القيادة المتعاطفة من خلال التحدث الارتجالي

كان من الواضح خلال عام 2021 أنَّه يجب على الشركات أن تبتكر وتتغيَّر ليس فقط من أجل الاستمرار؛ وإنَّما من أجل الازدهار والتطور، والآن بعد أن أصبح كل شيء موضع تشكيك، وانعدام فاعلية الطرائق المعاد استخدامها، بدأَت المفاهيم التي كان سابقاً يُستهزَأ بها - لأنَّها تنافي تماماً الطريقة التي جذبَت بها الأحلام الطموحة التي يسعى إلى تحقيقها الأتباع - تشق طريقها إلى الحوارات التي تدور داخل المؤسسات.



مع حدوث أزمة جائحة كوفيد-19 (COVID-19)، والوعي المتأخر بأنَّ أساس الثقافة التنظيمية قد يكون غير عادل، فقد بدأ التعاطف أخيراً يساعد على عودة العلاقات العامة، وقد بدأَت معظم الصناعات، من القطاع المالي إلى التكنولوجيا، القيام بأمور جديدة وغير مألوفة معتقدين أنَّ ذلك سيكون جزءاً هاماً من التغيير والازدهار في الاقتصاد العالمي الذي كان لفترة طويلة ثابتاً لا يتغير، ويحقق نتائج غير مُرضية.

إنَّ إرهاق الموظفين والصحة العقلية والسياسات غير العادلة وغير المحتملة، جميعها أمور تتطلب طريقة لمواجهة الواقع دون الشعور بالضعف من الإنهاك أو الخجل أو الإرهاق، وكما أشار المؤلف "إبرام إكس كيندي" (Ibram X. Kendi) والكاتبة "برينيه براون" (Brené Brown): "لا يؤدي الشعور بالخجل إلى العدالة الاجتماعية"، أو حتى أي تغيير هادف في هذا الشأن؛ لذلك يُعَدُّ التعاطف أمراً لا بد منه.

لحسن الحظ، فإنَّ الأبحاث والمؤلفات الجديدة تقدِّم أدلةً على ماهيَّة التعاطف وسبب أهميته، والدعوة الآن هي أن نفهم جيداً طريقة تطوير وإدراج التعاطف ضمن الثقافة التنظيمية، والذي كان متوقعاً إلى حد ما، وللقيام بذلك، تُطبِّق معظم المنظمات تدريبات تتعلق بالمرونة واليقظة لأنَّها تلاحظ فوائدها الإيجابية.

تذكُر شركة "جارمن" (Garmin) أنَّ ذلك أدى إلى تراجع أعداد الموظفين الذين يعانون الاكتئاب، وذكرَت شركة "يونيليفر" (Unilever) زيادة مشاركة الموظفين وتقليل التغيب عن العمل بسبب التحسينات الصحية مثل النوم الجيد.

يشهد التدريب على التعاطف زيادة في الاهتمام، لا سيما فيما يتعلق باليقظة؛ حيث يوجد برامج مثل التدريب القائم على الأدلة لتعزيز التعاطف من جامعة "ستانفورد" (Stanford)، برئاسة الدكتور "توبتن جينبا" (Thupten Jinpa)، أحد أشهر الباحثين والممارسين في هذا المجال لتعزيز الإنسانية المشتركة من أجل المصلحة العامة.

تسمح هذه البرامج للعقل والقلب بأن يكون لهما دور في نقاشات الشركات، وأحد المداخل لتعزيز التعاطف في النظم البيئية للشركات هو حس الفكاهة، إذاً، إحدى الأدوات الهامة لتعزيز التعاطف لا تكمن في التأمل؛ بل في حس الفكاهة.

يُعَدُّ الارتجال أحد أكثر الوسائل شهرةً لتوفير حس الفكاهة، وهو الشكل الفني الذي يعمل دون سيناريو، ويعتمد كلياً على القدرة على إكمال الكلام بعباراتٍ ساخرة، وما يميز القادة الفعَّالين هو قدرتهم على الارتجال بذكاء؛ حيث يبني التحسين التعاطف والرحمة، والتفكير الاستراتيجي الذي يركز على المستقبل، والظروف البيئية التي يكون فيها الشعور بالفرح في مكان العمل أمراً ممكناً.

والدعوة موجَّهة هنا للقادة الذين يريدون لمنظماتهم أن تستمر وتزدهر في عالم مفكك دون سيناريوهات تجعلهم يشعرون بعدم الراحة، وليتدربوا هم والموظفون على أساليب الارتجال، ويكونوا على دراية بالعمل ويشعروا بالفرح.

ما هو الارتجال؟

لطالما استُخدِمَت أساليب الارتجال في تدريب العروض التقديمية والخطابة، وقد بدأ عدد الشركات التي ترى مهارات عروض الارتجال الفكاهية تحسِّن طريقة التواصل والابتكار والقيادة يزداد.

تتحدث الممثلة والمدرِّبة "كات كوبيت" (Kat Koppett) في التدريب على التخيل عن إفساح الأشخاص الذين يمارسون الارتجال المجال ليتمكنوا من التعرف إلى أفكارهم المبتكرة واستخدامها، ومن خلال تطبيق الارتجال، يمكن للقادة زيادة قدراتهم على تحفيز العمل وتوضيحه.

ومع ذلك، عندما لا ينجح سيناريو تنفيذ المهام مثلما كنا ننفذها، يجب أن يعرف القادة طريقة الارتجال في هذه الحالة، فليس لدى القادة خيار سوى استبدال الأسلوب القديم والتكيف والتخيل والتركيز على لحظات الحاضر تركيزاً كاملاً.

ومع ذلك، فقد دُرِّبَ معظم القادة على الاعتماد فقط على ذكائهم العقلي والمعرفي، وقد حقق لهم ذلك النجاح، وكما يعلم معظم القادة، يمكن لأذهاننا أن تخدعنا بأفكارنا الذاتية المقيدة وتُشتِّت انتباهنا بكل أمر آخر عدا التركيز على لحظات الحاضر تركيزاً كاملاً.

إذا كان الحضور الذهني أمراً ضرورياً للتفكير المتشعب، كما يؤكد "داني بنمان" (Danny Penman) مؤلف كتاب "اليقظة من أجل الإبداع" (Mindfulness for Creativity)، فإنَّ عقولنا المشتتة قد تقلِّل من قدرتنا على التفكير في أفكار جديدة.

ومن أكثر العمليات المتطورة والفعالة للإبداع - المعروفة أيضاً باسم التفكير التصميمي - التي غالباً ما تنسى خطوةٌ هامة وهي تعليم مهارة التعاطف غير المعرفية، فكيف يمكن للمرء أن يتعاطف مع المستخدم النهائي - الخطوة الأولى للتفكير التصميمي - دون معرفة الطريقة".

تقول الروائية الأمريكية "هاربر لي" (Harper Lee) على لسان إحدى الشخصيات في إحدى رواياتها: "لن تعرف ما يواجهه أي شخصٍ حتى تكون مكانه"؛ لذا لا يمكننا مجرد التفكير في التعاطف؛ وإنَّما يجب علينا تجربته.

يتطلَّب التخطيط الاستراتيجي والإبداع في حالة عدم اليقين والاضطراب أن ينتقل القادة من التفكير في النماذج إلى تجسيد التجارب الواقعية، ويُذكِّرنا بحث الأستاذ "جميل زكي" (Jamil Zaki) في علم النفس، بأنَّ التعاطف هو عملية تكرارية تُوضَع في سياق يتضمن الحدث الذي وقع والأشخاص الذين وقع معهم، ولا يمكننا فهم ما يشعر به الشخص الآخر أو طريقة استجابتنا معه؛ بمعنىً آخر، نحن نرتجل عندما نتعاطف.

إقرأ أيضاً: مهارات التحدّث الارتجالي

الارتجال والقيادة الصادقة:

لا ينفصل الارتجال عن القيادة الصادقة والشاملة التي تركِّز على المستقبل؛ حيث إنَّ تعليم مهارات الارتجال يساعد القادة ليس على التعاطف جيداً فحسب؛ وإنَّما أيضاً على الارتجال، على الرغم من أنَّ البروفيسور "روبرت كوين" (Robert Quinn) لم يكن يفكر في المؤديين الارتجاليين عندما أوضح المبادئ الأربعة التي تنطبق على الحالة الأساسية للقيادة، وهذه المبادئ هي:

  1. التركيز على النتائج: ويعني الانفتاح على احتمالات لم تكن موجودة بعد؛ حيث يخلق الارتجاليون مشاهد وحقائق كاملة دون وجود سيناريوهات.
  2. التوجيه الداخلي: ويعني امتلاك المصداقية والاستعداد لتقبُّل الاختلاف البنَّاء؛ حيث يجب أن يتمتع الارتجاليون بالوعي الذاتي والميزات اللازمة لذكر حالة تجذب الانتباه.
  3. التركيز على الآخرين: ويعني الالتزام بالمصلحة العامة؛ حيث يعرف الارتجاليون الأكثر فاعليةً أنَّ الأمر لا يتعلق بهم؛ وإنَّما يتعلق بجعل الأمر يبدو جيداً للآخرين.
  4. الانفتاح الخارجي: ويعني اكتساب المعرفة من البيئة والابتعاد عن الروتين؛ حيث يبنون العلاقات ويذكرون حالات قد قُدِّمَت بالفعل، وبالتأكيد يعتمدون على بعض القصص المتوقعة.

من خلال تطبيق هذه المبادئ، تبدأ قيادة القادة من الأساس، ويكون لديهم الشجاعة لمواجهة كل ما هو موجود وتخيُّل ما يمكن أن يحدث، والتركيز على هدف أكبر؛ بمعنىً آخر، نحن نرتجل عندما نبدع.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لتكون قائداً متكاملاً

الارتجال والازدهار:

إنَّ الارتجال يعني أنَّنا نتحمَّل المخاطر ونواجه احتمالات الفشل، ونظراً لعدم وجود مهارة لإخبار الجمهور متى يجب أن يضحك أو لا يضحك، يجب على الارتجاليين المخاطرة، والانفتاح على كل ما يحدث، والتكيُّف وفقاً لذلك، فأن تكون منفتحاً دون سيناريو هو أمر مخيف، ويتطلب الكثير من التعاطف والرحمة وروح الدعابة.

تقول الكاتبة "صوفي جيلبرت" (Sophie Gilbert) في مجلة "ذا أتلانتك" (The Atlantic): "إنَّ حس الفكاهة اللطيف إلى جانب التعاطف والتواصل يمكن أن يبطل مفعول الخجل"، ومع ذلك، حتى القادة الأكثر نجاحاً هم أحياناً الأكثر انتقاداً لذاتهم؛ حيث تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ احتمال إصابة الرؤساء التنفيذيين بالاكتئاب ضعف احتمال إصابة الناس عامةً به، فالصحة العقلية للمدير التنفيذي لها تأثير تدريجي في القيادة العليا والمؤسسة ككل.

ولا يمكن للقادة الفعَّالين حل المشكلات عندما لا تسير الأمور على ما يرام، ويجب أن يواجهوا الواقع كما هو كما تؤكد الباحثة "كريستين نيف" (Kristin Neff)، ويجب أن يقدموا اللطف الذاتي ليتمكنوا من التعامل مع المشاعر الصعبة دون أن تثقلهم أو تعوقهم.

لهذا السبب يحتاج القادة الذين يسعون إلى الازدهار إلى إدراج أساليب الارتجال التي تتضمن حس الفكاهة في تطوُّرهم وتطوُّر فِرقهم؛ حيث يسمح لنا حس الفكاهة - بجميع أشكاله وتوقيته المناسبين - بإفساح المجال والمراقبة والضحك، بدلاً من معاقبة أنفسنا والشعور بالذنب والخجل.

وفي حين أنَّ البحث لا يزال في المراحل الأولى، فإنَّ مجموعة ناشئة تربط حس الفكاهة بالقيادة الإيجابية والعمل والمشاركة، وقد تبيَّن أنَّ الموظفين الذين يشاهدون مقطع فيديو كوميدياً يكونون أكثر إنتاجيةً بنسبة 10% بعد ذلك؛ حيث يُفرِز الضحك الدوبامين؛ ممَّا يحسِّن المزاج ويقلل التوتر؛ لذا إنَّ السعادة في العمل تزيد الروح المعنوية والتحفيز.

فكِّر في آخر مرة ضحكتَ فيها ضحكةً حقيقيةً استولت على جسدك بالكامل؛ بحيث تسرب الفرح إلى كل جزء فيه، ولا يمكنك التفكير في تجاوز ذلك الفرح؛ وإنَّما يجب عليك أن تعيشه وتجسِّده؛ إذ تشير الكاتبة "أليسون بيرد" (Alison Beard) إلى الحقيقة المحزنة المتمثلة في أنَّ ضحكاتنا تقل من 400 مرة في اليوم حينما نكون أطفالاً إلى 15 مرة في اليوم حينما نبلغ الـ 35.

يمكن أن تساعدنا الأساليب الارتجالية على العثور على الأمل والفرح حتى في أصعب الأوقات، وعدم النظر إلى الأمور نظرة غير واقعية أو تجنبها، وبدلاً من ذلك، يسمح لنا حس الفكاهة بمواجهة كل أمر ما زلنا نمتلك الشجاعة لتصور حقيقته غير الموجودة بعد، وتساعد هذه المهارات القادة على تطوير التعاطف مع الآخرين ومع أنفسهم، فالقادة الارتجاليون ماهرون ومستعدون للمبادرة والإبداع والابتكار مع التحفيز وإضافة المعنى.

كما يقول البروفيسور "براد بيترلي" (Brad Bitterly) والدكتورة "أليسون وود بروكس" (Alison Wood Brooks) عن حس الفكاهة في مكان العمل: "إنَّ الحياة الخالية من حس الفكاهة ليست فقط أقل بهجةً؛ وإنَّما أقل إنتاجيةً وأقل إبداعاً، بالنسبة إليك وإلى الأشخاص من حولك، ويوجد الكثير من الفوائد التي تنتظر أولئك الأشخاص الذين لا ينظرون إلى حس الفكاهة على أنَّه سلوك تنظيمي ثانوي؛ وإنَّما مسار أساسي للوصول إلى مكانة عالية وتحقيق الازدهار في العمل".

القادة الذين سينجحون في المستقبل المجهول هم الأشخاص الماهرون في الأساليب الارتجالية للتخيل والابتكار، ولا يخافون من تجسيد الفرح.

المصدر




مقالات مرتبطة