الصحافة الورقية وآفاقها المستقبلية

في ضوء التطورات السريعة في مجالات التكنولوجيا والاتصال والمعلومات، تُثار الكثير من التساؤلات حول ماهية الشكل المُتوقَّع لوسائل الاتصال في العالم عموماً، والصحافة الورقية خصوصاً، فما هو مستقبل الصحافة الورقية كونها من أقدم وسائل الاتصال الجماهيري، ولها أبعاد ثقافية وتكنولوجية واقتصادية في ظل منافسة التلفاز والصحافة الإلكترونية التي ظهرت على شبكة الإنترنت وقواعد البيانات؟



للإجابة عن هذا السؤال تابعوا معنا هذا المقال.

نشوء الصحافة وتطورها:

بالعودة إلى الكثير من المصادر والمراجع التي تبحث في تاريخ الصحافة، وجدنا أنَّ جذورها تمتد إلى القرن الرابع عشر؛ إذ أصبحت الأخبار تجارةً حقيقيةً في أوروبا إبان عصر النهضة، وعلى الرغم من ظهور المطبعة في أواسط القرن السادس عشر، ولكن مضت نحو ستة عقود قبل أن تصدر أول صحيفة، وهي صحيفة "غازيت" في "ستراسبورغ" في العام 1609.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت الصحافة مسيرتها التطورية ولكن بإيقاعٍ بطيءٍ وفي بعض المراحل ثابت، إلَّا أنَّ الصحافة الجماهيرية بالشكل الذي نعرفه اليوم لم تبدأ إلَّا في منتصف القرن التاسع عشر وهو عصر ظهور الاختراعات الكبرى مثل: آلة الطباعة الدورانية، وآلة صف الحروف، والهاتف، واللاسلكي.

فضلاً عن الأسباب السياسية والاجتماعية التي تمثلت بظهور عصر الإيديولوجيات في أوروبا وزيادة نسبة التعليم واتساع دائرة المشاركة الشعبية في العملية السياسية وما نتج عن ذلك من تنامي الحريات التي انعكست على الصحافة، وتأثيرها الجماهيري الواسع.

وإذا كانت الصحافة قد احتاجت إلى ثلاثة قرون - حسب المصادر - كي تتحول إلى وسيلة جماهيرية واسعة، فقد أسهمت في ذلك عوامل عدَّة وأهمها: سهولة التوزيع وأسعارها الرخيصة التي تتناسب مع المستويات الاجتماعية كلها، فإنَّ الفترة التي تلت ذلك، شهدت ازدهار الصحافة ونموها بشكل واسع النطاق، حتى غدت الصحيفة اليومية أو الأسبوعية جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للناس في شتى أنحاء العالم.

دون إغفال الفوارق التي تفرضها حقائق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والمهني ونسبة أعداد المتعلمين، إلَّا أنَّ الحقيقة التي لا نقاش فيها وهي أنَّ الصحافة عموماً قد أصبحت في النصف الثاني من القرن العشرين ظاهرة متصلة بحياة الناس، وانعكست آثارها على التقدم الاجتماعي والبناء الثقافي والتنمية الاقتصادية لشتى المجتمعات، وفي العالم العربي أدَّت الصحافة دوراً كبيراً في فترات النضال ضد أشكال الاستعمار المختلفة التي تعرَّضت إليها الدول العربية، وعلى وجه الخصوص؛ فترة الاحتلال الإنجليزي والفرنسي لكثير من الدول العربية مثل: مصر، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن.

وفي إحصاء أجرته اليونسكو في العام 1995 قدرَّت فيه أنَّ عدد الصحف في العالم يتجاوز 9300 صحيفة يومية، ويبلغ مجموع ما تطبعه من نسخ 119 مليون نسخة، وبمعدل عام هو 112 نسخة لكل ألف من السكان، غير أنَّ هذا المعدل يختلف من بلد إلى آخر، وتتحكم به عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية، وأهمها عوامل سياسية والدول العربية تُعَدُّ نموذجاً.

شاهد: 6 طرق للتواصل الذكي على السوشيال ميديا

التحديات التي تواجهها الصحافة الورقية:

كثيرة هي التحديات التي تواجه الصحافة الورقية، إلَّا أنَّها وعلى الرغم من هذه التحديات، تصمد وتُرسِّخ جذورها في كونها أكثر وسائل الاتصال الشعبية التي تتصف بالمصداقية.

يمكن إيجاز هذه التحديات بما يأتي:

  1. منذ نشأة وسائل الاتصال وحتى الآن يتسبب ظهور وسيلة اتصال جديدة في القضاء على وسيلة اتصال سابقة؛ بل وفي الغالب، نرى أنَّ الوسيلة الإعلامية الجديدة تستوعب الوسيلة الإعلامية القديمة وتُطوِّرها؛ ونتيجة هذا التفاعل بين الوسيلتين، تُتاح إمكانات متعددة للجمهور في الاتصال وتبادل المعلومات وانتشارها.
  2. نلاحظ وجود تشابه كبير بين وسائل الاتصال الحديثة التي أفرزتها تكنولوجيا الاتصال ووسائل الاتصال التقليدية، وهذا التشابه يفرض نوعاً من التفاعل بين الوسيلتين؛ الأمر الذي يؤدي إلى تأثيرات معيَّنة في وسائل الاتصال التقليدية، ومن ثم في الاتصال الإنساني، ومن أبرز سمات التكنولوجيا الاتصالية الراهنة: التفاعلية، اللاجماهيرية، واللاتزامنية، والقابلية الحركية، وقابلية التحويل، وقابلية التوصيل.
  3. إنَّ أيَّة وسيلة اتصال مستحدَثة في المجتمع، تمر بثلاث مراحل في التبني والاستخدام وهي: المرحلة النخبوية؛ إذ تُستخدم الوسيلة النخبة لأسبابٍ تتعلق بارتفاع نفقات الاستخدام والمهارات الأساسية المطلوبة للتشغيل، والمرحلة التخصصية؛ إذ تبدأ بالانتشار على مستوى الصفوة الاقتصادية أو التقنية أو تقتصر على قطاع معيَّن، وأخيراً المرحلة الجماهيرية؛ إذ تنتشر الوسيلة وسط قطاعات جماهيرية واسعة.
  4. إنَّ الصحافة الورقية تواجه تحديات خطيرة تتمثل في التحدي الاقتصادي وهو: "ارتفاع أسعار الورق والتجهيزات التكنولوجية اللازمة، وكثرة عدد العاملين فيها"، والتحدي البيئي: "الذي يدعو إليه أنصار الحفاظ على البيئة سواءً من خلال حماية الغابات والأشجار أم التخلُّص من التأثيرات البيئية السلبية لطباعة الصحف الورقية"، وأخيراً تحدي المصداقية والمنافسة الإعلامية والاتصالية.
  5. عادةً ما يلجأ الأفراد إلى استخدام الوسيلة الاتصالية الأشمل والأكثر جاذبية، وبأقل جهد ممكن وبأرخص تكلفة، وهنا تتفوق الصحافة الإلكترونية على الصحافة الورقية وإن كانت الأخيرة تشترط استخدام الحاسب الإلكتروني.
  6. على الرغم من هذه التحديات، فما تزال الصحافة الورقية ذات بريق خاص، وذات علاقة حميمة مع الأفراد لأسباب ثقافية وتاريخية.
  7. يتنبأ خبراء الصحافة والإعلام بالكثير من التطورات التي ستطرأ على صناعة الصحافة والجرائد التقليدية.

شاهد أيضاً: 7 خطوات للتخلص من إدمان وسائل التواصل الاجتماعي

مميزات الصحافة الإلكترونية:

قبل التطرُّق الى الفارق بين الصحيفة المطبوعة والصحيفة الإلكترونية، سنذكر ميزات الصحيفة الإلكترونية:

  1. سرعة الحصول على الأخبار العاجلة؛ إذ إنَّ كل حدث يُنشَر على الفور على الإنترنت بالصور والفيديوهات عند حدوثه؛ وهذا ما يدعم مصداقية الحدث.
  2. تداول الأحداث على شبكة الإنترنت بسرعة وبفروقات زمنية كبرى عن الصحافة الورقية التي تحتاج إلى أن ننتظرها إلى صباح اليوم التالي لمعرفة الأخبار.
  3. التفاعُل بين قارِئ الصحيفة الإلكترونية وكاتبها؛ إذ يلتقيان في الوقت نفسه على شبكة الإنترنت.
  4. خوَّلت الصحافة الإلكترونية القارِئ مشاركة رأيه وملاحظاته عن طريق التعليقات التي تُتيحها المنصة الإلكترونية.
  5. التكاليف المالية الباهظة لإنشاء صحيفة ورقية من تراخيص وإجراءات حكومية رسمية وتأمين مبنى خاص بها وأدوات وأجهزة طباعة، بالمقارنة مع الصحيفة الإلكترونية التي لا تُكلِّف شيئاً يُذكَر.
  6. الورق وارتفاع أسعاره يومياً والكميات الضخمة المحتاجة منه إلى صنع الصحف الورقية وطباعتها، بالمقارنة مع الصحف الإلكترونية التي لا تحتاج إلَّا إلى جهاز حاسوب وبرامج مكتبية واتصال بالإنترنت.
  7. في الصحف الورقية ينبغي على الكتَّاب والمحرِّرين والعمال أن يكونوا موجودين في مبنى الصحيفة والعمل معاً، بالمقارنة مع الصحف الإلكترونية التي تعمل بفريق عمل مُتفرِّق في أنحاء البلاد ومن بيوتهم.
إقرأ أيضاً: خصائص الإعلام الإلكتروني

مستقبل الصحافة الورقية: آراء وأفكار

تسير الصحافة الورقية مع الصحافة التلفزيونية جنباً إلى جنب، وغالباً ما تكون المادة الصحفية الورقية هي الأساس للمادة الصحفية التلفزيونية مثال صحف: "رویال لوجور" و"هيرالد تریبیون" و"لوموند".

أما بالنسبة إلى الصحافة الإلكترونية، فما تزال الصحافة الورقية متقدمة عليها وخاصة في الدول التي ما تزال فيها نسبة الأُميَّة مرتفعة، وهذا يعوق استخدام الأفراد للحواسيب مثل دول العالم الثالث، فما يزال الحاسب مُستَعمَلاً في أعمال متخصصة، واستخدامه مرتبط بصفوة المجتمع ونخبته.

يُتوقَّع أن تسير الصحافة الورقية مع الصحافة الإلكترونية المنشورة على شبكة الإنترنت وغيرها بشكلٍ متوازٍ مع تزايد في الاتجاه لاستفادة الصحافة المطبوعة الورقية من شبكة الإنترنت سواءً في عملية التحرير أم الاتصالات أم نشر الصحف الورقية على شكل ملخصات أو نسخ كاملة، ومن المُتوقَّع انتشار هذا في الدول التي تسير على طريق النمو، والتي يتزايد فيها استخدام الحواسيب وسط قطاعات النخبة وفي مجالات متخصصة.

يُتوقَّع - ولكن بشكل تدريجيٍ وبطيء - أن تقل الخدمات الصحفية الورقية ويزداد الاعتماد على الحاسوب الإلكتروني؛ وذلك في الاستفادة من الخدمات الإعلامية والإخبارية والمعلوماتية، التي تُقدَّم من خلال شبكات المعلومات وقواعد البيانات سواءً كانت تلك الخدمات المعلوماتية التي تقدمها شبكات المعلومات وقواعد البيانات أم من خلال نشر نسخ الجرائد والمجلات الإلكترونية التفاعلية الكاملة؛ وذلك وصولاً إلى ما يُطلَق عليه الجريدة الإلكترونية أو التفاعلية التي يختار منها الفرد محتوياتها بنفسه وبشكل يومي، بعد أن يكون قد حدد قائمة اهتماماته مع بداية اشتراكه في الخدمة.

وفي إطار ذلك، فمن المُتوقَّع - نتيجة التطورات الحالية في الحواسيب الإلكترونية وتكنولوجيا الاتصال وشبكات المعلومات وقواعد البيانات وفي مقدمتها شبكة الإنترنت - أن تأخذ الجرائد غير الورقية شكلاً آخر غير الشكل الحالي.

إقرأ أيضاً: شجعي طفلك على قراءة الصحف

في الختام:

يوجد بعض الأشخاص ممن يرون أنَّه لا يجب المقارنة بين الصحافة الورقية والإلكترونية؛ وذلك لأنَّ الصحافة الورقية تُعنى بالأخبار الدقيقة والتحرير والموثوقية، بالمقارنة مع الصحافة الإلكترونية التي تُعَدُّ بالنسبة إليهم نسخ نصوص وجمع معلومات في أغلب الأحيان غير دقيقة وجامدة وخالية من الإبداع.

بينما يرى غيرهم أنَّ الصحافة الإلكترونية تعزز وتكمل دور الصحافة الورقية، ولكنَّ التمويل والاهتمام أصبح ينصبُّ على الصحافة الإلكترونية بسبب التقدُّم والتطور الذي وصلت إليه البشرية؛ إذ أصبح كل شيءٍ متوفراً بكبسة زرٍ أو لمسة يد ولم يَعُد هناك داعٍ حسبما قالوا للكتب والصحف الورقية؛ فعن طريق الهاتف المحمول أو الحاسوب، أصبح يمكننا الحصول على جميع الكتب التي نريدها وقراءة أي خبر يهمنا ومع تفاصيل كثيرة مرفَقة بالصور والفيديوهات، دون الحاجة إلى انتظار الصحف الورقية اليومية.

يمكننا القول إنَّ الصحف الورقية أصبحت شيئاً عتيقاً لا يهتم به في هذا الزمن سوى الكبار الذين لم تُغسَل أدمغتهم وتُلوَّث بمظاهر الحضارة التي أصبح تفكير الناس فيها يعتمد فقط على ما يرونه من صور ومقاطع تجذبهم، ويرون أنَّ الحاجة إلى القراءة العميقة أصبحت من الماضي ومملة جداً، عالم أصبح أكبر شروره أن تكون مملاً.

المصادر: 1،2،3،4،5




مقالات مرتبطة