الفرص الفريدة ليست واضحة

قد يأتيك الميل الطبيعي للبحث عن دليل على أنَّ فرصة ما مثيرة للحماس بنتائج عكسية تماماً، وقد لا تفيد الأدلة المعروفة مثل التغطية الإعلامية وقصص النجاح الحديثة سوى بتشتيت الانتباه، وكان لديَّ أستاذ في "جامعة هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) يقول مازحاً إنَّ المجالات التي يهتم بها الطلاب في أي وقت هي المجالات التي يُبالغ في تقدير قيمتها في تلك اللحظة وتفشل في الغالب بعد خمس سنوات، على سبيل المثال: في التسعينيات كان الطلاب مهووسين بالحصول على وظائف في بنوك الاستثمار والشركات الافتراضية التي تنوي عرض أسهمها للبيع لعامة الناس، لكن في مطلع القرن العشرين حطَّمَت "صناديق الاستثمار" (hedge funds) و"شركات الأسهم الخاصة" (private-equity firms) ومن ثمَّ الأزمة الاقتصادية أحلامهم؛ إذ يؤدي السير خلف الأشياء التي تحظى بالشعبية إلى اتباع عقلية القطيع.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "سكوت بيلسكي" (Scott Belsky) والذي يُحدِّثنا فيه عن مخاطر اتباع الفرص المرغوبة بكثرة وكيف تتعرَّف إلى الفرص الرائعة.

لا تسارع إلى اتباع آخر الصيحات. حتى عالم رواد أعمال التكنولوجيا المتقدمة الصغير، والذي يُعرَف عنه سيره عكس الميول السائدة، ويخضع للصيحات الشعبية؛ فغالباً ما يتهافت المهندسون الكبار في مدن مثل: "نيويورك" (NewYork) و"سان فرانسيسكو" (San Francisco) إلى العمل في الشركات التي تجمع أكبر رأس مال أو يديرها المؤسسون الأكثر شهرة، لكنَّهم ينسون أنَّ قيمة هذه الشركات مُضخَّمة أكبر من أهميتها الفعلية وكذلك غرورها، وبقدر ما قد تكون حياتهم المهنية ناجحة في هذه الشركات، لكنَّهم سيتمكنون من إحداث تغيير حقيقي في مكان آخر.

يصعب تجاهل الإشارات التي تنتشر بين الناس، ولكن حين تتوقف عن الإصغاء إليها ستتمكن من ملاحظة الشركات والفرص وحتى المجالات الكاملة التي تعمل بعيداً عن الأضواء؛ فهناك تتضاعف إمكانيات الإنتاجية لأيَّة فرصة غير رائجة تكتشفها، وبالطبع سيكون هناك مخاطرة أكبر، ولكن حين تعثر على فرصة بنفسك وقبل الآخرين فأنت تحصد الفوائد أيضاً، وهذه هي مكافأة الانفصال عن القطيع.

تجنُّب مصائد الشعبية:

كي تُفكر بهذه الطريقة يجب أن تحرر نفسك من المصائد التي تجذبك بعيداً عن الفرص العظيمة؛ فحين تفكر في أمور يعتقد الجميع أنَّها الصيحة الجديدة أو بفرصة يرغب بها كل من حولك، يجب عليك أن تُشكك في رغبتك، فالمتفردون لا يسيرون مع القطيع، وإذا اغتنمتَ الفرص التي يسعى إليها الجميع فأنت تخفِّض من قيمة نفسك، بسبب وجود عدد هائل من العقول التي يمكِن أن تأخذ محلك؛ لذا حين تُفكر في الفرص لا تُركز على المكان الذي يُوجَّه إليه الانتباه والمال، ولا تركض خلف العناوين، فالنجاح الحقيقي يأتي من بدء شيء جديد وليس العمل على شيء رائج.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على خوفك من المخاطرة؟

صناعة شيءٍ يحتاج إلى أن يرى النور:

يتبع كل قصة نجاح ساحقة في عالم التكنولوجيا والفن والأعمال موجةً من المشاريع الجديدة التي تعدل قليلاً على المشروع الأصلي أو تكون تقليداً رخيصاً عنه، ومن ناحية أخرى، هناك مشاريع انطلقَت من نزوات وليس من اهتمامات حقيقية أو حاجات فعلية، فتتحول إلى ابتكارات قصيرة العمر عوضاً عن ضرورات، وتصبح عبئاً على مخترعيها وفوضى بالنسبة إلى الزبائن.

أنا أتحداك أن تُفكر أبعد من الأمور التي تجذبك، وإذا كنتَ فناناً فاحرص على أن يكون مصدر فنك هو أعماقك وأن تستلهم من محيطك، وإذا كنتَ تؤسس عملاً أو تحل مشكلةً، فابدأ بالتعاطف وأكِّد الحاجة إلى العثور على حل، وإذا كنتَ تبحث عن مصدر إلهام، فابحث عن المشكلات عوضاً عن الأفكار، وأضِف قيمةً ولو صغيرة إلى هذا العالم الضخم الذي نعيش فيه عوضاً عن تحريك القيمة نفسها من مكان إلى آخر.

إقرأ أيضاً: كيف تصنع لنفسك اسماً جديداً في صناعة موجودة؟

المخاطرات الجديدة أفضل من تكرار القديمة:

هناك نوعان من المشاريع في العالم، النوع الأول هو المبادرات الجديدة والمشاريع المُكرَّرة؛ والثاني هو استخدام لدليل موجود فعلياً كي يساعدك على تكرار النتائج ذات الأهداف نفسها وفي بيئة مشابهة؛ فبصفتي مستثمراً، أقابل في أثناء عملي العديد من الفِرَق التي تحاول تكرار نجاحات سابقة، وعادةً ما يصفون منتجاتهم بأنَّها النسخة المحسنة عن علامة تجارية ما، لكنَّ الغالبية العظمى من المشاريع هي في الواقع مشاريع مُكرَّرة فيها نسبة أقل من المجازفة ويَسهُل أكثر التعرف إليها، ولكن، حين تتبنَّى نهج شخص آخر، فأنت تقيد نفسك بالماضي؛ فالخلل المتأصل في الحصول على الإلهام من أمر نُفِّذَ مسبقاً هو المغناطيس الذي سيُجرُّك حتماً إلى اتباع الأساليب نفسها أيضاً، وفي المقابل، تدفع المبادرات الجديدة الشركات والمجتمع إلى الأمام بطرائق لم نتوقعها أبداً، فالمبادرات هي خروج عن المألوف، سواء كانت مشاريع جديدة تماماً أم كانت تُحوِّل شيئاً موجوداً بالفعل بطريقة غير متوقعة، ويقود أكثر المشاريع جرأة أشخاص يرفضون الوقوف ساكنين وتكرار الماضي.

تجعل المشاريع المكررة العالم يراوح مكانه، بينما تدفعه المبادرات الجديدة قُدُماً إلى الأمام، بالطبع، ولا يوجد دليل متكامل للمبادرات الحقيقية، فهي مغامرات يُخاض فيها المجهول ويجب إدارتها وفقاً لذلك. أُدون في كتابي الجديد "الوسط الفوضوي" (The Messy Middle) وفقاً للتسلسل الزمني أفكار وخواطر عشرات القادة الذين تحدوا الأعراف، وفي كثير من الأحيان، تقاليد مجال عملهم، وغيَّروا العالم إلى الشكل الذي نعرفه اليوم؛ فإحدى الصفات المشتركة بينهم هي تحمُّل الشكوك الموجَّهة نحوهم وإبداء استعداد للانضمام إلى مسعىً غير رائج لكنَّهم مقتنعون به شخصياً.

من المغري تحديد أهدافك تبعاً لنجاح شركة أو مشروع آخر تعرف عنه وتنوي اتباع خطاه؛ إذ لدينا جميعاً الميل الطبيعي للبحث عن الأنماط وتفضيل المسارات التي مُهِّدَت لنا بالفعل، لكنَّ النهج يُحدِث تغييراً نوعياً في أول مرَّةٍ يُستخدَم فيها فقط، وبعدها يصبح كل ناتج عن اتباعه إمَّا اشتقاقاً في أسوأ الأحوال، أو شبيهاً بالأصل في أحسن الأحوال.

سواء كنتَ تبحث عن وظيفة جديدة أو عميل أو شريك أو فرصة عمل، فمن غير المرجح أن يغريك أفضل خيار حين تصادفه؛ إذ إنَّ أفضل الفرص تبدو غير جذابة من النظرة الأولى، ولكن ما يميز الفرصة العظيمة هو احتمال نموها، ولو كان هذا الاحتمال واضحاً وضوح الشمس، لانتهزها شخص آخر بالفعل؛ لذا انضم إلى فريق أو استثمِر في فرص ليس لأجل الفرصة بحد ذاتها؛ بل ما تراه فيها وما تؤمن أنَّها يمكِن أن تُحقِّقه.

 

المصدر




مقالات مرتبطة