الذكاء الانفعالي ذكاء نفساني

يتمتع بعض الأشخاص بالذكاء الانفعالي بالفطرة، والذي يعني الاستطاعة بالتحكم بالعواطف بطريقة صحيحة. يبدأ الذكاء الانفعالي بفهم المشاعر، ومن ثم إدارتها، وتفهم مشاعر الآخرين، ومن ثمّ مساعدة الآخرين في إدارة مشاعرهم. وبالمقابل يفتقد بعض الأشخاص إلى الذكاء الانفعالي، وهو ما يطلق عليه أحياناً الغباء الانفعالي.



مفهوم الذكاء الانفعالي:

يُعرِّف بعضهم الذكاء الانفعالي بأنَّه الذكاء في تفعيل الوجدان، ويعرِّفه آخرون بأنَّه "الانتباه إلى الانفعالات ومنطقتها" أو "الوعي بالمشاعر والوجدان" بينما يرى بعضهم الآخر أنَّه القدرة على المشاركة الوجدانية مع الآخرين.

كيف يشرح علم النفس الذكاء الانفعالي؟

في الحقيقة إنّ انفعالاتنا المختلفة، وحتى السلبية لم توجَد بشكل عبثي، أو لتجعل حياتنا صعبة، إنما هي مرآة لأنفسنا تخبرنا بأمرٍ ما، وبالتالي فإنّ فهمها وإدارتها بالشكل الصحيح، يساهم في نمونا وتطورنا بشكل هام ولافت.

تؤكد جميع مدارس علم النفس، أنّ الذكاء الانفعالي لا يعني أبداً قدرتنا على الشعور بالتوازن والرضا طوال اليوم، ولكنه يعني تماماً أن نكون أشخاصاً حقيقيين صادقين مع أنفسنا، بشكل يتيح لنا أن نتعرف على مشاعرنا ونفهمها بالشكل الصحيح، ثم نعبر عنها بشكل مفيد وبنّاء، وأن نكون قادرين على تبديل أفكارنا عندما نعي أنها تضرنا، بدون أن نتشبث بها لمجرد التشبث، ونسج علاقات صحية وسليمة مع من حولنا بشكل يتيح لنا أن نواجه التحديات التي تعترض طريقنا، فلا حياة بدون مصاعب ومشاكل.

ينظر خبراء علم النفس إلى الانفعالات على أنها المكافئ النفسي للألم الجسدي، كما أننا كبشر نكره الشعور بالألم، ونذهب إلى الأطباء ونأخذ الأدوية من أجل التخلص منه، إلا أننا وفي نفس الوقت قد نموت إذا فقدنا هذا الشعور بالألم، لأنّه يعمل كجرس إنذار، يخبر الجسم في حال وجود أمر ما غير صحي، مما يدفعنا إلى القيام بردة فعل معينة من أجل الحفاظ على سلامة الجسم، قد تكون سحب اليد في حال اقتربت من النار، أو زيارة الطبيب أو المشفى للقيام بعملية جراحية لإزالة سبب هذا الألم، بنفس الطريقة فإنّ الانفعالات تنبهنا إلى أنّ وضعنا الحالي غير مستقر، ويجب علينا اتخاذ خطوة ما، هذا التعرف على الانفعال وتحديد سببه ومعالجته، هو ما يسميه خبراء علم النفس بالذكاء الانفعالي.

شاهد بالفيديو: كيف تسيطر على مشاعر الانفعال الزائد

مكونات وأبعاد الذكاء الانفعالي:

1. الوعي بالمشاعر أو الوعي الذاتي:

ويبدو أن تفحُّص الخبرات الانفعالية في حقيقة الأمر يتلخَّص في أنَّ الوعي بالانفعالات والمشاعر هو حجر الزاوية في الذكاء الانفعالي، ولكنَّه ليس العملية كلها، فيجب أولاً أن نفهم معنى الوعي الذاتي، وهو وعي المرء بانفعالاته الشخصية وحالته المزاجية كما تحدُث، وكذلك الوعي بأفكاره عنها.

يعتمد الوعي بالمشاعر والانفعالات في حد ذاته على كفاءة انفعالية أساسية يقوم عليها غيرها من الكفاءات الشخصية مثل التحكم في الانفعال وضبط النفس؛ ولذلك فإنَّ العلاج النفسي يركز على الوعي بالذات ويعمل على تنميته فعلى أساسه يمكن تحسين الحالات المزاجية السلبية.

2. تنظيم وإدارة الانفعالات:

وكذلك فإنَّ تنظيم وإدارة الانفعالات تعدُّ البعد الثاني من أبعاد الذكاء الانفعالي، والتي تعني إدراك ومعرفة ما الذي يكون وراء هذه المشاعر وكيفية معالجة القلق والمخاوف والغضب والحزن، وهذا ما يؤكد قول سقراط: "اعرف نفسك" وكأنَّ المعرفة هي مفتاح الشفاء، فالشخص الذي لديه قدرة على الوعي بمشاعره وفهمها والوعي بأفكاره عنها، تكون لديه قدرة على الانتباه إلى مشاعره وتفحصها وملاحظة أفكاره ومراقبتها كي يستطيع السيطرة على الانفعال، ومن ثم يسيطر على الأفعال.

3. الدافعية الشخصية:

ثم يأتي بعد ذلك بُعد الدافعية الشخصية بمعنى توجيه العواطف والانفعالات لخدمة الهدف والسيطرة على الانفعالات قبل أن تتحول إلى أفعال؛ بمعنى: تأجيل الإشباع وكبح الاندفاعات، ولذلك فإنَّه كلما استطاع الشخص أن يملك دفة انفعالاته كان حكيماً يتحلى بالصبر والتفهم، وهي خصائص إيمانية يستطيع من خلالها المرء أن يتولى أمر جماعته ويحقق النجاح في عمله وعلاقاته.

أما عندما يكون عبداً لأهوائه وانفعالاته، فإنَّه يكون عرضة للاكتئاب وسرعة الغضب والاندفاعية، ويلجأ إلى وسائل خارجية للسيطرة على انفعالاته واندفاعيته كتعاطي الخمور والمخدرات، وامتلاك دفة الانفعالات لا يعني أن يكون المرء متحجراً غليظ القلب أو بارد العواطف؛ ولكنَّه يعني أنَّ المرء يستطيع أن يراقب انفعالاته السلبية ويحقق التوازن في ردود أفعاله الانفعالية.

4. المشاركة الوجدانية والتعاطف:

وهذا ما ينقلنا إلى البعد الرابع من أبعاد الذكاء الانفعالي وهو بُعد المشاركة الوجدانية والتعاطف، فالحساسية تجاه مشاعر الآخرين والاهتمام بهم وتفهُّمهم ووضعهم في الحسبان وتقدير الاختلاف بين الناس في التعبير عن مشاعرهم تجاه الأشياء تسهم في عمل التوازن بين المشاعر السلبية والإيجابية، وتخفف الغضب وعواقبه الضارة بالشخص وبالآخرين، وعلى سبيل المثال إذا تضايق شخص ما من شحاذ فقد يعود ضيقه إلى معتقدات خاطئة حول أسلوب هذا الشحاذ، فقد يظن أنَّه يدعي الفقر على الرغم من ثرائه، ولكنَّه إذا تذكر قول الله: "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ"؛ فلسوف يعيد تفكيره ويخفف غضبه وحنقه من الشحاذ، ومن هنا قد يتعاطف معه ويضع نفسه مكانه.

5. فن معالجة العلاقات الشخصية المتبادلة:

وهنا يمكن أن ننتقل إلى البُعد الخامس من أبعاد الذكاء الانفعالي وهو فن معالجة العلاقات الشخصية المتبادلة؛ ويعني هذا قدرة الشخص على تنظيم وإدارة انفعالاته في التعامل مع الآخرين وتحقيق النسيج الاجتماعي السليم الذي يحقق الصحة النفسية ويدفع إلى التعاون والعمل المنتج الفعال.

ولهذا فإنَّ الذكاء الانفعالي يجمع بين القدرة الذاتية على الوعي بالانفعالات وإدارتها وتنظيمها واستثمارها في فهم مشاعر الآخرين وتفهُّمهم ومشاركتهم وجدانياً وتحقيق النجاح في الاتصال بالآخرين حتى تتحقق المقولة النبوية الشريفة: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً"؛ حيث يؤدي قصور الذكاء الانفعالي إلى تخريب البناء النفسي والبناء الاجتماعي ويهدد السلامة الشخصية والمجتمعية.

العلاج النفسي يركز على الوعي بالذات ويعمل على تنميته فعلى أساسه يمكن تحسين الحالات المزاجية السلبية.

إقرأ أيضاً: أنواع الذكاء التسعة ونظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر

ما هي خصائص الذكاء الانفعالي؟

1- النظرة الصحيحة:

لا بدّ أولاً أن يكون لدينا نظرة صائبة، حيال ما ينبع عن ذواتنا من انفعالات، تتظاهر بأشكال عدة في الحياة اليومية، حيث يجب أن نكف عن النظر إلى هذه الانفعالات على أنها مشاكل أو سلبيات، وننظر إليها على أنها نعمة حقيقية، فهي بمثابة جرس الإنذار وصمام الأمان، وترسل رسالة مفيدة أنه يوجد خطأ ما يجب تداركه.

2- فهم انفعالات الآخرين:

يجب علينا أن نفهم أنّ انفعالات من حولنا هي من حقهم، وهي أمر طبيعي وضروري، كما هي انفعالاتنا، من هذا المنطلق يجب علينا ألا نبني كل شيء على انفعال، ولا نهدم كل شيء بسبب انفعال.

3- عدم الانجرار وراء الانفعالات:

يجب علينا أن ندرك أنّ انفعالاتنا هي انفعالاتنا فقط، هي ليست الحقيقة، وهي ليست الواقع، ولها أسباب متعددة، منها خارجية ومنها داخلية، وقد تكون خليطاً من كليهما، لذا يجب ألا نسمح لانفعالاتنا بخداعنا أو التحكم بنا، بل يجب علينا نحن أن نديرها بالطريقة التي تخدمنا وتفيدنا.

مهارات الذكاء الانفعالي:

1- لا تدع مشاعرك تقوم بخداعك:

قد تبدو المشاعر والعواطف التي نحس بها، حتمية أو نهائية أو حقيقية أو غير قابلة للتغيير، ولكن يجب علينا ألا ننجر وراءها، وأن نفهم جيداً بأنها ليست كما تبدو، أي وبمعنى آخر، مشاعرنا هي ما نحس به فقط وليس بالضرورة أن تكون واقعاً أو حقيقةً.

2- مهارة فهم الأفكار من أجل التحكم في العواطف:

إنّ فهم الإنسان الأفكار التي تقف وراء عواطفه، هو الطريقة الأمثل للتحكم بهذه المشاعر، فعندما نشعر بالسعادة، نسأل أنفسنا "ما هو الشيء الجديد الذي تعلمناه أو اكتسبناه حتى اجتاحنا هذا الشعور بالسعادة"، وعندما ينتابنا الحزن، نسأل أنفسنا "ما هو الشيء الذي قد نكون خسرناه حتى شعرنا بهذا الحزن؟"، وعندما نشعر بالقلق يجب أن نسأل أنفسنا "ما هو الخطر الذي يلوح في الأفق ونحن خائفون من حدوثه".

3- مهارة إدارة المشاكل والخلافات:

إنّ من يمتلك مهارات الذكاء الانفعالي، يدرك أنّ انفعالات الآخرين هي عبارة عن تفريغ لما هم يكبتونه في داخلهم، وهو يعلم تمام العلم أنّ تعبيره عن هذا الانفعال بالصراخ يكون أفضل بكثير من كبته في العديد من الحالات، لذا فهو يدير المشاكل والخلافات بطريقة صحيحة، ويدير انفعالات من حوله بالشكل المناسب.

4- الحصول على ما تريد:

إنّ الإنسان الذي يعرف كيف يستوعب انفعالات الآخرين، ويديرها بالشكل الصحيح، بحيث يحترم الانفعال، ولا يكبته أو يقمعه أو يقلل من قيمته، هو إنسان يمتلك مهارة من أهم مهارات الذكاء العاطفي، لأنه بذلك يستطيع الوصول إلى قلوب من حوله بشكل مباشر، وبالتالي يستطيع أن يصل إلى ما يريد، ويحقق أهدافه.

إقرأ أيضاً: الثبات الانفعالي: أنواع الانفعالات والتحكم بها

كيف يمكن تنمية الذكاء الانفعالي؟

يتميز الذكاء الانفعالي بأنه مهارة يمكن للإنسان تطويرها، وهي لا تولد مع الإنسان، بل يتعلمها ويكتسبها، وبالطبع فإنّ الموضوع غير ممكن بين يوم وليلة، ويحتاج إلى وقت، كي يكون الفرد قد مر بتجارب حياتية كافية، دعونا نستعرض أهم الطرق التي يمكن اتباعها لتنمية الذكاء الانفعالي:

1- القراءة:

لا يختلف اثنان على أنّ قراءة الكتب والمقالات هي الوسيلة الأمثل لبناء إنسان متوازن وواعي حيال نفسه وحيال الآخرين، وخصوصاً مطالعة الكتب والمقالات التي تتحدث عن علم النفس، وتحلل المشاعر والعواطف والانفعالات، مما يمنح الشخص وعياً حول ماهية المشاعر التي تنتابه، من أجل أن يستطيع فيما بعد أن يديرها ويعدلها ويتحكم بها.

2- الانخراط في الحياة الاجتماعية:

إنّ ما نقرأها في كتب علم النفس، سيبقى كلاماً جافاً في حال لم نقم بتطبيق في الحياة الاجتماعية، لذا لا يمكن تنمية الذكاء الانفعالي إلا من خلال الدخول في علاقات اجتماعية مع البيئة المحيطة بنا، بما يتيحه لنا هذا الانخراط من احتكاك مباشر مع عواطف الناس وانفعالاتهم، والتعرف عليها، ومحاولة تحديد السبب الكامنة وراءها، إنّ كل هذه الأمور تسهم بشكل كبير في زيادة خبرتنا وتجاربنا الحياتية، وبالتالي تنمية ذكائنا الانفعالي.

3- خوض تجارب جديدة:

إنّ أكثر ما يُطفئ من شغفنا في الحياة هو أن نصر على بقائنا في منطقة الراحة الخاصة بنا، وأكثر ما ينمي ذكاءنا الانفعالي، هو الانخراط في كل ما هو جديد، فهو يحفز الدماغ وينشطه باستمرار.

4- ممارسة التمارين الرياضية:

عدا عن كون الرياضة صحة للجسم والعقل، وتنشط الدورة الدموية وتقوي العضلات وتزيد ثقة الشخص بنفسه، إلّا أنّ فائدتها الحقيقية بأنها تعمل على إعادة تدوير العواطف والمشاعر، وإرجاع الحالة الانفعالية إلى حالتها الطبيعية، مما يتيح للإنسان السيطرة على مشاعره بطريقة أسهل، وإفساح المجال أمام المقاربة العقلية والمنطقية للموقف، مع إهمال تأثير العواطف والمشاعر.

شاهد بالفيديو: كيفية التحكم بالانفعالات وضبط النفس

مقياس الذكاء الانفعالي:

يوجد العديد من الاختبارات أو الفحوص، التي نستطيع من خلالها تقييم مدى الذكاء الانفعالي الذي يتمتع به، وأغلبها ترتكز على مبدأ طرح أسئلة، يجب على الشخص الإجابة عنها، ثم يتم تقييم هذه الإجابات، ومن أهم هذه الاختبارات:

مقياس EQ-i: وهو مقياس مخصص لمعرفة مدى كفاءة الشخص في معرفة ذاته، والقدرة على صنع القرارات المناسبة، بالإضافة إلى اختبار قدرته في إدارة علاقاته الاجتماعية مع من حوله.

إقرأ أيضاً: الانفعالات: أنواعها وطريقة ضبطها

اختبار الذكاء الانفعالي:

اختبار MSCEIT: وهو فحص مخصص من أجل معرفة مدى قدرة الشخص على فهم أو إدراك عواطفه، والتعرف عليها وإدارتها بالشكل الصحيح.

كتب عن الذكاء الانفعالي:

للقراءة دور محوري في تنمية الذكاء الانفعالي، وهي خطوة لا بد منها لكل من يريد تطوير ذكائه الانفعالي، ومن أهم هذه الكتب:

  • الذكاء الانفعالي، تعلم كيف تفكر انفعالياً.
  • سايكولوجيا الذكاء الانفعالي، أسس وتطبيقات.
  • الذكاء الانفعالي وعلم النفس التربوي.
  • الذكاء الانفعالي في علم النفس.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة