الطرق الصحية للتعامل مع القلق

"القلق الجيد" (Good Anxiety) هو عنوان الكتاب الجديد لعالمة الأعصاب في "جامعة نيويورك" (New York University) "ويندي سوزوكي" (Wendy Suzuki)؛ وهو كتاب سيُفاجِئ من يعتقد أنَّ القلق شيء سيِّئ بالمطلق؛ حيث اكتشفَت "سوزوكي" من خلال عملها أنَّ القلق يمكن أن يتحول من شيء نحاول تجنبه والتخلص منه إلى شيء مفيد وغني بالمعلومات. السر هو في أخذ المعلومات التي يقدمها لك القلق والاستفادة منها للعيش بطريقة تجعلك سعيداً.



في مواجهة الضغوطات والقلق الناجم عنها نقوم بتطوير استراتيجيات للتأقلم والعودة إلى المسار الصحيح، وغالباً ما تعمل هذه الآليات والأفكار تحت إشراف إدراكنا الواعي والكثير من هذه الآليات قمنا بتطويرها عندما كنا أصغر سناً أو أقل وعياً.

طورنا آليات التأقلم هذه لنتجنُّب المشاعر المزعجة وتهدئة أنفسنا، لكن عندما لا تعود هذه الآليات نافعة، فإنَّ الأمور تبدو أسوأ؛ مما يؤدي إلى تفاقم قلقنا وإضعاف ثقتنا بأنَّنا نتحكم بحياتنا، وعلاوة على ذلك غالباً ما تعكس استراتيجياتنا للتأقلم علاقتنا بالقلق، فإذا كنتَ تتأقلم بطرائق مفيدة، فإنَّ قلقك يكون تحت السيطرة، أما إذا كنتَ تتأقلم بطرائق تضر بصحتك أو علاقاتك أو عملك، فأَعِد النظر في هذه الطرائق.

عموماً، تنقسم آليات المواجهة إلى آليات قابلة للتكيُّف، وهي مفيدة كونها تساعدنا على إدارة الضغوطات، وآليات عسر التكيف، وهي مؤذية كونها تسبب أضراراً أخرى من خلال تجنُّب المشكلة التي تكبر أو تسبب مشكلة أخرى، ومثال ذلك الاعتماد على المشروبات الكحولية أو استخدامها بإفراط، فعندما تُترَك المشاعر الكامنة وراء هذه السلوكات دون معالجة، فإنَّ العوامل المكوِّنة للقلق ستنمو وتبقى متجذرة وينتهي الحال بأن تصبح سلوكات التأقلم سبباً من أسباب عدم قدرتنا على إدارة وتنظيم مشاعرنا.

على سبيل المثال: "ليزا" (Liza)، وهي امرأة مجتهدة جداً تخرَّجَت من مدرسة إدارة أعمال رفيعة المستوى، ومن ثم بدأَت العمل في مجال الخدمات المالية، وهي محبوبة ومحترمة من قِبل زملائها، لكن فجأة تجد نفسها وقد بلغَت من العمر 41 عاماً وليس لديها حياة خارج إطار العمل.

إنَّها مدمنة على العمل، وكل هذا التفاني في العمل والدافع للنجاح جعلها تدَّخر رصيداً ممتازاً في البنك، وشعرَت بقيمة ذاتها، وأصبحَت مؤخراً تعود إلى شقتها وهي منهكة تماماً وتشرب ثلاثة أو أربعة أكواب من النبيذ؛ وذلك حتى تتمكن من النوم وتستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً لتمارس الرياضة، ثم تهرع إلى المكتب حتى تتمكن من الوصول إلى عملها في الساعة السابعة صباحاً، وهذا هو نمط حياتها وقد نجح معها لسنوات لكن لم تَعُد تستطيع التحمل.

تستيقظ "ليزا" الآن وهي تشعر بأنَّها مُنهكة القوى ووحيدة تراودها الشكوك، وبدأَت تتساءل ما الذي يجعلها تندفع بهذه القوة؛ لذلك، إذا كنتَ تستجيب للقلق عن طريق العزلة، فإنَّك تفقد التشجيع الذي تقدِّمه العلاقات الاجتماعية، وتزيل حاجزاً هاماً يحول بينك وبين القلق الضار، ولنفهم كيفية حدوث ذلك، سيكون مفيداً أن نلقي نظرة على ما يحدث في الجسم عندما يبدأ القلق الضار بالسيطرة عليك؛ باختصار:

  • عندما يكون جسمك وعقلك تحت ضغط القلق المزمن، تصبح قدرتك على التحكم بعواطفك غير منتظمة، وتنخفض فاعلية الاستجابة للمنبهات الداخلية والخارجية وتصبح شديد الحساسية للتوتر من أي نوع، ويمكن أن تراودك الشكوك وتفقد ثقتك بنفسك.
  • ثم عندما يستنفد جسمك طاقته ولا يحصل على ما يكفي من الوقت لاستعادة النشاط، فلن تكون قادراً على الشعور بالتحفيز، وهو العاطفة المسيطرة على العقلية الإيجابية، وعدم القدرة على استعادة الطاقة، ويؤدي بدوره إلى مزيد من انخفاض القدرة على التحكم بالمشاعر.
  • ثم إذا كنتَ تعالج هذه المشكلات بالعزلة، فإنَّك تفقد التشجيع والدعم الذي توفره العلاقات الاجتماعية، وتزيل حاجزاً هاماً يحول بينك وبين القلق الضار.
  • علاوة على ذلك إذا كنتَ تفكر في اللجوء إلى الممنوعات أو الكحول لتخفيف القلق، فإنَّ القلق يزداد بمجرد انتهاء النشوة، فالكحول والمخدرات تعمل كمهدئ للجهاز العصبي، كما أنَّها تتداخل مع آلية الجسم في إنتاج الدوبامين والسيروتونين، مما يمنحك شعوراً زائفاً بالراحة.

تُبيِّن هذه الاستجابات انخفاضاً في تنظيم عمل المسارات العصبية المخلتفة بين الجسم والعقل، ومع ذلك، فإنَّ الجانب الإيجابي أنَّه في استطاعتك تغيير الطرائق السلبية التي تتبعها للتعامل مع القلق وآثاره الرئيسة في كل من جسمك وعقلك.

استعادة قدرتك على تنظيم المشاعر يتطلب طاقة ورغبة وإداركاً بأنَّ لديك خياراً للتغير، وكل شخص يستطيع أن يتعلم كيف يتعرَّف إلى إشارات الجسم التي تعني نفاد الطاقة أو وجود خلل في التحكم بالعواطف والبدء بإجراء تغييرات، وهذا هو جوهر استخدام القلق الجيد، فعندما تشعر بالقلق أو الانزعاج ما الذي تفعله عادةً لتهدئة نفسك؟ دون إفراط في التفكير اقرأ تقنيات المواجهة السلبية التالية واكتشف ما الذي يُعَدُّ مألوفاً بالنسبة إليك:

إقرأ أيضاً: 7 أسباب للشعور بالقلق وانعدام الحافز

طرائق سلبية للتعامل مع القلق:

  • استخدام أو سوء استخدام العقاقير أو الكحول.
  • التصرُّف بعنف اتجاه الآخرين.
  • التصرُّف أو إساءة التصرف عن قصد.
  • تجنُّب المواجهات.
  • تبرير مشكلاتك أو تحميل الآخرين مسؤوليتها.
  • إنكار وجود مشكلة.
  • كبت أو نسيان ما حدث.
  • التصرف على غير عادتك.
  • النأي بنفسك عن الموقف.
  • محاولة الظهور بمظهر المسيطر.
  • الإدمان على العمل.
  • تجنُّب النشاطات وتجنُّب الاختلاط مع الآخرين.
  • الشعور بحاجة إلى السيطرة على الآخرين أو التلاعب بهم.
  • رفض التواصل.
  • أحلام اليقظة المستمرة.
  • المبالغة في التشاؤم.
  • إعطاء الآخرين الأولوية بدلاً من نفسك.

ثم اطَّلِع على لائحة آليات التأقلم الإيجابية، وستجد فيها طرائق مفيدة للتعامل مع القلق:

طرائق إيجابية للتعامل مع القلق:

  • تحديد مشاعرك السلبية والإيجابية.
  • السيطرة على غضبك.
  • ممارسة التأمُّل الذاتي.
  • تلقِّي الدعم من الأصدقاء والعائلة.
  • التواصل والحديث مع الآخرين بخصوص مشاعرك.
  • التدريب البدني.
  • ممارسة الهوايات أو الرياضة.
  • قضاء وقت خارج المنزل.
  • رؤية وضع معين من وجهة نظر مختلفة.
  • الحفاظ على المرونة والانفتاح على طرائق جديدة في التفكير.
  • الاحتفاظ بدفتر يوميات أو ممارسة نوع آخر من التأمل الذاتي الواعي.
  • قضاء وقت ممتع مع العائلة أو الأصدقاء.
  • الحديث الإيجابي مع النفس وترديد عبارات تحفيزية.
  • التأمُّل أو الصلاة.
  • تنظيف أو ترتيب مكان عملك أو منزلك.
  • تلقِّي دعم من خبير صحة عندما تحتاج إلى ذلك.
  • اللعب أو مجالسة الأطفال.

شاهد بالفديو: 6 اقتراحات للتعامل مع التوتر

دون أن تطلق أحكاماً على نفسك اسأل نفسك أيَّة تقنية من تقنيات التعامل مع القلق التي تستخدمها تساعدك؟ وهل توجد معوقات أو آثار ثانوية غير مرغوب فيها؟ وأيٌّ من تقنيات التعامل الإيجابية يمكنك تكريس استخدامها أكثر؟

من الضروري أن نكون على دراية بكيفية استجابتنا للتوتر والقلق؛ وذلك لأنَّ وجود أكثر من استراتيجيتين أو ثلاث استراتيجيات سلبية في التعامل مع القلق قد يكون مؤشراً على الوقوع في القلق الضار، ومن ناحية أخرى، تُعَدُّ الاستراتيجيات الإيجابية في التعامل مع القلق مؤشراً على قدرة عالية في التعامل مع التوتر ومرونة تجاه العواطف.

من المحتمل أن يكون هناك تغيُّر في موقفنا من القلق مع مرور الوقت، وكذلك قدرتنا على التعامل معه؛ لذلك يجب تطوير استراتيجيات التكيُّف ومعالجة استراتيجيات عسر التكيف، وأحياناً تتطلب هذه العملية بعض الجهد.

 كلَّما بقيتَ غير مدرك لحقيقة أنَّ آليات التأقلم التي تتبعها لم تَعُد مفيدة أو لم تَعُد توفر لك الراحة النفسية التي تحتاج إليها، فازداد قلقك الضار وأصبحَت استراتيجيات التأقلم السيئة أكثر رسوخاً، لكن عندما ترى وضعك على حقيقته وتدرك أنَّك أَهملتَ تطوير الاستراتيجيات الخاصة بك، ستتمكن من تغيير حيثيات وضعك وتوجيه نفسك نحو حياة مريحة أكثر.

المصدر




مقالات مرتبطة