السيطرة على الأفكار

لقد استيقظتَ للتوِّ وأول فكرة خطرت في بالك هو أنَّك تشعر بالاكتئاب، مباشرةً، يتفاعل جسمك مع عقلك وتشعر بالاكتئاب على الفور، وتجد نفسك في حالة كسل وخمول في بداية يومك؛ إذ ترهقك الأفكار المحزَّنة المتعلِّقة بالفشل وخيبة الأمل والخسارة والموت وأي شيء آخر يزيد من حزنك، ثمَّ تتساءل هل يمكنك مواجهة هذا اليوم؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "مول أوريار" (MALL ORYAR)، وتحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في القدرة على السيطرة على الأفكار.

إليك سيناريو آخر، أنت تقضي يوماً رائعاً، وفجأةً تخطر في بالك فكرة تثير قلقك جداً، على سبيل المثال: "ماذا لو مرض طفلي"، أو "ماذا لو فقدت وظيفتي"، أو "ماذا لو أصبت بمرض خطير لا سمح الله"، وما إلى ذلك؛ إذ تسمَّى هذه الأفكار بمتلازمة "ماذا لو"، وجميعنا ضحايا هذه الأفكار من وقت لآخر، فسرعان ما يتزايد معدل ضربات قلبك إلى أعلى مستوى، وتفكِّر في أمور لم تحدث من قبل وقد لا تحدث أبداً.

العلاقة بين الاكتئاب والتفكير السلبي:

في حين تعذِّبك هذه الأفكار، تقع في براثن التفكير السلبي، فشعورك بالغضب والحزن والخوف أو أي عاطفة سلبية أخرى تؤثر في طريقة تفكيرك، ولكن كيف تتخلص من هذه الأفكار؟ وكيف تمنعهم من السيطرة على عقلك؟

ربما درَّبت عقلك على العيش في حالة مستمرة من الاضطراب، وربما تقبَّلت طريقة التفكير السلبية تلك، مقتنعاً بأنَّها نتاج الأمراض النفسية وعوامل التوتر والبيئة ومشكلات الحياة، وما إلى ذلك، لقد أقنعتَ نفسك أنَّك وُلدت غير محظوظ وأنَّ الحياة ليست لك، وربما تتناول حبوباً للاكتئاب والقلق فقط لتدرك أنَّك ما زلت مكتئباً وقلقاً.

سأناقش في هذا المقال بعض الاستراتيجيات التي استخدمتها والتي يمكن أن تساعد على التغلب على الأفكار التي ترهق الدماغ، ممَّا يؤدي إلى الشعور بالرضى والسعادة بصرف النظر عن الظروف.

إقرأ أيضاً: التفكير السلبي: أسبابه وطرق التخلص منه

نبذة عن حياتي:

قبل أن أتعمَّق في الاستراتيجيات التي استخدمتها لمساعدتي على التحكم بأفكاري السلبية، سأقدِّم لكم نبذة عن حياتي، أنا أميل إلى التأثر أكثر بشخص عانى من بعض أحداث الحياة الصادمة، وعانى من الصعوبات، وواجه تحديات صعبة جداً، لكنَّه مع ذلك تعلَّم طريقة العيش بحالة ذهنية سعيدة، فأنا أجد صعوبة في الإصغاء إلى نصائح الآخرين عندما أعلم أنَّهم لم يواجهوا حياةً صعبةً؛ وأول ما يخطر في بالي هو أنَّه من السهل أن يكونوا سعداء، ولن يفهموا ما أعيشه، فإذا شعرت بهذه الطريقة عند تلقي أي نصيحة من أحدهم، فأنا أنصحك بمواصلة القراءة.

لستُ غريبةً على مشاعر الألم، فقد نشأت في بيئة فقيرة نوعاً ما؛ إذ تركتْ والدتي والدي عندما كنتُ في سن السابعة، ومنذ ذلك الحين، كانت والدتي تبذل قصارى جهدها لإعالتنا؛ لذا تزوجت بعد ذلك مرتين، كان وجود الطعام في المنزل أمراً صعباً، وقد كانت والدتي مكتئبة دائماً، فقد كانت تنام عندما لا تعمل، وكانت تتناول كثيراً من الأدوية المختلفة، كما لم تكن عطلات نهاية الأسبوع مع والدي ممتعةً أيضاً، ومع انتقالي إلى مرحلة البلوغ، انتهى بي الأمر أيضاً في علاقة مؤذية، وتزوجت ورُزِقت بطفلة، وتعرضت للخداع، ورُزِقت بطفل آخر مات وهو في عمر أربعة أشهر بسبب ضعف في القلب، ثمَّ تطلقت وبقيت عزباء لمدة أربع سنوات.

كانت هذه أسعد سنوات حياتي؛ إذ مارست الرياضة، وتناولت طعاماً صحياً، وكان لديَّ منزلي الخاص بي، ولم أحصل على أي نوع من المساعدة، وكنت أقضي وقتي الإضافي مع ابنتي، وبعد أربع سنوات من كوني عزباء، كنت أرغب حقاً في تكوين أسرة مرةً أخرى، وذات يوم قابلت رجلاً وتزوجنا وحاولنا إنجاح زواجنا، ولكن بعد أربع سنوات انتهى هذا الزواج، وقبل عام من انتهائه، عُثِر على والدتي ميتة في شقتها، بسبب جرعة زائدة من المخدرات أخذتها عن طريق الخطأ، ولن نعرف أبداً مدى صحة ذلك.

يوجد كثير من التفاصيل والمعاناة التي تحملتها، ولو أردت التحدث عنها كلها سأحتاج إلى تأليف كتاب، أنا أعرف أشخاصاً مروا بظروف أقل صعوبة من ظروفي في الحياة، لكنَّهم يعانون من الاكتئاب، أو يفكرون بطريقة سلبية طوال الوقت، وأسأل نفسي دائماً: "كيف يتغلب بعض الناس على ظروف شديدة الصعوبة، في حين يفشل الآخرون في تجاوز ظروف أقل شدة بكثير؟"، إنَّ رغبتي في التعمق بالدماغ البشري هي ما دفعتني إلى عيش حياة من الحرية والتفكير بإيجابية، الآن يمكننا مناقشة بعض استراتيجياتي.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من الأفكار السوداوية بشكل نهائي؟

استراتيجيات التحكم في الأفكار السلبية:

بمجرد أن أدركتُ أنَّني لا يجب عليَّ انتظار حدوث الأشياء لي في الحياة، وإنَّما لديَّ القدرة على السيطرة على حياتي وما فيها، تغيَّر في نظري كل شيء، وقررت أنَّني لن أضيع دقيقةً أخرى من يوم آخر في الشفقة على الذات، وكل هذه المشاعر السلبية لمجرد أنَّني كنت أظنُّ أنَّ الحياة لن تسير كما أريد، فبصرف النظر عن الظروف التي تواجهك في حياتك، فيمكنك دائماً التحكم بطريقة استجابتك لها؛ إذ ستحدث الأمور الجيدة والسيئة في الحياة، وستواجه كثيراً من المعاناة، لكن يمكنك اختيار العيش في حالة جيدة مهما حدث.

لا يجب أن تدع الأفكار تسيطر عليك، فبعد أن أستيقظ كل يوم، أتابع مقطعاً محفزاً للعقل على موقع "يوتيوب" (YouTube)، والشخص المفضل لدي للاستماع إليه هو المتحدث "توني روبينز" (Tony Robbins)، والسبب الذي يدفعني للقيام بذلك؛ هو أنَّني أبدأ في ملء عقلي بالطاقة والأفكار الإيجابية قبل أن تُتاح الفرصة للأفكار السلبية بالسيطرة، فكلما أجَّلت التفكير بطريقة إيجابية، كان من الأسهل لعقلك أن يبدأ في التفكير بكل الأمور السلبية؛ لذلك يجب عليك أن تدرك أنَّ لديك القدرة على التحكم بعقلك؛ إذ يمكنك السيطرة على عقلك وجعله يعمل لمصلحتك.

ابدأ في التشكيك بكل ما تفكِّر فيه، على سبيل المثال، عندما يكون لديَّ فكرة سلبية مثل "أتمنى ألا أضطر إلى الاستيقاظ مبكراً"، أبدأ في التساؤل عن سبب تفكيري بهذه الطريقة، أبدأ في طرح أسئلة مثل: "ما هي إيجابيات الاستيقاظ مبكراً جداً؟"، أو "ما هي قيمة الاستيقاظ مبكراً؟"، أو "كيف يمكنني رؤية وضعي بصورة مختلفة؟".

بمجرد أن تبدأ في طرح الأسئلة وتتحدى أفكارك، فإنَّها ستتغيَّر، سيبحث عقلك على الفور عن إجابات لتلك الأسئلة، وقد تجد نفسك بعد ذلك تجيب عن هذه الأسئلة بقول أشياء، مثل: "على الأقل لدي وظيفة أستيقظ من أجلها"، أو "أفضِّل الاستيقاظ مبكراً بصحة جيدة ولا أعاني من أي شيء بدلاً من الاستيقاظ مبكراً في حالة شلل أو شيء أسوأ لا سمح الله"، أو "الاستيقاظ مبكراً ليس أمراً سيئاً؛ لأنَّه يمنحني فرصة إنجاز الأمور في وقت مبكر والتمتع ببقية يومي والاسترخاء".

إقرأ أيضاً: كيف تتحكم بأفكارك وتصبح سيد عقلك؟

مباشرةً، سيبدأ عقلك في الانتقال إلى حالة أكثر إيجابيةً بدلاً من الحالة السلبية، قد يكون من الصعب تكوين هذه العادة في البداية، لكن إذا واصلت ممارستها مراراً وتكراراً، فستدرِّب عقلك على فعل ذلك تلقائياً.

يوجد كثير من الطرائق المختلفة التي يمكن استخدامها لتحسين طريقة تفكيرك، والأمثلة التي ذكرتها أعلاه ليست سوى شيء بسيط، إذا بدأت بتنفيذ الخطوتين الأوليين اللتين ذكرتهما آنفاً، فستبدأ في ملاحظة حالة تحسُّن في مزاجك، ولا يحدث أي أمر بسرعة، ولكن مع التفاني والمثابرة ستتحسَّن طريقة تفكيرك مع مرور الوقت.

في الختام:

ما دمتُ قادرةً على تغيير طريقة تفكيري بصورة كبيرة، فأي شخص يمكنه القيام بذلك، كن قوياً وملتزماً، وعش حياتك واضحك، وتقدَّم نحو الأمام، إذا كنت لا تتطور، فأنت لا تعيش حياتك بصورة صحيحة؛ لذا حاول أنت تتجاوز حدودك فلا شيء مستحيل.




مقالات مرتبطة