الحكم على أنفسنا بطريقة صحيحة

أن تكون شخصاً يصدر الأحكام هو حقيقة من حقائق الحياة، فنحن نحكم دائماً على الآخرين، وبصراحة تامَّة هذا الأمر يجعلنا جميعاً أسوأ حالاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في الحكم على نفسه.

تلك الفتاة التي تقف في الطابور وتضع أظافر اصطناعية لديها ذوق سيئ، وذلك السائق الذي تجاوزك على الطريق السريع هو سائق سيئ، وتلك المرأة التي تشتكي من زوجها، لا بد أنَّها تعيش حياة منزلية سيئة، وحياتي بالتأكيد ليست مثل حياتها.

كل ما سبق عبارة عن أحكام نصدرها على الآخرين، لكن قبل أن نصدر أحكاماً على الآخرين، يجب أن نصدر أحكاماً على أنفسنا؛ إذ نحن نحكم على أنفسنا أقسى من أي شخصٍ آخر في العالم، فنحن نمثِّل تلك الفتاة التي تمتلك أظافر اصطناعية، وذلك السائق، وتلك المرأة التي لديها حياة سيئة، نحن هؤلاء الأشخاص الذين نحكم عليهم، ونحن مَن يصدر الحكم، وفي الحقيقة، نحن مَن يقرِّر أنَّنا لا نستحق الاحترام، وأنَّه يجب علينا أن نشعر بالخجل والأسف الشديد.

فكلنا نحكم على أنفسنا، ولا يوجد مَن ينكر ذلك، ولا يوجد أمر ما يمنع ذلك، فالحكم الذاتي هو أمر لا مفرَّ منه؛ لذلك، إذا لم نتمكَّن من التوقف عن الحكم على أنفسنا، فكيف يمكن استخدام ذلك لمصلحتنا؟ وكيف يمكننا أن نغيِّر الأحداث، ونحكم على أنفسنا بطريقة إيجابية، بدلاً من الطريقة السلبية الافتراضية؟ الحل؛ هو الحكم على نفسك بحسب الجهد الذي تبذله، وليس بحسب النتائج التي تحققها.

لماذا نحكم على أنفسنا والآخرين؟

لحسن الحظ، أو ربما لسوء الحظ، إنَّ الحكم على أنفسنا هو استجابة طبيعية، فقد يدفعك هذا الأمر إلى تقليل الشعور بالوحدة، فالأشخاص الذين يشعرون بالوحدة يحتاجون إلى أصحاب يخفِّفون عنهم هذا الشعور، فنحن نحكم على أنفسنا والآخرين بسبب عاملين أساسيين في علم النفس؛ وهما:

  1. غريزة البقاء.
  2. الحاجة إلى سرعة اتخاذ القرار.

دعونا نلقي نظرة على كل سبب:

1. غريزة البقاء:

وَفقاً لمجلة "سايكولوجي توداي" (Psychology Today)، يمتلك البشر غريزة طبيعية ترتبط بالرغبة في البقاء، وهذا يجعل سلوكنا دفاعياً، ويعتمد على إصدار الأحكام وغير موثوق به؛ إذ تنبع رغبتك في إصدار الحكم من ميزة تطورية طوَّرها الأجداد على مدى مئات الآلاف من السنين.

لذلك، فإنَّ السبب الأول لإطلاق الأحكام هو غريزة البقاء؛ إذ إنَّها طريقة تساعدنا على البقاء حذرين ومتنبهين عندما نلتقي بأشخاص معيَّنين أو نواجه مواقف معينة، فنحن كائنات اجتماعية، وقد تطورنا مع مفهوم أنَّ الهيمنة الاجتماعية تعادل القوة.

لذلك، عندما تحكم على أشخاص آخرين - مع أنَّك قد لا تدرك ذلك - فأنت تحاول جاهداً العثور على ثغرة لدى الشخص الآخر، وإقناع نفسك بأنَّك تحقِّق بذلك التميُّز على الصعيد الاجتماعي، فأنت تقوم بتدمير شخص ما في عقلك بصورة فعَّالة حتى تشعر بالهيمنة وبأنَّك شخص متميِّز.

2. الحاجة إلى سرعة اتخاذ القرار:

إنَّ رغبتنا الافتراضية في الحكم على الآخرين لا تتوقف عند هذا الحد، فمن الصفات التطورية الأُخرى أنَّه يجب علينا اتخاذ القرارات بسرعة؛ إذ إنَّ اتخاذ قرار سيئ يمكن أن يؤثر فينا سلباً، كما أنَّ القرار السيئ لا ينتج عنه أكثر من الخزي الاجتماعي أو الشعور بالقلق، ولقد كانت هذه مشاعر مصيريَّةً عندما اعتمدنا على قبيلة مكوَّنة من 100 شخص، ولكنَّها لا تكون كذلك اليوم.

لذلك، السبب الثاني لإطلاق الأحكام هو غريزة البقاء أيضاً، ولكنَّها مختلفة عن الأولى، فنحن نحتاج إلى تقييم المواقف واتخاذ الإجراءات بسرعة للبقاء؛ لذلك، لا يُعَدُّ الحكم على شخصٍ ما بسرعة عمليَّاً أكثر وحسب؛ بل مفيداً أكثر أيضاً من وجهة نظر تطورية، فنحن نحشر الناس ضمن معايير ضيقة حتى نتمكَّن من فهمهم بمزيد من الكفاءة.

فهذا هو السبب في أنَّنا نحكم على الناس، وهذا هو سبب نجاح الأفكار النمطية، فمن الأسلم لنا افتراض أنَّ جميع أفراد العصابة قتلة، بدلاً من سؤال كل واحد منهم عمَّا إذا كانوا يريدون قتلك.

لكن، هنا تكمن المشكلة الأساسية، وذلك لأنَّه قد لا يكون كل أعضاء العصابة قتلة، فقد يكون بعضهم طيب القلب، وأصبح عضواً في تلك العصابة؛ وذلك لأنَّه لم يكن لديه أيَّ دعم في منزله، ومع ذلك، فإنَّ الوضع الافتراضي لدينا هو الحكم على الجميع حتى نشعر بالتفوق الاجتماعي، ونشعر أنَّنا سنعيش لفترة أطول وبأخطار أقل.

شاهد بالفديو: كيف تواجه الانتقادات السلبية؟

لماذا الحكم الذاتي هو أمرٌ لا مفرَّ منه؟

ليس لدينا من نلومه سوى أسلافنا، أليس كذلك؟ كل المشاعر السيئة التي نشعر بها تجاه الناس سببها غريزة البقاء، فإذا كان البقاء إيجابياً، فلماذا نطلق أحكاماً سلبيَّةً إذاً بحق أنفسنا؟ قد يبدو هذا الأمر غير منطقي، حسناً، قد يبدو الأمر كذلك، لكن هذا لا يعني أنَّنا سنتوقف، فنحن نحكم على أنفسنا بسبب نفس صفات البقاء، ولأسباب مماثلة.

1. غريزة البقاء:

أولاً، نحن نحكم على أنفسنا باستمرار فيما يتعلَّق بالآخرين؛ وذلك لأنَّنا نريد أن نكون أفضل منهم اجتماعياً، ففكِّر في الوقت الذي أخبرك فيه صديقك أنَّه حصل على زيادة كبيرة، بالتأكيد هنَّأته وباركتَ له، لكن من الداخل كنت تشعر بالغيرة وربما بالأذيَّة قليلاً، وربما قلت لنفسك: "إنَّه لا يعمل بجدٍّ مثلي، وليس ذكياً مثلي، فأين زيادتي؟".

ومع ذلك، نظراً لأنَّه يكسب الآن أموالاً أكثر منك، رد الفعل الطبيعي هو الشعور بالدونية الاجتماعية، فأنت تنظر إليه وتحكم على نفسك بطريقة سلبية؛ وذلك لأنَّك لست مثله، لقد تفوَّق عليك أمام الآخرين، وهو الآن القائد وليس أنت؛ لذلك، أنت تندم وتُلقي اللوم على نفسك وتبتعد وتدَّعي المرض وتتساءل هل يحبك الآخرون؟ قد تظنُّ أنَّها طريقة رائعة للحصول على هذه الزيادة.

ولكنَّ الحقيقة هي أنَّه كلما شعرت بأنَّك أقل منزلةً اجتماعيةً أمام شخص آخر، فإنَّك ستحكم على نفسك بطريقة سلبية طبيعياً، وفي عالم اليوم، الذي أُجبِرنا فيه على النظر إلى حياة المشاهير، فمن السهل جداً أن تشعر دائماً بالنقص، وتفكِّر دائماً في نفسك بطريقة سلبية، وفي الواقع، تُظهِر الدراسات أنَّنا نراقب الآن المشاهير كثيراً لدرجة أنَّنا لا شعورياً نحسبهم كجزءٍ من محيطنا، وهذا يجعل الشعور بالنقص أمراً سهلاً.

2. الحاجة إلى سرعة اتخاذ القرار:

من السهل علينا نحن البشر فهم بيئتنا إذا كانت المعايير التي نقيِّمها على أساسها ضيقةً، وبذلك تصبح القدرة على إطلاق الأحكام أسرع، ومع ذلك، فإنَّ هذه الميزة ترتبط بنظرتنا الذاتية، ونحن أيضاً نقيِّد أنفسنا بصورة طبيعية بأفكار محددة مسبقاً؛ إذ إنَّه نوع من أنواع حبس الذات.

لذلك، عندما نشعر بالضيق تجاه أنفسنا، فمن السهل أن نَعُدَّ هذا الشعور مرتبطاً بهويتنا، ونفترض أنَّ هذا هو الحال الذي كنَّا عليه دائماً، وهو الحال الذي سنكون عليه دائماً، فقد نقول: "أنا شخص لا أحب الصباح" أو "أنا لست جميلةً مثلها" أو "إنَّه أذكى مني"، فكلها أفكار تدفعنا إلى الحكم على أنفسنا بطريقة سلبية.

يجعلنا هذا السرد الذاتي، وهذا الحكم الذاتي أقل نجاحاً، فقد ترفض هذه الوظيفة الجديدة، على سبيل المثال، لأنَّك لست شخصاً ذكياً، وقد تنسحب من قضاء ليلة ممتعة مع الأصدقاء لأنَّك لست شخصاً اجتماعياً.

هذه طريقة غبية تُحدِّث بها نفسك، وهذه أحكام غبية تصدرها على نفسك، وهذا يؤدي إلى وجود أفكار تحدِّد هويتك بطريقة خاطئة، ومع ذلك، أنت تمتلك سيطرة مباشرة على طريقة سرد الأفكار في ذهنك، والأمر عائد لك فيما إذا كنت تريد الحكم على نفسك بطريقة سلبية أم إيجابية.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على النقد الذاتي وتتحكم بقلقك؟

الطريقة الصحيحة للحكم على نفسك:

سنحكم دائماً على أنفسنا، والوضع الافتراضي هو الحكم على أنفسنا بطريقة سلبية؛ إذاً، ما هو المطلوب؟ وما الذي يمكننا فعله حيال هذا؟ وكيف سنعود إلى آلاف السنين من التطور؟

الحل؛ ليس التوقف عن الحكم على أنفسنا؛ وإنَّما الحكم على أنفسنا بطريقة مختلفة؛ إذ إنَّ إحدى أهم الأمور التي يمكنك القيام بها، هي الحكم على نفسك بناءً على الجهد الذي تبذله، بدلاً من النتائج التي تحققها.

فكِّر في الأمر، في كل مرة تشعر فيها بشعور سيئ؛ فذلك لأنَّك غاضب من نتائجك أو نتائج جهودك، فأنت تنظر إلى ذلك الصديق الذي حصل للتوِّ على علاوة وتحكم على نفسك؛ وذلك لأنَّ ناتجك النقدي ليس مثل ناتجه، لكن ماذا عن مجهودك؟

هل تمنح وظيفتك كل ما لديك؟ وهل تعمل بوظيفة تستمتع بها؟ وهل تشعر بالشغف عندما تنجز أمراً تفخر به؟ إذا كانت الإجابات "نعم"، فلماذا يهمُّك زيادة صديقك؟ أنت تتَّبع مسارك للوصول إلى النجاح الخاص بك.

نحن نحتاج أن نبدأ بالحكم على أنفسنا بناءً على جهودنا، وليس على النتائج التي نحققها؛ إذ يوجد عدد لا حصر له من المتغيِّرات في العالم، التي يمكنك التحكُّم في أحدها؛ إذ يعمل بعض الأشخاص لسنوات دون تحقيق أهدافهم، في حين يحقق الآخرون الفوز في محاولتهم الأولى، ومع ذلك، لا يمكنك التحكُّم في جميع الظروف التي تؤدي إلى النجاح؛ وذلك لأنَّه يوجد كثير من العوامل الخارجية؛ وإنَّما يمكنك التحكم في جهودك.

شاهد بالفديو: كيف تتقبل النقد وتتعامل مع الانتقادات السلبية في العمل؟

قصة حياتي:

أنا أدير شركة لتقديم الاستشارات المرتبطة بالتسويق بالمحتوى بصورة منفردة، ولدي ثلاثة عملاء دائمين، كما أنَّني أكتب روايات وسيناريوهات، وأعمل على أفكار تجارية، وأكتب هذا المقال، ويجب أن أكون فعَّالاً في التعامل مع وقتي.

وقبل أسبوعين، واجهت أسبوعاً صعباً جداً، لقد كان لديَّ الكثير لأفعله للعملاء الثلاثة، وكان يجب عليَّ التقدم في السيناريو الجديد الخاص بي؛ لذلك، بذلت كثيراً من الجهد وأنجزت كل شيء، ولكنَّ كثيراً من العمل الذي أنجزته لعملائي قد أُعِيد إليَّ، وكنت أحتاج إلى مراجعات أكثر من المعتاد.

هنا، كنت أفكِّر في أنَّ إنجاز قائمة المهام الأسبوعية الخاصة بي سيعني أنَّ لدي أسبوعاً ناجحاً، في حين لقد أضرَّ هذا الأمر بعلاقات عملائي؛ وذلك لأنَّني ركَّزت على النتائج، بدلاً من الجهد المبذول، فلقد أنجزتُ مهام أسبوعي دون التساؤل عن الجودة؛ لذلك، كنت أحكم على نفسي بطريقة سلبية، فقد كنت أركز على النتائج وفشلت.

في الأسبوع التالي قرَّرت أن أُنجز الأمور بطريقة مختلفة، بدلاً من التركيز على النتائج، وكنت سأبذل أقصى جهد لكل مهمَّةٍ من مهامي، وإذا لم أنتهِ من إنجاز كل ما أردته طوال الأسبوع، فلا يوجد أي مشكلة، لكنَّ الأمر الوحيد الذي كنت سأفعله هو الشعور بالفخر لكل مشروع عملت فيه، فأنا لن أضع علامة بجانب أي مشروع مكتمل إلَّا بعد أن أشعر أنَّني أنجزته بطريقة جيدة، فأنا متأكد من أنَّك تعرف هذا الشعور.

لذلك، ركَّزت على الجهد أكثر من النتائج، وكانت النتيجة أنَّه لم يكن لدي أفضل أسبوع في العام فحسب؛ وإنَّما كان لدي أسبوع عمل أكثر إنتاجيةً ومتعةً، وإذا أعاد أحد العملاء بعض كتاباتي، فلا يوجد أي مشكلة، لقد بذلت كل ما لدي وكنت فخوراً بنفسي.

لقد حكمت على نفسي وحياتي بأن يكون كل شيء إيجابياً جداً، وبأن أكون على المسار السريع للنجاح، فكل ما تطلَّبه الأمر كان جهداً واعياً للحكم على نفسي وعلى الأمر الصحيح وهو الجهد، وليس على الأمر الخاطئ وهو الناتج.

إقرأ أيضاً: طرق هامة تساعد في إنجاز أعمالك في وقتها المحدّد

الخلاصة:

أنت تحكم على نفسك بالتأكيد، لكنَّك لست وحدك مَن يفعل ذلك، فجميعنا نحكم على أنفسنا، لكن هذا لا يعني أنَّنا لا نستطيع استخدام صفاتنا القائمة على إصدار الأحكام لمصلحتنا؛ بل نحن نحتاج إلى استخدام ذلك لمصلحتنا؛ لذلك، بدلاً من الحكم على نفسك بناءً على النتائج، احكم على نفسك بناءً على الجهد المبذول، فهي الطريقة الوحيدة التي ستشعر فيها بالنجاح.

المصدر




مقالات مرتبطة