السكري عند الأطفال: الأسباب والأعراض وطرق الوقاية

اكتشاف إصابة أحد أطفال العائلة بالسكري سيكون خبراً سيئاً جداً وينزل كالصاعقة فوق رؤوس أفراد الأسرة، لكن هل فعلاً مرض السكري بحجم ما يُحاك عنه من أقاويل؟ وهل التعامل معه سيكون صعباً لهذه الدرجة؟



مما لا شك فيه أنَّ مرض السكري ليس كغيره من الأمراض، فهو مرض يرافق الإنسان لبقية حياته. إنَّ الإصابة به في الطفولة ستُشكِّل عبئاً نفسياً على الطفل نفسه أولاً، فهو سيشعر أنَّه مختلف عن بقية الأطفال لضرورة؛ وذلك التزامه بمجموعة من التوصيات والقواعد التي عليه اتباعها، وسيكون الأهل مجبرين على بذل المزيد من الجهد للعناية بأطفالهم المصابين بالسكري وإقناعهم بضرورة الابتعاد عن تناول الحلويات الذي يُعَدُّ تناولها جزءاً من سلوكات الأطفال المنتشرة حول العالم، وهذا حقيقةً من أصعب ما قد يواجهه كلا الطرفين نتيجة للمشاعر السيئة الناتجة عن اتباع التعليمات الخاصة بتناول الحلويات.

قد تنهك مشاعر العجز والحزن الأهل التي يشعرون بها عند رؤية أطفالهم عاجزين عن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، والأطفال سيتملَّكهم الشعور بالظلم، لكن هذا لا يعني تحوُّل الحياة إلى كابوس أبداً؛ بل على بخلاف ذلك تماماً، فإنَّ التعايش مع هذا المرض ليس بتلك الصعوبة المتخيلة، فقليل من الإرادة والصبر كافيان لجعل حياة مريض السكري مثلها مثل حياة أي شخص آخر غير مصاب، فقط علينا تقبُّل المرض والالتزام بتعليمات الطبيب، ولتعرف أكثر عن مرض السكري عند الأطفال وأسبابه وأعراضه وطرائق الوقاية منه، تابع معنا القراءة.

أولاً: ما هو مرض السكري عند الأطفال؟ وما هي أنواعه وأسبابه؟

قبل الحديث عن مرض السكري دعونا أولاً نتعرف إلى مصطلحين أساسيين وسيتكرران دائماً معنا خلال المقال:

1. سكر الدم:

يحصل الإنسان على السكر من مصادر عديدة، فالسكر المستخدَم على مائدتنا يُعرف بالسكروز، ويوجد السكروز بشكل طبيعي في بعض أنواع النباتات كقصب السكر، والنوع الآخر من السكر هو اللاكتوز ويمكن أن نحصل عليه من الحليب مثلاً.

لا يمكن للأمعاء امتصاص هذين النوعين من السكر قبل تفكيكهما لتسهيل عملية امتصاصهما، ويجري تحويل معظم أنواع السكاكر إلى غلوكوز وهو السكر الموجود في الدم، ومن ثمَّ عند الحديث عن ارتفاع أو انخفاض لسكر الدم فالمقصود بذلك هو غلوكوز الدم.

2. الأنسولين:

نسمع كثيراً عن استخدام مرضى السكري للأنسولين؛ وهو هرمون يفرزه البنكرياس، ووظيفة هذا الهرمون تكمن في حفاظه على مستويات السكر مضبوطاً في الدم، ويساعد هذا الهرمون على عملية انتقال السكر - أي الغلوكوز - من الدم إلى الخلايا.

في حال عدم وجود كمية كافية من الأنسولين فإنَّ انتقال السكر من الدم إلى الخلايا سيتأثر بالتأكيد؛ وهذا يؤدي إلى تراكم السكر في الدم، ومن ثمَّ ارتفاع نسبة السكر في البول أيضاً.

الآن بعد التعرُّف إلى هذين المصطلحين أصبح بالإمكان تعريف مرض السكري؛ إذ يشير مصطلح السكري إلى مجموعة من الاضطرابات التي تؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم عن الحد الطبيعي، وترجع هذه الزيادة إلى عدم قدرة الجسم على إنتاج كميات كافية من الأنسولين، أو إلى نقص تأثير الأنسولين بسبب عدم قدرة الجسم على الاستجابة الطبيعية له.

لا يوجد اختلاف بين أعراض السكري وعلاجه عند كل من الأطفال والبالغين، والاختلاف الوحيد ربما يكون في تعقيد العلاج الذي يرجع لطبيعة جسم الطفل، وفترة نموه العاطفي والجسدي والانفعالي، وصعوبة ضبط نظامه الغذائي.

إقرأ أيضاً: أعراض تغيّر نسبة السكر في الدّم وأهم أسباب السكري

لمرض السكري أنواع عدة، ولا تختلف هذه الأنواع بين الأطفال والبالغين، والاختلاف يكون بنسبة إصابة كل منهما فقط، ومن هذه الأنواع:

1. مقدمات السكري:

وهو ارتفاع ملحوظ في نسبة السكر بالدم، لكن على الرغم من هذا لا يصل هذا الارتفاع إلى الحد الذي يمكن عَدُّ المريض مصاباً بالسكري، وكثيراً ما يظهر عند المراهقين المصابين بالسمنة والبدانة، وهي حالة مؤقتة تقريباً عند النصف، وفي حين أنَّ النصف الثاني من المصابين وخاصةً في حال لم يتم الانتباه إلى الاستمرار باكتساب الوزن، تتطور إصابتهم إلى داء السكري.

2. داء السكري من النوع الأول:

يتوقف في هذا النوع جسم الطفل وتحديداً البنكرياس عن إنتاج الأنسولين الهام كما ذكرنا آنفاً لضبط مستويات السكر في الدم بكميات كافية؛ ويرجع هذا لقيام الجهاز المناعي بمهاجمة الخلايا الجزيرية الموجودة في البنكرياس والمسؤولة عن تصنيع الأنسولين، ويتحفز هجوم الجهاز المناعي لهذه الخلايا بالعديد من العوامل منها الوراثة والبيئة، ويُعَدُّ هذا النمط الأكثر شيوعاً عند الأطفال.

أشارت الدراسات إلى أنَّ واحداً من بين 350 طفلاً مصاباً بالسكري من النمط الأول، ولا يوجد عمر محدد للإصابة، فأي طفل أو مراهق تحت 18 عاماً مُعرَّض للإصابة حتى الأطفال في مرحلة الرضاعة، لكنَّ الإصابة تكون أكثر انتشاراً عند الأطفال من 4 إلى 6 سنوات، أو بين الأطفال من 10 إلى 14 سنة، فإصابة الطفل بهذا النوع من السكري قد تؤثر كثيراً في العائلة وتتعبها نفسياً وخاصةً في بداية اكتشاف هذا المرض.

الطفل في عمر صغير سيكون مضطراً لتعلم حقن إبر الأنسولين ومراقبة سكر الدم وحساب كمية الكربوهيدرات وغير ذلك من الأمور التي قد يشعر بها الأهل كأنَّها عاصفة ضربت مركبهم الذي كان قبل اكتشاف المرض يسير بأمان وطمأنينة، لكن على الرغم من عدم وجود علاج شافٍ نهائياً للسكري، إلا أنَّ عملية التحكم به ليست عملية صعبة، وهي عملية ناجحة وفعالة لضبط مستويات السكر في دم الطفل.

3. داء السكري من النوع الثاني:

يحدث في هذا النوع من السكري حالة تسمى مقاومة الأنسولين، وفيها يكون الجسم عاجزاً عن الاستجابة للأنسولين والتعامل مع السكر الموجود في الدم؛ وهذا يؤدي إلى تراكمه مسبباً الكثير من المشكلات.

البنكرياس في هذه الحالة قادر على إنتاج الأنسولين، لكنَّه لا ينتجه بكميات كافية قادرة على التغلب على هذه الحالة، كما يوجد سبب آخر وهو مقاومة الخلايا للأنسولين ومنع دخول الكمية الكافية من السكر إليها، فإنَّ عوز الأنسولين في هذه الحالة ليس عوزاً مطلقاً كالعوز الحاصل في النوع الأول؛ بل هو عوز نسبي.

ينتشر هذا النوع عند الأطفال المصابين بالبدانة، وعلى الرغم من أنَّ هذا النوع كان يسمى بسكري البالغين، إلا أنَّ الدراسات أشارت إلى أنَّ نحو ثلث الأطفال المشخصين بالسكري مصابون بالنوع الثاني منه، ويمكن أن يكون السبب انتشار أنماط التغذية غير الصحية.

تحدث الإصابة بعد البلوغ، وتزداد الإصابة كما ذكرنا عند الأطفال البدينين والأطفال الذين لديهم أحد الأقرباء مصاب، وإصابة الأم بسكري الحمل قد يكون سبباً أيضاً إضافة إلى قلة ممارسة الرياضة والنشاطات البدنية أو إصابة الطفل ببعض الأمراض كارتفاع ضغط الدم.

شاهد بالفديو:  8 معلومات طبية عن مرض السكري

ثانياً: أعراض مرض السكري عند الأطفال

1. أعراض السكري عند الأطفال من النوع الأول:

  1. عطش شديد بسبب كثرة التبول التي تحدث بسبب ارتفاع نسبة الغلوكوز في البول؛ وهذا يؤدي إلى سحب كميات أعلى من الماء إلى البول، ويمكن عَدُّ هذه الحالة إحدى المؤشرات التي تدفع الأهل للشك بإصابة أطفالهم بالسكري.
  2. الجوع الشديد دون أيَّة زيادة في الوزن، بل يحدث أيضاً خلاف ذلك، فيلاحظ على الأطفال المصابين تناقص في الوزن غير مفهوم.
  3. تصبح رائحة النفس كريهة.
  4. الانفعال السريع المتصاحب مع تغيرات في السلوك.

يمكن أن تحدث المضاعفات الخطيرة التي تتضمن زيادة خطر إصابة الطفل بضغط الدم وأمراض القلب والسكتات الدماغية، وقد يؤدي السكر الزائد أيضاً إلى تلف الأعصاب الذي لا يظهر مباشرة لكن تدريجياً، إضافة إلى تضرر الكلى والعين وهشاشة العظام وجميع هذه المضاعفات لا تحدث مباشرة؛ بل تظهر بعد وقت لاحق من الإصابة.

2. أعراض سكري الأطفال من النوع الثاني:

لا تظهر الأعراض في هذا النوع بشكل ملحوظ؛ وذلك لأنَّ الإصابة تكون تدريجية، وقد لا يستطيع الأهل التعرف إلى إصابة طفلهم، ويتم اكتشاف الإصابة صدفةً من خلال الفحص الدوري، وبعض الأعراض التي تحدث تبدأ عند ارتفاع مستوى السكر في الدم:

  1. شعور بالعطش الشديد لدرجة استيقاظ الطفل أكثر من مرة للشرب في الليل.
  2. التبول والجوع الشديد.
  3. الشعور بالتعب والإرهاق وصعوبة في الرؤية.
  4. قد يظهر في بعض مناطق الجسم بقع داكنة كالأربية وتحت الإبطين وحول الرقبة.
  5. ضعف الجهاز المناعي الذي يؤدي إلى كثرة الإصابة بالعدوى.

ثالثاً: تشخيص سكري الأطفال وعلاجه

1. تشخيص وعلاج سكري الأطفال من النوع الأول:

يتم التشخيص من خلال تحاليل الدم المخصصة للكشف عن مستويات السكر بالدم، ومنها تحليل السكر العشوائي وتحليل الهيموغلوبين السكري وتحليل سكر الدم، لكن بعد صيام الطفل لثماني ساعات، ولا بد في حال إشارة هذه التحاليل إلى الإصابة بالسكري إلى إجراء اختبارات إضافية للتمييز بين داء السكري من النوع الأول وداء السكري من النوع الثاني.

علاج داء السكري يجب أن يكون بإشراف الطبيب مع اختصاصي نظم غذائية، والهدف من العلاج يكون ضبط مستوى السكر في الدم، ويتم ذلك من خلال حقن الأنسولين التي قد يحتاجها الطفل لبقية حياته، ويجب دائماً مراقبة مستوى السكر وتسجيلها على الأقل 4 مرات في اليوم.

توجد عدة أجهزة لقياس هذه النسبة وقياسها، ولا يجب أبداً إهمال اتباع نظام غذائي صحي تحت إشراف اختصاصي الصحة الذي يقدم لك النصائح اللازمة ومواعيد تقديم الحلويات له، وممارسة الرياضة أيضاً هامة جداً ومؤثرة في مستوى السكر في الدم.

2. تشخيص وعلاج السكري من النوع الثاني:

تجرى الاختبارات ذاتها لتشخيص الإصابة، وأيضاً يتم العلاج من خلال إشراف طبيب واختصاصي تغذية، وربما تكون الخطة العلاجية لمرضى سكري الأطفال من النوع الثاني مركِّزة على النظام الغذائي الصحي الذي يشمل الخضروات والفواكه وزيت الزيتون والحبوب الكاملة؛ أي الأطعمة التي تنخفض فيها نسبة السكر والدهون وترتفع فيها نسبة الألياف.

يجب على الطفل الالتزام بمجموعة من القواعد التي تنظم طريقة تناوله للطعام لضبط وزنه قدر الإمكان، وأيضاً كما ذكرنا آنفاً النشاط البدني والرياضية هامان جداً لمرضى السكري، كما يتم أيضاً استخدام الأدوية مثل الميتفورمين وأحياناً الأنسولين.

رابعاً: طرائق الوقاية من مرض السكري عند الأطفال

بالنسبة إلى السكري من النوع الأول، فإنَّ طرائق الوقاية منه للأسف غير موجودة وحتى في حال تم الكشف المبكر من خلال التحاليل والأعراض الأولية للإصابة، ويرجع هذا لطبيعة الإصابة به التي تحدثنا عنها آنفاً.

أما بالنسبة إلى السكري من النوع الثاني، فإنَّ عملية الوقاية منه تتعلق باتباع نظام غذائي صحي يشمل التركيز على تناول الخضار والفواكه والعناصر الغذائية المليئة بالألياف، والابتعاد قدر الإمكان عن السكريات والكربوهيدرات والأطعمة الجاهزة، وشرب كميات كبيرة من المياه، واتباع نمط حياة صحي من الحصول على قسط كافٍ من النوم إلى ممارسة الرياضة والحفاظ على وزن مثالي، ومساعدة الأطفال على جعل هذه السلوكات جزءاً من سلوكاتهم الروتينية اليومية باتباع جميع أفراد العائلة لها.

إقرأ أيضاً: معلومات هامة عن مرض السكري عند الأطفال

في الختام:

"إنَّ مرض السكر رفيق طريق، إذا احترمته احترمك، وإذا تجاهلته دمَّرك"، فلا يمكن الإضاءة بمقال واحد على كل الجوانب والنقاط الهامة المتعلقة بمرض سكري الأطفال، لكن حاولنا تقديم شرح مختصر عن هذا المرض بأنواعه، وتبقى الإشارة إلى نقطة هامة ضرورية، وهي الحالة النفسية للطفل المصاب، فيجب على أسرة الطفل المصاب بالسكري أن تكون جاهزة لتقديم كل مساعدة لأطفالهم حتى يتمكنوا من تقبل المرض الذي سيرافقهم لبقية حياتهم، وإلا كان هؤلاء الأطفال لقمة سائغة للقلق والاكتئاب.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة