الشخصية الانهزامية: تعريفها، وسماتها، وأسبابها، وطرق علاجها

يتبنَّى الأفكار السلبية والمشاعر المُحبِطة، ولا يستطيع أن يرى الخير في أي أمر مقبل عليه، ويتوَّقع السلبية دوماً، ويشك دوماً بنوايا الآخرين، ولا يفترض حسن النية على الإطلاق، ويحترف استفزاز الآخرين وإخراج أسوء ما لديهم من صفات، ومن ثمَّ يتقمص دور الضحية ويجعل من الآخرين أشراراً وشياطين.



إنَّه بارع في قلب الحقائق وإلقاء اللائمة على الآخر هرباً من مواجهة أخطائه وهفواته ونقاط ضعفه، إذ يحولُ انعدام ثقته بذاته واضطراب شخصيته ومشاعره بينه وبين الحياة، ولا يستطيع بناء علاقة صداقة حقيقية معها؛ فبدلاً من أن يفتح قلبه وعقله للعالم الحقيقي وأشخاصه، يهرع إلى منصات العالم الافتراضي لكي يعبِّر عن ذاته ومشاعره من وراء شاشة هاتفه، هارباً من مسؤولية وأهمية التعبير أمام الناس والمجتمع.

ينفُرُ الآخرون منه بسبب شكواه وتشكيكه الدائمَين في صدق مشاعرهم تجاهه؛ فهو لا يأخذ بالأسباب المتاحة أمامه، بل يداوم على تصوراته السلبية عن المستقبل، ولا يُقدِم على أي خطوة في حياته بحجة أنَّه ما من شيء يدعو إلى التفاؤل.

دائم التركيز على نصف الكوب الفارغ، ولا يعير أيَّ انتباه إلى الجزء الملآن منه؛ فرغم وجود مئات النعم في حياته، إلَّا أنَّه يبقى متشائماً ومُحبَطاً وشاكياً، جالباً عدم الاستقرار إلى المحيطين به؛ فبدلاً من أن يكون الأب الواثق والمعطاء وقوي الشخصية، والمتفائل في الحياة وفي الأشخاص، والآخذ بكل الأسباب المتاحة أمامه، والمسلِّم ما لا يستطيع تغييره إلى اللَّه، والطامح دوماً إلى الأفضل، والمُذلِّل لكل التحديات أمامه؛ يميل الشخص الانهزامي إلى تعطيل مَلَكات عقله، والتقليل من شأن قدراته، والتشكيك الدائم في الغد والناس؛ ممَّا يجعل واقعه وواقع من حوله من أطفال وزوجة أسوداً.

ما هي الشخصية الانهزامية؟

اضطراب في الشخصية، حيث تتبنَّى الشخصية الانهزامية أسلوب حياة قائم على التشاؤم والسلبية وسوء الظن وضعف الإرادة؛ فهي تميل إلى السوداوية في كل شيء تُقدِم عليه، وترفض أن ترى آفاق الحياة الأخرى، وتفشل في الإحساس بنعم الحياة وبما تملكه من قدرات ومَلَكات، ويسيطر عليها إحساس العجز والهزيمة في كل مناحي الحياة.

لا تمتلك الشخصية الانهزامية الثقة بنفسها، وتُقلِّل من شأن ذاتها، وتجلدها باستمرار؛ الأمر الذي يعيقها عن التقدم في الحياة.

عادةً ما تُكثِر هذه الشخصية من الكلام والشكوى والانتقاد، ولا تأخذ أي خطوة جدية نحو التغيير والتطوير، وتصب جام فشلها على الظروف والأشخاص، ولا تقوى على مواجهة أخطائها وتقبُّلها والبدء من جديد بداية قوية واثقة وصادقة.

إقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على الإصابة باضطرابات الشخصيّة

صفات الشخصية الانهزامية:

1. توقُّع الشر:

تميل الشخصية الانهزامية إلى توقُّع الشر في كل أمر تُقدِم عليه في الحياة؛ فهي لا تقوم بأي خطوة في حياتها لأنَّها تفترض الفشل مسبقاً، وتكون دائمة التركيز على السلبيات، ولا تعترف بوجود جانب آخر مشرق لكل أمر في الحياة.

2. عدم الثقة بالنفس:

تنظر الشخصية الانهزامية نظرة انتقاص إلى ذاتها وقدراتها، وتقلِّل من قيمة نفسها؛ الأمر الذي ينعكس سلباً على تعاطيها مع الحياة والأشخاص؛ فهي تخشى التعبير عن ذاتها بكل صراحة ووضوح وجرأة، وتفضِّل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على التواصل الحقيقي مع الآخرين.

3. الشكوى الدائمة:

تنزع الشخصية الانهزامية إلى الشكوى الدائمة؛ فهي تتلذذ بتقمص دور الضحية والشخص العاجز، وتعشق نظرات الشفقة المرتسمة على وجوه الآخرين؛ فهي تمتلك مفهوماً مشوهاً للاحترام، وتجد أنَّ احترافها لدور المغلوب على أمره سيُكسِبها رضا الناس واحترامهم لها.

4. الاستفزاز:

تستفز الشخصية الانهزامية الآخرين، وتُخرِج أسوأ ما لديهم من صفات، طمعاً في التأكد من حبهم لها وصبرهم عليها؛ فهي دائمة التشكيك في نوايا الآخرين نحوها، وينبع شكها فيهم من ثقتها المهزوزة بنفسها؛ فهي لا تحترم نفسها من الداخل، وتجد أنَّها لا تستحق معاملة صادقة وآمنة.

بعد أن تنجح الشخصية الانهزامية في استفزاز الآخرين، تتهمهم بعدم اهتمامهم بها، وتجريحهم القاسي لها؛ وذلك بهدف إشعارهم بتأنيب الضمير والشفقة عليها؛ كما قد تُظهِر في مراحل متطورة من المرض النفسي رغبة عارمة في الإحساس بالمهانة والذل، بحيث تجدها تميل إلى خلق المشكلات مع الآخرين لإشباع رغبتها في سماع الشتائم والسُباب والألفاظ النابية.

5. قلة الإنجاز:

تلتزم الشخصية الانهزامية بسياسة "الكلام الكثير والفعل القليل"؛ فهي محترفة في إلقاء اللائمة على الظروف والأشخاص، ولا تُبادِر إلى القيام بأي خطوة إيجابية من شأنها أن تغيِّر واقعها، ولا تعترف بسياسة "الأخذ بالأسباب وتسليم ما تبقَّى إلى اللَّه"؛ بل إنَّها شخصية ضعيفة من الداخل لا تمتلك جرأة الاعتراف بأخطائها وتقبُّلها والسعي إلى تجاوزها.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن الشخصيات في علم النفس

أسباب تكون الشخصية الانهزامية:

1. التسلط الأسري:

عندما يتعرَّض الطفل إلى تسلط كبير من أحد أبويه، يزداد احتمال إصابته باضطراب الشخصية الانهزامية، حيث إنَّ أنواعاً معينة من الممارسات، مثل السيطرة التامة على الطفل، وكبح جماح شخصيته، وتعطيل قدرته على التعبير والتحليل، وكسر حريته وحقه الطبيعي في رفض أو قبول أي أمر في حياته، والتحكم الجائر في مجرى حياته وقراراته دون اتباع سياسة الإقناع، تخلق طفلاً مهزوز الثقة، ومشوَّه الداخل، وضعيف الإرادة، ومشلول الإدراك؛ فتختلط عليه الأمور، ويخلق تصوراً خاطئاً بأنَّ تقمصه لدور المظلوم يكسبه رضا الناس ويحميه من جورهم ومكرهم؛ فهو يُسقِط شكل التعامل المشوه بينه وبين أبويه على كل علاقاته الاجتماعية.

2. الأفق المحدود:

تؤدِّي النظرة المحدودة للمستقبل، وتبنِّي سياسة "الخيار الوحيد" إلى الإصابة باضطراب الشخصية الانهزامية؛ فعندما يعتقد الإنسان أنَّ خيارات الحياة محدودة وفرصها قليلة جداً، تنخفض عزيمته، ويتحوَّل إلى إنسان روتيني وتقليدي وتابع أعمى للظروف والموروثات السلبية المعرقلة.

من جهة أخرى، يُعطِي الانفتاح على الحياة ومساراتها نظرة أكثر شمولية عن الحياة، وإدراكاً وتفاؤلاً وثقة أكبر بالذات، ووعياً بأنَّ الحياة ملأى بالفرص والخيارات، وإرادة للسعي وإثبات الذات.

3. البعد عن اللَّه تعالى:

يُؤدِّي عدم تبني سياسة "الأخذ بالأسباب، وعيش اللحظة" إلى الإصابة باضطراب الشخصية الانهزامية، فالمؤمن الحقيقي هو مَن يعي أهمية السعي في الحياة وفقاً للإمكانات المتاحة لديه، ويُسلِّم باقي الأمور التي لا يستطيع تغييرها إلى اللّه، ويثق ثقة تامة أنَّ اللَّه معه ويدعمه دوماً؛ وبالإضافة إلى ذلك، يُدرِك أنَّ الماضي انتهى والمستقبل لم يأتِ بعد، فيعيش لحظته بكامل استمتاعه وقوته وتفاؤله.

الشخص الانهزامي شخص غير ناضج، وغير واعٍ لرحلة الحياة وتحدياتها وما تتطلَّبه من صبر وإيمان وسعي؛ فتجده دائم الشكوى والتذمر والرفض، ولا يثق بالغد ولا بالآخر.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتقوِّي صلتك بالله سبحانه وتعالى

علاج الشخصية الانهزامية:

  1. تكمن أول خطوة في علاج الشخصية الانهزامية في اعتراف الشخص بما يعانيه من اضطراب، ورغبته الصادقة في التخلص منه.
  2. التدرب على مواجهة المخاوف بدلاً من الهروب منها، فعلى الطبيب النفسي مساعدة الشخص الانهزامي على البوح بتجربة طفولته القاسية وما يعانيه من مخاوف وأفكار سلبية؛ حيث يبدأ بهذا تعبيره عن ذاته الظهور من جديد، وتزداد ثقته بنفسه وبالآخرين.
  3. على الشخص الانهزامي التفكر أكثر في خلق الكون والهدف الأساسي من وجودنا على الأرض، وفي أوامر اللَّه؛ وإدراك حقيقة أنَّ السعي هو الرسالة الأسمى في الحياة، بحيث يأخذ الإنسان بكل الأسباب المتاحة أمامه، ويثق أنَّ الآتي أفضل وأكثر بركة، ويعيش لحظته بمتعة دون ندم على الماضي أو خوف من المستقبل.
  4. على الشخص الانهزامي أن يتعلم حب ذاته، فلن يستطيع أن يحب أي شيء على وجه الأرض إن لم يعشق ذاته ويحترمها؛ ويبدأ ذلك من اكتشاف نقاط قوته والعمل على تطويرها، والبحث عن نقاط ضعفه والعمل على إدارتها لتصبح في صالحه.
  5. على الشخص الانهزامي أن يُغيِّر بوصلة تركيزه؛ فبدلاً من التركيز على السلبيات، عليه إدراك النصف الملآن من الكأس، والاحتفاء به، والعمل على تعزيزه؛ إذ إنَّنا نحصل دائماً على ما نركِّز عليه.
  6. على الشخص الانهزامي السعي إلى بناء علاقات حقيقية وراقية مع أناس حقيقيين، والابتعاد عن العالم الافتراضي، والعمل على التعبير الحر والواعي عن ذاته بين الناس، والابتعاد عن استفزازهم، والثقة من جديد بذاته ومهاراته، وبالآخرين وقدرتهم على احتوائه.

الخلاصة:

تعدُّ عملية تطور الإنسان الروحية والنفسية والفكرية عملية تراكمية؛ لذلك اسعَ إلى الخطو خطوة يومياً في طريق الارتقاء بذاتك والتطور والسعي إلى الأفضل؛ إذ تنشأ الهزيمة النفسية من عدم وعيك بقدسية "السعي"، والذي يمثل بدوره الهدف الأسمى من وجودنا وحياتنا.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة