الكلية والحمل: علاقة جميلة لكن خطرة

إنَّ الكلية تتأثر عموماً خلال الحمل؛ إذ إنَّها تمثل صمام الأمان بالنسبة إلى جسم الحامل، فهي التي تخبرنا إن كان الجسد يعاني أم لا، وهل هو قادر على متابعة الحمل أم لا، كلها أمور سنحاول أن نتطرق إليها بشكل سهل قدر الإمكان، فتابعوا معنا.



1. ما هي التغيرات الوظيفية التي تطرأ على وظيفة الكلية خلال الحمل؟

يؤدي الحمل إلى حدوث تغيرات متعددة وهامة في كمية سوائل الجسم، وتركيبها وتوزيعها؛ إذ يرتفع حجم بلازما الدم في الجسم بمقدار النصف، كما ترتفع كتلة الكريات الحمراء بمقدار الثلث، ولكنَّ الزيادة في حجم البلازما تفوق زيادة كتلة الكريات الحمراء.

لذا، قد نشاهد في تحاليل الدم عند الحامل انخفاضاً في تعداد الكريات الحمراء، وانخفاضاً في نسبة الهيماتوكريت الذي يعبِّر عن كتلة الكريات الحمراء مقارنة مع بلازما الدم، وهذا ما نسميه بفقر الدم التمددي أو الفيزيولوجي عند الحامل، ويجب أن يبقى الخضاب فوق 10 غرام في الديسيلتر، وإلا فهو فقر دم مَرَضي يستدعي الاستقصاء.

وخلال الحمل ينخفض مستوى الألبومين في الدم، وهو سبب من أسباب حدوث الوذمات عند الحوامل، إلى جانب الضغط الذي يسببه الرحم المتضخم على الأوردة؛ ومن ثمَّ توسعها، وتوذم الأطراف السفلية، بالإضافة إلى التأثير المرخي لهرمون البروجسترون.

ومن خلال هذه التغيرات، نستنتج أنَّ للحمل الكثير من التأثيرات في كمية الدم الوارد إلى الكلية؛ إذ يؤدي إلى زيادة الرشح الكبي، وزيادة كمية البول وهو ما يفسر زيادة تردد الحامل إلى دورة المياه.

يزداد الرشح الكبي بسبب انخفاض تركيز الكرياتينين في الدم، وحمض البول كذلك الأمر؛ لذا يجب الانتباه إلى مستويات حمض البول؛ إذ يمكن أن يكون تجاوزه عتبة 4.5 ملغ هو العلامة الأولى والمبكرة لحدوث ما قبل الإرجاج؛ وهي حالة مَرَضية خطيرة مهددة لحياة الأم والجنين.

2. كيف يتغير الجهاز البولي خلال الحمل؟

خلال الحمل، يزداد حجم الكليتين بمقدار 1 سم؛ وذلك بسبب زيادة تروية الكلية، ويحصل توسع في الطرق البولية المفرغة وهي الحويضة والحالبان والكؤيسات؛ وذلك بسبب هرمون البروجسترون، ولأنَّ الرحم يقوم بضغط الطرق البولية، ومن ثمَّ الركودة البولية والتي تؤهب للإصابة بالإنتانات المختلفة.

3. ماذا عن الضغط الشرياني خلال الحمل وعلاقته بالكلية؟

في أي حمل اعتيادي، يحصل انخفاض في الضغط الشرياني عند الحامل، وخصوصاً الضغط الانبساطي؛ إذ يكون أقل بعشرة ملم من فترة قبل الحمل، وبعد نهاية الحمل يصبح الضغط الشرياني مثل فترة ما قبل الحمل.

إنَّ سبب انخفاض الضغط الشرياني عند الحامل، يعود إلى التوسع الوعائي الذي قد ينتج عن هرمونات الحمل التي تؤثر في بطانة الأوعية، وتحرر منها مواد موسعة للأوعية، وتنقص إفراز المواد التي تقبض الأوعية، وهذا التوسع للأوعية يقلل من وصول الدم إلى الكلية، فتستشعر هذا النقص وتقوم بحبس الماء والصوديوم من أجل تعويض هذا النقص.

شاهد بالفديو: كيف تتعامل مع زوجتك في فترة الحمل؟

4. حالة ما قبل الإرجاج صديقة الكلية والحمل:

حالة ما قبل الإرجاج؛ هي حالة خطيرة على مستوى الأم والجنين؛ إذ تتسم بحدوث ارتفاع في الضغط الشرياني، وخروج البروتين مع البول، ووذمات منتشرة، وعيوب تخثرية، وشذوذات في وظائف الكبد، ويحصل نتيجة لكل هذه الاضطرابات الخطيرة؛ نقص في ورود الدم إلى المشيمة، ومن ثمَّ خطر على حياته ومستقبل نموه وتطوره.

وقد تتطور حالة ما قبل الإرجاج إلى حالة الإرجاج والتي تتميز باختلاجات شديدة ناجمة عن اعتلال دماغي ناجم عن الوذمة الدماغية.

في أغلب الحالات يحدث ما قبل الإرجاج، في آخر ثلث من الحمل، وبشكل أقل في الثلث الثاني، وبشكل نادر في الثلث الأول.

حالة ما قبل الإرجاج أكثر ما تحدث عند اللواتي يحملن لأول مرة؛ لأنَّ أوعية الرحم تكون غير متطورة بشكل كافٍ، كما أنَّ وجود مشكلة في الكلية، وارتفاع في الضغط الشرياني، ومرض السكري، والسمنة، يجعل الحامل مؤهبة بشكل أكبر للإصابة بالإرجاج.

وكذلك فإنَّ الحمل بالتوائم، وحدوث هذه الحال سابقاً في عائلة المريضة، والحمل بسن صغيرة أو كبيرة، ومرض الرحى العدارية، وطفرة العامل الخامس، أو داء لايدن، وكذلك متلازمة أضداد الفوسفوليبيد، هي عوامل خطورة، تزيد فرصة حدوث حالة ما قبل الإرجاج.

5. ما هي الأعراض السريرية التي تشير إلى حالة ما قبل الإرجاج؟

من أهم العلامات التي تشير إلى أنَّ ما قبل الإرجاج قد تكون وشيكة الحدوث، مثل زيادة في حدة المنعكسات الوترية، والصداع، وتشوش الرؤية، والألم البطني، ويُعَدُّ إعطاء دواء سلفات المغنيزيوم إجراءً مفيداً في منع حدوث ما قبل الإرجاج، والوقاية من الاختلاجات، وربما يقلل من الضغط الشرياني عند الحوامل بشكل طفيف.

6. ما هو ارتفاع التوتر الشرياني المزمن المرتبط بالحمل؟

يُعَدُّ من الأمور الشائعة عند الحوامل بسن كبير، واللواتي يلدن بشكل متكرر، فمن الممكن أن يحدث خلال الحمل أو قبله، ويتميز بوجود ضخامة عضلية في البطين الأيسر ومشكلات في شبكية العين مرافقة له.

وهو ارتفاع في الضغط الشرياني قبل الأسبوع العشرين من الحمل، ويستمر نحو ثلاثة أشهر بعد نهاية الحمل، وفي حال حصول ما قبل الإرجاج عند سيدة تعاني من ارتفاع الضغط الشرياني المزمن، فإنَّه سيبدأ بالحدث قبل الأسبوع العشرين، مع طرح بروتين مع البول.

أما ارتفاع الضغط الشرياني الحملي فهو الذي يبدأ في الثلث الثالث من الحمل، ويزول بعد نهاية الحمل، ولا يترافق بعلامات ما قبل الإرجاج.

7. كيف يتم علاج ارتفاع الضغط الشرياني خلال الحمل؟

إنَّ أكثر دواء استعمالاً في علاج ارتفاع الضغط الشرياني عند الحامل، هو الألفا ميتيل دوبا؛ فإنَّه دواء آمن بالنسبة إلى الجنين وهو ذو تأثير مركزي، وكذلك دواء الهيدرالازين، واللابيتالول وهو حاصر ألفا وبيتا.

أما حاصرات بيتا، فقد أثبتت الأبحاث أنَّها أدوية آمنة بالنسبة إلى الحمل، وذات فاعلية في الثلث الأخير من الحمل، أما استعماله في الثلث الأول من الحمل فقد يسبب تراجعاً في تطور أو نمو الجنين.

حاصرات أقنية الكلس، استعمالها كان آمناً وفعالاً، حسب بعض الأبحاث، ولكن لا توجد دراسات تابعَت الأطفال لفترة طويلة بعد الولادة.

أما مثبطات خميرة تحويل الأنجيوتنسين، فهي من الأدوية الممنوعة خلال الحمل؛ إذ إنَّها تسبب شحاً في السائل الأمنيوسي، وتأخر نمو الرئة، وأذية كلوية عند الجنين، والشيء نفسه لحاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين.

من غير المحبذ استعمال المجرات خلال الحمل، إلا في بعض الحالات الملحة أو الإسعافية مثل وذمة الرئة الحادة.

يجب الإشارة إلى قضية هامة وهي أنَّ الضغط الشرياني عند الحامل يختلف بحسب الوضعية؛ إذ يمكن أن ينخفض في وضعية الاستلقاء الظهري بسبب ضغط الرحم على الأوردة فيمنع رجوع الدم؛ لذا من الأفضل أن يُقاس الضغط الشرياني عند الحامل بوضعية الاضطجاع الجانبي.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح بسيطة لتهيئة جسمك للحمل

8. الحمل عند سيدة لديها مرض كلوي:

من الممكن أن يُشَخَّص المرض الكلوي خلال الحمل أو قبله، من خلال مظاهر البيلة البروتينية، أو ارتفاع الضغط الشرياني، أو ارتفاع تركيز الكرياتينين التي من الممكن أن تكون موجودة قبل بداية الحمل، فيجب الانتباه إلى مستوى الكرياتينين في الدم؛ إذ إنَّ عدم انخفاضه خلال الحمل يُعَدُّ مماثلاً لارتفاعه في حالة عدم الحمل؛ ويدل ذلك على وجود درجة من الأذنية الكلوية.

قد تزداد كمية البروتين في البول مع تقدُّم الحمل، وقد يظهر ارتفاع الضغط الشرياني أو يزداد عما كان عليه، ومن الممكن أن تؤدي إلى نقص في معدل نمو الجنين؛ إذ إنَّ ولادة طفل ناقص النمو قد يدل على أنَّ أمه كانت تعاني من أذية كلوية خلال فترة الحمل.

9. هل يشكل المرض الكلوي خطراً على الحمل؟

يدل ارتفاع الضغط الشرياني أو وجود درجة من القصور الكلوي أو كلا الأمرين على وجود خطورة على صحة وحياة كلٍّ من الحامل والجنين، على عكس وجود البروتين في البول الذي ولو كان شديداً، فإنَّه ليس مؤشر خطورة.

إقرأ أيضاً: كيفية عمل الكلية وأكثر الممارسات التي تضر بصحتها

10. القصور الكلوي الحاد خلال الحمل:

في حال حدوث القصور الكلوي الحاد في الشهر الثالث إلى الرابع من الحمل، فإنَّ السبب غالباً هو تجرثم دم بسبب إجهاض جنائي لا يراعي شروط العقامة، ومن الممكن أن يكون السبب هو قصور كلوي أو ما قبل كلوي بسبب الإقياءات الحملية المستمرة والتي لا تستجيب لأي علاج.

إنَّ أغلب حالات القصور الكلوي الحاد المرتبطة بالحمل تحصل في الأسابيع الأخيرة من الحمل، وحتى مرحلة النفاس بعد الحمل؛ ويكون سببها بشكل رئيس هو المضاعفات النزفية أو ما قبل الإرجاج.

ومن الممكن أن يكون سبب القصور الكلوي هو متلازمة هيلب، والتي تتميز بارتفاع خمائر الكبد وانخفاض الصفيحات وانحلال الدم، وهي نمط شديد من حالة ما قبل الإرجاج، تؤذي الكلية في حال عدم علاجها بسرعة.

11. ما هي تأثيرات التهاب المجاري البولية في سير الحمل؟

نشاهد جراثيم في البول دون أعراض، أو ما يسمى بالبيلة الجرثومية اللاعرضية عند نحو 5% من الحوامل، وانطلاقاً من هذا الكلام، يجب إجراء فحص البول والراسب وزرع البول بشكل روتيني عند أي حامل.

في حال عدم علاج البيلة الجرثومية اللاعرضية، فإنَّ ثلثها سيتحول إلى إنتان مجاري بولية صريح؛ بسبب الركودة البولية الناجمة عن توسع الأحواف البولية المفرغة.

قد يؤدي الإنتان البولي عند الحامل أو ما يسمى بالتهاب الحويضة والكلية، إلى فقدان الجنين أو تحريض المخاض بوقت باكر؛ لذا، يجب أن يتم نقل الحوامل اللواتي لديهن إنتان بولي إلى المستشفى من أجل إعطائهن الصادات الحيوية الوريدية، والاستمرار في إعطاء الصادات لمدة 24 ساعة بعد عودة الحرارة إلى الحد الطبيعي.

نكمل إعطاء الصادات الحيوية عبر الفم مثل السيفالوسبورينات والبنسلينات والنتروفورانتوين التي تُعَدُّ آمنة في الحمل.

يجب معالجة البيلة الجرثومية اللاعرضية عند الحامل بشكل جدي بالصادات لمدة عشرة أيام، ويجب الاستمرار بإعادة زرع البول والتحسس.

كلمة أخيرة:

يُعَدُّ الحمل حالة خاصة في كل شيء؛ إذ يجب عدم التهاون مع أي تغير، والمتابعة الدورية عند طبيب الأمراض النسائية والتوليد، والحرص على إشراك طبيب الكلية في التفاصيل التي تخص الإنتان البولي والضغط الشرياني والبيلة البروتينية.

المصدر: مقرر أمراض الكلية في كلية الطب البشري في جامعة تشرين - اللاذقية.




مقالات مرتبطة