المشاكل الصحية التي تؤثر على الخصوبة المثالية

يواجه واحد من كل عشرة أزواج تحديات كبيرة في أثناء محاولاتهم للإنجاب، ومن الطبيعي أن يرغب أي منهم في معرفة السبب الذي يجعله يواجه صعوبةً في الإنجاب، أو يخسر الحمل بعد حدوثه، وفيما يكون الحمل والإنجاب أمراً بديهياً وسهلاً عند بعض الأشخاص، يتطلَّب التمتُّع بالخصوبة تعاون شبكةٍ مُعقَّدة من الأنظمة داخل الجسم وعملها معاً عند الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، فأحياناً لا يتمكَّن الأطباء من فهم حقيقة الأسباب التي تؤدي للعقم والإجهاض؛ إذ توجد عدة طرائق أساليب تساعد الأزواج خلال سعيهم إلى الحصول على حمل صحي.

 



يركِّز مجال الخصوبة ومحاربة العقم غالباً على جانب واحد يتجلَّى بحصول الحمل وإنجاب المولود الذي يتمنَّاه الزوجان، لكن نذكِّرُ بأهمية إيلاء اهتمام خاص وتعزيز الرعاية المُقدَّمة للحفاظ على صحة الأم وطفلها؛ إذ ينبغي متابعة الحمل عند حصوله ومراقبته عن كثب للحصول على حمل قوي وأفضل النتائج الحيوية المترتبة على ذلك.

ينظرُ الطب الوظيفيُّ العملي إلى الجسد البشري ككُلٍّ مترابط ومتداخل، وعند تقييم الفرد من خلال هذا الإطار، فإنَّنا نسعى جاهدين إلى التحرِّي عن مُختلف الآليات التي يمكن أن تؤثِّر في الخصوبة الإنجابية، أو تساهم في موت الجنين وحالات الإجهاض المتكرِّرة والبحث فيها؛ إذ يمكن للتحاليل الدموية والفحوصات الهرمونية والوراثية وغيرِها من التحاليل المخبرية العملية أن تكون مفيدةً في تحديد المشكلات التي يمكن أن تساهم في الأمور المُقلِقة المتعلِّقة بصحة الحمل.

الخلل الهرموني:

يُعَدُّ فهم آلية العمل الوظيفية للهرمونات داخل الجسم ذا أهمية حيوية عند السعي وراء خصوبة مثالية؛ إذ يمكن لاختلال وظيفة الغدد الصُّم أن يحدث عند الرجال والنساء في مُختلف الأعمار وخلال جميع المراحل الحياتية، وهذا يؤثر في الخصوبة الإنجابية لدى الإنسان، فالهرمونات مسؤولة عن تحديد كلِّ خطوةٍ تسبق حدوث الحمل والتحكُّم بها، كتهيئة بطانة الرحم بصورة مناسبة لاستقبال البيضة المُلقَّحة، وعملية الإباضة، والنوعيَّة الجيدة للحيوانات المنوية الذكرية والبُوَيضات الأنثوية.

تجدر الإشارة إلى الأهمية البالغة للدورة الشهرية المُنتظَمة عند النساء في حدوث الحمل، وذلك كونَها تمهِّد الطريق للحصول على حمل صحي وطبيعي، فتوجد سلسلة متناسقة من الأحداث الشهرية والتي تحدث وفق الترتيب الآتي؛ إذ تُفرِز الغدة النُّخامية في الدماغ الهرمون المنبِّه للجُريب والذي يحفِّز بدوره نضوج أحد الجُرَيبات داخل المبيض الأنثوي، ممَّا يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الإستروجين في الدم، وهذا بدوره يُهيِّئ لحدوث ارتفاع مُفاجئ في الهرمون المُلَوتِن في الدم، ومن ثمَّ حدوث الإباضة، وتشكُّل الجسم الأصفر المسؤول عن إنتاج هرمون البروجسترون خلال النصف الثاني من الدورة الطمثية، ومن ثمَّ فإنَّ أيَّ اضطراب أو انقطاع في هذه السلسة المُعقَّدة يمكن أن يُعرقل حدوث الحمل.

أمَّا بالنسبة إلى المحور الوطائي _ النخامي-الخَصَوي _ الكظري فهو شبكة من الاتصالات الوثيقة بين الدماغ وجهاز الغدد الصم داخل الجسم عند كلٍّ من الذكر والأنثى؛ إذ يتواصل من خلاله الدماغ _ ونقصد بذلك الوطاء والغدة النخامية _ مع الغدة الدرقية، والغدَّتَين الكظريَّتَين، والبنكرياس، والمبيضَين عند الأنثى، والخصيتَين عند الذكر، وينبغي أن يعمل هذا المحور بصورة صحيحة ومناسبة في سبيل حدوث الحمل وإتمامه بصورة صحية وطبيعية، وأيُّ اختلال في التفاعل بين التراكيب التشريحية السابقة سيؤدي إلى إضعاف الخصوبة والتسبُّب بمشكلات فيها.

على سبيل المثال، يمكن للتوتر النفسي أن يرفع من مستوى هرمون الكورتيزول المُفرَز من الغدَّتَين الكظريَّتَين، وهذا قد يعطِّل عملهما، بالإضافة إلى تعطيل قدرة البنكرياس على الاستجابة للتوتر من خلال تنظيم مستويات سكر الدم بصورة ملائمة، وتضليل عمل الغدة الدرقية، وتعطيل الإشارات الصحيحة المطلوبة لتحفيز المبيضَين على إنتاج الهرمونات اللازمة لحدوث عملية الإباضة.

تتضمَّن العواملُ الأخرى المُشاركة في عسر التنظيم الهرموني أنواع العناصر الغذائية التي يعتمد عليها الشخص في طعامه، والأنماط المختلفة من العدوى والالتهابات، وتركيب الدهون في الجسم، والتعرُّض للسموم البيئية المُحيطة، ومن ثمَّ فإنَّ أي انقطاع أو اختلال في شبكة الاتصال هذه قد يغيِّر من طريقة عمل الهرمونات داخل الجسم، ممَّا يؤثِّر في الخصوبة الإنجابية.

إقرأ أيضاً: العقم والغذاء: كيف يؤثر نظامنا الغذائي على معدل الخصوبة؟

صحة الأمعاء:

ترتبط سلامة الأمعاء ارتباطاً وثيقاً بصحة الجسد ما قبل الحمل؛ إذ تترافق متلازمة الأمعاء الراشحة - والمعروفة أيضاً بمتلازمة تسرُّب الأمعاء - مع مشكلات في الإنجاب؛ إذ تكون بطانة الأمعاء الظهارية بسماكة طبقة واحدة من الخلايا الظهارية، ويمكن لعديد من العوامل، كالتوتر، والإجهاد، أو سوء التغذية، أو بعض أنواع الأدوية، وغيرها أن تؤدي إلى أذية وتدمير هذا الحاجز المعوي المُؤلَّف من طبقة خلوية واحدة، وهذا يسمح للعوامل المُمرضة والجُزَيئات الطعامية والسموم البيئية والداخلية بالتسلُّل متسرِّبةً إلى داخل الجسم، بالإضافة إلى أنَّ هذه المتلازمة تزيد من خطورة الإصابة بالأمراض المناعية الذاتية وبالحساسية تجاه أنواع مُعيَّنة من الأغذية أو المواد الكيميائية.

يجب أيضاً أن تكون ميكروبات الأمعاء الطبيعية في حالة توازن، وهي الأحياء الدقيقة المفيدة والنَشِطة والقوية التي ينبغي أن توجد داخل السبيل المعوي عند الرجال والنساء للمحافظة على صحة وسلامة وظائف الغدد الصم داخل الجسم، إضافة إلى ذلك هناك الميكروبات الانتهازية، ومن ضمنها الجراثيم والفطريات والفيروسات والطُّفَيليات والتي في إمكانها أن تتكاثر داخل الأمعاء، وتؤجِّج الحدثيات الالتهابية، واختلال التنظيم المناعي، بالإضافة إلى رفعِها لمستوى هرمون التوتُّر المعروف بالكورتيزول والذي بدوره يؤدي إلى أذيات إضافية للأمعاء.

يمكن للعوامل المُمرِضة واختلال التوازن المعوي أن تشكِّل عبئاً على الكبد، وتسبِّب خللاً في عملية الاستقلاب الهرموني الصحيحة، كما أنَّ أي اختلالٍ للتوازن ضمن الكائنات الحية التي تتركَّب منها ميكروبات الأمعاء الطبيعية قد يؤدي إلى خلل في الغدة الدرقية، وهذا يؤثِّر في الخصوبة الإنجابية، ومن المُحتمَل أن يزيد فرصة حدوث الإجهاض وفقدان الحمل.

كذلك تعتمد صحة الأمعاء السليمة على سلامة عملية الهضم، ومن ثمَّ فإنَّ انخفاض إنتاج أو تركيز الحمض المعدي، أو عوز الأنزيمات الهاضمة، أو عدم كفاية إنتاج أحماض الصفراء، يمكنها أن تعطِّل عمل الميكروبيوم المعوي الطبيعي بصورة بالغة، بالإضافة إلى مساهمتها في عوز العناصر الغذائية.

التغذية:

تُعَدُّ عديد من العناصر الغذائية مصيريةً وأساسيةً جداً لتطوُّر الجنين داخل الرحم، وهذا يشمل الفولات أو الفيتامين "بي9" (B9)، والفيتامين "بي12" (B12)، والفيتامينات "أ" (A)، و"د" (D)، و"هـ" (E)، و"ك" (K)، والحديد، والمغنزيوم، والزنك، والأحماض الدهنية الأساسية، ومن ثمَّ فإنَّ عوز أيٍّ من تلك العناصر يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطورة العقم والإجهاض والمشكلات الحمليَّة.

إضافة إلى وجود عناصر غذائية مُعيَّنة تدعم المتقدِّرات - المتقدِّرة هي عُضية خلوية مزدوجة الغشاء تتواجد في خلايا مُعظَم الكائنات حقيقية النوى، وهي مسؤولة عن توليد الطاقة الكيميائية المُستخدَمة في التفاعلات الخلوية - تحديداً، ولذلك فهي تحسِّن من نوعيَّة وجودة الحيوانات المنوية الذكرية والبُوَيضات الأنثوية، ومن ضمنها الدهون المُعزِّزة للصحة، ومجموعة الفيتامينات "بي" (B)، والـ إل كارنيتين، ومساعد الإنزيم Q-10، وإن-أسيتيل سيستئين، والجلوتاثيون، والمغنيزيوم، وحمض ألفا- ليبويك، وكذلك يمكن للأعشاب مثل كف مريم، وجذور الماكا، والعبعب المنوِّم أن تعزِّز وتحسِّن من الخصوبة الإنجابية لدى الرجال والنساء.

لا ينبغي استهلاك هذه العناصر الغذائية بصورة مُنتظَمة فحسب، بل يجب أيضاً هضمُها وامتصاصُها بطريقة مُثلى، فكما ذكرنا سابقاً يمكن لانخفاض كمية أو تركيز الحمض المعدي، أو عوز الأنزيمات الهاضمة، أو العوامل الممرضة، أو غيرِها من الاضطرابات المعوية أن تعرقل امتصاص العناصر الغذائية من الأمعاء والاستفادة منها، ومن ثمَّ لا بدَّ من معالجة تلك المشكلات المُحتمَلة للحصول على تغذيةٍ مثالية.

المناعة الذاتية:

تُعَدُّ المناعة الذاتية السبب الرئيس للعقم، إذ إنَّ 85% من الأمريكيين الذين يُعانون من الأمراض المناعية الذاتية هم من النساء، وتحدث أمراض المناعة الذاتية عندما لا يتعرف الجهاز المناعيُّ إلى خلايا وأنسجة الجسم السليمة والطبيعية ويعدُّها أجنبيةً وغريبةً عن الجسم، ومن ثمَّ يشنُّ هجوماً عليها مسبِّباً تدميرها وإصابتها بالأذية والالتهاب، وغالباً ما تسبِّب الاستجابة المناعية للجسم تجاه نفسه خللاً وظيفياً مترافقاً مع مجموعة من الأعراض، ويمكن للهجوم المناعي الذاتي أن يصيبَ أي عضوٍ من أعضاء الجسم بما فيها الغدة الدرقية والبنكرياس والدماغ والمبيضَين وحتَّى الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين الموجود في نوى جميع خلايا الجسم.

تجدر الإشارة إلى أنَّه لا يمكن شفاء أمراض المناعة الذاتية بصورة كاملة، إلَّا أنَّه يمكن تحويلُها إلى حالة من الهدأة - وهي حالة غياب فاعلية المرض عند المُصابين بمرض مزمن لا يمكن الشفاء منه - والسكون باستخدام عدة تدخُّلات وتعديلات في نمط الحياة والحمية الغذائية.

شاهد بالفديو: فوائد صحية لا تعرفونها عن أكل السمك

السموم البيئية:

يشيع انتشار السموم البيئية في كل مكان في عالمنا اليوم، وهي تتفاعل مع الجسم البشري على مستوى الخلية، وتكون قادرةً على إحداث خلل وظيفي في مواقع المُستقبِلات الخلوية، وقد ثَبُتَ على نطاقٍ واسع أنَّ معظم السموم البيئية هي عوامل مُعوِّقة لعمل الغدد الصم ومسبِّبة للسرطان، بالإضافة إلى كونها سموماً عصبية، وكذلك فقد ارتبط التعرُّض للسموم البيئية مع حدوث الإجهاض لدى النساء الحوامل، ومن ثمَ فإنَّ مراعاة الحد من التعرض للسموم واتِّباع طرائق مُعيَّنة وآمنة لإزالة السموم، يمكن أن تُسهِم إسهاماً كبيراً في تعزيز وتنمية وظائف الهرمونات الصحيحة والمناسبة ودعم الخصوبة الإنجابية.

علم ما فوق الجينات:

إنَّ لجودة الحيوانات المنوية الذكرية وكميتها أهمية قُصوى في الحصول على حمل صحي وسليم، وعلى الرَّغم من مساهمة بعض العوامل الوراثية في إحداث الاضطرابات الحملية، فإنَّ الإنسان في النهاية ليس عبداً خاضعاً لأوامر مورِّثاته، وإنَّما تمدُّ الجينات الإنسان بذخيرة من المعلومات والصِّفات في داخله، في حين تكون بيئته المُحيطة ونمط حياته مسؤولَين عن التعبير عن تلك الصفات التي يحملها داخله أو كبحها.

هذا يعني امتلاكنا لتأثير قوي في التعبير المورثي الذي نُولَد به من خلال عدة عوامل بيئية نستطيع التحكم بها، وتشمل اتباع نظام غذائي صحي، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم الجيد، وإدارة التوتر، وتناول المكمِّلات الغذائية المناسبة، وتشمل التغيُّرات الوراثية التي يمكن أن تؤدي إلى اختلاطات حملية المورثات المسؤولة عن تركيب أنزيم ميثيلين تترا هيدورفولات الاختزالي، والعامل المثبِّط لمنشط البلازمينوجين-1، والعامل الخامس للايدن، وصميم البروتين الشحمي-إي2 وغيرها.

التشريح:

لا بدَّ من الإشارة أيضاً إلى ضرورة أخذ الأسباب التشريحية المُساهِمة في الخصوبة في الحسبان، فقد لا تتمكَّن النساء اللواتي يُعانين من خلل في المنطقة الحوضية على مستوى المبيضَين أو البوقَين أو عنق الرحم أو الرحم من الحمل إطلاقاً، أمَّا بالنسبة إلى الذكور، فيُعَدُّ الدفق الراجع أحدَ الأسباب التشريحية لعدم القدرة على الإنجاب.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب غير مرضيّة تؤدي لتأخر الحمل

التوقيت أو التقدُّم في العمر:

يؤثِّر التقدُّم في العمر في الخصوبة الإنجابية؛ إذ يتراجع ويتناقص مخزون المبيض مع تقدُّم المرأة في العمر؛ ولذلك تنخفض احتمالية الحصول على حمل طبيعي وصحي مع التقدُّم في السن؛ إذ يبدأ حدوث تغيُّرات ملحوظة وكبيرة في مخزون المبيض في عمر 35 سنة عند المرأة، وفي حين نجد تراجُعاً ملحوظاً وهامَّاً في الخصوبة الإنجابية بعد سن 35 عاماً، يمكن لمعظم المشكلات الصحية المُزمِنة، كأمراض المناعة الذاتية، والتعبير المورِّثي، واختلال مستويات سكر الدم أن تؤثِّر في احتياطي المبيض لدى بعض السيِّدات.

العامل الذكري:

تُعَدُّ المحافظة على صحة كلٍّ من الرجل والمرأة هامَّة جداً لإنجاب طفل سليم ومُعافى، ويشكِّل الرجل - أو ما يُدعَى بالعامل الذكري - لوحده ثلثَ حالات العقم، في حين يُنسَب ثلث حالات العقم إلى الاضطرابات الأنثوية وحدها، ويُعزى الثلث الأخير إلى أسباب مُشترَكة بين الذكور والإناث.

هذا يعني احتمال مساهمة الذكور في نحو ثلثي حالات العقم، وقد يبدو هذا مُفاجئاً؛ إذ ينصبُّ التركيزُ عادةً على المرأة حين يتعلَّق الأمر بالخصوبة الإنجابية؛ لذا يجب فهم أنَّ معظم العوامل المذكورة أعلاه لديها القدرة على إضعاف ومنع الخصوبة لدى الذكر، ومن ثمَّ يجب دراستها وعلاجها عند الأزواج الذين يُحاولون الإنجاب.

في الختام:

كما رأينا جميعاً توجد مجموعة متنوِّعة من المشكلات الصحية والتي يمكنها أن تؤثِّر في الحمل وإنجاب طفل سليم في النهاية، كما أنَّ معظم هذه المتغيِّرات مرتبطة فيما بينها ارتباطاً وثيقاً ويجب أن تعمل بصورة مثالية للتمكُّن من إنجاب مولود سليم ومُعافى.

المصدر




مقالات مرتبطة