الخيانة: كيف تُشفى منها وتثق بنفسك وبالآخرين مرةً أخرى

اسأل أيَّ شخصٍ تعرَّض للخيانة وسيخبرك أنَّها "سكين في الظهر" ليست مجرد استعارة؛ بل إحساسٌ جسدي حقيقي، ولقد مرت أكثر من عشر سنوات منذ أن خدعني شريكي التجاري وخرجت خالية الوفاض من العمل الذي كنت أعتقد أنَّه هدفي في الحياة.



ولقد كسرت هذه التجربة شيئاً في داخلي؛ ولكنَّ ذلك لم يكن بالضرورة أمراً سيئاً، خاصةً عندما أدركت أنَّ ما كُسر في داخلي كان اعتقادي الساذج والبريء بأنَّ المحادثة الصادقة واللطيفة والتنازلات المتبادلة لا تكفي لمنع أيِّ نزاع في بعض الأحيان ولا شيء يستطيع منع النزاع.

غير واثق من الجميع:

شعرت بالريبة تجاه الجميع في الأشهر التي أعقبت هذا الحدث مباشرةً، وتساءلت ما إذا كان بإمكان أحدهم أن يشجعني على مصارحته بهدف استخدام تلك المعلومات ضدي لاحقاً، وبدأت أتساءل ما إذا كانت الوعود والاتفاقيات ليست أكثر من خدع لإخفاء دوافع خفية فهل كنت أحمقاً؟ وهل يحاول الجميع خداعي؟ هددت هذه الأسئلة الخطيرة بوضع كلِّ علاقاتي تحت سحابةٍ قاتمة من عدم الثقة.

كان هذا الشك المستمر حالةً نفسيةً غير مريحةٍ، وقد كنت أفتخر بطبيعتي التي تثق بالناس بسهولة، لكنَّ هذا يعني أنَّني غالباً ما كنت أتعاطف مع الناس جميعهم قبل أن يستحقوا ذلك، وكنت أؤمن أنَّ العلاقة القوية والمتبادلة هي دائماً أكثر أهمية من الطموح الشخصي ولم أفكر في ذلك كثيراً.

لكنَّ الطموح الأعمى هو بالضبط ما يُدمر العلاقات الشخصية، واكتشفت الجوهرة المخفية في ألم خيانتي مع مرور الوقت وكثيراً من العمل المدروس، ألا وهي ارتباط عميق بحدسي ممَّا ساعدني بعد ذلك على بناء الثقة عند محاولتي بناء علاقات أفضل والثقة بالناس مرةً أخرى.

فيما يأتي الخطوات التي اتبعتها للشفاء من الخيانة واستعادة الثقة بنفسي والآخرين مرة أخرى:

1. استيعاب أنَّ الأمر لا يتعلق بك:

تبدو الخيانة أمراً شخصياً للغاية، ولكن من الهام أن تتذكر أنَّ أفعال الآخرين هي مسؤوليتهم الخاصة، وربما يحاولون إثبات شيء ما لأنفسهم أو للآخرين، أو ربما كنت تذكرهم بعلاقة سابقة وهم يتصرفون بدافع العادة أو الشك أو الخوف أو الحماية.

في الواقع، إنَّ ذلك ليس مسؤوليتك على الإطلاق، فعندما يخون شخص ما ثقتك، افهم أنَّه كان سيفعل ذلك مع أيِّ شخص في مكانك، ومهما تساءلت عن سبب خيانتهم فلن يساعدك ذلك على الشفاء؟ لذلك تخلَّ عن هذه الأفكار إذا استطعت.

2. استيعاب أنَّ الأمر يتعلق بك تماماً:

تمهَّل، ألم أقل لتوي أنَّ الأمر لا يتعلق بك؟ أجل؛ ولكنَّ الأمر يتعلق بك تماماً أيضاً؛ ويعني ذلك أنَّ خيانة ثقتك من قبل شخص آخر تعكس خيانة نفسك لنفسك، على سبيل المثال، في تجربتي لقد شعرتُ مراراً وتكراراً أنَّ شيئاً ما ليس على ما يرام؛ ولكنَّني تجاهلت الصداع والأرق والكوابيس، إذاً أين كانت الخيانة الحقيقية؟

لا يعني ذلك أنَّ عليك إلقاء اللوم على نفسك بدلاً من الشخص الذي خانك؛ فالأمر عمليٌّ أكثر من ذلك؛ إذ علينا أن ندرك أين أو كيف أخطأنا بحق أنفسنا لكي نضمن عدم قيامنا بذلك مرةً أخرى، كما يقول المؤلف بايرون كاتي (Byron Katie): "لن تُحقق أيَّة فائدة عندما تعتقد أنَّه لديك سبب لمشكلتك، وعندما تعتقد أنَّ شخصاً ما أو شيئاً ما مسؤول عن معاناتك".

كما يقول الفيلسوف الإغريقي سقراط (Socrates): "إنَّ سر التغيير ليس في تركيز كلِّ طاقتك على محاربة القديم؛ وإنَّما على بناء الجديد".

شاهد بالفديو: علامات شائعة تدل على خيانة الشريك

3. عدم المسامحة دائماً:

يعتقد ناس كثيرون أنَّ التسامح جزء هام من التعافي من أيَّة خيانة؛ لذا أوافق على أنَّه قد يكون كذلك؛ ولكنَّ التسامح أمر معقد وغالباً ما نسيء فهمه، وفي كثير من الأحيان نسامح الآخرين في وقت مبكر جداً في محاولة للتظاهر بأنَّنا تجاوزنا كلَّ الخلاف، ولكن قبل أن نستوعب الضرر كاملاً.

يجب لكي يُحررك التسامح من أيَّة ضغينة أن ينبع من حاجتك إليه أنت تحديداً وليس للشخص الذي خانك أو أيِّ شخص آخر، والمغفرة لا تعني السماح لذلك الشخص بالعودة إلى حياتك مرةً أخرى بأيِّ شكلٍ من الأشكال؛ فعندما تسامح شخصاً بنجاح، فإنَّه يعيد تعيين حدودك، تلك الحدود التي انتُهكت في العلاقة، كما يساعدك على استعادة مساحةٍ اختُرقت في قلبك وعقلك.

إقرأ أيضاً: 7 أمور تساعدك لكي تسامح الآخرين بصدق

4. قطع العلاقات:

عليك أن تضع نفسك في فقاعةٍ تحميك لكي تُشفى حقاً من الخيانة شفاء فعالاً، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي قطع الروابط جميعها سواء كان ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي أم حتى على أرض الواقع.

في الوقت الحالي عليك أن تضع عافيتك قبل أيِّ شخص آخر، وفي حين أنَّ ذلك قد يبدو وكأنَّه عقاب إضافي، فإنَّ حماية نفسك ضمن هذه الفقاعة يعني أنَّك لن ترى فجأةً صورة تردُ عبر هاتفك تعيد فتح الجروح التي كانت على وشك الشفاء؛ لذا فأنت قوي؛ ولكنَّ الوجود مع أشخاص يذكِّرونك بمن خانك لن يؤدي إلا إلى إبطاء شفائك.

لا تنس روابط الطاقة أيضاً واقطع الصلات التي نشأت بينكما، ويمكنك القيام بذلك بكتابة اليوميات أو التأمل؛ إذ تتخيل هذه الروابط وتتخيل قصها حرفياً وستندهش من السرعة التي تحرر بها هذه الممارسة البسيطة عقلك وقلبك.

5. إعادة بناء العلاقات:

في هذه الخطوة عليك إعادة بناء علاقاتك بدءاً من العلاقة مع نفسك، وعليك الانتباه إلى العلامات التي فاتتك، وعليك أن تتصالح مع عواطفك وجسدك شكراً لهما على جهودهما.

استمع عن كثب إلى الصوت الصغير في داخلك، والذي قد يشير إلى شيء لا تريد رؤيته، لا يمكننا دائماً إصلاح الضرر الذي تحدثه الخيانة في العلاقة، ولكن يمكننا من الآن فصاعداً تطوير اعتماد عميق على الإشارات التي تخبرنا بها أجسادنا.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات لتحسين العلاقات

في الختام:

ستعلم أنَّك تتعافى عندما تستطيع أن تتذكر شخصاً ما أو حدثاً ما دون أن يتسرع قلبك أو تتعرق راحة يديك، وعندما لا يشغل هذا الشخص مساحةً أو وقتاً كبيراً في حياتك، أو عندما تمر ساعات أو أيام دون التفكير فيه، وبعد مرور الوقت الكافي ستعلم أنَّك شفيت، عندما يمكنك أن تنظر إلى الوراء بتعاطفٍ مع نفسك وعندما تدرك كم أصبحت أكثر حكمة.

في يوم من الأيام قد تشكر ذلك الشخص لأنَّه جعلك ما أنت عليه اليوم، أعلم أنَّ هذا يبدو جنوناً وخاصةً إذا كنت قد تعرضت للخيانة منذ فترة قريبة؛ فأنا كنت قبل عشر سنوات أوافق على أنَّ شكر من خانني هو فكرة جنونية، ولكن ها أنا ذا لم يبقَ في قلبي سوى الامتنان والتفاهم. 

لا أحد يريد تجربة الخيانة أبداً، ولكن إذا وجدت نفسك مطعوناً بسكينٍ في ظهرك، فيمكنك اتباع هذه الخطوات لتحويل هذه الخيانة إلى حكمةٍ وفطنةٍ وعلاقةٍ أعمق وأكثر ثقةٍ مع نفسك، والتي ستساعدك على إنشاء علاقاتٍ صحية مع الآخرين في المستقبل.




مقالات مرتبطة