السعي وراء السعادة لن يجعلك سعيداً

تخليت قبل بضع سنوات عن سعيي المفرط وراء السعادة؛ فقد كنت أعتقد أنَّ الهدف من الحياة هو إيجاد السعادة، لكن تلك الفلسفة لم تقنعني، وأدركت أنَّ السعادة هي دائماً نتيجة ثانوية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُخبرنا فيه عن تجربته في البحث عن السعادة.

أنت تشعر بالسعادة، عندما تقضي الوقت مع الأشخاص الذين تحبهم، وعندما تستثمر أربع سنوات من حياتك في الحصول على شهادة فتشعر بالسعادة والإنجاز عندما تتخرج، وتشعر بالسعادة عندما تقدم فكرة مفيدة في العمل، وعندما تنتهي من تمرين شاق، وعندما تستمع إلى موسيقى جميلة.

كما ترى، السعادة هي نتيجة العمل، إذ يمكن أن يكون الأمر بسيطاً مثل إجراء محادثة مع شخص ما أو الاستماع إلى أغنية جميلة، لكن السعادة لا تدوم؛ فهي ذلك الشعور الذي يأتي ويذهب، ويختلف بعض الناس مع ذلك ويقولون إنَّه بإمكانك دائماً أن تكون سعيداً؛ أعتقد أنَّه يمكنك أن تكون سعيداً في معظم الأوقات، وليس طوال الوقت؛ لأنَّه حتى أفضل حياة تمر بأوقات عصيبة.

شاهد بالفيديو: 6 طرق مثبتة علمياً لتشعر بالسعادة

عندما تحاول بشدة:

لا يعني الإحباط والحزن أنَّ عليك فعل أيِّ شيء لتصبح سعيداً مرة أخرى؛ فعندما تحاول جاهداً أن تكون سعيداً، ستفقد صبرك، ومن المرجح أن تطارد المتعة، وهذا يمكن أن يقودك إلى حلقة سلبية لا تؤدي إلا إلى رفع سقف المتعة لديك، وسوف تحتاج إلى المزيد منها لإرضاء رغباتك.

في كتاب المشاعر الإيجابية (Positive Emotion)، ثمة فصل يسمى "التأثيرات المتناقضة للسعي وراء المشاعر الإيجابية" يتحدث عن هذا المبدأ؛ ففي هذا الفصل الذي كتبته باحثتان في علم النفس الاجتماعي من جامعة كاليفورنيا في بيركلي (UC Berkeley)، بريت كيو فورد (Brett Q. Ford) وإيريس بي موس (Iris B. Mauss) ، قرأت ما يأتي: "أولئك الذين يسعون وراء السعادة قد يضعون معايير عالية لمستويات سعادتهم، وعندما لا يصل مستوى سعادتهم إلى مستوى معاييرهم - وهو أمر مرجح عندما تكون المعايير عالية - فإنَّ خيبة الأمل والإحباط الناتجة تعوق تجربة السعادة".

إنَّ زيادة معايير السعادة الخاصة بك هي لعبة خطيرة، فبدلاً من أن تحاول جاهداً أن تكون سعيداً، ابحث عن الحقيقة، وإذا كنت غير سعيد، فإنَّ تغيير الوظيفة أو الانتقال إلى مدينة مختلفة لا يُعدُّ حلاً لتغيير حالتك؛ إذ يمكنك السفر إلى كلِّ بلدان العالم، لكن إذا لم يكن لديك سلام داخلي، ستتبعك مشكلاتك أينما ذهبت.

الحياة اليومية هي نفسها لكلِّ فرد؛ إذ علينا جميعاً أن نستيقظ ونأكل ونغتسل ونعمل، وسنختبر جميعاً الموت والخسارة والحزن، وشعور الرفض، والتعرض لإصابة أو مرض، فمستوى سعادتك لن يغير شيئاً عن كونك إنساناً.

في بعض الأحيان ننسى ذلك، ونعتقد أنَّ كلَّ شيء سيكون أفضل إذا شعرنا بالسعادة فقط، لكن هذا ليس هو الحال.

بناء حياة وفقاً للأشياء التي تقدرها:

لن تكون سعيداً حقاً عندما تعيش حياة وضيعة من صنعك؛ فإذا كنت تعيش دون إمكاناتك، وتفقد إيمانك بالحياة، ولا تسعى أو تصل إلى شيء أفضل، ستكون بائساً، وعلى النقيض من ذلك، إذا كنت قد بنيت حياةً تتحكم بكلِّ شيء فيها ولديك أهداف تعمل على تحقيقها، فستكون سعيداً في الغالب.

أحد أصدقائي المقربين لديه 3 أطفال، ويعمل بوصفه مهندس شبكات، ويعتمد عليه كثير من الناس لتزويدهم بالإنترنت، وإذا لم يحل مشكلات معينة في الشبكة، فسوف يتأثر آلاف الأشخاص، لكن على الرَّغم من مسؤولياته، يمنحه رئيسه كثيراً من الحرية؛ لأنَّ صديقي أجرى ترتيبات معه.

يفترض معظم الناس أنَّ عليك العمل بنفسك لتكون حراً، لكنَّ هذا ليس صحيحاً، إذا كنت موظفاً، فإنَّ شركتك أو مؤسستك تطلب منك أداء وظيفتك، وإذا كنت سعيداً وحراً، ستؤدي عملك تأدية أفضل؛ لهذا السبب من الهام إجراء مناقشة مفتوحة في مكان عملك عن طريقة عملك وحياتك؛ إذ يصطحب صديقي أطفاله إلى المدرسة ويعود إلى المنزل لتناول طعام الغداء، فلديه الحرية الكافية للاستمتاع بحياته، لكن لم يكن هذا هو الحال دائماً.

لقد اشتكى منذ عامين فقط كثيراً من وضع عمله، لكن الآن أصبحت حياته أكثر توازناً؛ لأنَّه اتخذ بعض القرارات الواضحة، فلم يبدل وظيفته؛ بل التزم ببساطة بالحرية، وهذا يعني عدم قضاء مزيد من الوقت مع زملاء العمل السلبيين، وبدلاً من ذلك، كان يبذل قصارى جهده ويعطي الأولوية للأسرة والصحة، ولم يعد "يتسكع" مع كلِّ من يعرفه.

يعمل ويقضي الوقت مع عائلته ويذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، هذا قراره، بالتأكيد لم يعد بإمكانه اصطحاب أطفاله من المدرسة عند انتهائهم، لكنَّه يشعر بالسلام مع ذلك، وما يزال بإمكانه قضاء وقته معهم في الصباح وعلى الغداء، وفي النهاية لا يمكنك الحصول على كلِّ شيء، لكن طالما أنَّ لديك الحرية، ستكون سعيداً غالباً.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة للحصول على السعادة الأبدية

ما بعد الضيق إلا الفرج:

انظر، بصرف النظر عن مدى حريتك، فلا أحد محصن من الحزن في بعض الأحيان، لكن بصرف النظر عن مدى سوء الحياة في بعض الأحيان؛ فاللحظات التعيسة تمر دائماً.

سيمر الوقت سواء كنت سعيداً أم حزيناً، فإن كنت حزيناً، فلا داعي لمحاربة هذا الشعور؛ بل اقبله كما هو، وتعامل معه، وكن على علمٍ بأنَّ كلَّ شيء سيمر؛ وهذا صحيحٌ أيضاً في الأوقات الجيدة، فكلُّ ما نقوم به أو نختبره مؤقت.

نحن نستخدم دائماً شعار "ما بعد الضيق إلا الفرج" لتذكير أنفسنا والآخرين بأنَّ الأوقات الجيدة تلوح في الأفق، وهذه هي طبيعة الحياة، أحياناً تكون جيدة، وأحياناً سيئة، وبمجرد أن نقبل ذلك، نتحرر من المحاولة الجادة لتغيير طريقة حياتنا خلال لحظة معينة.

إقرأ أيضاً: الصبر: مفهومه، وأسبابه، ونتائجه، وكيفية تعلمه

في الختام:

بعض الأشياء علينا أن نتحملها، لكن هذا لا يعني أنَّه لا يمكنك تغيير حياتك، فنظراً لأنَّ جميع مواقف الحياة مؤقتة، تحصل على فرصة جديدة كلَّ ساعة وكلَّ يوم، ويمكنك الالتزام بجعل حياتك أفضل من خلال اتخاذ الإجراءات؛ وبصرف النظر عن ظروفك، يمكنك بناء حياة تمنحك الفرح الداخلي.




مقالات مرتبطة