السعادة الوظيفية: مفهومها وعواملها

يقول الأديب الفرنسي "فيكتور هوغو": "لا ندرك حقيقتنا إلا بما نستطيعه من الأعمال"، فالإنسان باختلاف تحصيله العلمي واختصاصه أو مهنته لا يمكنه معرفة قيمته واكتشاف أهميته لنفسه وللآخرين إلا بما يقدمه من عمل.



كما يقول "شكسبير": "يمكننا عمل الكثير بالحق، لكن بالحب أكثر"، لذلك كان وما زال الموظف السعيد هو صاحب الإنتاجية الأعلى في عمله والأكثر إبداعاً وابتكاراً بين زملائه، وهذا ينعكس إيجاباً عليه وعلى أصحاب العمل وبيئة العمل.

لقد أثبتت الكثير من الدراسات أنَّ العلاقة بين السعادة الوظيفية ونجاح الشركة هي علاقة طردية، وذلك ما جعل الكثير من الشركات تسعى إلى تحقيق سعادة موظفيها، فهل هي المسؤولة الوحيدة عن ذلك أم أنَّ الموظف نفسه هو المسؤول عن سعادته في العمل؟ لكن قبل الإجابة عن السؤال السابق علينا معرفة مفهوم السعادة الوظيفية وعوامل تحقيقها؛ وذلك لأنَّنا جميعاً بحاجة إلى السعادة في وظائفنا على اختلافها.

مفهوم السعادة الوظيفية:

يقضي الإنسان معظم وقته يومياً في العمل سواء كان عمله في شركة أم في مكان خاص به، لذلك يُعَدُّ عمل الإنسان وظروفه وما يحيط به أصحاب الدور الأساسي في تحديد سعادته عموماً، لكن تنقسم نظرة الموظفين إلى وظائفهم إلى ثلاثة أشكال مختلفة وكل شكل يعرِّف السعادة الوظيفية بطريقة معينة، فمنهم يركِّز على المردود المادي للوظيفة فترتبط سعادته الوظيفية بالراتب الذي يتقاضاه مقابل عمله ودائماً ما نجده يعمل باجتهاد رغبةً في الحصول على الحوافز والمكافآت فقط، وبالطبع هذا النوع من الموظفين إن وجد وظيفة براتب أعلى فسيحاول جاهداً الانتقال إليها وترك عمله الحالي مهما بلغت سعادته وراحته في العمل.

أما النوع الثاني فينظر إلى وظيفته على أنَّها المسار المهني الخاص به، وما يتم تقديمه من جهد وعمل فهو ناتج عن الرغبة في الوصول إلى النجاح والتميز وربما تكوين اسم مميز في عالم الأعمال، ودائماً ما نجد هذا النوع يتسم بالمبادرة والمقترحات المميزة ويترقى بوظيفته باستمرار.

أما النوع الأخير فهو الذي ينظر إلى وظيفته على أنَّها واجب من واجباته ولا يمكن للإنسان العيش دون عمل وعطاء، وغالباً العطاء غير محدود بالنسبة إليه فقد يعمل في مجالات عدة معاً فهدفه الوصول إلى الرضى فقط دون النظر إلى المردود المادي أو الترقي المهني كسابقه من النماذج.

عوامل السعادة الوظيفية:

تتوقف السعادة الوظيفية على عاملين أساسيين هما كالآتي:

1. الموظف:

يُعَدُّ الموظف مسؤولاً عن سعادته الوظيفية ورضاه عن عمله، ولتحقيق السعادة ينبغي على الموظف القيام بأمور عدة منها ما يأتي:

حب العمل:

لا يمكن للإنسان النجاح بأي أمر دون وجود الحب الذي يعطيه الشغف والاندفاع لهذا الأمر، والعمل أحد تلك الأمور التي لا تشعر بها بالسعادة إن لم تحبه، لذلك إذا أردت السعادة الوظيفية فعليك اختيار عمل تحبه ولا تجعل المردود المادي هو ما يقرر العمل الذي ستعمل به؛ وذلك لأنَّ حاجات الإنسان لا تنتهي، كما أنَّها متغيرة باستمرار، ولا تنسَ أنَّ حاجة الإنسان إلى الراحة النفسية والاستقرار الذي يشعره بالسعادة لا يقلان أهمية عن حاجته إلى الماء والهواء والطعام.

شاهد بالفديو: 8 علامات تدل على أنك تحب عملك

الالتزام:

واجب الإنسان تجاه عمله الالتزام والوضوح والتفاني والإخلاص، فمن الصعب الوصول إلى السعادة الوظيفية مع إهمال الأعمال الموكلة إليك أو تأجيلها أو بالتعامل مع جهات منافسة للشركة التي تعمل لديها أو غير ذلك من التصرفات التي تتعارض مع الإخلاص للعمل.

احترام الحدود:

من الضروري الالتزام بقواعد مكان العمل واحترام الحدود الموجودة بين الموظفين والمديرين أو بين الموظفين مع بعضهم بعضاً، فمكان العمل ليس للتسلية، كما يجب على الموظف وضع حدود مع الآخرين في مكان العمل فلا يسمح لأحدهم بالتدخل بعمله ولا يعمل بالنيابة عن شخص ما.

التواصل:

الذي يؤدي دوراً كبيراً في تحقيق السعادة الوظيفية، فالتواصل يخفف التوتر بين الموظفين ويحل النزاعات، وهذا يزيد من اندماج الموظف مع زملاء العمل ويساعده على الاستفادة من خبراتهم وأفكارهم، كما يساعده على إيصال أفكاره بوضوح وسهولة أكبر، ويعزز من العلاقة بين الموظف والمدير، وكل ما سبق يزيد من استقرار وراحة الموظف في عمله.

إقرأ أيضاً: أساليب التواصل في العمل: ما هي؟ وكيف تتعامل مع كل منها؟

تدوين الإنجازات:

تُعَدُّ هذه الطريقة جيدة للتخلص من المشاعر السلبية في لحظات الإحباط عندما يواجه الموظف صعوبات وعراقيل في العمل، أو في لحظات الملل من الروتين اليومي، فعند النظر إلى الإنجازات التي حققها في عمله سيتذكَّر الجانب الإيجابي من عمله وسيعاد شحن طاقته الإيجابية من جديد.

تحقيق التوازن العام:

كي يكون الموظف سعيداً في عمله عليه فصل العمل عن الحياة الشخصية، فلا يجب أن ينقل عمله إلى المنزل ويسعى إلى إنهاء عمله مُهمِلَاً حياته الشخصية، وخلاف ذلك صحيح أيضاً، لذلك تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية سينعكس إيجاباً على العمل.

تطوير الذات:

الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الموظف وعلى الشركة التي يعمل بها، ويتم ذلك من خلال القراءة باستمرار ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم يومياً للاستفادة منها قدر الإمكان في عمله والتي تساعد على إنجاز الأعمال بطريقة أبسط وأسرع، فالتمسك بطرائق العمل القديمة يُعَدُّ عائقاً في تحقيق السعادة الوظيفية نوعاً ما.

تحديد الأهداف:

يجب على الموظف وضع قائمة بأهدافه المرجوة من هذا العمل والسعي إلى تحقيقها بجدية واجتهاد وإصرار مهما واجهته مشكلات وصعوبات.

الامتنان للعمل:

لا تنتظر فقدان النعمة حتى تشعر بقيمتها؛ بل انظر إلى ما هو موجود لديك بعين الرضى، فالحياة دون شعور الرضى صعبة جداً وكذلك العمل لا يمكنك الوصول فيه إلى شعور السعادة ما لم تكن راضياً وممتناً أيضاً.

2. المنشأة:

الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها الموظف تقع على عاتقها مسؤولية تحقيق السعادة الوظيفية أيضاً من خلال إنشاء الجو الملائم للموظفين، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ما يأتي:

الالتزام:

أهم خطوة نحو تحقيق السعادة الوظيفية للموظفين هي الالتزام ببنود العقود المبرمة معهم التزاماً مطلقاً.

الاستماع لهم:

من أساليب الإدارة السيئة إصدار القرارات دون الاستماع لرأي الموظفين والاهتمام لمقترحاتهم وإعطاء الفرصة لمن يستحق للمشاركة في اتخاذ القرارات سواء البسيطة منها أم المصيرية، فلا يمكن للموظف الشعور بالسعادة إن لم تكن الجهة التي يعمل لديها تعطيه الأهمية التي يستحق.

العدل:

من الضروري وجود مساواة بين جميع العاملين فلا يصل أحدهم إلى منصب إلا بجهوده وبقدراته دون وجود تمييز لأحد الموظفين، ويعود السبب في التمييز غالباً إلى العلاقات الشخصية أو ربما إلى المصالح المشتركة.

تقديم الدعم المادي:

لا يمكن للموظف أن يكون سعيداً إذا كانت جهوده المبذولة أكبر من المردود المادي الذي يحصل عليه مقابلاً لها، ولا يمكننا إنكار دور الراحة المادية في تحقيق السعادة للإنسان، لذلك من واجبات الشركة وضع الرواتب بشكل مدروس وإعطاء المكافآت والحوافز لمن يستحق والابتعاد عن استغلال الموظفين بتوكيلهم بأعمال إضافية دون مقابل مالي لذلك.

تحسين بيئة العمل:

كي يشعر الموظف بالراحة في العمل من الضروري تطوير بيئة العمل، ويشمل ذلك جوانب عدة كصيانة مكان العمل وأدوات العمل باستمرار ومواكبة التطورات التي تساعد الموظف على الابتكار والإبداع في عمله، ويمكن مساعدة الموظفين على التطور من خلال إعداد دورات لتعليم أساليب جديدة في العمل والاستفادة من خبرة اختصاصيين في العمل.

الشكر:

لا ينتظر الموظف المكافأة المادية فقط ليشعر بأهميته في عمله وأنَّه عنصر مفيد للشركة لا يمكن الاستغناء عنه؛ إنَّما يمكنه الشعور بذلك أيضاً إن تم شكره من قِبل رئيسه في العمل، ويمكن ذلك عن طريق الشكر في اجتماعات الشركة أو بإرسال رسالة بواسطة البريد الإلكتروني له أو بتخصيص لوحة إعلانات يتم عرض فيها إنجازات الأشخاص المميزين والمجتهدين في الشركة.

شاهد بالفديو: 8 طرق لتحفيز العاملين على العمل

الاهتمام براحتهم:

يتم ذلك من خلال تخصيص وقت للاستراحة خلال الدوام يمكنهم الخروج فيه وتناول وجبة طعام مثلاً للتخفيف من ضغط العمل في حال كانت ساعات العمل طويلة، كما يمكن للشركة السماح للموظفين بشرب مشروباتهم التي تساعد على التركيز خلال العمل كالقهوة والشاي مثلاً.

إنشاء علاقات ودية من الموظفين:

لجعل بيئة العمل أكثر راحة يمكن للمديرين قضاء بعض الوقت مع الموظفين للتعرف إليهم والتقرب منهم، وبالطبع يتم ذلك خارج أوقات العمل، فمثلاً يمكن تنظيم رحلة خاصة بالشركة في عطلة نهاية الأسبوع ومن يرغب من الموظفين يمكنه الانضمام إليها باختلاف مكانته أو منصبه في الشركة.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات مفيدة لبناء علاقات عمل ناجحة

في الختام:

يختلف مفهوم السعادة الوظيفية باختلاف نظرة الموظف إلى عمله فمنهم من يربط سعادته الوظيفية بالمردود المادي فقط فيبذل الجهد بهدف الحصول على المال فقط، ومنهم من يبذله بهدف الترقي في العمل، وبعضهم يرى العمل أحد الواجبات التي يجب القيام بها للشعور بالرضى عن النفس، والسعادة الوظيفية مسؤولية الموظف التي يمكنه تحقيقها من خلال حبه لعمله والتزامه به وإخلاصه التام له، إضافة إلى معرفة حدوده في مكان العمل والالتزام بها والعمل على تطوير نفسه باستمرار ومواكبة التطورات والتغيرات في العالم.

أما المؤسسة التي يعمل بها فدورها في تحقيق سعادة الموظف لا يقل أهمية عن دور الموظف نفسه، ويمكن ذلك من خلال الالتزام بالعقود والمبادئ وتحقيق العدل والمساواة بين الموظفين وتحسين بيئة العمل باستمرار وتقديم الدعم المادي المتناسب مع الجهود المبذولة والسعي إلى توفير ما يزيد من راحة الموظف، إضافة إلى التقرب من الموظفين وتكوين علاقات ودية معهم.




مقالات مرتبطة