الضغط النفسي وكيف تتخلص منه؟

تتَّصف حياة الإنسان بالتغيير، فهي ليست ثابتة أو تسير على وتيرة واحدة، ولا سيما أنَّنا نعيش في عالَم سريع التطوُّر؛ فقد شملَت التغييرات جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها من المجالات التي لا يخفى على أحد ما ترتَّب عليها من تغيير في حياة الإنسان وسلوكه وكذلك في حالته النفسية.



التغييرات التي خضع إليها الإنسان من تغيير مراحله العمرية وتغيير متطلبات كل منها والدراسة ومجال العمل وتغيير السكن والزواج وإنجاب الأطفال وتحمُّل مسؤوليات مختلفة؛ جعلَت الإنسان يحاول استقدام قدر كبير من طاقته لتحقيق التأقلم مع تلك التغييرات، لكنَّه في كل مرة يكون التأقلم أصعب من ذي قبل، وينجم عنه جملة من الضغوطات النفسية التي تؤثر بشكل سلبي في معظمها في حياة الفرد واستقرارها.

الضغط النفسي هو من أكثر المشكلات التي تواجه الأفراد في مُختلَف المجتمعات وفي مُختلَف المناسبات التي يعيشها مفرحة كانت أم محزنة، فالضغوطات النفسية ليست وليدة العهد أو نتيجة لتغييرات الحياة الأخيرة؛ بل بدأت منذُ خلق الإنسان، فهي جزء لا يتجزأ من حياته، فالصراعات والتناقضات والمشكلات التي تنشأ مع تزايد متطلبات الحياة كلها تولِّد ضغوطات نفسية ومصادر قلق وتوتر، وينتج عنها خطر يُهدِّد حياة الفرد واستقراره، فما هو الضغط النفسي وما هي السبل الكفيلة بالتخفيف منه؟

أولاً: الضغط النفسي وأنواعه

الضغط النفسي أمر متأصل في النفس البشرية، فوجوده ضروري لنمو الإنسان وحفاظه على توازنه، لكنَّ الضغط النفسي الزائد مشكلة يجب التعامل معها بشكل فوري للسيطرة عليه، والضغط النفسي هو رد فعل طبيعي من قِبَل الإنسان تجاه تعرُّضه لحالات غير معتادة أو غير طبيعية تؤثِّر في سعادته وراحته النفسية؛ فيدفع بالإنسان إلى تركيز كل طاقة جسمه في خطر بعينه واتِّخاذ ما يلزم للاستجابة إليه وتحقيق التأقلم معه.

ينتج الضغط النفسي عن الظروف المرتبطة بالتوتر والشدة الناتجَين عن متطلبات الحياة والتغييرات التي تطرأ على حياة الفرد وشخصيته وتتطلَّب نوعاً جديداً من التوافق والتكيُّف وما ينجم من آثار نفسية وجسمية في أثناء ذلك، فالضغط النفسي استجابة نفسية لدى الإنسان تحدث عند تعرُّضه لخبرة معيَّنة ترافقها مشاعر ضيق وتوتُّر وخوف ومشاعر سلبية عديدة.

تقع الضغوطات النفسية ضمن ثلاثة أنماط:

الأول: الضغوطات النفسية الأولية

يتعرَّض كل فرد منَّا لهذا النوع من الضغوطات خلال يومه العادي؛ حيث يمرُّ بمواقف عديدة تسبِّبُ له التوتر والخوف والإحباط، وتختلف استجابة الأفراد لتلك المواقف، كل منهم حسب عمره وطريقة تفكيره وقوته النفسية والبدنية والتجارب والخبرات السابقة التي مرَّ بها والظروف التي يحيا بها، فالشخص المريض سيكون بالتأكيد أكثر عرضة للحزن والتأثُّر من الشخص السليم بدنياً، لكنْ يمكن القول إنَّ معاناة الفرد من بعض الضغوطات البسيطة في أثناء حياته اليومية هي أمر طبيعي، لكنْ يجب عدم السماح لتلك الضغوطات بالتراكم.

الثاني: الضغوطات النفسية التراكمية

يحدث هذا النوع من الضغوطات نتيجة الإجهاد المتواصل، والذي يستمر فترة طويلة ويكون شديداً في معظمه؛ فيثير حالة من التوتر والإرهاق والتي تمنع الفرد عن تحقيق التأقلم المناسب، وفي حالة الاستمرار في الضغط التراكمي وعدم إيلائه الاهتمام المناسب والعمل على حله ومعالجة أسبابه؛ فإنَّه يقود إلى الانهيار الذي يسبق إصابة الفرد بالاضطرابات النفسية الشديدة الناجمة بشكل مباشر عن الضغط النفسي.

الثالث: الضغوطات النفسية الناجمة عن صدمة نفسية قوية

في الوقت الذي يستمر فيه الضغط النفسي التراكمي يظهَر الضغط النفسي الناجم عن صدمة مفاجِئة غير مُتوقَّعة، هذه الصدمة التي تكون بمنزلة هجوم جسدي أو نفسي عنيف يُشكِّل خطراً على الفرد، وتنتج عن هذا النوع انفعالات تختلف في حدتها ومدة ظهورها بين فرد وآخر.

في الواقع قد يدفع الضغط النفسي إلى حدوث أزمة عقلية أو عصبية أو اعتلال جسدي ناجم عن الاعتلال النفسي؛ بل قد يؤدي إلى دفع الفرد إلى الانتحار ووضع حد لحياته.

ثانياً: مظاهر الضغط النفسي

كل إنسان سيكون عرضة للضغط بين فترة وأخرى، فالقليل من الضغط لن يمثل مشكلة حقيقة؛ وإنَّما المشكلة الحقيقية حين يستمر لفترة طويلة مسبِّباً اعتلالاً جسدياً أو نفسياً دائماً، وعلى العموم تختلف مظاهر وأعراض الضغط بين فرد وآخر تبعاً للمرحلة العمريَّة ومدى صلابته النفسية ونمط تفكيره وقدرته على تحقيق التأقلم.

من أعراض الضغط النفسي:

  • الشعور بالحزن والإحباط والكآبة والذنب والندم دون مبرِّر قوي لذلك أحياناً.
  • الإرهاق الشديد بعد القيام بأي نشاط.
  • عدم القدرة على اتِّخاذ القرار الصحيح والتردُّد في اتِّخاذه.
  • عدم القدرة على تقييم الذات بشكل صحيح ومنصف.
  • عدم التركيز، والتشويش والتشتُّت وكثرة الشرود ومشكلات في الذاكرة.
  • الغضب بسرعة.
  • عدم القدرة على البقاء جالساً في نفس المكان وصعوبة بالغة في النوم.
  • البكاء بألم وحرقة.
  • الانطواء والرغبة في العزلة.
  • التفكير في سلبيات الماضي وعدم التمكُّن من نسيان الأحداث السيئة التي صادفته.
  • أعراض جسدية مختلفة مثل: الصداع، آلام في الرقبة والظهر، آلام المعدة، الغثيان، التعرُّق، الأكزيما، السرعة في ضربات القلب.
  • سلوكات مصاحبة للضغط مثل: التهوُّر في القيادة، الإفراط في العمل، ردود فعل غاضبة غير متوقعة، الدخول في مجادلات عقيمة.

شاهد بالفيديو: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد

ثالثاً: كيفَ تتخلَّص من الضغط النفسي؟

1. حدِّد مصادر الضغط النفسي:

يمكن أن يكون الضغط النفسي ناجماً عن أسباب متعددة مثل: العنف الأسري، إساءة صادرة عن شخص بعينه، مرض، الانقطاع عن الدراسة، الانقطاع عن العمل، المشكلات المالية وعدم توفُّر سبل العيش، الهجرة من مكان إلى مكان آخر، العنف المجتمعي، مشكلات وخلافات عائلية، فشل الزواج، الخوف من المستقبل وغير ذلك من الأسباب التي يمكن أن تسبِّبَ التوتر والقلق لأصحابها، وإنَّ تحديد السبب يُمثِّل عاملاً أساسياً في علاج الضغط النفسي والتخلُّص منه.

2. اعرفْ نفسك جيداً:

اعرفْ طاقاتك وحدودك بشكل جيد وتقبَّل فكرة عدم الكمال والتصرف بمثالية بشكل دائم، وحدِّد ما هي المواقف التي تسبِّب لك التوتر وتقودك باتجاه الضغط النفسي، تعلَّم كيف ترفض الأشياء التي تسبِّبُ لك التوتر، وعبِّر عن مشاعرك بحريَّة وهدوء ولا تؤجِّل حل المشكلات التي تواجهك، ونظِّم وقتك وأَدِرْ أعمالك بنجاح.

3. اتَّبِع سلوكات جيدة:

إنَّ إدارة الضغط النفسي تعتمد على نجاح الإنسان بالقيام بسلوكات مُحدَّدة والاعتياد على القيام بها عند التعرُّض لتوتُّر أو قلق.

  • الضغط النفسي يؤثِّر في وتيرة التنفُّس واستعادة الهدوء؛ فيجب التدرُّب على التنفُّس ببطء.
  • الإقلاع عن التدخين.
  • التقليل من استهلاك المواد التي تسبِّب تسارع في ضربات القلب مثل المواد التي تحتوي على الكافيين مثل القهوة والشاي.
  • ممارسة التمرينات الرياضية التي تعيد الحيويَّة للجسم ولا سيما المشي في الطبيعة أو السباحة.
  • ممارسة تمرينات الاسترخاء والتأمُّل.
  • اتِّباع نظام غذائي غني بفيتامين c والمغنزيوم بشكل خاص، فالضغط النفسي يعمل على استهلاك هذه المواد بالتحديد أكثر من سواها؛ فيصبح الجسم بحاجة ماسة إليهما.
  • الاستماع إلى الموسيقى التي تعمل على تهدئة الأعصاب.
  • محاولة الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.

4. فكِّر بشكل إيجابي:

ينبغي الوعي الجيِّد بالأفكار السلبية وعدم السماح لها بالسيطرة على التفكير، كما يجب التدرُّب على التوقُّف عن التفكير السلبي عبر التركيز في الأفعال المرغوبة وتعلُّم المهارات الجيدة التي تساهم في فتح الآفاق الجديدة أمام الفرد.

5. اعتمد على التفكير المنطقي:

يقوم التفكير المنطقي على تبديد الأفكار السلبية وتحويلها إلى إيجابية، ورؤية الخير في كل ما يحدث في محيط الفرد، ويعتمد التفكير المنطقي من أجل تحويل الأفكار السلبية إلى أخرى إيجابية أولاً على تحديد الأفكار غير المنطقية "السلبية" والبحث في أسبابها ومناقشة تلك الأسباب بطريقة منطقية، ومن ثم استبدالها بأخرى إيجابية.

6. حدِّث نفسك:

الحديث الصامت بين الفرد ونفسه، فلا يُوجَد فرد مهما بلغ عمره أو مكانته الاجتماعية لا يُحدِّث نفسه ويحلل الأحداث التي يمر بها، فحديثك إلى نفسك لن يسبب لك الخجل أو الخوف من المحيط، فاحرصْ على أن تشجِّع نفسك عند الحديث إليها؛ فذلك سوف يساهم في دعم التفكير الإيجابي ويزيد من الراحة النفسية، كما تُعَدُّ طريقة ناجحة لإيجاد الحلول للمشكلات وتزيد من القدرة على التكيُّف.

7. اطلب المساعدة دون خجل:

لا تعانِ في صمت، فالجلوس مع الآخرين ممَّن تثق فيهم والتحدُّث إليهم عن همومك ومشكلاتك سوف يساعدك على تخطِّي الضغط النفسي، ولا تعتقد بأنَّك شخص ضعيف لأنَّك طلبت المساعدة أو تخشى من تفكير الآخرين فيك، كُنْ أكثر ثقة في نفسك وآمن بوجود أناس في حياتك يحبُّونك فعلاً ويريدون رؤيتك سعيداً وبأفضل حال، ولن يقلِّلوا من شأنك إذا طلبتَ مساعدتهم، وتحدَّث إليهم وكنْ مستمعاً جيداً إلى ما سوف يقولونه.

8. تعلَّم التركيز والاندماج مع محيطك:

التركيز والاندماج يعني أن تعطي الانتباه والاهتمام الكامل لما تقوم به؛ فمثلاً عند استماعك إلى الموسيقى استمعْ إليها بشكل جيِّد وحاول أن تعرف اللحن، عندما تقرأ قصة حاول العيش في داخل شخصياتها، عندما تساهم في عمل جماعي؛ حاول التعاون مع جميع أعضاء الفريق لإنجاز العمل، فكلَّما حقَّقتَ الاندماج، تجاوزت الضغط النفسي وأصبحت أكثر سعادة ورضى.

إقرأ أيضاً: 4 طرق فعَّالة للتعاون مع فريقك

9. تعلَّم الانفكاك عن الأفكار والمشاعر السلبية:

عندما تشعر بالتوتر والقلق؛ فغالباً ما ترغب في الابتعاد عن المحيط والبقاء وحيداً بعيداً عن الأشخاص الذين تحبهم أو حتى تختار النوم في السرير لفترة طويلة، هذه السلوكات ليست جيِّدة ولن تعطي حلاً جيداً؛ بل سوف تزيد من تعقيد المواقف التي بدورها سوف تزيد مشاعر الضغط النفسي، فعندما نحاول التخلُّص من الأفكار السلبية بالاعتماد على استراتيجيات سيِّئة؛ سوف تصبح حياتنا أسوأ بالتأكيد؛ لذا يجب أن تتعلَّم أساليب جديدة في التعامل معها.

بدلاً من محاولة إبعادها ومصارعتها عليك أن تنفكَّ عنها؛ وذلك عبر تحديدها وتسميتها بالضبط؛ كأن تقول: "هنا فكرة مؤلمة"، وملاحظتها ومن ثم العودة للتركيز فيما تقوم به من نشاطات والتصرُّف وفقاً للقيم التي تحملها، فكلَّما مارستَ هذا السلوك، استطعتَ التخلُّص من الأفكار السلبية ومنعها عن التأثير فيك.

إقرأ أيضاً: 5 طرق للتخلص من المشاعر السلبيّة التي تسيطر عليك

في الختام

يمرُّ الإنسان بأحداث مختلفة تسبِّب الضغط النفسي؛ وتختلف هذه الأحداث في شدَّتها وتختلف معها درجات الضغط النفسي، إلَّا أنَّ تراكم الهموم يصبح تأثيره أكبر مع مرور الوقت، وقد تؤدي بالإنسان إلى فقدان الحياة الطبيعية المتوازنة والعيش ضمن دوامة من الأمراض الجسدية والنفسية، فإذا ما أردتَ الحياة التي أنعمَ عليك الله عز وجل بها؛ فعليك ألَّا تسمح بحدوث ذلك، واعمل على الحد من الضغوطات النفسية والتخلُّص منها في بدايتها ولا تنتظر تفاقمها حتى تبحث عن حل، آمن بنفسك وبقدرتك على تجاوز الصعوبات وبأهمية الحياة بسعادة، وعندئذٍ سوف تتجاوز كل ما قد يواجهك من صعوبات وضغوطات.




مقالات مرتبطة