القيادة والصعود السيكوباتي للشركات المرنة اجتماعياً

الرابط المزعج بين القيادة والسيكوباتية يدفعني للحديث عن سمات هذه الشخصية، والتي هي بكل تأكيد ليست من ضمن الأمثلة التي نرغب في التحدث عنها، لكن - وبكل أسف - يُعَدُّ السلوك السيكوباتي من أكثر الأساليب المنحرفة شيوعاً وانتشاراً في الواقع العملي.



توجد اختلافات في سمات القيادة التي ما تزال دون حل نهائي حتى اليوم، فما زلنا إلى يومنا هذا نتطرق لتفسيرات مختلفة لنفس التصرف والقرار، وربما نبرر التصرف ونتائجه باختلاف متخذي القرار وسلوكاتهم وسمعتهم، ويتضح هذا خاصة عند النظر في التناقضات الناشئة عند عدد من الأحداث التي سلطت الضوء على الصلة الضعيفة بين القادة والأحكام الأخلاقية من جانب القادة البارزين في مجال الأعمال؛ إذ أبرزت بعض الأبحاث خصائص بعض أنماط القيادة التي تشترك في سمات مشبعة بالسلوك السيكوباتي.

وإنَّ وجهة النظر السائدة القائلة إنَّ الترويج الفردي لأساليب القيادة الملهمة بِوصفها الدواء الشافي للقيادة الفعالة في الإعدادات التنظيمية قد تجاهلت التداعيات المحتملة للسلوك، التي يمكن عَدُّها، والتي نشأ عليها علم الإدارة التقليدية منذ أن برزت النظرية الكلاسيكية للإدارة للعالم "فريدريك تايلور" (Fredrick Taylor)، ولولا أنَّ ذلك غير مناسب، فقد يؤدي تعزيز السلوك الذي قد يبدو متسقاً مع الرغبة التنظيمية للنجاح لكن على حساب القضايا الأخلاقية والمعنوية إلى عواقب غير مرغوب فيها.

كما أنَّ تنوع الآراء المتعلقة بتعريف القيادة ونظر كل شخص إلى مفاهيم وسمات تخدم وجهة نظره وتُحقِّق أهدافه الشخصية ليس فقط دليلاً على التلاعب؛ إنَّما يعكس خلافاً عميقاً في كيفية تفسير مفاهيم وعمليات القيادة وتطبيقاتها، على الرغم من أنَّ أغلبية المراجع - الدراسات والحالات العملية المنشورة والمتداولة - ركزت على أنواع السلوك والسمات والتأثير في العمليات التي يستخدمها القادة لتعزيز الأداء الفردي والجماعي لتشكل فاعلية القائد.

تعريف السيكوباتية:

تُعرَّف كلمة سيكوباتية في عالم الأعمال والشركات على أنَّها اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، ويوصَف بها أي شخص يُظهِر أنماطاً من التلاعب وانتهاك الآخرين وانعدام الكسوف والسطحية في التعامل مع الآخرين؛ وهم أشخاص يتوقون إلى السلطة والمناصب المهيمنة على اتخاذ القرارات، ولديهم نمط سلوكي يسمى بـ "الشخصية المرنة اجتماعياً"، بسبب قدرتهم على تبديل سلوكهم ومظهرهم ونمط شخصيتهم بسهولة، حسب ما تقتضيه مصلحتهم في مختلف المواقف الاجتماعية.

ولا يوجد لدى هذه الشخصية المرنة قيم ثابتة؛ بل أغلب قيمها زائفة، فهي غالباً ما تتخلى عنها وفقاً لمتطلبات وجودها ضمن أي مجموعة، أو تماشياً مع كل ما يُحقِّق مصالحها، فهي تتغير حسب الامتيازات الممنوحة لها، أو حسب ما تقتضيه بعض المواقف فهم مرنون اجتماعياً لإخفاء قسوتهم وسلوكهم المعادي تحت غطاء السحر وبلاغة الخطاب.

إقرأ أيضاً: 6 صفات تميز القائد الذي يمتلك الكاريزما

صفات السيكوباتيين:

توجد عدة سمات للشخصية السيكوباتية، ومنها الافتقار إلى الندم، والافتقار إلى الأهداف الجماعية، والافتقار إلى التعاطف، ولا يقبل المسؤولية، ومخادع، ومصاب بداء العظمة، كما يرى بعضهم المدير السيكوباتي على أنَّه زعيم ذو شخصية تبدو كاريزمية، يلهم الآخرين لاتباعه، ومفكر استراتيجي يمكنه إتقان التفاصيل، ودؤوب يتمتع بتركيز عالٍ ومهارات حل المشكلات، كما قد يبدو محبوباً من قِبل موظفيه، وفي بعض الأحيان لديه من المهارات أن يتواصل مع أي جمهور من الناس مهما كان عددهم أو فئاتهم؛ إذ يمكنه نقل أي رؤية يريد.

وتشير الإحصاءات إلى أنَّه من الصعب تقدير مقدار انتشار السيكوباتيين في المجتمع، ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أنَّ السيكوباتيين موجودون بنحو 1% من عموم السكان و25% من نزلاء السجون، و3.5% في عالم الأعمال.

السيكوباتيين والكاريزماتية:

قد يخلط بعضهم في التفرقة بين الشخصيتين؛ نظراً لتشابه الصفات بصفات مثل الكاريزما، والثقة، والإقناع، والشجاعة، ويمكن في البداية الخلط بين خصائص السيكوباتيين الناجحين في الشركات والسلوكات التي تمَّ تبنِّيها سابقاً للقادة الكاريزماتية الفعالين.

والاختلاف يكمن هنا في أنَّ هؤلاء السيكوباتيين في الشركات لا يهتمون كثيراً بالنقد، وقد يلتزمون بمشاريع محفوفة بالمخاطر أو غير حكيمة، ومن غير المرجح أن يرعوا الموهوبين والمبتكرين، ولم يُنشِئوا فرقاً متناغمة؛ بل يتكبدوا خسائر موظفين موهوبين على الأمد البعيد.

شاهد بالفيديو: كيف تستثمر لغة الجسد لتكسب كاريزما قوية تسحر من حولك

مفارقات:

طبقاً لآخر الإحصاءات، فإنَّ الأفراد الذين حصلوا على درجات عالية في مقاييس السيكوباتية يشغلون مناصب إدارية عليا على الرغم من وجود علاقة قوية بين السيكوباتيين وأساليب الإدارة السيئة وتقييم الأداء الضعيف، وتشير الآراء إلى أنَّ المديرين السيكوباتيين غالباً ما يرتقون بسرعة عبر المناصب المختلفة وصولاً إلى السلطة.

توظيف وترقية السيكوباتيين:

مع أنَّ معظم الشركات لديها اختبارات شخصية وعمليات مقابلة مكثفة في متطلبات التوظيف والترقية، إلا أنَّها غير فعالة في فحص السيكوباتيين، وخاصة الأذكياء منهم؛ إذ يمكن أن يكذبوا بسهولة؛ وذلك لأنَّهم أذكياء بما يكفي لتقديم أفضل إجابة في أي اختبار شخصية.

يرى الباحثون - فيما يتعلق بأسباب قيام المؤسسات بترقية هؤلاء القادة - أنَّ أعضاء المؤسسة يتسامحون مع مثل هذه الممارسات المدمرة بسبب التعقيد الثقافي والهيكلية مع الثقافات التي تفضل السلوك الإداري المتلاعب والأناني، وعلاوة على ذلك، إذا قام هؤلاء التنفيذيون بإنجاز أهداف المؤسسات، فسوف يُتغاضى عن الانتباه إلى هذه الاتجاهات السلبية؛ وذلك لأنَّ الهدف المرجو قد حُقِّق.

إقرأ أيضاً: اضطراب تعدد الشخصيات: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

السيكوباتيين وإدارة الانطباعات:

يظهر معظم السيكوباتيين على أنَّهم يتمتعون بمهارات اتصال شفهية ممتازة، وفي كثير من الحالات تكون هذه المهارات أكثر وضوحاً من كونها حقيقية؛ وذلك بسبب استعدادهم للقفز مباشرة إلى محادثة دون الموانع الاجتماعية التي تعوق معظم الناس.

فهم جيدون في إدارة الانطباعات ولديهم قدرة على الإقناع بتغيير وضعهم بمهارة تتناسب مع الموقف وخطة لعبهم، ولا يمتلك بعضهم ما يكفي من المهارات الاجتماعية والتفاعلية مع الآخرين؛ بل قد يلجؤون إلى الاعتماد على التهديد والإكراه والعنف للسيطرة على الآخرين والحصول على ما يريدون في بعض الحالات، وعادة ما يكون هؤلاء الأفراد عدوانيين عداوة واضحة ومُسيئين إلى غيرهم، ومن غير المرجح أن يُجذَب الضحايا للخضوع لهم معتمدين على نهجهم المتسلط.

وغالباً ما يعرف السيكوباتيين كيف يخبرون الناس بما يريدون سماعه، كما يعرفون كيف يجعلون الناس يحبونهم من أجل حشدهم لمصلحتهم الشخصية، وهم على دراية بقدراتهم ويستخدمونها للتلاعب والتأكد من تدوير الأشياء التي تخدم مصالحهم.

الفوضى التنظيمية:

إنَّ الفوضى التنظيمية توفر التحفيز الضروري والأرض الخصبة لدى السيكوباتي في الشركات، وإرضاء سلوكهم في البحث عن الإثارة، وابتكار طرائق لإظهار سحرهم وتوفير غطاء كافٍ للتلاعب النفسي وإساءة استخدام السلطة.

إذا نظرنا إلى الناحية الهيكلية، فسوف نجد أنَّ غياب القواعد المؤسسية أو القيود الرسمية الخاصة بصلاحيات القائد والسلطة المفوضة له، وتجريد الهدف والرقابة الصارمة على ما يتمتع به القادة على تداول المعلومات وأنظمة المكافآت التي تُقدِّر رفع الأرباح وتعزيز السلوكات المنحرفة لهؤلاء السيكوباتيين؛ وهذا بدوره يمنحهم المجال اللازم لاتباع سلوك قيادة مدمر ويحقق الأهداف الشخصية فقط.

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية القيادية

السيكوباتيين والشركات:

يزدهر السيكوباتيون في الشركات الفوضوية؛ فهم ليسوا عفيفين ويعملون ضمن الإطار القانوني دائماً؛ بل طريقهم في اكتساب القوة مبني على تسلُّق السلم التنظيمي واكتساب التقدير والمكانة التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم، كما أنَّهم يزدهرون في الفوضى؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ معظم الناس يواجهون صعوبات في التصرف في حالة الفوضى، فسوف يتأكدون من إنشاء حالة الفوضى في بيئة العمل حتى يتشتت انتباه الآخرين في أمور أخرى؛ بل إنَّهم قادرون على إخفاء قسوتهم وسلوكهم المعادي للمجتمع تحت سحرهم الشخصي؛ على مبدأ: دس السم في العسل.

وإنَّ أصحاب المال والمستثمرين ينجذبون إلى هيكل الشخصيات السيكوباتية؛ وذلك لأنَّهم يظنون أنَّ هؤلاء الأشخاص هم أكثر عرضة لاتخاذ قرارات عقلانية وباردة؛ لذلك هم الأقدر على استرداد استثماراتها، وبكل أسف، بعض أصحاب المال يستسهل الأمور ويكون كل هدفه هو استرداد الاستثمارات بالأرباح والأهداف المخططة أياً كانت العواقب؛ إذ لا يرى بعضهم إلا المال ولا يرى أو يفهم الأهداف المجتمعية أو بيئات العمل الإيجابية؛ لذا مثل هؤلاء من أصحاب المال يرون أنَّ وجود الأشخاص السيكوباتيين يوفر لهم بيئات خصبة للعيش على رغباتهم.

إقرأ أيضاً: الشخصيّة القياديّة وأهم الصفات التي تجعل منك قائدًا ناجحًا

قائد المنظمات الرائدة في القرن الواحد والعشرين:

على الرغم من الكثير من السلوكات والنواحي المرتبطة بالعادات والتقاليد والخبرات المتراكمة التي تتطلب إعداد قادة للمستقبل يكونون أسوياء نفسياً إلى جانب الخبرات وفنيات علم الإدارة؛ فإنَّه نتيجة القوى الخارجية لبيئة الأعمال ومن ذلك تسارع التغيير التكنولوجي والأسواق العالمية وارتفاع التكاليف مع حدة المنافسة وكثرة الاختيارات، على القائد أن يتسم بالمهارات الآتية:

  1. رؤية واضحة للتعامل مع عدم اليقين المتزايد.
  2. التعاطف للتفاعل مع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة.
  3. التواضع للاعتراف بالأخطاء، والابتعاد عن العواقب الوخيمة.
  4. الوعي التنظيمي.
  5. رعاية فرق العمل.
  6. القدرة على الإلهام والتأثير.
  7. الاهتمام بتطوير الآخرين.

بقلم: د. علي فتحي




مقالات مرتبطة