الدروس الخصوصية: أسبابها، وفوائدها، وسلبياتها

أصبحت الدروس الخصوصية في أيامنا هذه ظاهرة مألوفة؛ إذ إنَّه قبل أعوام قليلة ماضية اقتحم مصطلح "المُدرِّس الخصوصي" عالم التعليم والأسرة، فتسبب في حدوث هرج ومرج كبيرين، وانقسمت الناس بين مؤيد ومعارض له، كلٌّ حسب أسبابه؛ لكنَّه لم يلبث أن رسَّخ وجوده، وأصبح ظاهرة اجتماعية وتعليمية متداولة، على الرغم من الإيجابيات والسلبيات التي يحملها.



سنقوم في هذه المقال بتعريف الدروس الخصوصية، وتحديد أسباب انتشارها، مع ذكر بعض إيجابياتها وسلبياتها، لتصبح الأمور واضحةً ومُضاء عليها من جميع جوانبها أمام الأهل الذين لم يتخذوا بعد موقفاً محدداً تجاه هذه الظاهرة.

ما هي الدروس الخصوصية؟

قبل الغوص في تفاصيل هذا المصطلح، لا بُدَّ من تعريفه وإحاطة جوانبه، فالدرس الخصوصي هو حصة تعليمية يتلقاها الطالب في منزله، من قبل معلمه في الصف أو معلم آخر بالاختصاص نفسه؛ إذ يقوم المعلم بإعادة شرح دروس المنهاج الدراسي للطالب بشكل يناسب استيعابه الفردي وقدراته الشخصية، ويقوم بمساعدته على حفظ دروسه وفهمها، ويعينه على حل واجباته الدراسية.

يمكن أن يتلقَّى الطالب الدرس الخصوصي بمفرده، كما يمكنه أن يتلقاه مع عدد قليل من زملائه، ويكون مكان إعطاء الدرس عادةً في منزل الطالب، كما يمكن أن يكون في منزل مُدرِّسه أو في معهد مختص بهذا الأمر. وتجدر الإشارة إلى أنَّ أوقات الدروس الخصوصية تكون بعد أوقات الدوام المدرسي، أو في أيام العطلة الأسبوعية.

ومن البديهي أن نذكر بأنَّ الدروس الخصوصية مدفوعة الأجر وليست مجانية، وأنَّ أجورها تصل إلى أرقام خيالية في بعض الأحيان، تبعاً لشهرة المُدرِّس وقصص نجاح طلبته، وتحسُّن أحوالهم الدراسية، والنقلات النوعية التي أحدثها تلقِّيهم دروسه الخصوصية في تقييماتهم ودرجاتهم.

أسباب انتشار الدروس الخصوصية:

ساهمت مجموعة كبيرة من الأسباب في شيوع مصطلح الدروس الخصوصية وانتشاره في أوساط الطلاب والمدرسين والأسر، ونذكر من هذه الأسباب:

  1. ضعف مستويات الطلاب التحصيلية في بعض المواد الدراسية.
  2. ضيق وقت الحصة الدرسية مقارنة بالوقت اللازم لاستيعاب المنهاج الدراسي، ناهيك بعدم احتوائها على وقت كافٍ للشرح والإجابة عن تساؤلات الطلاب واستفساراتهم.
  3. كثرة عدد الطلاب في الحجرة الصفية، وعدم قدرة المعلم على استيعاب الفوارق الفردية فيما بينهم، بما يخص طريقة الفهم ووقت الاستيعاب.
  4. تحوُّل الدروس الخصوصية إلى موضة ووسيلة تفاخر وتفاضل بين الطلبة وذويهم.
  5. ضعف الدخل الذي يتقاضاه المعلمون من قبل المنظومة التعليمية لقاء عملهم في المدارس، مقارنة بالتكاليف المرتفعة للدروس الخصوصية.
  6. ارتفاع الاستحقاق لدى فئة المعلمين، وإيمانهم بأنَّ وقتهم وجهدهم الذي يمنحونه في الصف أثمن من الفكة الزهيدة التي يتقاضونها.
  7. عدم الانتباه والاهتمام الكافي من قبل الطلبة في الحصة الدرسية؛ لأنَّ المدرس الخصوصي سيعيد شرح المعلومات التي يقدمها المعلم لهم.
  8. عزوف بعض المعلمين عن بذلهم الجهد المفروض والاعتيادي في إيصال المعلومات إلى الطلاب؛ بسبب قلة اهتمام الطلبة واعتمادهم على التدريس الخصوصي، سواء عند المعلم نفسه أم عند معلمين آخرين.
  9. اعتياد الطلبة على أسلوب التلقين وعدم تحمُّل مسؤولية استذكار معلوماتهم، ناهيك بتنصُّلهم من جميع واجباتهم، واتكالهم على وجود من يقوم عنهم بهذه المهام.
  10. كثافة المناهج الدراسية، وضخامة المقررات التي تجعل من إنهاء المنهاج في أثناء الحصص الدراسية المدرسية بمفردها أمراً شبه مستحيل، إذا ما أردنا إعطاء المعلومات بشكل واضح وقابل للاستيعاب من قبل الطلبة. وإذا ما تحتَّم إنهاء المقرر والمنهاج، فسيكون ذلك بشكل مكثف وعلى حساب استيعاب التلاميذ.
  11. تقصير الأهل في متابعة أبنائهم دراسياً، بسبب انشغالهم في أمور الحياة، أو عدم اطلاعهم العلمي الكافي الذي يؤهلهم للقيام بهذا الدور، فيقومون بإسناد أبنائهم إلى المدرسين الخصوصيين ليرفعوا بذلك المسؤولية عن أنفسهم، ويتخلصوا من جلد الذات وتأنيب الضمير بخصوص تقصيرهم مع الأبناء.
  12. الروح التنافسية العالية التي تسود بين الطلبة المتفوقين خاصةً، والرغبة في بذل جميع أسباب النجاح والتفوق.
  13. رغبة الطلاب في رفع مستواهم العلمي، وتحصيل العلامات التي تؤهلهم دخول الأفرع الدراسية التي يحلمون بدخولها.
  14. الغياب عن الحصص الدراسية الصفية، ورغبة الطلاب في تعويض الفاقد التعليمي عن طريق الدروس الخاصة.
  15. حصول الطالب على الاهتمام الكافي - الذي يفتقده - من المعلم في أثناء الدروس الخصوصية، والعلاقة الوطيدة التي تنشأ بينهما نتيجة المرونة في التعامل، وحرص المعلم على راحة الطالب الكاملة النفسية والفكرية لضمان تلقِّيه المعلومة بأفضل صورة؛ إذ تُعَدُّ هذه المراعاة من أساليب التسويق الشخصي للمعلم، ومن المرغِّبات التي تشجع الطلبة على الالتحاق بصفوفه.

شاهد بالفديو: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح

فوائد الدروس الخصوصية:

تتميز الدروس الخصوصية بالعديد من الإيجابيات والفوائد التي تعود على الطلبة، سواء أكانت من النواحي النفسية أم التعليمية أم التربوية. ونذكر من هذه الإيجابيات:

  1. ارتفاع مستوى التحصيل العلمي للطالب: وذلك بفضل اهتمام المدرس الخصوصي بالطالب، ومعرفته لثغراته ونقاط ضعفه، وعمله على تقويتها، فيستكمل الطالب بهذه العملية نواقصه، ويحيط بالأفكار الموجودة في منهاجه الدراسي من جميع جوانبها، فيحقق الدرجات العالية في الاختبارات.
  2. دخول الطالب في الفرع الجامعي الذي يناسبه: إنَّ المعلم الخصوصي، وعن طريق قربه من الطالب في ساعات الدرس الخاص، يستطيع اكتشاف ميوله ونقاط قوَّته، فينبِّه الطالب إليها ويقترح عليه الفرع الجامعي الذي يلبِّي تطلعاته؛ إذ يمكن للمعلمين، بصفتهم أصحاب خبرات وتجارب حياتية، أن يوسعوا مدارك الطلاب حول كل اختصاص من الاختصاصات الجامعية، ويقدموا لهم معلومات حقيقية، وقد يؤدي المعلم دوراً في توعية الطالب تجاه اختياراته الخاطئة، وتوجيهه إلى ما فيه الخير له.
  3. زيادة ثقة الطالب بنفسه: سيبذل المعلم الخصوصي كل ما في وسعه من أجل تحفيز طلابه وتشجيعهم على تحقيق أفضل النتائج، وهو أمرٌ يعود في النهاية بالخير عليه عن طريق زيادة شعبيته؛ لذا عن طريق الجلسات المتتالية بين المعلم والطالب، يعزز المعلم ثقة تلميذه بنفسه ليتخطى الخوف في أثناء الاختبارات، ويستطيع إدراك المعلومات الموجود في منهاجه، فينسحب هذا الأمر على الأمور الحياتية، وتصبح شخصية الطالب أكثر متانة وصلابة.
  4. شعور الطالب بالدعم: وذلك بفضل وجود المعلم الخصوصي الذي لن يتركه وحيداً يفك طلاسم المعلومات؛ بل يساعده ويأخذ بيده خطوة خطوة ليتم حل المشكلات التي واجهها في استيعاب المعلومة.
  5. خروج الطالب عن روتينه اليومي في التنقل بين المدرسة والمنزل: إنَّ نظام الدروس الخصوصية قد يخلق لديه تنقلات جديدة من شأنها أن تروح عن نفسه، وتأخذه إلى أماكن جديدة عند ذهابه إلى المعهد أو منزل المعلم الخصوصي.
  6. تعريف الطالب بأفراد جدد: الأمر الذي يشجعه على إنشاء علاقات اجتماعية وصداقات جديدة، غير التي فُرِضت عليه في محيطه المدرسي أو الاجتماعي أو الأسري.
  7. تطوير مهارات المعلمين وخبراتهم في التعامل مع الطلبة: وذلك من خلال لقائهم المستمر بأنماط مختلفة من الطلاب تعود إلى بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة، فضلاً عن رفدهم بمصادر دخل مالية تساعدهم في تحسين مستواهم المعيشي، وتعينهم على تحمُّل أعباء الحياة.
إقرأ أيضاً: 8 إرشادات تساعدك على حفظ الدروس بسرعة

سلبيات الدروس الخصوصية:

رغم الفوائد التي انتشرت بحجتها الدروس الخصوصية، إلا أنَّ لها الكثير من السلبيات التي تُعَدُّ تحديات تعوق انتشارها، ونذكر منها:

  1. تنمية روح الاتكالية عند الطلاب، وقتل الرغبة لديهم في البحث والاستقصاء حول المعلومة ومحاولات فهمها؛ إذ إنَّهم بسبب انتشار المدرسين الخصوصيين، يلقون على عاتق المدرس هذه المهمة، مُتخلين عن بذل مجهودات إضافية من شأنها ترسيخ المعلومة في أذهانهم؛ بسبب تكبُّد عناء البحث عنها.
  2. العبء المادي الذي تُرتِّبه على الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل؛ بسبب التكاليف الباهظة لكل مادة من المواد الدراسية، فكيف إذا احتاج الطالب إلى أستاذ خصوصي في أكثر من مادة.
  3. إحداث خلل في ترتيب أولويات الطلاب من ناحية تنظيم الوقت؛ إذ يُلقَى على عاتقهم عبء الدوام المدرسي وحل الواجبات المنزلية والمشاريع وحضور الدروس الخصوصية؛ الأمر الذي يسبب ضغطاً عليهم في التوفيق بين مهامهم.
  4. عدم الانتباه للمعلم خلال شرح الدرس في الصف، بسبب اعتماد الطالب على الشرح الذي يقدمه الأستاذ الخصوصي، ناهيك بقيام بعض الطلاب المستهترين بالتشويش على زملائهم في الحصة وإضاعة وقتهم.
  5. تراخي بعض الأساتذة في شرح الدروس في الصف؛ بسبب وثوقهم بأنَّ الطلبة غير مهتمين، وسيقوم كلٌّ منهم باللجوء إلى مدرسه الخاص ليعيد شرح الدرس.
  6. تشجيع الطلاب على الغياب عن الدوام المدرسي؛ نتيجة شعورهم بعدم جدوى ذهابهم، ما دام الأستاذ الخصوصي يعوض لهم الفاقد التعليمي.
  7. تحميل معلم الدروس الخصوصية مسؤوليات كثيرة قد تكون أكبر من قدرته على التحمُّل؛ الأمر الذي يحوِّله إلى آلة تعمل على مدار اليوم كاملاً، ويؤثر في صحته النفسية والجسدية.
إقرأ أيضاً: أهمية التعلم الذاتي والتعلم بسرعة وطرق تطويرها

كيفية مواجهة هذه الظاهرة:

لا يمكن عَدُّ الدروس الخصوصية ظاهرة سلبية بشكل مطلق، غير أنَّ انتشارها بشكل غير واعٍ، ولمجرد التقليد والمفاخرة، جعل منها أمراً غير محبب. فالدروس الخصوصية ضرورة حقيقية عند القصور في استيعاب الطالب وتأخره الزمني والعقلي عن أقرانه؛ لذا لا بُدَّ من اتباع هذه الخطوات من أجل الحد من انتشار هذه الظاهرة:

  1. تنمية ثقة الطلاب بأنفسهم وتشجيعهم على البحث والاستقصاء خلف المعلومات.
  2. وضع قوانين صارمة من قبل الوزارات للحد من انتشار هذه الظاهرة بشكل عشوائي.
  3. تحفيز المعلمين على بذل أقصى جهودهم في شرح الدروس للطلاب، وتقديم المعلومات إليهم بطريقة تناسب اختلافاتهم وتراعي الفوارق الفردية بينهم.
  4. محاولة الأهالي التأكد من دوافع أبنائهم الحقيقية إلى الدرس الخصوصي، فيما إذا كانت حاجة أم مجرد تقليد لزملائهم.

في الختام:

تُعَدُّ الدروس الخصوصية سلاحاً ذا حدين، فهي يمكن أن تكون مفيدة ونافعة إذا ما استُعمِلَت لسد ثغرات الاستيعاب عند الطلاب، وتوضيح بعض النقاط التي بقيت مبهمة بعد انتباههم الكامل لشرح المعلم في الصف.

لكن على المقلب الآخر، يمكن أن تكون مدمرة إذا ما استُعمِلَت بشكل يُعوِّد الطالب على الاتكالية والحصول على المعلومات الجاهزة، ويقتل حافزه تجاه البحث عن المعلومات، والاعتماد على نفسه في حل الواجبات والحفظ والمذاكرة؛ لذا فإنَّ تشبيه الدروس الخصوصية بالدواء هو أبلغ تشبيه لها؛ إذ يمكن لجرعة منطقية منه أن تحل مشكلة، كما يمكن لجرعة زائدة أن تتسبب في كارثة.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة