الطلاق والأطفال: إدارة سلوك الطفل عند تفكك الأسرة

قد تكون إدارة سلوك طفلك في أفضل الأوقات أمراً صعباً، لكن في أثناء الطلاق قد يبدو الأمر شبه مستحيل، فالطلاق مؤلم لجميع أفراد الأسرة وخاصةً للأطفال، فبالنسبة إليهم يتغيَّر عالمهم كله ومستقبلهم يصبح مجهولاً، وقد يتفاعلون مع هذا التغيير الجذري من خلال التصرف بطرائق غير متوقعة.



يجب على الآباء والأمهات الذين يمرون بحالة انفصال أو طلاق أن يكونوا على دراية بالمشكلات التي قد يسببها في سلوك أطفالهم، فقد ينعزل طفلهم أو يطور نوبات غضب متكررة، وقد يعاني في تحصيله الدراسي، وقد يبدأ المراهقون على وجه الخصوص بالمشاركة في سلوكات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات والكحول؛ إذ إنَّ فهم هذه المشكلات وامتلاك أدوات فعالة للتعامل معها أمر بالغ الأهمية للآباء.

1. الطلاق والانفصال أمر مؤلم للأطفال:

الطلاق صادم للأطفال لأنَّه يغلبهم، فليس لديهم الأدوات أو الخبرة لإدارة المشاعر العارمة والتغييرات في حياتهم، فقد يتعامل الأطفال مع مشاعرهم بطرائق مختلفة حسب شخصية الطفل وطبيعته، وغالباً ما يكون الخوف هو الشعور الأساسي؛ الخوف من أن يفقدوا ما لديهم والخوف من أنَّهم لن يحصلوا على الأشياء التي يريدونها.

في الأوقات العادية يستخدم الأطفال والديهم لإدارة مخاوفهم من المجهول، فعندما يشعر الأطفال بالقلق بشأن المستقبل، فإنَّ لديهم آلية غير واعية تخبرهم أنَّ والديهم سيهتمون بكل ما يزعجهم، وقد يفعلون هذا في كثير من الأحيان ودون التفكير فيه، والطلاق يغير كل ذلك.

2. توقَّع رؤية الخوف والغضب والحزن لدى طفلك:

المشاعر الرئيسة التي ينطوي عليها الطلاق هي الخوف والغضب والحزن؛ إذ يخشى الأطفال من أنَّ الأشياء ستتغير ولا يعرفون ما الذي يتحولون إليه، ويصبحون غاضبين لأنَّهم لا يتحكمون بالموقف، وهم يحزنون لأنَّ الأسرة التي عرفوها قد تفككت وماتت ويدخلون في مرحلة حداد.

سترى الأطفال يدخلون في مراحل الحزن، وسيكونون في حالة إنكار الطلاق وغاضبين من تأثيره فيهم، ثم يتفاوضون مع والديهم لمعرفة كيفية الاحتفاظ بهما معاً، وفي النهاية إذا كان سير عملية الحزن صحي فسوف يتقبلونها، ولكنَّ القبول يستغرق وقتاً وجهداً.

بصفتك أحد الوالدين سترى الغضب والخوف والحزن في سلوك طفلك مثل التصرف اللفظي أو الجسدي السيئ وزيادة التحدي والمشكلات المدرسية والانزعاج من الأشقاء أو الوالد المقيم.

لذا فإنَّ أول ما يجب على الآباء فهمه هو أنَّه عندما يتم الإعلان عن الطلاق فإنَّ الأطفال سيشعرون بالكثير من عدم الأمان بشأن ما يخبئه المستقبل، وقد يشعر الآباء أيضاً بعدم الأمان بأنفسهم، ولكنَّهم بصفتهم بالغين يشعرون بالقدرة على إدارته، لكن ليس مثل الأطفال الذين على الأرجح سيشعرون بالعجز عن فعل أي شيء.

3. الأطفال في حالة الطلاق قد تكون لديهم مخاوف مالية:

إنَّها حقيقة محزنة أنَّ الطلاق يسبب مشكلات مالية، فالأموال التي تم استخدامها لإعالة أسرة واحدة ستدعم الآن أسرتين، وفي الواقع يُعَدُّ الطلاق من الأسباب الرئيسة للفقر بين الأسر ذات الوالد الوحيد.

قد يطرح الأولاد سؤالاً "ماذا سيحل بأبي؟ وهل سنستطيع الحصول على ما يكفي من الطعام؟ وهل سأستطيع شراء ملابس؟ وهل ما يزال بإمكاني الذهاب إلى المركز التجاري أيام العطل؟ وهل سنكون قادرين على فعل نفس الأشياء كما كنا في السابق؟".

كل هذه الأسئلة تطفو في رؤوس الأطفال؛ إذ تتعلق بعض المخاوف بالوالدين ورفاهية الأسرة، وبعضها يتمحور حول الذات خصوصاً، وقد يحسن الوالدان التركيز على هذه الأمور عندما يتحدثان مع الطفل عن الطلاق.

شاهد بالفيديو: 6 علامات تنذر بأن زواجك قد انتهى

4. لن يتفاعل جميع الأطفال مع الطلاق بنفس الطريقة:

عادة قد يتجلى خوف طفلك في أثناء الطلاق من خلال عملية الإغلاق؛ إذ سيعزل الأطفال أنفسهم عاطفياً وجسدياً، ويقضون وقتاً أطول في غرفهم أو خارج المنزل، كما قد يبدون أكثر سرية وينسحبون بسبب شعور غريزي بأنَّ هذه هي أفضل طريقة لحماية أنفسهم.

في بعض الحالات ستلاحظ أنَّ أحد الأطفال سيحكم على نفسه ويفعل الأفضل ليحسن تحصيله المدرسي والطفل الآخر سوف يستسلم ويتوقف عن الدراسة، ويمكن أن يظهر هذان التفاعلان المتضادان جداً في ذات العائلة.

بصرف النظر عن الطريقة التي يتعامل أو يواجه الأطفال بها الطلاق فهم في العموم لا يريدون التكلم عن الأمر مع أي من آبائهم، وهذا يثير مشكلات للآباء الذين يحاولون ويريدون أن يستطيع أطفالهم فهم الطلاق من وجهة نظرهم، كما يعتقد هؤلاء الآباء إن فهم أطفالهم أسباب وضرورات الانفصال أو الطلاق فقد يتقبلون وقع الأمر عليهم بسهولة.

لذلك لا تجبر أطفالك على التحدث معك، لكن كن متاحاً إذا كانوا يريدون التحدُّث عن الطلاق أو أي موضوع آخر، ودعهم يعرفون أنَّك منفتح على الحديث عن الأشياء دون ذكر الطلاق صراحة، واطلب الدعم الخارجي عند الضرورة، فهناك استشارات محددة قد تكون مفيدة للأطفال الذين يدخلون في مرحلة الحزن بعد الطلاق، فعندما يكبر الأطفال وينضجون يصبح الأداء المدرسي والأصدقاء والرياضة مصادر قوة اعتماداً على كل طفل، وهذا أمر جيد.

5. تابع تحميل طفلك المسؤولية عن سلوكه:

يجب على الوالدين تنمية ثقافة ومبادئ المساءلة في بيوتهما عند حدوث الانفصال أو الطلاق؛ إذ تعلِّم المساءلة الطفل أنَّه ما يزال مسؤولاً عن سلوكه هنا في البيت وعليه ضبطه، لذلك بصرف النظر عما يحدث خارج المنزل أو أيَّة مشاعر يشعر بها الطفل بما في ذلك تلك التي تأتي من مصادر مشروعة فإنَّ الطفل مسؤول عن سلوكه.

لا تضحِّ بقيم عائلتك وقواعدها لمجرد أنَّ طفلك يمر بوقت عصيب، فأن تكون منظماً وواضحاً بشأن قواعد الأسرة بعد الطلاق مفيد للأطفال، وتذكر أنَّه في الأوقات الصعبة نحتاج إلى هيكل موثوق به أكثر من غيره، فوضع القيود وتوضيح الحدود ومعاقبة سوء التصرف والسلوك ودعم الوالدين والدعم الخارجي كلها جزء من ثقافة المساءلة في المنزل.

امتلك هيكلاً يحدد مسؤوليات كل طفل، وحدد الطريقة التي يجب أن يعامل بها الأشقاء بعضهم بعضاً وكيف يجب أن يعاملوك بصفتك والداً، وضع توقعات واضحة عن حظر التجول واستخدام الهاتف ووقت الإلكترونيات والواجبات المدرسية، واجعل الأطفال يتحملون عدم الوفاء بمسؤولياتهم، ولا تدع الأمور تفلت من بين يديك بسبب طلاقك، وبالتأكيد ليس عليك أن تكون عقابياً، لكن عليك أن تكون ثابتاً.

إقرأ أيضاً: 17 مهارة يحتاج الطفل إلى اكتسابها حتى يتعلم تحمُّل المسؤولية

6. لا يوجد أي عذر لطفلك لسوء المعاملة:

ثمة العديد من المواقف التي يؤدي فيها الطلاق إلى فراغ في السلطة، ويستغل الطفل ذلك عن طريق الإساءة اللفظية أو الجسدية، وقد يكون هذا مزعجاً خصوصاً في العائلات التي لا يقيم فيها الأطفال مع ولي الأمر الذي كان هو المسؤول الأول عن اتخاذ القرارات ووضع الحدود، فيجب أن يكون لدى جميع العائلات وخاصةً العائلات ذات الوالد الوحيد القاعدة الآتية "لا يوجد عذر لسوء المعاملة"، ولا يجب أبداً التراخي وتجاهل الإساءة وسوء السلوك في منزلك.

إذا كان الأطفال أكبر سناً وتجاوزوا الحدود من خلال كونهم عنيفين جسدياً أو لفظياً، فلا تتردد في العقاب، فهذه مواقف صعبة للوالدين، لكن لا ينبغي لأحد أن يعيش في خوف من أحد أفراد الأسرة حتى لو كان هذا الفرد هو طفلك المراهق.

7. "أبي يسمح لي في القيام بذلك في منزله":

كما ذكرت يجب على الوالد الوحيد أن يطور ثقافة المساءلة في منزله، فما يحدث في منزل شريكك السابق ليس من شأنك إلا في حالات معينة، فلا تدعها تصبح جزءاً من نظام أعذار طفلك، فعندما يقول الأبناء "يسمح لي أبي بفعل هذا في منزله" يجب إخبارهم أنَّه سيتعين عليهم الانتظار حتى يعودوا إلى منزل أبيهم لفعل ذلك؛ وذلك لأنَّ تفرض عواقب لهذا السلوك في منزلك.

قد تشعر بالإحباط من الطريقة التي يتعامل بها زوجك السابق في تربية الأطفال، لكن لا تحاول التحكم فيما يحدث في منزله فهذا طريق مسدود، وثمة العديد من المواقف التي يتعاون فيها الوالدان بعد الانفصال أو الطلاق، لكن دعنا نواجه الأمر فعادة ما يلجأ الناس إلى الطلاق لأنَّهم لم يعودوا يستطيعون التعايش معاً، لذلك لا يمكن للتعاون إلا أن يذهب هباءً منثوراً.

8. عندما يخبر شريكك السابق طفلك الكثير:

يخبر العديد من الأزواج السابقين أطفالهم بتفاصيل الزواج التي يُفضَّل ألا يعرفوها؛ إذ يُعَدُّ الكشف عن المعلومات الحساسة أمراً شائعاً، وقد يستخدم الأطفال الغاضبون هذه المعلومات ضدك، وبصفتك أحد الوالدين عليك أن تعمل على عدم إعطاء المعلومات هذه.

إذا أظهرت لطفلك أنَّ هذه المعلومات لها سلطة عليك - أنَّها تسبب لك الغضب ورد الفعل - فسوف يستمر في استخدامها ضدك، لذلك من الأكثر فاعلية أن تظل هادئاً وتقول لطفلك: "يمكن لوالدتك أن تقول ما تشاء في منزلها، ولكنَّنا لا نتحدث عن ذلك هنا".

الانفصال والطلاق لا يحدثان عادة أو لا ينبعان من علاقة زوجية سليمة وهادئة، فغالباً ما تطرأ أحداث مثل الحجج والقتال والخيانة واللوم والسب والمشاعر السيئة التي تسبق الانفصال الفعلي أو الطلاق، وقد شهد الأطفال ما حدث ربما وربما يعرفون الحقيقة، وإذا علَّمت أطفالك عدم اختلاق الأعذار وعدم تبرير السلوك غير اللائق، فسيكونون أكثر استعداداً لتحديد متى يستخدم الوالد الآخر الأعذار والمبررات لشرح سلوكه.

إقرأ أيضاً: 15 مشكلة شائعة في العلاقة الزوجية وكيفية التعامل معها

9. ما يجب فعله وما لا يجب فعله في التربية بعد الطلاق:

ثمة العديد مما يجب فعله وما لا يجب فعله في التربية بعد الطلاق، لكن فيما يأتي بعض الأشياء الضرورية:

  • لا تجبر الأطفال على التحدث عن الطلاق إذا كانوا لا يريدون ذلك، فكن غير متطلب ودعهم يعرفون أنَّ هناك موارد أخرى متاحة لهم خارج الأسرة.
  • لا تحاسب الأطفال على سلوكهم، فإذا كان الأطفال يتصرفون بشكل غير لائق، فكن واضحاً معهم وأخبرهم أنَّه حتى لو تصرفوا هكذا بسبب الطلاق فسيظلون مسؤولين عن سلوكهم.
  • لا تتحدث بشكل سلبي عن الوالد الآخر فإنَّها ليست فكرة جيدة أبداً.
  • لا تقفز إلى علاقة أخرى وتتوقع من الأطفال قبول هذا الشخص، فقد يهدئ ذلك من إحساسك بالخسارة، لكن بالنسبة إلى الأطفال فإنَّ الأمر مربك ومحبط فقط.
  • لا تحاول إجراء محادثات عميقة وذات مغزى مع أطفالك عن الطلاق، فقد يحاولون التصرف بشكل ناضج، ولكنَّهم ليسوا بالغين صغاراً؛ بل إنَّهم أطفال.
  • لا تقر بأنَّ الأمور قد تغيرت.
  • لا تشارك أطفالك كل مخاوفك أو قلقك أو غضبك أو حنقك أو حزنك، فإنَّهم ليسوا في مستوى من التطور يمكِّنهم من التعامل مع ذلك، وغالباً ما يجعلهم يشعرون أنَّه يتعين عليهم الاعتناء بك، وهذا ليس وضعاً جيداً لهم ليكونوا فيه.
  • قم بالتخطيط والهيكلة التنظيمية للأسرة دون عواطف، واجلس ودع الأطفال يعرفون الأدوار التي ستتغير، ولا تفعل ذلك بطريقة ديمقراطية ولا تسأل عن الآراء أو التصويت، فليس من المفيد للأطفال إلقاء هذه المسؤولية عليهم.

شاهد بالفيديو: 8 علامات تنبّهك بأنّ زواجك على وشك الانهيار

10. متى تطلب الإرشاد الأسري؟

الاستشارة الأسرية هي مسألة صعبة للغاية؛ إذ يقول بعض المعالجين إنَّه لا ينبغي أن يشمل كلا الوالدين والأطفال؛ وذلك لأنَّه قد يروج لخيال الأطفال بأنَّ والديهم قد يعودان معاً، بينما يعتقد معالجون آخرون أنَّه حتى في حالة الطلاق يجب على الأسرة معالجته معاً بصفته نظاماً كاملاً وإشراك الأطفال فيه.

إذا انتهى الأمر إلى عقد جلسات مع الوالدين والأطفال معاً، يجب أن يتفق كلا الوالدين على قواعد أساسية وجداول أعمال صارمة، وتذكر أنَّه من المحتمل جداً أنَّ الاختلافات في الإدراك والتفسير والسلوكات التي أدت إلى الطلاق في المقام الأول قد تكون فاعلة.

في بعض الحالات لن يرغب الأطفال في المشاركة في هذه الأنواع من النشاطات العلاجية، فإذا كان الأطفال يتعاملون مع الطلاق والجوانب الأخرى من حياتهم تعاملاً جيداً فلا ينبغي دفعهم للمشاركة، لكن إذا كانوا يعانون من مشكلات في الأداء السلوكي أو الأكاديمي، يجب أن يكون علاج إدارة السلوك على رأس القائمة ويجب أن يركز على تعليمهم كيفية إدارة المشكلات والمشاعر الكامنة وراء السلوك.

إقرأ أيضاً: 6 أسرار وراء نجاح العلاقات الأُسرية

11. لا يوجد طلاقان متشابهان:

أنت تقرأ هذا المقال لسبب ما، فأنت تريد أن تفهم سلوك طفلك في أثناء الطلاق وماذا تفعل حيال ذلك، واعلم فقط أنَّ هناك العديد من أنواع الطلاق مثل أنواع العائلات؛ إذ تخلق كل عائلة مسرحها الصغير الذي يتم فيه الطلاق.

لذلك كن متفتحاً وتعلم من العديد من المصادر المختلفة لأنَّه لن ينطبق كل شيء على وضعك، وفي بعض العائلات يُعَدُّ الطلاق وسيلة للخروج من علاقة مسيئة أو مدمرة، وفي هذه الحالة يستفيد هؤلاء الأطفال نفسياً في نهاية المطاف على الرغم من أنَّهم ما زالوا يواجهون مخاوف وحتى يشعرون بالولاء تجاه الوالدين المسيئين.

ينطوي الطلاق على مخاطر متأصلة في إلحاق الضرر بالأطفال المعنيين، فكلما أسرع الوالدان المنفصلان بتحمل المسؤولية عن كونهما أبوين بدلاً من أزواج كانت فرص الأطفال أفضل في التكيف مع الواقع الجديد لحياتهم.

في الختام:

تذكَّر أنَّ الطلاق والانفصال حلال، ولكنَّه أبغض الحلال عند الله وهو شيء قانوني، لكن بمجرد مغادرة أحد الوالدين تبدأ التجربة العاطفية السلبية للأطفال بصرف النظر عن تصنيفها؛ لذا يجب على الآباء دراسة تأثيره ومحاولة ضبط الوقائع قبل حدوث نتائج لا تُحمد عقباها.




مقالات مرتبطة