الذكاء العاطفي والذكاء المنطقي (التحليلي)

لدينا عقلان، أحدهما منطقي والآخر عاطفي، هذا ما يؤكده كتاب الذكاء العاطفي لـ دانييل جولمان، مشيراً إلى أنَّ ما يثبت نظريته أنَّه كثيراً ما يفكِّر أحدنا تفكيراً شديد المنطقية في أمر ما غير أنَّه يجد نفسه حزيناً لاتجاهه لفعل ما رآه منطقياً؛ بل وأحياناً قد لا يفعل هذا الشيء المنطقي ويفعل شيئاً آخر تماماً وذلك وفقاً لقوة المشاعر المسيطرة في الموقف، فإن كانت قوية زادت أهمية العقل العاطفي وتقلَّصت أهمية العقل المنطقي.



ويؤكد جولمان أنَّ هناك ترابطاً بين العقلين، فالمشاعر تؤثر في العقل المنطقي وفي كيفية تفكيره، والتفكير هام في توجيه المشاعر والتأثير فيها، ولكنَّه في بعض الأحيان إذا تجاوزت المشاعر حداً معيناً فإنَّ العقل المنطقي قد يتراجع تماماً لحساب العقل العاطفي.

ويُحذِّر جولمان من أنَّ العجز عن استخدام العقل العاطفي بصورة صحيحة؛ أي العجز عن تقدير المشاعر العاطفية للناس يُفقد الشخص القدرة على التواصل مع الآخرين، كما أنَّ هناك العديد من الأشخاص الذين قد يكونون شديدي الذكاء، ولكنَّهم يخفقون في حياتهم نتيجة عدم سيطرتهم على انفعالاتهم ودوافعهم؛ فهنالك العديد من الأشخاص الأذكياء الذين يفتقرون إلى القدرة على التحكم بمشاعرهم، لذا علينا الموازنة بشكل جيد بين العقل التحليلي والعقل العاطفي والذكاء المنطقي.

ما معنى الذكاء العاطفي؟

والذكاء العاطفي يعني أن تكون لدى الشخص القدرة على تشجيع النفس باستمرار لمواجهة الإحباطات، والتحكم في النزوات وأخذ قرارات بتأجيل إشباع رغبة ما، والقدرة على تنظيم الحالة النفسية ومنع الأسى والألم من شل قدرة الإنسان على الأداء والتفكير بمعنى أن يكون الشخص قادراً على السيطرة على انفعالاته وليس منعها تماماً؛ لأنَّ ذلك غير مطلوب.

مثال على الذكاء العاطفي:

1. الذكاء العاطفي والتحكم في الغضب:

ويشير الكاتب إلى أنَّ الغضب هو أكثر الحالات المزاجية خطورة والتي تحتاج بالفعل إلى عقل عاطفي واعٍ؛ حيث إنَّ الغضب يتضمن تحفيز الشخص على الفعل، خلافاً للحزن الذي يؤدي إلى إحباط الإنسان، ومن ثم فإنَّ الغضب يدفع الإنسان إلى الفعل بينما يدفعه الحزن إلى عدم الفعل.

وللتخلص من الغضب يقترح الكاتب ألا يقهر الشخص الغضب لأنَّ ذلك يؤذيه، كما أنَّ التنفيس عنه حل مؤقت؛ لأنَّه يبقي الإنسان على توتره ويبقي أجزاء من الانفعالات بداخله، والحل الأمثل هو مواجهة الشخص الذي يستفزك بسلوك يهدف لحل النزاع بينكما.

2. الذكاء العاطفي والتغلب على القلق:

يحذر جولمان أيضاً من أنَّه لا يكفي إبعاد القلق فقط للتخلص من آثاره السلبية، والأفضل هو مواجهة ما يقلقنا بدلاً من الهروب منه، ويشير الكاتب إلى وجود الأعداء الحميميين وهم الأشخاص القريبون منا للغاية كالأبناء أو الإخوة أو الزوجة غير أنَّهم يتسببون في إثارة المشاعر السلبية لدينا، فمثلاً إذا حدث شجار بين الزوج والزوجة، تقول الزوجة لنفسها: أنا لا أستحق أن يعاملني أحد بهذه الطريقة، ولماذا يعاملني بهذه الطريقة، أو كيف يجرؤ على التعامل معي بهذا الشكل؟ فكل هذه العبارات تشير إلى شخص يشعر بأنَّه ضحية وهو ما يجعله يتعامل بـعنف مع الطرف الآخر ويؤكد الكاتب أنَّ الطبع ليس قدراً محتوماً لا يمكن تغييره؛ بل يمكن أن يغيره الإنسان بكفاءة.

شاهد بالفيديو: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

ما هو الذكاء المنطقي؟

من أنماط نظرية الذكاءات المتعددة (MULTIPLE INTELLIGENCE THEORY) التي ظهرت في عام (1983) على يد (هاورد جارنر) والتي قام بتطويرها في عام (1993) الذكاء المنطقي التحليلي والذي يتمثل بامتلاك القدرة على التفكير بشكل منطقي الذي يرتبط بعدة سلوكيات منها استخدام أدوات المنطق السليم من البراهين والاستدلالات والحجج كما ينطوي على حل المشكلات واستنتاج الأسباب والتفكير المجرد واكتشاف النماذج والتميز بينها وإدراك العلاقات التي تربطها من أجل اتخاذ القرارات ومن ثم إعمال الذات في تقيم هذا القرار باستخدام قواعد محددة.

وكثيراً ما يتزامن هذا الذكاء مع الذكاء الرياضي الذي يتضمن العمليات الحسابية والمحاسبة وبرمجة الحاسوب وكذلك الهندسة.

ونذكر هنا مجموعة من التعريفات التي تناولت مفهوم الذكاء المنطقي:

  • وليام شانر "التفكير المنطقي هو التفكير الذي نمارسه عندما نحاول أن نتبين الأسباب والعلل التي تكمن وراء الأشياء، انه التفكير الذي نمارسه عندما نحاول معرفة نتائج ما قد نقوم به من أعمال، لكنه أكثر من مجرد تحديد أسباب أو النتائج إنه يعني الحصول على أدلة تؤيد أو تثبت صحة وجهة نظرك أو تنفيها".
  • الخالدي (2004): هو "القدرة على استخدام الأعداد بكفاءة مثل الرياضي والمحاسب والإحصائي، وكذلك القدرة على الاستدلال على المنطق مثل العالم ومبرمج الحاسب وأستاذ المنطق، كما يتضمن العلاقات المنطقية والأنماط والقضايا الجدلية ويتضمن التصنيف، الاستدلال، التعميم، المعالجة الحسابية، اختبار الفروض، واستراتيجيات الذكاء الرياضي وكذلك القدرة على استخدام العلاقات المتجددة وتقديرها كما يحدث في الحساب والجبر والمنطق والرمز وتنظيم العلاقات السببية والمجردات واستخدامها الأرقام بمهارة".
  • جاردنر: هو "القدرة على تحليل المشكلات بشكل منطقي، وتنفيذ العمليات الحسابية بكفاءة والكشف عن القضايا بشكل علمي، وكذلك القدرة على التفكير المنطقي، ويتمتع الأفراد الذين يمتلكون هذا الذكاء بالقدرة على التفكير بلغة المفاهيم والأسئلة، ويميلون إلى وضع الأفكار موضع الاختيار، وتتميز لديهم مهارات التحليل والحساب والاستنتاج والتخمين والتوقع والتنبؤ والتنظيم والاختصار".
  • ريان: "يتمثل الذكاء المنطقي بقدرة الفرد على التفكير التجريدي، والاستنباطي ووالتصوري وإجراء العمليات الحسابية بفاعلية وإدراك العلاقات واكتشاف الأنماط المنطقية والعددية والحسابية للنماذج أو الأنماط المنطقية والعلاقات".
  • وعرفته أماني غازي الجرار بأنه "النمط من التفكير المقصود الذي يتم وفق عمليات ذهنية متكاملة، ويتطلب أن يكون المتفكر متمتعاً بنشاط وحيوية وبمخزون وافر من المعلومات والخيرات المنظمة ويعد التفكير المنطقي من أكثر أنماط التفكير جدوى للإنسان ويمارس الفرد التفكير المنطقي عندما يحاول اكتشاف العلل التي تسبب الخلل".
إقرأ أيضاً: الفرق بين الذكاء العاطفي والذكاء العقلي

مهارات الذكاء المنطقي:

1. مهارة التحليل:

 تنطوي على قيام الفرد بتجزئة وتفكيك المادة أو المشكلة التي بين يديه إلى عدة عناصر بالشكل الذي سهل التعامل معها ومن ثم القيام بإدراك الروابط والعلاقات والدلالات التي تربط فيما بين أجزائها، حيث تساعد في اتخاذ القرار بعد فهم كافي ووافي للمشكلة وأبعادها.

وتتضمن مهارة التحليل عدة مهارات فرعية هي:

  • الملاحظة، وتعني المراقبة الدقيقة لظاهرة ما بقصد الحصول على المعلومات الدقيقة لتشخيص هذه الظاهرة.
  • تحديد بين أوجه التشابه والاختلاف بين الأحداث والأفكار والأشياء.
  • المقارنة بين الأشياء وفق أسلوب منهجي علمي.
  • الربط بين السبب والنتيجة.

2. مهارة التصنيف:

وتشير هذه المهارة إلى وضع الأشياء ضمن مجموعات أو فئات وفقا لخصائص مشتركة فيما بينها بحيث تصبح ذات معنى للقارئ، حيث تسهم هذه المهارة في مساعدة الفرد على تنظيم البيانات والمعلومات ومعرفة ماهية العلاقة التي تجمع المجموعة الواحدة.

3. مهارة الحساب:

تتمثل بالقدرة على تحليل المعلومات العددية والتعبير عن الأفكار بواسطة الأرقام للخروج من خلالها باستنتاجات تساعد في عملية اتخاذ القرار، وتشمل هذه المهارة على العديد من المهارات الفرعية منها (العمليات الحسابية، القياس، إدراك العلاقات بين الأرقام، التعامل مع التطبيقات والبرامج الحاسوبية).

4. مهارة الاستنتاج:

 تشير هذه المهارة إلى استخلاص النتائج المنطقية والأسباب الكامنة وراء الأحداث وكذلك المعاني الضمنية من خلال إدراك العلاقات بين العبارات والصفات أي المعلومات المعطاة، بمعنى الانتقال من العموميات إلى الخصوصيات.

5. مهارة الاستقراء:

 ويقصد به الانتقال من الخاص إلى العام بمعنى الانتقال الجزئيات للوصول إلى الحكم الكلي.

6. مهارة الاستدلال:

عملية عقلية تستهدف الانتقال من المقدمات إلى النتائج عبر توليد الحجج والافتراضات والبحث عن أدلة والتعرف على الارتباطات للوصول إلى النتائج.

7. مهارة التنبؤ:

 ويقصد بها التفكير بما سيحدث في المستقبل أو القدرة على توقع أحداث المستقبل بناءً على أحداث الماضي.

8. مهارة التقييم وإصدار الأحكام:

 وتشير إلى قياس القوة المنطقية للعلاقات الاستدلالية. وكذلك التأكد مدى تحقيق الأهداف ودقة النتائج.

مثال على الذكاء المنطقي:

خير مثال يوضح الذكاء المنطقي هو تعليم اللغة للطفل، حيث يستطيع الطفل من خلال تعلم اللغة التميز بين الأشياء وإعطاء كل منها معنى منفصل ومميز عن غيرها، فالمفردات هي عبارة عن رموز للمعاني، ونستخدم إيماءات الوجه واليدين وكذلك حركات الجسم بشكل عام لتعليم الطفل اللغة في البداية، حيث يقوم الطفل بترجمة هذه الحركات وربطها بالكلام الذي يقال لفهمها بشكل جيد وبذلك يكون قادراً على تذكرها وتذكر معناها.

وهناك أيضا ألعاب تقوم في مبدأها على الذكاء المنطقي مثل لعبة الشطرنج والتي تعد لعبة ذهنية بامتياز، وكذلك ألعاب الألغاز الدماغ.

إقرأ أيضاً: ما هي أنواع الذكاء؟ وكيف تعرف نوع ذكائك؟

سمات الأفراد الذين يتمتعون بالذكاء المنطقي:

  1. الحساسية تجاه المشكلات والقدرة على تحديدها.
  2. الدقة، حيث يكون الفرد على درجة عالية جداً من التحديد والتفصيل.
  3. الصحة، حيث يوثق الفرد كل نتائجه من خلال ذكر الادلة والبراهين التي قادته إلى هذه النتائج.
  4. القدرة على استعمال المنطق في حل المشكلات التي تصادفهم بشكل جيد.
  5. امتلاك القدرة على اكتشاف العلاقات والروابط بين الأشياء.
  6. يمتلكون مهارة حل الألغاز.
  7. الاستمتاع بالتعامل مع المسائل الحسابية.
  8. تنظيم الحقائق.
  9. مهارة عالية في استخدام الرسوم البيانية.
  10. منفتح الذهن على الآخرين حيث يستفيد من تجارب وخبرات الآخرين.
  11. القدرة على تمحيص المعلومات وإصدار الأحكام.
  12. الاتساع والشمولية، حيث يعمل الفرد على الإحاطة بكافة جوانب المشكلة.
  13. اعتماد الشك المنهجي في التحليل.

أهمية الذكاء المنطقي التحليلي:

  • بناء التسلسلات المنطقية.
  • امتلاك القدرة على حل المسائل الحسابية ببراعة.
  • التعرف على العلاقات السببية التي تربط بين الأحداث والظواهر.

شاهد بالفيديو: 6 قواعد أساسية لتعزيز الذكاء العاطفي

كيف يمكن تطوير الذكاء التحليلي (المنطقي)؟

  • الاهتمام بالبرامج والتطبيقات الحاسوبية ومتابعة كل جديد فيها.
  • اتباع أسلوب الحوار والمناقشة أثناء الحوار مع الآخرين وذلك من خلال طرح الأسئلة ومناقشة الإجابات وتصويبها.
  • تطوير مهارة التصنيف من خلال تصنيف كل الأشياء التي تعترضنا في الحياة ونسبها إلى مجموعتها الخاصة بها.
  • تطوير القدرة على المقارنة والتميز والتدريب على كيفية إظهار أوجه الشبه والاختلاف بين الظواهر المختلفة.
  • البحث عن السبب في كل نتيجة.
  • خل الألغاز المنطقية والاختبارات
  • حفظ الارقام ولا سيما أرقام التواريخ والمناسبات المرتبطة بكل منها.
  • التحدث مع الآخرين حول طريقة حل المشكلات المنطقية.
  • إجراء التجارب والاستفادة من أبحاث وتجارب الآخرين.
إقرأ أيضاً: شرح نظريات الذكاء العاطفي

الفرق بين العقل العاطفي والعقل التحليلي:

  • ينظم القسم الأيسر من الدماغ العمليات المنطقية (الذكاء المنطقي) بينما ينظم القسم الأيمن من الدماغ المشاعر والانفعالات (الذكاء العاطفي).
  • الذكاء العاطفي هو القدرة على إدراك وتقيم وإدارة مشاعر الفرد الذاتية ومشاعر الآخرين، بينما الذكاء المنطقي هو القدرة على تحليل المشكلات بشكل منطقي باستخدام مهارات عديدة منها (التحليل، الاستنتاج، الاستدلال، التقييم).
  • يقوم الذكاء المنطقي على مبدأ السؤال الهادف والجواب العملي.
  • يعتبر الذكاء المنطقي الأهم في التحصيل العلمي والدراسي لكن بالنسبة للعمل له دور جزئي يتكامل مع الذكاء العاطفي الذي يعمل على تحديد كيفية التفاعل مع الآخرين في بيئة العمل.
  • لقد أظهرت العديد من الدراسات أن الذكاء العاطفي هو الأكثر أهمية من الذكاء المنطقي في بيئة العمل فهو الذي يؤثر على الأداء الوظيفي، فهو سمة مميزة للقادة.
  • اختبارات الذكاء العاطفي تظهر إمكانية النجاح لدى الفرد على عكس اختبارات الذكاء المنطقي التي غالبا تعطي معدل الذكاء لكنها لا تبين كيفية استخدامه في العمل بالشكل الصحيح.
  • الأشخاص الذين يمتلكون الذكاء العاطفي لديهم علاقات أفضل مع الآخرين، كما يكونوا أكثر قبولاً اجتماعياً بينما يميل الأشخاص ذوي الذكاء المنطقي إلى أن يكونوا محدودين في علاقاتهم الاجتماعية.

المصادر:

  • 1
  • غسان يوسف قطيط،الاستقصاء، مقالات تربوية، 2011
  • أماني غازي الجرار، إبداع الفكر، دار وائل للنشر، عمان، الأردن.
  • حمد الخالدي، استخدام استراتيجيات الذكاء المتعدد، عمان، الأردن.
  • خليدة بوذارع، التفكير المنطقي والتفكير الانفعالي، جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي، كلية الآداب.
  • عادل ريان، أنماط الذكاءات المتعددة لدى طلبة المرحلة الثانوية بمديرية تربية الخليل في فلسطين، مجلة جامعة الأقصى،
  • وليام شانر، الطريق إلى التفكير المنطقي، ترجمة عطية محمود هنا، القاهرة، مصر.



مقالات مرتبطة