الصمت المُحرج: استخدمه في مصلحتك أو تخلَّص منه

يُعدُّ الصمت المُحرج موقفاً عصيباً للغاية؛ إذ إنَّه يدفع المرء إلى قول أيِّ شيء بغية الهروب منه، يقدِّم المقال 6 نصائح للاستفادة من الصمت المحرج وتعلُّم كيفية تجنُّبه.



يمكن تعريف الصمت المُحرج بأنَّه التوقف فترةً طويلة عن الكلام على نحو غير مريح في محادثة أو خطابٍ أو تفاعل، ويجهل معظم الناس أنَّ الصمت المُحرج يمكن أن يكون جيداً أو سيئاً حسب الموقف، كما أنَّه يُستخدم بوصفه تكتيكاً للتفاوض.

نقدم فيما يأتي نصائح يمكنك من خلالها الاستفادة أو التعامل مع الصمت المُحرج:

كم من الوقت ينبغي أن تتوقف في أثناء المحادثة؟

يتراوح التوقف المثالي في المحادثة من ربع إلى نصف ثانية؛ أي هو عبارة عن الوقت اللازم لإجراء عملية تنفس واحدة، وفي حال امتدَّ إلى 4 ثواني، فإنَّه يصبح مُحرجاً.

تتفاوت وتيرة المحادثات بين اللغات والثقافات؛ إذ اكتشف الباحثون أنَّ متحدثي الإنجليزية لا يتوقفون في حديثهم ما يزيد عن 4 ثوان، في حين يصل اليابانيون إلى 8 ثواني عادةً.

نادراً ما يتجاوز الصمت بين متحدثي الإنجليزية جزءاً من الثانية في أثناء المحادثة، وحالما يمتد لوقت أطول يبدأ المرء بالشعور بالضيق أو الحاجة إلى تغيير مجرى المحادثة، وعند استمرار التوقف لوقت أطول من اللازم يشعر الفرد بالحاجة إلى إيجاد أيِّ شيء لقوله.

لماذا يُعدُّ الصمت مزعجاً؟

يشرح الباحث الاجتماعي تاي تاشيرو (Ty Tashiro) في كتابه "السر خلف إحساسنا بالإحراج الاجتماعي ولماذا هذا رائع" (The Science of Why We’re Socially Awkward and Why That’s Awesome) إنَّنا عندما نواجه صمتاً غير متوقع تنشط منطقة اللوزة الدماغية المسؤولة عن استجابة الكر والفر في الدماغ.

هذا ما يحدث لدماغك عندما يستمر الصمت لوقت أطول من اللازم؛ إذ يولِّد شعوراً بعدم الراحة: تتبَّع الباحثون رد فعل الدماغ تجاه الصمت إلى جذور مجتمعات الجمع والالتقاط التي شكَّل فيها رفض المجتمع للفرد خطراً على حياته؛ أي إنَّ الصمت يحاكي الرفض وفق المنظور البدائي، ويؤدي الخوف من الرفض بدوره إلى الذعر.

لهذا السبب عندما تشعر بالأمان والراحة بحضور شخص ما، فإنَّ الصمت لا يولِّد لديك استجابة خوف مماثلة، ولا يبدو مُحرجاً بدوره؛ أي إنَّ الصمت يغدو مريحاً عندما تشاركه مع أحد الأحبَّة، وأنت لا تخشى الرفض، ممَّا يعزِّز الثقة بالعلاقة.

شاهد بالفيديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين

كيفية تجنُّب الصمت المُحرج:

نقدم فيما يأتي بعض طرائق تجنُّب الصمت المُحرج:

1. تقديم مجاملة صادقة يليها سؤال:

يمكن أن تسهم مجاملة بسيطة في نقل مجرى المحادثة إلى ملاحظة إيجابية ووديَّة، فيمكنك على سبيل المثال في موقف تعرضت فيه لصمت طويل أن تثني على أناقة محاوِرك، وتسأله عن أماكن تسوُّقه.

أو عندما تجد نفسك بجانب المتحدث الرئيسي في أحد الفعاليات، يمكنك كسر الصمت عبر الإشادة بأسلوب طرحه للبحث الذي يعمل عليه وسؤاله عن سبب اختياره لموضوع الدراسة.

عليك أن تحتفظ بأسئلة احتياطية لتستخدمها في مواقف الصمت المُحرج.

2. طرح أسئلة تُسفِر عن قصص:

تقوم هذه الطريقة على تجنُّب طرح أسئلة نعم/لا، والتي تفضي إلى الصمت المُحرج، واستبدالها بأسئلة تسمح للشخص الذي تتحدث معه بتقديم إجابات تؤدي طبيعياً إلى أسئلة جديدة، فبدلاً من سؤال صديقك: "هل تعمل في التسويق على مواقع التواصل الاجتماعي؟".

يمكنك طرح السؤال الآتي: "ما هو أصعب جزء في التسويق على مواقع التواصل الاجتماعي؟"، أو "ما أفضل حملة ترويجية عملت عليها؟".

نقدم فيما يأتي مزيداً من الأسئلة التي تفضي إلى إجابات قصصية:

  • يا له من أمر رائع أنَّك تعزف البيانو، كيف كانت بداياتك؟
  • ماذا ستفعل لو حظيت بيوم كامل يمكنك أن تمضيه كيفما تشاء؟
  • ما الشيء الذي تستمتع بفعله، وتتمنى أن تحظى بمزيد من الوقت للقيام به؟

3. ذكر التجربة الشخصية المتعلقة بموضوع الحديث:

يمكنك أن تبيِّن سبب اهتمامك بالأسئلة التي تطرحها عبر إضافة ارتباط شخصي، فعندما تقول على سبيل المثال: "سبق أن ذكرتِ أنَّك تعملين بوصفك نادلة؛ إنَّني أحب المقاهي، لكن لا يسعني تصوُّر جلبة ساعات الازدحام الصباحية، فما الجوانب التي تعجبك في عملك؟".

يكمن الاختلاف في إضافة ارتباط شخصي يبيِّن سبب اهتمامك في الأجوبة، أنت تحب المقاهي وتود معرفة مزيد عن العمل فيها.

يمكنك أن تجرِّب هذا الأسلوب مع أيِّ شيء مثير للاهتمام في الطرف الآخر، وعلى سبيل المثال:

  • يا له من أمر رائع أنَّك تعزف البيانو، إنَّي أعزف الغيتار منذ عمر الثانية عشر، كيف كانت بداياتك؟
  • لقد أحببت البحث الذي عرضته في الاجتماع، لم يسبق لي أن فكَّرت في العلاقة بين هذين العاملين، ما الذي شجَّعك على اختيار موضوع البحث؟
  • سمعت أنَّك درست علوم الحاسب في الجامعة مثلي، ماذا تعمل في هذه الأيام؟

4. التحضير المسبق لبعض الجمل الافتتاحية:

عند اضطرارك إلى إجراء محادثة قصيرة في أحد الفعاليات، يمكنك أن تحضِّر مسبقاً عبر الاطلاع على الأحداث الجارية أو المجريات المتعلقة بموضوع الفعالية، ثم إعداد بعض الجمل الافتتاحية لتساعدك على بدء المحادثة ومواصلتها مع شخص جديد.

نقدم فيما يأتي جملاً افتتاحية مسلِّية وبسيطة، يمكنك أن تبدأ بها حديثك:

  • ما هو رأيك بالمباريات الرياضية؟
  • ما هو نوع الموسيقى التي تستمع إليها؟
  • ما هو رأيك بالعرض التقديمي؟

يجب ألا يُسفر عن الافتتاحية الجيدة جواب صحيح أو خاطئ؛ بل هي عبارة عن طريقة لبدء محادثة قصيرة والتعرُّف إلى الشخص الذي تتحدث معه.

5. إجابة الأسئلة المطروحة بعمق وإنهائها بسؤال:

عندما يتحدث أحدهم معك فهو في الغالب يود التعرف إليك؛ لذلك يجب الابتعاد عن الأجوبة المختصرة، ومشاركة بعض التفاصيل الإضافية لمساعدته على التعرف إليك تعرفاً أفضل.

عندما يسألك عمُّك مثلاً في أحد التجمُّعات العائلية عن أنشطتك الحالية يمكنك مشاركة بعض التفاصيل المسلِّية، فبدلاً من قول إنَّك تعمل على أطروحتك العلمية، يمكنك إخباره عن مخططاتك بعد الحصول على الشهادة أو أن تتحدث عن المادة التي تستمتع بها حالياً؛ إذ يبيِّن هذا الأسلوب تقديرك للسؤال ورغبتك في مشاركة مستجدات حياتك، كما أنَّه يساعد عمَّك على إيجاد سؤال جديد لمواصلة المحادثة.

الخوض في التفاصيل مُعدٍ؛ إذ إنَّ كشف أحد جوانب حياتك يفسح المجال أمام محاورك للخوض في التفاصيل عند طرحك للأسئلة.

يمكنك إنهاء جوابك بسؤال الطرف الآخر عن حياته حتى يعرف بالضبط من أين يستأنف حديثه.

شاهد بالفيديو: 5 طرق لطرح أسئلة ذكية والحصول على إجابات مفيدة

6. إنهاء المحادثة بلطف:

يطول الصمت غالباً عندما تصل المحادثة إلى نهايتها الطبيعية؛ لذلك عندما يبدأ إيقاع المحادثة بالركود يمكنك أن تشكر محاورك، وتُعرب عن استمتاعك بمحادثته وتستأذن بلطف للرحيل، يتيح هذا الأسلوب إنهاء المحادثة قبل شعور الأطراف بالحرج المترتب على الصمت الطويل.

استخدام الصمت المُحرج لمصلحتك:

يمكن أن يكون الصمت المُحرج أداة فاعلة في الأوساط المهنية؛ لأنَّ المحافظة على رباطة جأشك خلال مفاوضات العمل أو اجتماعات الفريق تتيح للآخرين الوقت اللازم للتفكير وصياغة جواب، ويمكنك أن تستخدمه أيضاً لدفع الطرف الآخر إلى الشعور بعدم الارتياح والاستجابة إلى مطالبك.

أُخبِر الكاتب جافن بريسمان (Gavin Presman) مؤلف كتاب التفاوض (Negotiation) أنَّ أسعار خدمات التدريب على القيادة والمبيعات التي يقدمها باهظة الثمن، فأجاب ببساطة: "أنا أتفهم هذا"، فانتظر قبل أن يستطرد حديثه، ثم بعد مضي 10 ثوانٍ من الصمت أخبره الرجل نفسه بأنَّ أسعاره مقبولة وأعرب عن رغبته في تدريب طاقم شركته.

يمكن اكتساب القدرة على التزام الصمت في المواقف، وهي كغيرها من المهارات الحياتية يبرع فيها بعض الناس أكثر من غيرهم، ويمكن ممارستها وتحسينها عبر التأمل والتنزُّه في الطبيعة وقيادة السيارة دون تشغيل الراديو.

إقرأ أيضاً: أخلاقيات الحوار مع الآخرين

الأوقات التي يكون فيها الصمت المُحرج مفيداً:

يقول المثل القديم: "إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب"، ثمَّة مواقف عديدة يكون فيها الصمت مفيد، ونقدم فيما يأتي بعض الأساليب للاستفادة من القدرة الخارقة للصمت المُحرج:

1. في اجتماعات العمل:

عليك أن تترك مجالاً للصمت عند طرحك لسؤال يستلزم الإجابة في اجتماع عمل، حتى تتيح لزملائك الوقت اللازم للتفكير بإجاباتهم واستيعاب التوتر بشأن من سيجيب أولاً، وفي الحالتين كلتيهما يمكنك أن تعدَّ حتى العشرة قبل أن تستأنف حديثك؛ إذ ثمة احتمال ضئيل أن يدوم الصمت أكثر من ذلك، تفيد التجربة بأنَّ شخص ما سيتحدث، ويُستأنف النقاش من جديد.

إقرأ أيضاً: نصائح بسيطة كي تتميّز في اجتماعات العمل

2. عند تعرُّضك لسؤال صعب:

قد تتعرض لسؤال صعب في مقابلات التوظيف أو في أثناء دردشتك مع صديق، وفي الحالتين كلتيهما يمكنك أن تجيب: "يا له من سؤال مثير للاهتمام، دعني أفكر بالإجابة قليلاً"، يوحي ردُّك بأنَّك تصغي جيداً وترغب في تقديم إجابة مدروسة للسؤال.

3. عندما لا يرقى عرض العمل لمستوى توقعاتك:

في حال كان التعويض في الوظيفة الجديدة أدنى من توقعاتك، يمكنك أن تجيب كالآتي: "بكل صراحة، أسفر بحثي عن التعويض الذي تقدمه الشركات الأخرى في مناصب مماثلة، وما أمتلكه من خبرة في المجال إلى توقُّع تعويض أعلى"، ثم انتظر لبضع ثوانٍ لترى تأثير استجابتك.

ثمة احتمال كبير أن تتلقى عرض أفضل، وبخلاف ذلك يمكنك طلب الحصول على بضعة أيام للتفكير في عرض العمل، واتخاذ القرار النهائي؛ وذلك بعد ثوانٍ عدة من الصمت.

عليك أن تحرص في هذه الأثناء على إظهار الثقة بالنفس من خلال لغة جسدك، لأنَّ الصمت يمكن أن يشير إلى التوتر الذي يجدر بك تجنبه في الأوساط المهنية، ولإظهار الثقة (وإن كنت مرعوباً من الداخل) عليك أن تجلس وتَشُد جذعك مع إرجاع كتفيك للخلف والانحناء قليلاً للأمام إن أمكن، وعليك تجنُّب علامات التوتر مثل ضرب القدم بالأرض أو العبث في خاتم في أصبعك، وينبغي أن تحافظ على هدوئك واتزانك وترى ما سيحدث.

ملخص النقاط الأساسية المتعلقة بالصمت المُحرج:

ليس الصمت المُحرج مُحرجاً لأسباب تتعلق بك؛ بل إنَّ البشر لطالما بذلوا جهدهم في تجنبه على المستوى الغريزي؛ لأنَّهم يرون فيه الاستنكار والرفض من الآخرين حولهم، وبصفتنا كائنات اجتماعية، فإنَّ الخوف من الرفض يثير فينا آلية "الكر أو الفر" المعنية بتحذير الإنسان من الخوف وضمان سلامته.

نقدِّم فيما يأتي 6 طرائق لتجنب الصمت المُحرج غير المرغوب:

  1. تقديم مجاملة صادقة متبوعة بسؤال.
  2. طرح أسئلة تستلزم إجابات مطولة.
  3. مشاركة علاقتك الشخصية بالموضوع إن وُجدت.
  4. تحضير جمل افتتاحية مسبقة للمحادثات.
  5. الإجابة عن الأسئلة المطروحة بعمق.
  6. إنهاء المحادثة بلطافة.

إمكانية استخدام الصمت المُحرج لمصلحتك:

لست الوحيد الذي يعاني الحرج في مواقف معينة، ويمكنك استخدام الصمت في بعض الحالات مثل التفاوض على الراتب واجتماعات العمل لدفع الطرف الآخر على قبول مقترحاتك أو حثِّه على التحدث في نقاش جماعي.

في الختام، يجب عليك تعزيز شعور الراحة تجاه الصمت:

عندما تألف الصمت، ستتمكن من اتخاذ قرارات واعية بشأن تحدُّثك أو السماح للشخص الآخر بالكلام أولاً، ويمكن أن تتطور قدرتك على التعامل مع الصمت عبر الممارسة من خلال إمضاء الوقت في الطبيعة والقيادة من دون الاستماع للموسيقى والتأمل.

يدلُّ الصمت في حضور أحدهم على الثقة والتقارب العاطفي بينكما، كما أنَّ تنمية النزعة الفضولية تجاه العالم الخارجي والآخرين تسهم في تقليل تعرضك لمواقف الصمت المُحرج، كما قال الفيلسوف الصيني لاوتزه (Lao Tzu): "الصمت مصدر قوة".




مقالات مرتبطة