المسامحة: دروس في الحياة تساعدك على إيجاد السلام الداخلي

تقول الكاتبة "لومينيتا د. سافوك" (Luminita D. Saviuc): "إنَّ المسامحة هي نعمة عظيمة تمنحها لنفسك لتعيش بسلام وسعادة وتنام نوماً هانئاً، فأنت لا تسامح لأنَّك ضعيف؛ بل لأنَّك قوي بما فيه الكفاية وتعلم أنَّه يتعيَّن عليك التخلُّص من الضغائن لتعيش بسعادة".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "جينيفر دي باسكال" (Jennifer De Pascale)، تُحدِّثُنا فيه عن بعض الخطوات التي يمكننا من خلالها مسامحة الأشخاص.

هل سبق وحدث معك شيء أو واجهتَ في حياتك شخصاً ما وأذاك من خلال شيء سيِّئ فعله أو استمر في القيام به وجعلك تشعر بأنَّه لا يستحق المسامحة؟ لقد حدث هذا الشيء معي بالطبع كما أنَّه شيء مؤلم وخاصة عندما لا يغيِّر ذلك الشخص تصرفه أو يُبدي أيَّة علامات ندم؛ فكيف يمكن مسامحة شخص لم يعتذر منك حتى؟ لقد حملتُ هذه المشاعر المؤلمة في قلبي لمعظم حياتي، ولم ألاحظ كم كانت تُثقِل كاهلي إلى أن تجاوزتها.

المسامحة:

الآن لقد اختلف الأمر؛ فلقد تحررت من هذه المشاعر، أتذكر أول يوم قررت فيه أن أسامح، لقد شعرت أنَّني وضعت حملاً ثقيلاً عن كاهلي "نعم لقد شعرت بالأمر جسدياً أيضاً"، فنحن مرتبطون بمشاعرنا بشدة لدرجة أنَّنا لا نلاحظ أنَّه في إمكاننا التحكم بها، ونحتاج إلى وقت طويل كي نسامح، ولكنَّه أمر يستحق العناء، فأنا أساعد عملائي على مسامحة الأشخاص، وأعلم أنَّه من أصعب الأشياء التي قد يقوم بها الإنسان هي التخلي عن الضغائن.

إنَّ جراحهم النفسية عميقة ويشعرون بأنَّهم لو سامحوا هذا الشخص، فإنَّهم سيبقون دون شيء، ولكنَّ الأمر الوحيد الذي تعلمته هو أنَّ الاحتفاظ بهذه الضغائن سيبقي جراحنا العاطفية مفتوحة؛ لإنَّ الألم ينبع من داخلنا وليس من الشيء السيِّئ الذي حدث لنا.

6 دروس حياتية لتجد السلام الداخلي:

1. المسامحة هي حالة وجودية:

هي اتِّخاذ إجراء وليست فكرة عابرة؛ ففي كل مرة نشعر فيها بالغضب بسبب شخص أو حدث ما؛ علينا أن نسامح وعلينا أن ننظر في داخلنا لإيجاد جذر هذا الشعور ومسامحة الشخص؛ وذلك لأنَّ لا أحد يمكنه مساعدتنا سوى أنفسنا.

2. المسامحة لا تعني أنَّ ما قام به الشخص كان مقبولاً:

إنَّ مسامحتك لهذا الشخص لا تعني أنَّ تصرُّفه كان مقبولاً وأنَّك ستبقيه في حياتك؛ إذ إنَّ التوبة هي السبيل الوحيد ليثبت لك أسفه الحقيقي وأنَّه قد غيَّر من تصرفاته؛ فالتوبة هي أكثر من مجرد اعتذار؛ فهي تعني أن يكون هذا الشخص صادقاً.

إقرأ أيضاً: ما هو مفهوم التسامح؟ وما فوائده وأهميته؟

3. المسامحة تعني التقبُّل:

المسامحة تعني تقبُّل ما حدث معك واختيار تجاوزه؛ إذ إنَّ هذا التقبُّل هو لأجلك ولمصلحتك ولا علاقة للشخص الآخر بالأمر؛ فإذا لسعتك أفعى سامة، ماذا سيكون سبب موتك؟ ستموت من السم وليس من لسعة الأفعى نفسها؛ فإذا منعت السُمَّ عن دخول جسدك، ستزول اللسعة مع الوقت.

4. المسامحة تعني التعاطف:

أنا أعرف أنَّني سامحت ذلك الشخص عندما لا أعود أشعر بغضب تجاهه أو تجاه الحدث الذي جعلني غاضباً منه، وعندما أسترجع الموقف أشعر بالتعاطف مع ذلك الشخص؛ لأنَّ وحدهم الأشخاص ذوي القلوب المتألمة هم من يؤذون الأشخاص الآخرين.

5. المسامحة هي الاحتواء:

المسامحة هي احتواء ورعاية ذلك الطفل الصغير أو البالغ المجروح عاطفياً الموجود بداخلك في تلك الأوقات، وعليك إعلامه أنَّ هذا العالم هو مكان آمن، وأنَّ لا علاقة له بالأمر الذي حدث؛ وإنَّما بالشخص الذي قام بذلك، وأنَّ هذا الشخص جميل ومحبوب وجيد بما فيه الكفاية؛ فهذا سيساعده على أن يكون بخير مجدداً، ويمكنك القيام بهذا وحدك او بمساعدة أحد المختصين.

يوجد تمرين روحي آخر أستخدمه عندما أشعر بالغضب تجاه شخصٍ ما؛ ألا وهو أن أتخيل نفسي في مسرحٍ مليء بالجمهور ويقف ذلك الشخص على منصة المسرح ويتلقى كل ما يتمناه في حياته، ويجب أن أكون من أكبر معجبيه وأقف مصفقةً له وأعبر له عن مشاعر الحب غير المشروط التي أكنُّها له؛ فأنا لا أتخيل الأمر لمجرد القيام بالتمرين؛ بل أحاول أن أعيش جميع المشاعر المرتبطة بهذا المشهد.

يصفني معظم زبائني بأنَّني مجنونة عندما أخبرهم عن هذا التمرين؛ فأنا أعلم أنَّهم غير مستعدين للمسامحة بسبب كبريائهم، ولكنَّ جلَّ ما تصبو إليه روحهم هو التحرر من ذلك الألم؛ لأنَّنا نكبح أنفسنا عند عدم قيامنا بهذا؛ إذ إنَّ الشعور بالحب غير المشروط تجاه شخصٍ قد أذانا هو السبيل للتخلص من الضغينة الموجودة بداخلنا، فمن السهل محبة الأشخاص المحبين، ولكن من الصعب محبة الأشخاص السيئين.

يقول الشاعر "ألكسندر بوب" (Alexander Pope): "أن تُخطِئ هو أمر بشري، ولكن أن تسامح فهو هبة إلهية"، كما تقول الكاتبة "نيكي سيرا" (Nicky Sehra): "من الطبيعي تماماً الشعور بهذه المشاعر المتجذرة عميقاً في ذواتنا، وإنَّ التعبير عنها وإظهارها والتصالح معها يساعدنا على الشفاء والمضي قدماً في حياتنا".

6. المسامحة هي إعادة كتابة نسختك من القصة:

علينا التوقف عن سرد القصة من وجهة نظرنا ومحاولة إعادة صياغتها؛ فأنت لست الضحية بعد الآن، وأنا لا أنظر إلى الأحداث الماضية التي جرت معي بالطريقة نفسها بعد الآن؛ إذ إنَّ هذه الأحداث كانت مثل مرايا عكست الجوانب النفسية الكامنة في داخلنا والتي هي بحاجة إلى شفاء؛ فعندما نعالج هذه الجوانب نستطيع الوصول إلى قوتنا الداخلية.

فهذه رحلة بطولية ورحلة روحية؛ لأنَّ معرفة جميع الأمور التي تغلَّبنا عليها وتجاوزناها في الماضي تساعدنا على إيجاد أنفسنا التي تكمن فيها قوة كبيرة إذا احتويناها.

شاهد بالفديو: 15 قول عن التسامح والغفران

في الختام:

كل هذه القدرة على المسامحة تكمن في داخلك بهذه اللحظة؛ ولتتخلَّص من كل مشاعر الألم والحزن وتشفي جروحك؛ تبدأ هذه العملية بأخذ قرار والعمل وفقاً لهذا القرار عندما تراودك مشاعر سلبية؛ فهل تريد الاستمرار في الشعور بهذه الطريقة أم تريد استعادة قوتك والمضي قدماً؟ القرار يعود لك.

المصدر




مقالات مرتبطة