارب والمرجعيات وصولاً إلى خلق معتقدات وقناعات راسخة في عقل الإنسان.

ما هي المعتقدات؟ وما تأثيرها في حياتنا؟ وكيف أغيِّر معتقداتِي السلبية وأصنع معتقدات إيجابية؟ هذا مدار حديثنا في هذا المقال.

ما هي المعتقدات؟

هي المحصلة النهائية للأفكار المزروعة منذ مرحلة الطفولة والتي تتبلور بفعل ما يختبره الإنسان من مشاعر وتجارب وخبرات على مدار حياته وصولاً إلى خلق معتقدات راسخة في العقل لا يمكن أن تتغير.

المعتقدات هي المسؤولة مسؤولية تامة عن طريقة حياتك، فإن كنت تمشي بخطوات ثابتة باتجاه هدفك؛ فهذا يعني أنَّك تتبنَّى معتقدات إيجابية مثل: "أنا قادر على النجاح"، "سأسعى إلى تحقيق شغفي لو مهما كلَّف الأمر"، "لا يوجد مشكلات في الحياة؛ بل يوجد تحديات فقط"، أمَّا في حال سعيك بخطوات خجولة ومترددة وبطيئة تجاه هدفك؛ فهذا يعني أنَّك تتبنَّى معتقدات سلبية؛ مثل: "أنا غير قادر على النجاح"، "الطريق طويل جداً للوصول إلى شغفي، ولا أملك الصبر للإبحار فيه".

كيف تنشأ المعتقدات؟

تبدأ القناعات بالظهور من المرحلة الأولية التي يختبرها الإنسان في حياته وهي مرحلة الاستقبال؛ حيث يكون مستعداً لاستقبال الكم الكبير من الأفكار ومن مصادر مختلفة، مثل الأهل والمدرسة والمجتمع والإعلام، ومن ثمَّ يربط هذه الأفكار بمشاعر، وتتخزَّن في الذاكرة على هيئة تجارب وخبرات، لتصل إلى مرحلة تنفيذ هذه المعتقدات على أرض الواقع.

على سبيل المثال: قد يستقبل الإنسان فكرة مثل "لا يمكن الوثوق برجل" من جرَّاء كلام والدته عن أبيه، وبفعل علاقة والديه المزعزعة، وبما أنَّ الطفل لا يملك محاكمة منطقية للأمور، فإنَّه يتبنَّى تلك الفكرة التي مصدرها الأساسي الأهل، ويربطها مع شعور ما؛ كأن يربط ما بين الرجال والألم؛ حيث يكبر عنده هذا الشعور في كل مرة يجد فيها والدته تبكي.

ومن ثمَّ يحصل على تأكيد على الفكرة من خلال الأقارب أو المدرسة أو الإعلام ويؤدي تكرار الفكرة له ومن مصادر مختلفة إلى صناعة تجربة وخبرة خاصة به؛ أي أنَّه يبني خبرة ثابتة بأنَّه "لا يمكن الوثوق برجل"، ومن ثمَّ يترجم تلك القناعات بسلوكات على أرض الواقع.

إقرأ أيضاً: قناعاتنا حول الوقت وتغييرها

ما هي أنواع المعتقدات؟

1. معتقدات ماصَّة لطاقة الإنسان:

وهي المعتقدات التي تقيِّدك وتبعدك عن تحقيق أهدافك، وتكبِّل إرادتك، مثل: "أنا فاشل ولا أنفع لشيء"، "أنا لا أعلم رسالتي في الحياة، ولا أستطيع تحديد أهدافي"، "أنا لا أملك القوة لإثبات نفسي بين المنافسين"، "أنا امرأة شرقية في مجتمع ذكوري ولا يمكنني تحقيق ما أريد، فالمجتمع يظلمني ولا يقدِّرني".

2. معتقدات معزِّزة لطاقة الإنسان:

وهي المعتقدات التي ترفع من عزيمتك وتزيد من طاقتك وقوَّتك لتحقيق أهدافك، والتي تصنع حياة مريحة بالنسبة إليك؛ مثل: "أنا قادر على تحقيق أهدافي"، "من الطبيعي أن أُخطِئ، ولكن من غير الطبيعي الاستمرار في الخطأ"، "لا يوجد تجربة فاشلة؛ بل يوجد درس وخبرة وتطوُّر"، "للعراقيل قدرة على استخراج أقوى ما لديك".

كيف أحرر نفسي من المعتقدات السلبية؟

1. تحديد المعتقدات السلبية:

حدِّد المعتقدات السلبية في حياتك، وضع الأسباب الجديَّة لضرورة تغييرها واستبدالها بمعتقدات إيجابية، مثل معتقَد: "لن أستطيع بناء مشروعي الخاص، وسأبقى في وظيفتي الثابتة فهي الأكثر أماناً لي"؛ حيث يقضي تبنِّي مثل هكذا معتقد على حياتك؛ إذ يحجِّم من طاقاتك وإبداعاتك، ويبعدك عن قيم التجدد والتطور، ويحوِّلك إلى إنسان تقليدي وروتيني وهش.

2. منظومة الألم:

استشعر الألم الناتج عن استمرار تبنِّيك للمعتقدات السلبية، لكي تخلق الرغبة الحقيقية في التغيير، كأن تتخيل شكل حياتك بعد سنة من الآن، وأنت مستمر في تبنِّي معتقداتك السلبية، ومن ثمَّ تتخيل شكل حياتك بعد خمس سنوات من الآن وأنت ماتزال تطبِّق المعتقدات السلبية نفسها.

يملك الألم طاقة كبيرة تدفعك إلى التغيير، على سبيل المثال: كان هناك شخص ما مدخِّن بشراهة، وكانت معتقداته هي على الشكل التالي: "التدخين متعة حقيقية"، "أنا أدخن لكي أرتاح"، "لقد كان أبي مدخناً، وكانت صحته جيدة جداً".

تعرَّض هذا الشخص إلى جلطة قلبية من جراء الجرعات الزائدة من التدخين التي كان يتناولها، ومن ثمَّ بناءً على الألم الناتج عن العملية الخطيرة التي خضع لها؛ تغيرت معتقداته عن التدخين إلى: "أنا شخص غير مدخِّن"، "التدخين آفة خطيرة قد تقتلك في أية لحظة"، "على الرغم من أنَّ صحة أبي المدخِّن كانت جيدة؛ إلَّا أنَّ هذا لا يعني نهائياً جواز عادة التدخين، فقد يكون أبي محظوظاً ليس أكثر".

شاهد بالفديو: 6 أسئلة هامّة لمعرفة ما تريد أن تنجزه بحياتك

3. تحديد المعتقدات الإيجابية وخلق منظومة البهجة:

  • وهنا على الإنسان اللجوء إلى المحاكمة المنطقية للأمور، فإن كان لدى أنثى ما اعتقاداً بأنَّه لا يمكن الوثوق برجل، فعندها عليها أن تكتشف الفكرة المزروعة في عقلها والتي كانت الأساس لخلق هكذا معتقد؛ كأن تكتشف فكرة معينة كانت قد ورثتها عن والدتها، ومن ثمَّ تحلل الخبرات السابقة التي أكسبتها هذا المعتقد، كأن تحلل علاقة والدتها ووالدها، وتبدأ بالمحاكمة المنطقية للأمور، كأن تقول: "نعم، لم تكن علاقة ذات مستوى عالٍ من النضج، وقد تكون والدتي لم تحسن التعامل مع والدي بالشكل الأمثل، الأمر الذي أسفر عن خيانته لها، وقد تكون والدتي قد أحسنت التعامل معه إلَّا أنَّه خانها، ولكن خيانة والدي لوالدتي لا تعني أبداً أنَّ كل الرجال خائنون، أو كلهم خبيثون، فلا بدَّ من وجود رجال أخلاقيين ومخلصين".
  • ومن ثمَّ يقوم الإنسان بصناعة معتقدات إيجابية جديدة مثل: "الرجال كائنات مثلها مثل الإناث، منهم الجيد ومنهم السيئ"، "أنا إنسانة جيدة وقادرة على جذب رجل جيد"، ومن ثمَّ يستشعر البهجة والسرور المرافقة لتلك المعتقدات، كما يتخيَّل نفسه بعد سنة من الآن وقد حقق تلك المعتقدات الإيجابية وعاش بها، ومن ثمَّ يتخيل نفسه وقد طبَّق المعتقدات لمدة خمس سنوات من الآن.

4. التغيير:

وهنا على الإنسان تحديد خمسة مصادر على الأقل تساعده على تبنِّي المعتقدات الإيجابية، قد تكون كتب علم النفس وتطوير الذات، أو سِيَر الأشخاص الناجحين، أو دورات تدريبية مكثفة تحفيزية، أو أشخاص حكماء يثق بهم الإنسان.

ومن ثمَّ يحدد المشكلات التي من الممكن أن تعترض طريقه في أثناء تبنِّيه لمعتقدات إيجابية، مثل: مشكلة الموروثات المجتمعية الخاصة بالوظيفة الثابتة، والتي تعوق تقدُّمه باتجاه صنع مشروعه الخاص، ويقوم الإنسان بعد ذلك بصنع الحلول المناسبة للمشكلات؛ كأن يستمع لسِيَر الأشخاص الناجحين الذين استطاعوا كسر النظرة التقليدية للنجاح، وآمنوا بحلمهم متحدِّين النظرة المجتمعية المحدودة.

إقرأ أيضاً: فعالية التوقعات الإيجابية

في الختام:

تصنع معتقداتك حياتك، وتحدد سلوكاتك وقراراتك خياراتك؛ لذلك اهتم بها، وراقبها على الدوام، واحمِها من السلبية التي من الممكن أن تلحق بها؛ حيث تستطيع عيش جنة الدنيا من خلال بناء معتقدات إيجابية عن ذاتك، والماضي، والحاضر والمستقبل، وعن الأشياء.

ترى هل لك أن تتخيل الفرق الشاسع بين حياة شخصين يؤمن أحدهما بمعتقد أنَّ "الحياة دار بلاء"، في حين يؤمن الآخر بمعتقد "الحياة دار تطوُّر ومتعة"؟

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة