الفرق بين التعاطف والرحمة

من المرجح أنَّك سمعت بنظرية "البقاء للأصلح" (Survival of the fittest) للعالم داروين (Darwin)، لكن هل تعلم أنَّه قام أيضاً بتأليف "فرضية التعاطف"؟ إذ وجد أنَّ التعاطف أمر هام من أجل تربية الأطفال وإنشاء مجتمعات مزدهرة وتحويل الجنس البشري إلى الحضارة التي نعرفها اليوم.



التعاطف والرحمة كلاهما جزء لا يتجزأ من متطلبات الإنسان، وقد ورثناهما من أسلافنا للصمود في مواجهة النوازل؛ فمراقبة المعاناة تنشِّط أجزاء الدماغ المرتبطة باكتشاف التهديدات وتنميها، كما أنَّها تؤثر في العصب المبهم الذي يتحكم بالقلب والرئتين ومراكز المكافآت في الدماغ؛ إذ إنَّ القيام بتصرفات لطيفة يمنحنا دفعات من المواد الكيميائية المسؤولة عن السعادة الموجودة في الدماغ.

مع ذلك، هناك فرق بين التعاطف والرحمة، ومن الضروري أن نفهم هذا الأمر، وبالأخص القادة، يمكن أن تكون معرفة إيجابيات وسلبيات الرحمة بالمقارنة مع التعاطف في العمل هي الفرق بين إنشاء فريق منتج وموثوق أو الوصول إلى حالة من الفوضى والاحتراق الوظيفي.

ما هو التعاطف؟

التعاطف: هو الإحساس بعواطف الشخص الآخر، و هو ليس إدراك تلك العواطف فقط، بل فهمها أيضاً، إنَّه ردُّ فعل تلقائي يحدث في كل من أدمغتنا وأجسادنا، وينشط أعصاباً معينة، ويسبب تفاعلات لا ودية لا ندركها، فهو مشابه للرحمة من هذه الناحية فقط.

يوجد نوعان من التعاطف في علم النفس: التعاطف العاطفي والتعاطف المعرفي:

1. التعاطف العاطفي:

هو النوع الذي تحدثنا عنه؛ أي معرفة مشاعر الشخص الآخر والشعور بالحزن لأجله.

2. التعاطف المعرفي:

هو فهم منظور الشخص الآخر ومواقفه وآرائه من خلال المعرفة وليس من خلال العاطفة، ويرتبط التعاطف المعرفي ارتباطاً وثيقاً بالذكاء العاطفي وهو عبارة عن مهارة، في حين أنَّ التعاطف العاطفي هو "شعور داخلي".

كلا النوعين من التعاطف ضروريان للقادة لأنَّهما يساعدان على التواصل مع الآخرين، واتخاذ قرارات أفضل من خلال متابعة وجهات النظر الأخرى والتأثير في الآخرين لكي يتبعوا القادة، فهذه هي القيادة العظيمة.

ما هو الفرق بين التعاطف والرحمة؟

توجد عدة اختلافات بين التعاطف والرحمة، فمن الصحيح أنَّ التعاطف يسبق الرحمة بشكل دائم تقريباً، ففي البداية، سوف تتعاطف مع مشاعر الشخص الآخر وحتى تشاركه في معاناته، وهذا هو التعاطف، ثم بعد ذلك، سيتم تحفيزك على اتخاذ إجراءات كبيرة والقيام بشيء ما؛ هذه هي الرحمة.

كل من التعاطف والرحمة عبارة عن عواطف، لكن مع الرحمة هناك مسافة أكبر بينك وبين المعاناة التي تلاحظها؛ إذ يمكنك أن تسأل نفسك عمَّ يمكنك فعله للمساعدة؛ فالرحمة هي القدرة على الانتباه للمعاناة، دون تجاهلها أو الهروب منها، لكن أيضاً دون الانغماس فيها، وهذا الأمر يتيح لنا تحمُّل المعاناة وجعلها جزءاً من سعينا إلى تحقيق العافية الروحية.

الإجابة السريعة عن سؤال "ما هو الفرق بين التعاطف والرحمة؟" التعاطف هو شعور عميق لا يمكننا السيطرة عليه غالباً، بينما الرحمة هي فعلٌ واعٍ؛ فلا يمكنك أن تملك التعاطف ولا تملك الرحمة؛ فقد تكون قادراً على القيام بأعمالٍ لطيفة، لكن إذا لم تشعر بها في داخلك؛ فإنَّها ليست رحمة حقيقية.

شاهد: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

إيجابيات وسلبيات التعاطف:

الحديث عن التعاطف مقابل الرحمة ليس جيداً ولا سيئاً، فكلاهما أمرٌ أساسي لبقاء الإنسان، ومع ذلك يمكن أن يكون له سلبيات إذا لم يتم التحكم به بشكل صحيح؛ إذ يساعدنا التعاطف على التواصل مع الآخرين وبناء العلاقات الصحيحة التي تؤدي إلى حياة مُرضية، وهذه بادرة للرحمة، وعند تطبيقها سيكون لها مجموعة من الفوائد الأخرى.

مع ذلك، توجد مشكلات في التعاطف، فهذه المشاعر غير محصَّنة ضد التحيزات المعرفية، وهذا يعني أنَّنا من المرجح أن نتعاطف مع الآخرين المشابهين لنا، وننسب مشاعرنا السلبية للأشخاص غير المشابهين لنا؛ إذ وجدت الأبحاث أنَّه في المناطق التي تشهد صراعاً شديداً، لا يفتقر الناس فيها إلى التعاطف، بل هم يتعاطفون مع مجموعتهم تعاطفاً كبيراً، بينما يتعاطفون قليلاً مع المجموعة المعارضة، ويمكن أن يؤدي الشعور العشوائي بمشاعر الآخرين من حولنا إلى تشويش حكمنا على الأمور مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة.

يمكن أن يؤدي التعاطف أيضاً إلى الإرهاق العاطفي، فعندما تقضي كثيراً من الوقت في الشعور بمشاعر الآخرين، فلن تترك مساحة كبيرة لنفسك، ومن الضروري ألا تبقى حزيناً أو غاضباً أو وحيداً، وعندما يتعلق الأمر بكل من التعاطف والرحمة، يجب أن تتحكم بمشاعرك، وألَّا تغرق فيها.

إيجابيات وسلبيات الرحمة:

الفرق الرئيسي بين الرحمة والتعاطف:

أنَّ الرحمة تتطلب اتخاذ الإجراءات، ويؤدي هذا الأمر أيضاً إلى مزاياها الرئيسة؛ فالعطاء يمكن أن يساعد على تقليل الاكتئاب والقلق، وخفض مستويات التوتر وتحسين الثقة واحترام الذات من بين الفوائد الأخرى.

أمَّا مساوئ التعاطف والرحمة متشابهة، فقد يؤدي الإفراط في الرحمة إلى ما يُعرف باسم "إجهاد الرحمة"، الذي يظهر بشكل شائع في المهن المساعدة مثل التمريض، ومقدمي الرعاية، وله أعراض جسدية حقيقية، مثل القلق، والاكتئاب، وعدم القدرة على التركيز، والعدوانية، والانفصال عن الواقع.

من السيئات الأخرى المتعلقة بالرحمة:

أنَّك من السهل أن تكون رحيماً جداً؛ لأنَّ الرحمة تتعلق بإنجازك أفضل ما لديك، وهذا الأمر ليس من السهل القيام به دائماً، فعندما نفعل ما هو "لطيف" بدلاً مما هو رحيم، يمكننا تمكين العادات السيئة، وإحاطة أنفسنا بأشخاص يؤثرون فينا تأثيراً سلبياً، وتثبيط نموِّنا الشخصي، ويمكن أن يزيد ذلك من المعاناة بدلاً من تخفيفها.

إقرأ أيضاً: عندما يجرح التعاطف، يمكن للرحمة أن تداوي

لماذا نحتاج إلى كل من التعاطف والرحمة؟

الحقيقة هي عندما نحتاج للرحمة والتعاطف، يمكن أن يؤذينا كلاهما بقدر ما يساعدنا؛ إذ يعدُّ التعاطف جزءاً قوياً من كونك إنساناً، لكن إذا تُرك دون رادع، فقد ينقلب ضدنا، والرحمة هي ما يدفعنا إلى فعل شيء حيال المعاناة التي نراها، لكن عندما نفعل كثير من الأمور، فننسى الاهتمام بأنفسنا.

قد تصبح قائداً أفضل إذا استطعت الموازنة بين التعاطف والرحمة؛ إذ إنَّ التعاطف ينشر الوئام ويعزز الثقة في مكان العمل، ويبني أساساً لفريق قوي، أما الرحمة تتيح لك إدارة سلوكات فريقك بموضوعية من أجل المصلحة العام، مما يساعد كل عضو في الفريق على التغلب على عقباته الشخصية، ويمنحك الرغبة في رؤية نجاح فريقك والقدرة على العمل وفقاً لتلك الرغبة.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تجعل الشفقة أفضل من التعاطف للإنسانية

في الختام:

الفرق بين التعاطف والرحمة أقل أهمية من قدرتك على تطوير هاتين المهارتين من أجل عيش حياة مجزية.




مقالات مرتبطة