الثقافات التنظيمية غير الربحية للاحتفاظ بالموظفين: هل تختلف عن غيرها؟

لقد أدرك مالِكو ومديرو المؤسسات الكبيرة والصغيرة على حد سواء منذ فترة طويلة العلاقة المتبادلة بين ثقافات الشركة والاحتفاظ بالموظفين. وبات من المنطقي أن يشعر الموظفون أنَّهم لا يرتبطون بثقافات العمل غير المُرضية؛ بل أنَّهم يرتبطون بثقافات العمل المُرضية.



ولكن من الصعب تحديد الثقافات المثالية لحل هذه الأمور؛ إذ يمكن للهموم اليومية لإدارة الشركات، ولا سيما الشركات المتنامية، أن تمنع سياساتك من إسقاط هذه الحقائق البديهية على الثقافة التنظيمية؛ إذ تتغير أولويات العمل وتتغير الفِرق، ويمكن أن تُهمَل العديد من الأمور خلال هذه التغييرات.

ويمكن للمديرين وحتى أقسام الموارد البشرية في المؤسسات المتنامية أن ينفصلوا بسهولة عن الموظفين على أرض الواقع لأي سبب من الأسباب؛ فبصرف النظر عن السبب، فإنَّ "عدم التفاعل في بيئة العمل" سيضر بثقافة شركتك ويُقلِّص معدَّل الاحتفاظ بالموظفين لديك، وقد يكون لذلك "تأثير الدومينو" (The domino effect)، وهو تأثير تراكمي ينتج عندما يبدأ حدث ما من سلسلة متوالية من الأحداث المماثلة، في أرباحك النهائية.

نظرت دراسة في عام 1992 التي كثيراً ما يُستشهد بها في الثقافات ومعدلات الاحتفاظ بالموظفين في ست شركات مماثلة، ووجدت أنَّ: "التأثيرات الثقافية في الشركات قد أدَّت إلى فرق بأكثر من ستة ملايين دولار في تكاليف الموارد البشرية بين الشركات ذات القيم الثقافية المختلفة".

ومع زيادة التعقيد التقني في الوظائف في كل قطاع تقريباً منذ ذلك الحين، يصبح من الآمن افتراض أنَّ متوسط ​​تكلفة التدريب وتعيين الموظفين الجدد قد يرتفع أكثر من أي وقت مضى للشركات معظمها.

وجود أولويات متعددة:

لماذا إذاً ما تزال العديد من الشركات تكافح للربط بين ثقافة الشركة والاحتفاظ بالموظفين؟ في كثير من الأحيان، يعود الأمر إلى حقيقة أنَّه من الصعب جداً التوفيق بين أولويات متعددة في وقت واحد؛ وهنا يأتي دور قسم الموارد البشرية؛ للتعامل مع الأولويات والعمليات الداخلية.

ولكن ماذا عن المؤسسات التي تكون ميزانياتها محدودة جداً ولا يمكنها حتى التفكير في إنشاء أقسام موارد بشرية مخصصة؟ إذ تشترك شركات عدة صغيرة ومنظمات غير ربحية في هذه الخصائص؛ فدعنا نتعرَّف إلى بعض الأفكار الرئيسة التي يمكن أن تساعدك على تعزيز استراتيجيات مؤسستك:

  • إعادة التفكير في كيفية التعامل مع التعويضات.
  • اتباع نهج واقعي للتفاعل.
  • تطبيق مهمتك كلما أمكن ذلك.

من خلال دعم إدارات الموارد البشرية في القطاع غير الربحي، فقد رأينا في شركة "أسترون سولوشنز" (Astron Solutions) لاستشارات الموارد البشرية، الاختلاف المباشر الذي يمكن أن تحدثه استراتيجيات الموارد البشرية وإرشاداتها للثقافات التنظيمية ومعدلات الاحتفاظ بالموظفين.

1. إعادة التفكير في التعويضات:

لا يمكن تجاهُل حقيقة أنَّ التعويضات هي عامل رئيس في الاحتفاظ بالموظفين. فعندما يُعوَّض الموظفون تعويضاً جيداً عن عملهم، يُحفَّزون على الاستمرار في المشاركة والاستثمار في نجاح المؤسسة. وهذا لا يعني، مع ذلك أنَّ المكافآت والزيادات هي الطرائق الوحيدة لتعزيز الاحتفاظ بالموظفين.

فكيف توضح شركتك مفهوم التعويض، يمكن أن يكون انعكاساً مباشراً لثقافة شركتك. وبالنسبة إلى المنظمات غير الربحية، يمكن أن يكون توسيع هذا المفهوم وسيلة فعالة لتوسيع مجموعة أدواتك وتقوية ثقافتك لتصبح ربَّ عمل قادراً على المنافسة، على الرغم من الميزانية المحدودة غير الربحية.

توجد خرافة شائعة مفادها أنَّ معدل دوران القوى العاملة أعلى في القطاع غير الربحي؛ وذلك لأنَّ المنظمات غير الربحية عادة ما تكون غير قادرة على تقديم رواتب تنافسية لجميع الموظفين.

في الواقع، وجد استطلاع ممارسات التوظيف غير الربحي أنَّ متوسط ​​معدل دوران القوى العاملة في المنظمات غير الربحية كان أقل بنسبة 19% من معدل الاستقالات الطوعية في "الولايات المتحدة" (United States) ككل؛ إذ يؤدي النهج الواسع والمرن للتعويضات دوراً كبيراً جداً في جعل المنظمات غير الربحية أكثر تنافسية بالنسبة إلى أرباب العمل الذين لديهم ثقافات عمل أكثر جاذبية.

نهج المكافآت الإجمالي:

كيف يبدو النهج المرن في العمل؟ إذا أرادت الشركات تحديث استراتيجيات التعويض، فعليها اتباع "نهج المكافآت الإجمالي" (Total Rewards approach)؛ وهذا يعني التفكير تفكيراً استراتيجياً في كل من أشكال التعويض المباشرة وغير المباشرة. ويشمل التعويض المباشر الرواتب والمكافآت، بينما يشمل التعويض غير المباشر عدداً من العناصر المختلفة:

هذه عناصر فاعلة لبناء بيئة عمل مُرضية ومجزية، وهي عوامل حاسمة تؤدي دوراً في معدل الاحتفاظ بالموظفين؛ إذ إنَّ متوسط ​​الراتب في ثقافة ذات جودة عالية تقدم أشكالاً متنوعة من التعويض غير المباشر، يؤدي إلى زيادة تفاعل الموظفين على الأمد الطويل، أكثر من راتب تنافسي جداً في بيئة متوترة وغير مريحة.

ومن خلال إجراء مسح استراتيجي والتكيف والاستعمال الفعال لأشكال التعويض غير المباشر لشركتك بوصفها أصولاً ثقافية، يمكنك اتباع نهج مرنٍ جداً لتحسين كل من ثقافة شركتك والاحتفاظ بالموظفين في الوقت نفسه.

إقرأ أيضاً: 3 طرق تساعدك على إيجاد ثقافة الشركة التي تناسبك

2. اتباع نهج واقعي للتفاعل:

التفاعل هو المفتاح عندما يتعلق الأمر بقياس الصحة الداخلية لمؤسستك، ومقدار استثمار الأشخاص في شركتك في عملهم، ومهمة شركتك الشاملة؛ وهو انعكاس مباشر لثقافتك؛ لذا فإنَّ الثقافة التي تثق بأداء الموظفين لوظائفهم أداءً جيداً ستكون أكثر تفاعلاً بكثير من مكان عمل مقيد؛ وهذا الاختلاف يؤدي إلى معدَّل احتفاظ بالموظفين جيد.

الملاحظات النوعية مفيدة بالتأكيد لقياس التفاعل، ولكن من الهام أن يكون لديك مزيد من الأساليب الكمية لقياسها أيضاً. وهذه الأساليب تسمح لك بتطوير استراتيجيات قابلة للتنفيذ وإدراك متى تحتاج إلى التحديث؛ ومع ذلك، عليك التأكد من أنَّ نهجك بالكامل موجَّه توجيهاً صحيحاً قبل بناء استراتيجيات جديدة؛ بمعنى أنَّه يجب على مؤسستك اتباع نهج واقعي للتفاعل، وأن يكون لديها توقعات واقعية لما يعنيه النجاح قبل أن تتمكن من قياسه قياساً فعالاً؛ إذ تُعَدُّ هذه الممارسات هامة خاصةً للشركات المتنامية والشركات الناشئة.

وجدت دراسة لشركة "ديلويت" (Deloitte) أنَّ 94% من المديرين التنفيذيين و88% من الموظفين يظنون أنَّ ثقافة مكان العمل المتميزة هامة لنجاح الشركات. ومن الواضح أنَّ العلاقة بين الثقافة والنجاح مفهومة. ومع ذلك، فإنَّ كلمة مميزة لا تعني بالضرورة متفاعلة.

الثقافة المتميزة والثقافة التي تشجع التفاعل:

تُعَدُّ عقلية الشركات الناشئة قوة دافعة قوية للعديد من الشركات الناشئة؛ إذ يسترشد الفريق الأساسي بشغف ورؤية مشتركة. ومع نمو المؤسسة، تزداد تعقيداتها الداخلية؛ إذ إنَّ الثقافة المتميزة التي لا تتخذ نهجاً مرناً لأشكال التعويض غير المباشر، التي نُوقِشَت آنفاً لن تكون مشجعة على التفاعل بالنسبة إلى الموظفين الذين لم يكونوا موجودين عند بداية انطلاق الشركة.

ومن نواحٍ عدة، ساهمت ثقافة الشركات الناشئة في الشعور بأنَّه يجب علينا جميعاً أن نتبع شغفنا، ونشعر بأنَّنا مستثمرون بنسبة 100$ في عملنا. لكنَّ العمل في شركتك ليس الوظيفة التي يحلم بها كل موظف، ولا بأس بذلك؛ فحتى بالنسبة إلى المؤسسات غير الربحية، والتي تُوجَّه عملياتها توجيهاً واضحاً جداً من خلال بيان المهمة المشترك، فإنَّ إشراك الموظفين بصفتهم أفراداً وليسوا تابعين أمر ضروري للنجاح.

كما أنَّ فهم هذا الواقع وبناء بيئة عمل تشكل جزءاً إيجابياً من حياة الموظفين اليومية هو ما يمكن أن يميز الثقافة المتميزة ولكن غير المُرضية عن الثقافة الحقيقية التي تشجع على التفاعل. وهذا النوع من النهج الواقعي يجب أن يوجِّه جميع استراتيجياتك لتعزيز التفاعل.

3. تطبيق مهمتك:

يجب أن يكون لكل منظمة، وليس فقط المؤسسات غير الربحية، مهمة إرشادية؛ فبيانات مَهمَّة الشركة موجودة منذ وقت طويل، وظهور المسؤولية الاجتماعية للشركات بوصفها عنصراً هاماً في الإدراك العام وبناء العلامة التجارية، قد جعلها أكثر تكاملاً للوصول إلى النجاح من ذي قبل؛ خاصة بالنسبة إلى الشركات المتنامية. وفي أغلب الأحيان تضع المؤسسات والشركات الناشئة رسالتها في المقدمة والمركز.

هذه طريقة فعالة لتطوير هوية علامة تجارية مميزة وواعية اجتماعياً، ويمكن أن تقطع شوطاً طويلاً لتجعلك ربَّ عملٍ أكثر جاذبية. ومع ذلك، فإنَّ مهمتك ليست فعالة حقاً بوصفها نقطة جذب للموظفين ما لم تُفعَّل فعلياً في عملياتك اليومية.

وحتى مع تحقيق الشركات لتأثيرات إنسانية أكبر من أي وقت مضى، يمكن أن تفوِّت المؤسسة فوائد كبيرة إذا لم تكن مهمتها جزءاً لا يتجزأ من ثقافتها. فضع في حسبانك هذه الاستراتيجيات لدمج مهمتك دمجاً ملموساً في عملياتك وثقافتك، وهي:

  • توضيح المهمة: إذا كنت تريد أن تصبح مهمتك جزءاً لا يتجزأ من ثقافتك، فابدأ بإيصالها إلى الموظفين في كل فرصة ممكنة. واربط أي أهداف أو مشاريع أو عمليات جديدة مباشرة بمهمتك الشاملة.
  • تحديد أهداف داخلية: يُعَدُّ تحديد أولويات عمل جديدة لكل ربع أو عام من أفضل الممارسات المجرَّبة والحقيقية، ولكن يجب عليك أيضاً تحديد أهداف داخلية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بمهمتك. فإذا كان جزء من مهمتك هو تحسين مجتمعك، فشجع فريقك على التطوع الجماعي لعدد إجمالي معين من الساعات. وإذا كنت تريد أن تكون مؤسستك جزءاً إيجابياً من حياة الموظفين، فضع بعض أهداف الصحة والعافية للعمل معاً.
  • بناء علاقات خارجية: هناك طريقة أخرى فعالة لضمان تفاعل موظفيك مع مهمتك بما يتجاوز مجرد الوعود الكاذبة بالكلمات، وهي بناء علاقات ذات مغزى مع المؤسسات الأخرى التي يهتمون بها؛ إذ تُعَدُّ برامج العمل الخيري للشركات طريقة ممتازة لبناء علاقات مع المؤسسات غير الربحية؛ وذلك من خلال المنح التطوعية أو برامج المواهب المتشابهة، فيمكن لموظفيك المساعدة على توجيه جهودك توجيهاً مباشراً.

يمكن أن تساعد أي من هذه الاستراتيجيات على توسيع مهمتك إلى ما هو أبعد من مواد التسويق الخاصة بك إلى الخبرات اليومية لموظفيك. والخلاصة الرئيسة هي أنَّ المهمة الملموسة ستسهم في ثقافة متفاعلة جداً لدعم أهداف الاحتفاظ بموظفيك.

شاهد بالفديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟

مكونات التفاعل:

يُستثمر كثيرون في بناء ثقافة الشركة التي تشرك الموظفين وتشجِّعهم على التفاعل؛ وحتى دون ميزانية مرنة جداً أو الكثير من وقت الفراغ بين أعضاء فريقك، هناك خطوات سهلة يمكنك اتخاذها لبدء إنشاء التحسينات؛ إذ تبدأ العديد من هذه الخطوات بإلقاء نظرة شاملة على مناهجك الحالية، وفي أغلب الأحيان ينجح أرباب العمل في المؤسسات غير الربحية في أن يكونوا جذابين؛ وذلك لأنَّ القيود المفروضة عليهم تشجعهم على البحث عن طرائق جديدة للتحسين.

يُعَدُّ مفهوم المكافآت الإجمالي للتعويض، الذي يشمل التعويضات المباشرة وغير المباشرة، مثالاً جيداً. ومن الواضح أنَّ الثقافة والتعويضات والتفاعل والاحتفاظ بالموظفين كلها مرتبطة ببعضها بعضاً ارتباطاً وثيقاً؛ لذلك قد تشعر الشركات الصغيرة بالإرهاق في التعامل معها، خاصة خلال فترات النمو. ومع ذلك، فإنَّ إلقاء نظرة شاملة على الأدوات المتاحة لديك والنهج المفتوح للتواصل يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً جداً.

المصدر




مقالات مرتبطة