المال لا يعزز الإبداع والتغيير بل العلاقات

في الوقت الذي تتطلع فيه الشركات إلى إعادة تطوير ذاتها، وضَّح الرؤساء التنفيذيون أكبر مخاوفهم بالنسبة إلى عام 2021. في دراسة استطلاعية أجراها "مجلس المؤتمر" (The Conference Board)، قال الرؤساء التنفيذيون في الولايات المتحدة وحول العالم إنَّ التحول الرقمي والابتكار يتصدران قائمتهم للتحديات التي يواجهونها. والمتابعة عن كثب ضرورية من أجل ضبط التكاليف.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "آرون هورست" (Aaron Hurst)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية العلاقات في تغذية الإبداع وعمليات التحول الإيجابية.

لقد سرَّعت الجائحة التحول الرقمي؛ إذ تحوَّل اعتماد الشركات على التكنولوجيا الجديدة لتغطية مزيدٍ من المهام وتوفير المال؛ ولكن ماذا عن الابتكار؟

للوهلة الأولى، قد يبدو من المرجح أن يؤدي تضييق الخزنة المالية إلى الحد من هذه الجهود؛ وذلك لأنَّ الإبداع يتطلب الاستثمار. قالت مجموعة من الباحثين من مؤسسة "إف سي إل تي غلوبل" (FCLTGlobal): "إنَّ تخصيص رأس المال الفعال طويل الأمد هو أمر أساسي للابتكار وخلق القيم. والاستثمار في البحث والتطوير، يغذِّي هذا النمو في الابتكار".

ولكن بعد أن أمضيتُ سنوات في البحث والعمل مع الشركات لتعزيز جهود التحول والإبداع، أصبحت أدرك الآن أنَّ الميزانيات الأكثر إحكاماً، من الممكن أن توفر الفرص. وتستطيع المؤسسات استثمار هذا الوقت لاتخاذ قرارات أكثر ذكاءً فيما يخص كيفية التعامل مع التحديات الكبرى التي تواجهها. لذا يصبح السؤال: كيف يمكن للشركات تعزيز التحول الرقمي والإبداع بأقل تكلفة ممكنة؟ الإجابة هي: بتسخير عقول موظفيهم تسخيراً جديداً.

يكمن في الشركات عالم من الأفكار والفرص لمنتجات وخدمات جديدة، وطرائق جديدة للعمل، وأنظمة جديدة لجذب أفضل وأذكى الموظفين. ومن ثم المفتاح هو إطلاق العنان لتلك الأفكار وجمعها معاً. ولا يتطلب ذلك تضخيم ميزانيات البحث والتطوير، كما أنَّه لا يتطلب مدربين خارجيين أو جلسات عصف ذهني جماعية لا نهاية لها، التي يمكن أن تعترض طريق عمل آخر. وبدلاً من ذلك، يكمن الحل في إيجاد مساحة للمحادثات الفردية عبر المؤسسة التي تُبرز الأفكار وتدعم التغيير وتؤدي إلى الأفعال؛ أي وبعبارةٍ أخرى، تقديم الكوتشينغ للموظفين.

السلامة النفسية تطوِّر الأفكار:

كل موظف لديه شيء ليقدِّمه وسيساعد على تحسن العمل، ولكن لا يشعر كل موظف بالارتياح للتحدُّث في لقاء مفتوح في شركة كبيرة، أو في اجتماعات تتضمن مجموعات كبيرة من الناس.

قد يمكِّن الكوتشينغ كل موظف من التعبير عن نفسه؛ وذلك من خلال عقد جلسات مدتها ساعة تجمع بين زميلين من أنحاء مختلفة من مؤسستك لإجراء محادثة موجهة بمجموعة من الأسئلة الجاهزة. وفيها يتحدث كل مشارك ويُصغي للآخر بالقدر نفسه، مقدِّماً تغذيات راجعة مدروسة ومشجِّعة. ولأنَّ أياً منهما لا يتفوق على الآخر، فإنَّ هذه الجلسات توفر السلامة النفسية، والتي بدورها تشكل ضرورة للإبداع والابتكار.

لقد وجدت دراسة أُجريت على المدارس بعنوان "كوتشينغ الأقران يحفز على التغيير" (Peer Coaching Drives Change) أنَّ هذا يحدث بالفعل، حيث أظهرت النتائج: "أنَّ كوتشينغ الأقران يحدد الثقة التي تمكِّن المعلمين من الخروج من وضعهم الراهن".

يساعد كوتشز الأقران بعضهم بعضاً على التغلب على "الميل الطبيعي إلى مقاومة التغيير، وتصوُّر استراتيجيات تعليمية جديدة ومسارات رائدة لإحداث تغيير جذري في المدرسة". كما يؤدي كوتشينغ الأقران مباشرة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة. وقبل انتهاء الجلسة، يأتي كل مشارك بإجراء محدد لاتخاذه. مثل: "سوف أدرس الحالة دراسة جديدة؛ إذ يمكن لفريق مبيعاتنا التعامل مع الاحتجاجات بناءً على الخبرة"، أو "سوف أُجري محادثة مع مديري عن كيف يمكن للتعلم الآلي أن يستبدِل الكثير من الأعمال الورقية التي نقوم بها". ويمكن أن يؤدي أي فعل إلى تغيير إيجابي.

ولأنَّ كوتشز الأقران يحمِّلون بعضهم بعضاً المسؤولية من خلال المناقشات المستمرة، فقد توصلت الأبحاث إلى أنَّ أكثر من 80% من الوقت ينجز المشاركون خططهم على أكمل وجه.

إقرأ أيضاً: تعزيز الإبداع والابتكار في فريق عملك

كسر الحواجز:

مع مرور الوقت، من الجيد إقران الموظفين مع أشخاص مختلفين في جميع أنحاء المنظمة، وخلق علاقات مع أولئك الذين لديهم تركيز وخبرات ووجهات نظر مختلفة. وهذا من شأنه أن يساعد على كسر الحواجز التي كثيراً ما تمنع التعاون العميق.

ووفقاً لتقارير من مؤسسة "ماكينزي" (McKinsey): "أكدت دراساتنا مراراً وتكراراً أنَّ نحو ثلثي الجهود للتغيير لا ترقى إلى تحقيق أهدافها، أو أنَّها في نهاية المطاف لن تدوم؛ وعلى النقيض من ذلك، تعمل المنظمات التي تتجاوز الحواجز في أنموذج التشغيل من البداية حتى النهاية بفاعلية أكبر".

وهذا أمرٌ منطقي، بالنظر إلى أنَّ الأفكار الجديدة تزدهر عندما يكون لدى الناس فهم أفضل للتحديات التي يواجهها نظراؤهم في المنظمة. وضَّح ثلاثة أساتذة في علم النفس في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review): "أنَّ الإبداع يتطلب شيئين، الأول هو الوصول عبر مجالات العمل، وفي كثير من الأحيان اكتساب فهم أكبر من الأمور السطحية لهذه المجالات".

فضلاً عن ذلك فإنَّ الحواجز لا تختفي من خلال ممارسات بناء الفِرَق؛ بل من خلال علاقات جوهرية بين الناس. وبسبب هذه الجائحة، أصبح بناء تلك العلاقات أكثر صعوبة. وبسبب عدم الذهاب إلى المكتب كل يوم، فإنَّ الناس أصبح عليهم إجراء محادثات أقل. يتطلب بناء العلاقات في نطاق المنظمة جهداً كبيراً؛ ووضع كوتشينغ الأقران في الحسبان يساعد على ذلك.

إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

إدارة التغيير المستمرة:

عند حدوث تغييرات في المنظمة من خلال كل من التحول الرقمي والإبداع، ستظهر دائماً بعض المقاومة الطبيعية للأمر؛ فالنَّاس معتادون على بعض طرائق العمل وهم يحذرون من تعطُّل النظم القائمة. ولكن مع تسارع وتيرة التغيير على نحو متزايد ومع وجود قائمة طويلة من المهام اليومية، فإنَّ المديرين لا يجدون الوقت الكافي لمساعدة كل موظف على حدة من أجل التعامل مع الإبداعات والاعتياد عليها.

ويمكن للأقران القيام بذلك لبعضهم بعضاً؛ إذ يشاركون أسئلتهم ومخاوفهم وتحدياتهم؛ فبدلاً من تزويد الشريك بالحلول، يساعد الكوتشز شريكهم على إيجاد الحلول.

كما يتبادلون تجاربهم وأفكارهم، ويتحدثون معاً عن الفرص التي تتيحها التغييرات. وعلاوةً على ذلك، يمكن أن يخصِّص المديرون التنفيذيون محادثات بين الأقران تركز على تغييرات محددة، فهذا يعجِّل بناء الثقة والمشاركة.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لتنمية الإبداع في نفسك

في الختام:

توفر التجربة للموظفين مستوى من المشاركة والانتماء لم يشهده الكثيرون من قبل؛ وهذا بدوره يساعد على إجراء المزيد من المحادثات، والتعاون وتبادل الأفكار. ومن ثم تنشأ ثقافة تنظيمية تتسم بقدر أعظم من المرونة، وهي الثقافة التي يرى فيها الرؤساء التنفيذيون أنَّ أهم تحدياتهم يمكن أن تُتجاوَز، وهذا الأمر الذي يسمح للمنظمة بالازدهار.

المصدر: 1.




مقالات مرتبطة