السر الخفي وراء نجاح رجل الأعمال الأمريكي وارن بافيت

عندما يتعلق الأمر بالاستثمار وكسب المليارات وإدارة الشركات، يُعدُّ وارِن بافيت (Warren Buffett) أحد أبرز الشخصيات التي يُحتَذى بها.



وارن بافيت هو المدير التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway)، وهي تكتُّل شركة قابضة تمتلك بالكامل كل من الشركات الآتية: جيكو (GEICO)، وديري كوين (Dairy Queen)، وبي إن إس إف للخطوط الحديدية (BNSF Railway)، لوبريزول (Lubrizol)، وهيلزبيرغ دايموندز (Helzberg Diamonds)، ونيت جيتس (NetJets). كما تمتلك أجزاء من الشركات الآتية: كرافت هاينز (Kraft Heinz)، وأمريكان إكسبريس (American Express)، وكوكا كولا (Coca-Cola)، وويلز فارغو (Wells Fargo)، وآي بي إم (IBM)، وآبل (Apple)، إضافةً إلى بعض الخطوط الجوية الرئيسة.

كيف تمكَّن بافيت (Buffett) من تحقيق هذا النجاح المذهل في حياته، وكيف يتمكن من إدارة هذا العدد من الشركات الضخمة في وقت واحد؟ تمتلك بيركشاير (Berkshire) أنواعاً مختلفة من الشركات تتراوح بين تجارة التجزئة، والخطوط الحديدية، والأثاث المنزلي، والمجوهرات، ودور نشر، والخطوط الجوية، والأدوات الكهربائية، وخدمات الغاز.

وتُعدُّ الشركة التي يديرها بافيت (Buffett) سابع أكبر شركة في مؤشر أسهم "إس وبي" (S&P 500) بحسب القيمة السوقية، كما أنَّ أسعار أسهم شركته هي الأعلى في التاريخ؛ حيث يبلغ سعر السهم الواحد 250 ألف دولار أمريكي.

يرغب العديد من الناس التعلُّم من بافيت (Buffett)، وبالأخص من مهاراته الاستثمارية، إلا أنَّ العامل الأساسيَّ الوحيد لنجاحه خلال العقود التي قضاها في مجال الاستثمار لا يتعلق فقط بمهاراته وقدرته على تحديد الشركات المقوَّمة بأقل من قيمتها؛ بل بقدرته على عزل نفسه عن كل ما يدور حوله.

القدرة على عزل نفسك عمَّا يدور حولك:

وارِن بافت

لا شكَّ أنَّ بافيت (Buffett) عبقري عندما يتعلق الأمر بالشركات المقوَّمة بأقل من قيمتها الحقيقية، كما أنَّه يحب الأرقام كثيراً؛ حيث يمكِنه قراءة التقرير السنوي للشركة من بدايته وحتى نهايته.

إضافة إلى مهارته في إيجاد الشركات المقوَّمة بأقل من قيمتها، تجعل منه قدرته على التمسك بالأسهم حتى عند تخبط السوق أحد أعظم المستثمرين في العالم؛ إذ  يبدو أنَّ بافيت يمتلك القدرة على تجاهل أداء السوق وعزل نفسه عن كل ما يحدث حوله وهو متمسك بأسهمه وقراراته؛ وهذا ما يتطلب التصميم والتحفظ العاطفي؛ حيث تتأثر مشاعر معظم الناس عند تخبط أسعار الأسهم في البورصة، وسوف ينصحونك بالبيع أو الشراء، وهو ما سيؤدي إلى زيادة مخاوفك وقلقك.

وستتأثر مشاعرك أكثر عندما يتعلق الأمر بمبالغ مالية كبيرة. تخيل لو أنَّك استثمرتَ جزءاً كبيراً من مدَّخرات حياتك في البورصة، وفجأة بدأ السعر بالتخبط والهبوط، سينصحك المحيطون بك أن تبيع أسهمك وتشتري أسهماً في شركة أخرى؛ فماذا ستفعل؟

ستتأثر مشاعر معظم الناس في موقف كهذا بأسعار الأسهم وبما يحدث ويُقال، وسيتخلون عن أسهمهم بخسارة ليستثمروا في مكان آخر؛ حيث لن ينتظروا ليروا الأمور الإيجابية التي ستتكشَّف بعد ذلك، إلا أنَّ بافيت (Buffett) مختلف تمام الاختلاف؛ إذ إنَّه لا يتأثر بأيَّ عوامل خارجية حوله.

لعلَّك تعلم أنَّه عليك التمسك بقراراتك وألا تسمح للآخرين بالتأثير في تفكيرك، لكنَّ الكلام أسهل من الفعل؛ فاتخاذ قرار بالشراء عندما ينصحك الجميع "بالبيع"، أو عدم الشراء عندما يحثُّك الجميع على فعل خلاف ذلك هو أمر يواجه معظم الأشخاص صعوبةً في تطبيقه؛ لكن يبدو أنَّ هذا الأمر طبيعي بالنسبة إلى بافيت (Buffett) مثل التنفس تماماً. وهذه هي المهارة التي يجب عليك امتلاكها وتطويرها إن أردتَ فعلاً أن تُحقِّق نجاحاً باهراً في حياتك.

يقول لاعب كمال الأجسام والممثل أرنولد شوارزنيغر (Arnold Schwarzenegger): "تجاهَل كلام الرافضين".

ويقول أرنولد أيضاً: إنَّ سبب نجاحه هو تجاهل كلام الآخرين واتباع ما يمليه عليه قلبه عوضاً عن ذلك.

أراد أرنولد دخول عالم الأفلام وبناء مسيرته المهنية بعد أن حققَ النجاح في عالم بناء الأجسام، ولكنَّ العديد من الناس أخبروه أنَّه من المستحيل أن ينجح في عالم السينما، كما أخبره بعضهم أنَّ اسمه صعب اللفظ، بينما أخبره آخرون أنَّه أضخم من اللازم ولا أحد سيسمح له التمثيل في أفلامه؛ لكن لحسن الحظ، لم يستمِع أرنولد لأي من هؤلاء وفضَّل تجاهلهم، واختار أن يحقق حلمه ويُصغي لقلبه. وفي النهاية، حققَ نجاحاً عظيماً واستطاع أن يدخل هوليوود كما نعلم جميعاً.

وماذا عنك؟ هل أنت سهل التأثر بكلام المحيطين بك؟ وهل تنتقل من فرصة إلى أخرى عندما تشتدُّ الصعاب أو عندما ينصحك أحدهم بذلك؟

إقرأ أيضاً: قصة نجاح رجل الأعمال وارن بافت

ليس بالضرورة أن يكون الآخرون أفضل حالاً منَّا دائماً:

إنْ دخلتَ إلى مكتب وارِن بافيت (Warren Buffett) في شركة بيركشاير (Berkshire)؛ فسترى الصفحات الأولى من الجرائد التي تتناول حالات الذعر التي أصابت السوق مؤطرة ومعلقة على الجدران، مثل الانهيار الاقتصادي في عام 1992؛ لأنَّ بافيت (Buffett) يذكِّر نفسه دوماً بألا يستسلم للعواطف اللحظية.

عليك أن تمتلك قدرة التفكير المنطقي دون السماح لمشاعرك بأن تتحكم بقراراتك، وعندما يتصرف الآخرون بغير عقلانية، يجب أن تتصرف بعكس ذلك وتحافظ على رباطة جأشك وحكمتك.

أصبحَت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة معظم الناس؛ فلا يستطيعون العيش دون التحقق من التحديثات ورؤية ما يفعله أصدقاؤهم. وبحسب مقال نُشر في مجلة تايم (Time) الأمريكية، تسبَّبت منصات التواصل الاجتماعي مثل: الإنستغرام (Instagram)، وفيسبوك (Facebook)، بارتفاع نسبة الاكتئاب والقلق بين المستخدمين.

بالرغم من أنَّ هذه المنصات سهَّلَت التواصل بين الناس، إلا أنَّها جعلَتنا نقارن حياتنا مع حياة الآخرين؛ فعندما ترى أحدهم يستمتع بإجازته في مكان ما، تشعر أنَّك تريد أن تعيش هذه التجربة، وعندما ترى أنَّ صديقك اشترى سيارةً جديدة، إمَّا سترغب بشراء سيارة جديدة لنفسك، أو تمتعض وتفكر أنَّه محظوظ فحسب.

ولكن عليك أن تتعلم من وارِن بافيت (Warren Buffett) عزيزي القارئ. تعلَّم أن تعزل نفسك عمَّا يحدث حولك، وركِّز على عيش حياتك؛ فقد ترى أنَّ أحدهم قد أنشأ موقعاً للتجارة الإلكترونية وبدأ يجني الكثير من المال، فتشعر بالرغبة بالقيام بأمر مماثل؛ لكن ليس بالضرورة أن يناسبك ذلك ويحقق لك النجاح؛ فما تحتاج إلى فعله هو الالتزام بخطتك وعدم السماح لمشاعرك بأن تسيطر على حياتك؛ بل تعلَّم أن تسيطر على عواطفك.

إقرأ أيضاً: قصص نجاح مُلهمة لـ 10 من أشهر رواد الأعمال

كيف تصبح مثل وارِن بافيت (warren Buffett) ولا تتأثر أبداً بالتوجهات السائدة في السوق؟

في إحدى الوثائقيات حول بافيت (Buffett)، يقول: إنَّه لا يتذكر لون الجدران في غرفة نومه أو غرفة معيشته لأنَّه غارق في أفكاره لدرجة أنه غير مدرك لمحيطه؛ ولكن كيف أصبح شخصاً شارد الذهن ومتحفظ عاطفياً بهذا الشكل؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا البحث في ماضيه كما يقترح الوثائقي.

وفقاً لبافيت (Buffett)، كانت والدته امرأة ذكية وطموحة، ولكنَّها عانت من آلام رأس مزمنة؛ حيث يقول: "لا تريد أن تكون معها عندما كانت تعاني من أحد نوبات الصُّداع، لأنَّها كانت تهاجم الجميع".

وتعبِّر دوريس (Doris)، أخت بافيت (Buffett)، عن الأمر نفسه بقولها: "عندما كنتُ أستيقظ في الصباح كنتُ أستمع لصوتها وأحدِّد من نبرتها إن كانت تعاني من أحد نوبات الصُّداع في ذاك اليوم". وكانت هذه أحد الأسباب الهامة التي جعلت بافيت (Buffett) يعزل نفسه عاطفياً؛ حيث كانت ردة فعله على التقلبات التي واجهها في منزله في أثناء طفولته.

صحيح أنَّك لا تستطيع العودة بالزمن إلى الوراء لبناء وتطوير هذه المقدرة المنطقية لديك، ولكن يمكِنك إنشاء تذكيرات لتذكير نفسك بألا تتأثر أبداً بمشاعرك وأن تتبع خطتك باستمرار، وهذا ما فعله بافيت (Buffett) باستخدام الصفحات الأولى من الجرائد والمجلات المعلقة في مكتبه لتذكره ألا يخضع لتقلبات السوق، ويمكِنك فعل أمر مشابه لذلك أيضاً.

ولهذا السبب أيضاً عليك مراجعة أهدافك بين فترة وأخرى، فلا يجب أن تسمح للآخرين أن يؤثروا فيك، ويجب أن تذكِّر نفسك بأهدافك وما تريد تحقيقه، وطالما أنَّ مشاعرك لا تتحكم بك، ستتمكن من التفكير بمنطقية وعزل نفسك عن المغريات التي تحيط بك، وتذكَّر أنَّ أحد أسباب النجاح ليس فقط وضع أهدافك أو تحديد أحلامك، أو حتى العمل بجدٍّ؛ بل القدرة على الالتزام بخطتك والعمل لتحقيق أهدافك دون التأثر بمحيطك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة