الصادات الحيوية: خطر يُهدِّد الوجود الإنساني

يُعدُّ الاستخدام العشوائي للصادات الحيوية مسألة مُثيرة للجدل في مجال الطب والزراعة؛ إذ يشير إلى استخدام هذه المركبات الكيميائية المضادة للميكروبات استخداماً غير منتظم وغير محسوب في المجالات المختلفة، ومع أنَّ الصادات الحيوية قد أثبتت فاعليتها في مكافحة العدوى البكتيرية والفطرية، فإنَّ استخدامها العشوائي ينطوي على تحديات عدة ومخاطر تؤثِّر في الصحة العامة والبيئة.



إنَّ الاستخدام العشوائي للصادات الحيوية يؤدي إلى ظهور مشكلة مقاومة الميكروبات؛ إذ يمكن أن تتكيف البكتيريا والفطريات المستهدفة بسرعة مع هذه المركبات وتطوير مقاومة ضدها، وبمرور الوقت يمكن أن تنتقل هذه المقاومة إلى الأنواع الأخرى من الكائنات الحية المستهدفة وقد تنتقل بين البشر، وهذا يُعرِّض العلاجات الحالية للأمراض العابرة للأجيال إلى الخطر.

الصادات الحيوية والبيئة:

يمكن أن يتسبَّب الاستخدام العشوائي للصادات الحيوية في تلوث البيئة والموارد المائية، فعندما تُطرح هذه المركبات في البيئة، فإنَّها تؤثِّر في التنوع البيولوجي وتلوث المياه الجوفية، وهذا يتسبَّب في انقراض الكائنات الحية والتأثير السلبي في النظم البيئية عامة.

إضافة إلى ذلك، يتسبَّب الاستخدام العشوائي للصادات الحيوية في تزايد تكاليف الرعاية الصحية.

ما هي الصادات الحيوية التي تُفاقم حب الشباب؟ 

توجد بعض الصادات الحيوية التي قد تزيد من حب الشباب أو تسبِّب تفاقمه لدى بعض الأشخاص، ويُظن أنَّ هذا الأمر يحدث نتيجة تأثير الصادات الحيوية في التوازن البكتيري في الجلد؛ إذ يمكن أن تؤثِّر في البكتيريا الضارة والجيدة معاً، وقد تُسبِّب بعض الصادات الحيوية زيادة إفراز الزهم وتهيج الجلد، وهذا يُسهم في تكوين حب الشباب أو تفاقمه.

فيما يأتي بعض الصادات الحيوية التي يُشتبه في تأثيرها في حب الشباب:

  • تتراسيكلين (Tetracycline): قد تُعطى تتراسيكلين بصفتها علاجاً لحب الشباب، لكن في بعض الحالات يمكن أن تزيد من تفاقم الحبوب والاحمرار في البشرة.
  • إيزوتريتينوين (Isotretinoin): يُستخدم إيزوتريتينوين لعلاج حب الشباب الشديد والمُعقد، ومع ذلك فإنَّه قد يُسبِّب تفاقماً مؤقتاً للأعراض في بداية العلاج، قبل أن يحدث تحسُّناً ملحوظاً في الحالة.
  • إريثرومايسين (Erythromycin): تُعدُّ إريثرومايسين صادة حيوية تُستخدم لعلاج حب الشباب، لكن في بعض الحالات قد تتسبَّب في تفاقم حب الشباب بسبب تأثيرها العكسي في التوازن البكتيري في الجلد.

يجب أن يقرر الطبيب المُعالِج أي الصادات الحيوية المناسبة لاستخدامها في حالة حب الشباب وفقاً لتقييمه الحالة الفردية لكل مريض، وقد يختلف التأثير من شخص إلى آخر؛ ومن ثَمَّ يجب عدم تناول أي صادة حيوية دون استشارة الطبيب المختص. 

المضادات الحيوية والدماغ علاقة مُعقدة:

يمكن أن يكون للمضادات الحيوية علاقة مُعقدة مع الدماغ، فيمكن للمضادات الحيوية أن تقضي على ميكروبات الأمعاء، والتي يمكن أن تؤثِّر في الحالة المزاجية والإدراك، ويمكن أن تؤثِّر الجراثيم المُعدَّلة في الدماغ عبر محور الأمعاء والدماغ، ويمكن للمضادات الحيوية أن تقتل البكتيريا التي تُنتج الناقلات العصبية مثل GABA والدوبامين والسيروتونين، والتي قد تؤثِّر في الإدراك والمزاج. 

هل يمكن للمضادات الحيوية أن تُسبِّب الهذيان؟ 

قد يؤدي إعطاء المضادات الحيوية في أثناء الطفولة إلى خطر قتل البكتيريا اللازمة لنمو الجراثيم السليمة، والتي يمكن أن تُسبِّب ردود فعل غير طبيعية، وقد وجدت إحدى الدراسات أنَّ المضادات الحيوية قد تكون مرتبطة باضطراب خطير في وظائف المخ، وقد تُسبِّب الهذيان ومشكلات أخرى في الدماغ أكثر ممَّا ظُنَّ سابقاً. 

لقد راجعت دراسة حديثة التقارير العلمية المتاحة جميعها ووجدت تقارير حالة عن 391 مريض، طوال سبعة عقود أُعطوا المضادات الحيوية ثم أُصيبوا بالهذيان ومشكلات دماغية أخرى، واستُخدم ما مجموعه 54 مضاداً حيوياً مختلفاً من 12 فئة مختلفة من المضادات الحيوية، ويجب عَدُّ هذه المُضادات الحيوية سبباً مُحتملاً على الرَّغم من وجود حاجة إلى مزيد من البحث.

ما هي العلاقة بين استخدام المُضادات الحيوية والاضطرابات النفسية؟ 

يمكن أن تُسبِّب المُضادات الحيوية أحداثاً مناقضة عصبية ونفسية، والتي يمكن أن تعقِّد علاج العدوى في المرضى الذين يعانون اضطراباً نفسياً موجوداً مُسبقاً. 

من المعروف أنَّ المضادات الحيوية تؤدي في بعض الأحيان إلى آثار جانبية نفسية، وأبرزها الاكتئاب والقلق، وتشتهر بعض المضادات الحيوية مثل الفلوروكينولونات بتأثيرها في الجهاز العصبي المركزي. 

إنَّ الأشخاص الذين يعانون اضطرابات عقلية خطيرة وفقاً لبحث جديد باستخدام السجلات الطبية، والذين نُقلوا إلى المستشفى بسبب الهوس هم أكثر عُرضة لتناول المُضادات الحيوية لعلاج الالتهابات النشِطة مقارنة بمجموعة من الأشخاص غير المصابين باضطراب عقلي

مع أنَّ الباحثين في الدراسة يحذرون من أنَّ النتائج التي توصلوا إليها لا تُثبت أنَّ المُضادات الحيوية تُسبِّب الهوس أو الاضطرابات العقلية الأخرى، فإنَّهم يقترحون أنَّ الجهاز المناعي للجسم، وما يُسمى بمحور الأمعاء والدماغ، والميكروبيوم البكتيري المعين، يؤدي كل شخص دوراً أساسياً فيه، ومد وجذر الأعراض النفسية والاضطرابات النفسية، ومن ذلك الاضطراب ثنائي القطب والفصام. 

يحتاج الأمر إلى مزيد من البحث؛ لكنَّ الدراسة تشير إلى أنَّنا إذا استطعنا منع العدوى وتقليل العلاج بالمضادات الحيوية لدى الأشخاص المُصابين بأمراض عقلية، فقد نستطيع منع حدوث نوبات الهوس.

ما هو خطر الصادات الحيوية؟ 

مع أنَّ المُضادات الحيوية هي أدوات طبية قيِّمة مُستخدمة لعلاج الالتهابات البكتيرية؛ فإنَّها لا تخلو من المخاطر والأخطار المُحتملة، وتتضمن بعض المخاطر الرئيسة المُرتبطة بالمُضادات الحيوية ما يأتي:

1. مقاومة المُضادات الحيوية:

من أهم المخاوف المُتعلقة بالمُضادات الحيوية تطوير مقاومة المُضادات الحيوية؛ إذ تمتلك البكتيريا القدرة على التكيف ومقاومة الأدوية المُصمَّمة لقتلها، ويمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام المُضادات الحيوية وإساءة استخدامها، مثل عدم إكمال دورة العلاج الكاملة أو استخدامها للعدوى الفيروسية، إلى ظهور البكتيريا المُقاومة للأدوية، وهذا يمكن أن يجعل المُضادات الحيوية التي كانت فاعلة سابقاً غير فاعلة، وهذا يجعل علاج العدوى أكثر صعوبة ويُشكِّل تهديداً خطيراً للصحة العالمية.

إقرأ أيضاً: حبة دواء قد تلحق بك أضراراً ليست بالحسبان

2. اضطراب ميكروبيوتا الأمعاء:

لا تستهدف المُضادات الحيوية البكتيريا الضارة فحسب؛ بل تؤثِّر أيضاً في البكتيريا المُفيدة في أمعائنا، والمعروفة باسم "ميكروبيوتا الأمعاء"، ويمكن أن يؤدي هذا الاضطراب إلى خلل في فلورا الأمعاء، وهذا قد يتسبَّب في مشكلات في الجهاز الهضمي مثل الإسهال والانتفاخ وحتى الاضطرابات طويلة الأمد في جهاز المناعة وجهاز التمثيل الغذائي.

هل تؤثِّر المُضادات الحيوية في الدم؟ 

يمكن لبعض المُضادات الحيوية أن تُسبِّب تغيرات في الدم، مثل قلة الصُّفيحات وهو مستوى منخفض من الصفائح الدموية، ويمكن أن يُسبِّب النزيف والكدمات وتباطؤ تخثر الدم، ويمكن أن تُسبِّب المُضادات الحيوية أحداثاً مناقضة عصبية نفسية، والتي يمكن أن تُعقِّد علاج العدوى في المرضى الذين يعانون اضطراباً نفسياً موجوداً مُسبقاً. 

تُعدُّ المراقبة والكشف المُبكِّر ووقف العامل المُسيء أمراً ضرورياً للمُضادات الحيوية التي لديها القدرة على إحداث آثار عصبية نفسية. 

من الهام تخصيص استخدام المضادات الحيوية لكل عملية مُعدية للمساعدة على تجنُّب هذه المضاعفات العصبية والنفسية المُحتملة، وتشتهر بعض المُضادات الحيوية مثل الفلوروكينولونات بتسبُّبها في أحداث عكسية عصبية ونفسية. 

ما هي التأثيرات الجانبية للصادات الحيوية؟ 

تُستخدم الصادات الحيوية على نطاق واسع في مجال الطب والعلاج، لكن قد يكون لها تأثيرات جانبية هامة، وإليك بعض التأثيرات الجانبية الشائعة للاستخدام طويل الأمد للصادات الحيوية:

1. مُقاومَة الميكروبات:

تُعدُّ مُقاومَة الميكروبات ظاهرة خطيرة نتيجة للاستخدام الزائد وسوء استخدام الصادات الحيوية، وتؤدي الميكروبات المُقاوِمة إلى تقليل فاعلية الصادات الحيوية وزيادة صعوبة علاج العدوى، وهذا يزيد من مستوى المرض والمعاناة للمرضى.

2. تأثيرات في الجهاز الهضمي:

قد يسبِّب الاستخدام المُطوَّل للصادات الحيوية التهابات في الجهاز الهضمي، مثل التهاب القولون التناسلي والتهاب القولون الناجم عن "الكلوستريديوم ديفيسيل" (C. difficile)، وهذه الالتهابات يمكن أن تكون خطيرة وتُسبِّب أعراضاً مثل الإسهال الشديد والألم البطني.

إقرأ أيضاً: 6 إرشادات تقيّد بها عند التعرّض للإسهال

3. حساسية فرط التحسُّس وتفاعلاته:

يمكن للصادات الحيوية أن تُسبِّب تفاعلات فرط التحسس لدى بعض الأشخاص، وقد تظهر أعراض مثل طفح جلدي، وحكة وتورم وضيق في التنفس، وفي حالة وجود تفاعل فرط التحسس، يجب التوقف عن استخدام الصادات الحيوية واستشارة الطبيب على الفور.

4. تأثيرات في الفطريات الطبيعية في الجسم:

تؤثِّر الصادات الحيوية في البكتيريا الضرورية للحفاظ على توازن الفطريات الطبيعية في الجسم، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة نمو الفطريات الضارة مثل العدوى الفطرية في المهبل وعدوى البروستات والتهابات الفم.

5. تأثيرات في الكائنات الحية الأخرى:

يؤثِّر الاستخدام العشوائي للصادات الحيوية في التنوع البيولوجي والكائنات الحية الأخرى في البيئة، ويمكن أن تنتقل هذه المركبات إلى المياه السطحية والتربة وتؤثِّر في الكائنات الحية الأخرى مثل النباتات والحيوانات والحشرات، وهذا يؤدي إلى اضطرابات في النظم البيئية وانقراض الأنواع.

6. تأثيرات في الجهاز العصبي:

قد تؤثِّر بعض الصادات الحيوية في الجهاز العصبي وتسبِّب آثاراً جانبية مثل الصداع والدوخة والتشنجات والاضطرابات العصبية الأخرى، وقد يكون للصادات الحيوية تأثير في وظائف الدماغ وتأثير في النشاط العقلي والمزاج.

7. تأثيرات في الكبد:

بعض الصادات الحيوية قد تُسبِّب تلفاً في الكبد وتؤثِّر في وظائفه، وقد يتطوَّر التسمُّم الكبدي بوصفه نتيجة للاستخدام المُفرط للصادات الحيوية، ويتميز بأعراض مثل ألم البطن العُلْوي والغثيان والقيء وارتفاع إنزيمات الكبد وتغيرات في صفائح الدم.

إقرأ أيضاً: 4 معلومات هامة عن المضادات الحيوية

في الختام:

هذه بعض التأثيرات الجانبية شائعة للاستخدام العشوائي والزائد للصادات الحيوية؛ لذا من الضروري أن تُستخدم الصادات الحيوية استخداماً صحيحاً وفقاً لتوجيهات الطبيب المُعالِج، ويجب تجنُّب الاستخدام العشوائي والزائد الذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية وتفاقم مشكلة مُقاومة الميكروبات.




مقالات مرتبطة