الذكاء العاطفي عند الأطفال: تعريفه، ومقوماته، وأهميته، وطرق تنميته

يُربَّى الطفل على إنكار مشاعره وتجاهل وجودها، أو على تهويلها والسماح لها بتدمير حياته؛ وينمو مؤمناً بفكرة أنَّ مشاعره غير هامة، وأنَّ النجاة تكمن في العقلانية والعملية، إلَّا أنَّه يكتشف يوماً بعد يوم أنَّ المشاعر مفصلية جداً في الحياة، وأنَّ وعيه بمشاعره وطبيعتها يُخفِّف من طاقته السلبية الناتجة عن كبته للمشاعر وعدم الاعتراف بها، ممَّا يكسبه القدرة على اتخاذ القرارات الفعالة في حياته إن استطاع قبول مشاعر طفولته المكبوحة والمعرقِلة لنموه وتطوره. لذا سنتحدث في هذه المقالة عن الذكاء العاطفي عند الأطفال وأهميته وطرق تنميته.



تحدد إدارتنا لمشاعرنا شكل حياتنا، حيث يختبئ وراء سلوكاتنا السلبية الكثير من الدوافع والأسباب التي علينا اكتشافها والبحث فيها؛ فأنت لم تغضب من جراء كلمة صغيرة وُجِّهت إليك، ولكنَّ بركان المشاعر غير المعالجة قد أسهم كثيراً في إبداء ردة الفعل غير المحببة تلك؛ ولو أنَّك تعاملت حينها مع الموقف بذكاء عاطفي، كنت ستتجنب الكثير من الإحراج.

النمو العاطفي عند الطفل:

يجمع الطفل كل ما اختبره من مشاعر ومواقف وتجارب خلال سنوات طفولته الأولى ويجعل منها مرجعية لكل تفاصيل حياته مستقبلاً؛ إذ لا يخزن الدماغ المعلومات ويحدد قدرة الطفل العقلية فحسب، بل يخزن المشاعر والأحاسيس أيضاً، ويصنع منها أساساً يبني عليه كل تعاملاته وعلاقاته وسلوكاته.

يتهاون الأهالي في أهمية المشاعر في حياة طفلهم، ويُولون اهتماماً كبيراً للمدرسة والاختبارات، معتقدين أنَّ الحياة بأسرها مقتصرة على الدراسة، غير مدركين أهمية اكتساب الطفل مهارات ذاتية للوصول إلى التوازن في الحياة؛ فما نفع تربية طفل يحصل على نتائج جيدة جداً في المدرسة لكنَّه غير واعٍ بمشاعره، ويفقد السيطرة على انفعالاته، ولا يملك مهارة الإصغاء، ولا يستطيع اتخاذ قراره بحكمة واستقلالية، ولا يقرأ مشاعر الآخرين، ولا ينجح في التواصل معهم؟

ما هو الذكاء العاطفي عند الاطفال؟

لقد أثبتت الدراسات الحديثة أنَّ نسبة نجاح الطفل الذي يتمتع بذكاء عاطفي أكبر بكثير من نسبة نجاح الطفل الذي يمتلك ذكاء عادياً، وذلك وفقاً لتجربة طُبِّقت على مجموعة من الأطفال الأذكياء عاطفياً ومجموعة أخرى من ذوي الذكاء العادي (IQ)؛ حيث تتبَّع الباحثون في هذه الدراسة المجموعتين بعد فترة طويلة من الزمن، واكتشفوا أنَّ الأطفال الأذكياء عاطفياً قد وصلوا عندما كبروا إلى مراتب متقدمة من النجاح على الصعيد الشخصي والمهني، في حين حافظ الآخرون الذين لا يملكون مهارة الذكاء العاطفي على مستويات عادية من النجاح.

تعريف الذكاء العاطفي:

الذكاء العاطفي هو القدرات والمهارات في التعرف إلى مشاعرنا الذاتية ومشاعر الآخرين لنكون أكثر تحكماً في انفعالاتنا، وتحفيز أنفسنا، وإقامة علاقات أفضل مع الآخرين.

إقرأ أيضاً: اختبار الذكاء العاطفي (الانفعالي)

أسس الذكاء العاطفي عند الاطفال:

تُلخِّص خمسة عوامل رئيسة مهارة الذكاء العاطفي، وهي:

1. الوعي الذاتي:

يدرك الطفل خلال سنوات طفولته الأولى مشاعره ويعي وجودها، ويؤمن كلما تقدَّم فيه العمر بأنَّه كائن مستقل له معتقداته ورغباته ومشاعره وأفكاره؛ ممَّا يدفعه إلى أن يكون مرناً في التعامل مع المشاعر، وإلى السماح لها بالتدفق والعبور بسلاسة.

2. التحكم بالمشاعر:

يمتلك الشخص الذكي عاطفياً القدرة على التحكم بمشاعره وإدارتها وفقاً لما هو مناسب له، فلا يقع ضحية مشاعر معينة، بل يُحسِن ضبط مشاعره ويحوِّلها إلى نقطة قوة لديه.

3. التحفيز الذاتي:

يمتلك الإنسان الذكي عاطفياً مرجعية داخلية للتحفيز الذاتي، ويميل إلى بناء حوار داخلي تحفيزي مع ذاته على الدوام.

4. فهم مشاعر الآخرين:

يميل الإنسان الذكي عاطفياً إلى الإصغاء الجيد إلى مشاعر الآخرين، ومن ثم يعمل على تحويلها إلى ما فيه خدمة الطرفين.

5. إدارة العلاقات:

لا يستهجن الشخص الذكي عاطفياً أي شخصية على الإطلاق، ويُبدِي تقبُّلاً لكل أنماط الشخصية؛ ممَّا يجعله ناجحاً اجتماعياً وعملياً، ويفتح أمامه الكثير من الفرص والاحتمالات.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

سلوكات تجعل ابنك غبياً عاطفياً:

1. التجاهل والإهمال:

يميل معظم الأهالي إلى عدم الاهتمام بأحاديث أولادهم، كأن يستمر الأب في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بينما يتحدث ولده إليه، دون أن يبدي الاهتمام الكامل والإصغاء والتواصل البصري الهام.

2. التهوين أو التهويل:

قد يميل الأهل إلى التهاون الشديد بمشاعر الولد لدرجة إنكار وجودها، أو يميلون إلى تضخيم موقف ما يتعرَّض إليه ولدهم بطريقة مبالغ فيها؛ فعلى سبيل المثال: إن سقط الابن على الأرض، فقد تكون ردة فعل الأم هيستيرية، ممَّا يجعل الطفل يميل إلى تضخيم الأمور عندما يكبر، ويبعده عن التوازن والمنطقية، ويخلق طفلاً مضطرباً نفسياً.

3. تقديم النصائح والحلول:

لا يرغب الأطفال في سماع النصائح والحلول الجاهزة، الأمر الذي يعطل لديهم مهارة التحليل والربط للوصول إلى النتيجة؛ لذا عوضاً عن اتباع أسلوب التلقين والمعلومات الجاهزة، اترك المجال لابنك لكي يبدع ويسأل نفسه ويكتشف النتيجة لوحده، الأمر الذي يبني لديه شخصية ذكية عاطفياً وقادرة على التحليل واتخاذ القرارات.

يحتاج الطفل إلى مَن يحس بمشاعره ويقدِّرها، لا إلى مَن يحول القضية إلى نصائح وتعليمات وأوامر؛ فعلى سبيل المثال: عندما يأتي طفلك شاكياً إليك خسارته في لعبة الشطرنج، أصغِ إليه، وتقبَّل مشاعره، ولا تحاول تحويل الأمر إلى حكم وعِبر.

4. التحقيق:

غالباً ما يكون طفلك بحاجة إلى الاحتواء عندما يكون منزعجاً أو حزيناً على شيء ما، ولا يحتاج إلى استجوابه بأسئلة مستفيضة عن الأمر.

5. التثبيط:

يقتصر دور الأهل على التبيان وشرح مساوئ وإيجابيات الأمر للطفل، تاركين له حرية القيام بالأمر وتحمل نتائجه؛ لكن عادةً ما يُثبِّط الأهالي طفلهم ويهزون ثقته بذاته من خلال تبنيهم دور الخبير في الحياة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد على تكوين شخصيّة الطفل السليمة

أهمية الذكاء العاطفي:

تتبنى ثقافة معظم المجتمعات ثقافة إنكار المشاعر بحجة أنَّها ضعف، وأنَّ البعد عنها قوة؛ فيتبعون أساليب كثيرة لكبح جماح مشاعرهم الطبيعية ومنعها من التدفق والظهور، كأن ينكروها تماماً أو يكتموها؛ ممَّا يؤدي إلى الوصول إلى حالةٍ من التراكمات المتعبة التي تظهر على شكل سلوكاتٍ سلبيةٍ أو أمراض نفسية وجسدية.

تتهرب فئة من الناس من مشاعرها من خلال اللجوء إلى السلوكات الإدمانية، كإدمان الإنترنت أو الطعام؛ ويأتي هنا دور الذكاء العاطفي في فتح المجال لعبور المشاعر والإحساس بها، ومن ثم البحث عن الرسالة والدوافع التي تقف وراء المشاعر، واكتشاف المعتقدات الموجودة في اللاوعي التي أسهمت في ظهور المشاعر السلبية؛ حيث يساعد الذكاء العاطفي في الوصول إلى شخص متوازن، وواثق من نفسه، وقادر على التعبير عن ذاته، وواضح الرؤية والأفكار، ومتحكم بانفعالاته، وقادر على اتخاذ قراراته، ومتحرر من الطاقة السلبية، ومصغٍ جيد إلى مشاعر الآخرين، وناجح في بناء العلاقات الاجتماعية.

إقرأ أيضاً: 17 تصرفاً لا يفعلها الأشخاص الأقوياء عاطفياً

كيفية تنمية مهارات الذكاء العاطفي عند الطفل:

1. الإصغاء:

أصغِ إلى حديث ابنك بكل حواسك، وامنحه توافقك الجسدي والبصري، كأن تنزل إلى مستوى جسده لدى الحوار معه وتنظر إلى عينيه مباشرة؛ إذ من شأن ذلك أن يقوِّي ثقته بنفسه ويجعله متوازناً أكثر.

2. القدوة:

كونوا قدوة حسنة لأطفالكم، وأمطروهم بالحب والمشاعر والامتنان، وعبِّروا عن مشاعركم أمامهم لكي يعتادوا التعبير عن المشاعر وعدم كبتها.

3. الوعي:

درِّبوا أبناءكم على التعرف على أنواع مشاعرهم، إذ إنَّ الخطوة الأولى لكي يتعلم الطفل ضبط مشاعره والتحكم بها هو أن يعرفها ويفهمها.

4. التفريغ:

اسمحوا لأبنائكم بالبكاء، فالبكاء من أكثر طرائق تفريغ الطاقة السلبية فاعلية؛ وافسحوا لهم المجال للتعبير عن مشاعرهم السلبية بالطريقة التي يحبونها، وعلِّموهم أن يعيدوا السيطرة على الأمور بعقلانية، ويسألو أنفسهم أسئلة إيجابية مثل: "ماذا بإمكاننا أن نفعل الآن؟ ما هو التصرف الأكثر إيجابية الذي بمقدورنا فعله؟".

5. الضبط:

لا تستخدموا أسلوب تشتيت الانتباه عندما يبكي طفلكم أو يغضب، بل علِّموه التعبير عن المشاعر بسلاسة، ومن ثمَّ الضبط الذاتي لها؛ كأن يجلس في الغرفة وحيداً ريثما ينتهي من نوبة البكاء، ويستعيد السيطرة على الوضع.

6. الإسقاط:

ضع نفسك مكان طفلك، واستشعر مشاعره وردات أفعاله، وتعامل معه على هذا الأساس؛ إذ من شأن ذلك أن يجعلك متعاطفاً معه.

علِّم طفلك مهارة التفكير في ما وراء الشعور، كأن يبحث في المعتقدات والأفكار التي جعلته يشعر بتلك بالمشاعر، ويسأل نفسه بعد ذلك عن الخطوات التي عليه القيام بها من أجل أن يكون أكثر سعادة وإيجابية.

شاهد بالفيديو: كيف ننمي الذكاء العاطفي عند الأطفال؟

الذكاء العاطفي عند الطفل وعلاقته بالتحصيل الدراسي:

في دراسة أجرتها جمعية العلوم النفسية الأمريكية وجدت أن الطلاب الأكثر قدرة على فهم وإدارة عواطفهم بشكل فعال، يقومون بعمل أفضل في المدرسة من أقرانهم، وذلك بالاستناد إلى معدل الدرجات الموحدة، وهذا الفرق يعود أساساً إلى ما يسمى مهارات الذكاء العاطفي.

وتقول الدكتورة كارولين ماكان، من جامعة سيدني: «على الرغم من أننا نعلم أن الذكاء العالي والشخصية الضميرية هما أهم السمات النفسية اللازمة للنجاح الأكاديمي، فإن بحثنا يسلط الضوء على عامل ثالث وهو الذكاء العاطفي، الذي قد يساعد الطلاب أيضًا على النجاح». وتستكمل قولها: "لا يكفي أن تكون ذكيًا ومجتهدًا. يجب أن يكون الطلاب قادرين أيضًا على فهم وإدارة عواطفهم للنجاح في المدرسة".

وعلى الرغم من أنّ مفهوم الذكاء العاطفي كمجال للبحث الأكاديمي جديد نسبيًا، ويعود تاريخه إلى التسعينيات فقط، وفقًا لماكان، حللت ماكان وزملاؤها بيانات من أكثر من 160 دراسة، تمثل أكثر من 42000 طالب من 27 دولة، نُشرت بين عامي 1998 و 2019. أكثر من 76٪ كانوا من البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية. تراوحت أعمار الطلاب من المدرسة الابتدائية إلى الكلية. وجد الباحثون أن الطلاب ذوي الذكاء العاطفي العالي يميلون إلى الحصول على درجات أعلى ودرجات أفضل في اختبار التحصيل من أولئك الذين لديهم درجات ذكاء عاطفي أقل. كانت هذه النتيجة صحيحة حتى عند التحكم في عوامل الذكاء والشخصية.

إنّ ما يثير الدهشة بعدم وجود ارتباط بين تعلم مهارات الذكاء العاطفي، وبين العمر؛ إذ يمكن للأطفال الصغار تعلم مهارات الذكاء العاطفي مثلهم مثل البالغين، كما يمكنهم الاستفادة من تلك المهارات، فبالنسبة لتأثير الذكاء العاطفي على الأداء الأكاديمي، فهي بكل تأكيد تلعب دوراً حاسماً في النجاح المدرسي عند الأطفال، فالطلاب ذوي الذكاء العاطفي العالي أكثر قدرة على إدارة المشاعر السلبية، مثل القلق والملل وخيبة الأمل، والتي يمكن أن تؤثر سلبًا على الأداء الدراسي. وقد يكون هؤلاء الطلاب أكثر قدرة على إدارة التعامل مع محيطهم سواء مع المدرسين أم مع الأقران من خلال تشكيل علاقات أفضل مع المعلمين والأقران والأسرة، وكلها مهمة للنجاح الدراسي.

الخلاصة:

طفلك نعمة حقيقية، ووجوده في حياتك رزق حقيقي؛ لذا اعتنِ به حتى آخر نفَس في حياتك، وأعطه حباً ودفئاً واهتماماً وثقة ومتعة وقوة، وابنِ توازنه النفسي والعاطفي والعقلي؛ فحياة ولدك ومستقبله وعلاقاته متوقفة على الأساس الذي بنيته.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة