ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويحدِّثنا فيه عن ضرورة الإقرار بعدم المعرفة وعدم ادِّعاء الكمال، إضافة إلى التركيز على الإنجازات بدلاً من كثرة التساؤل.
لا أخشى إطلاقاً القولَ إنَّني لا أعرف الإجابة حين يطرح عليَّ الناس سؤالاً ما، بينما أظنُّ أنَّ الناس غالباً ما يشعرون برغبة مُلحَّة في تقديم الإجابات حين يُسألون عن أمرٍ ما، وهو أحدُ أسباب وجود كثير من الهراء والكلام الفارغ في هذا العالَم؛ إذ يختلقُ الناسُ أغربَ الإجابات والأشياء بسبب شعورهم بأنَّهم سيبدون أغبياء في حال عدم إجابتهم؛ إذ نُعاني بوصفنا بشَراً من حاجةٍ فطريةٍ إلى التحدُّث والكلام، حتَّى عندما يجدُر بنا الصمتُ بدلاً من ذلك.
لا خطأ في الاعتراف بعدم المعرفة:
نحن لا نرغبُ في أن نبدوَ سيئين، كما نحبُّ بطبيعتنا إرضاء الآخرين وإسعادَهم؛ ومن ثَمَّ فإنَّ الإجابةَ بعدم المعرفة لا تُعَدُّ كافيةً بالنسبة إلى الشخص الذي يطرح عليك الأسئلة، وأعلمُ ذلك لأنَّني مررتُ بذلك الموقف مراتٍ عدة؛ ففي أثناء عملي لدى إحدى الشركات في الماضي، كان مديرو الشركة يفضِّلون دائماً السؤال عن الأسباب الكامنة وراء الأمور، وغالباً ما كانت تلك الأسئلة تُثار حين يرتكبُ أحدٌ ما خطأً أو تسوء الأمور، فغالباً لن تكون الإجابة بعدم المعرفة كافيةً أو مُرضيةً هنا، ولا أعلم لِماذا يصعُب تقبُّل فكرةِ حدوث الأشياء أحياناً ببساطة ودون أيِّ مبررات أو دوافع والاقتناع بذلك، إضافة لكوننا مُجرَّد بشرٍ ولا نملك إجاباتٍ لكلِّ ما في هذا العالم.
لنأخُذ العلماء على سبيل المثال؛ إذ ننظرُ إليهم وكأنَّهم كائناتٌ سحرية ينبغي لها أن تشرح لنا كلَّ شيء، لكن عند التفكير جيداً وإلقاء نظرةٍ عن كثب، ستجدُ أنَّ معظم الأسئلة دون إجاباتٍ، وليس السببُ في ذلك عدم اهتمامنا؛ بل غالباً ما يكون العكس تماماً، فأنا أحبُّ جداً أن أعلمَ كلَّ شيءٍ يخصُّ الكون على سبيل المثال، ولديَّ كثير من الأسئلة بشأنه؛ إذ أرغب في معرفة كونه متناهياً ومحدوداً أو لا، وكيفية النظر إلى ما وراء شيءٍ لا نستطيع رؤيتَه إن كان الكون محدوداً فعلاً؛ إذ لا نستطيع الركوب في سفينة فضائية والذهابَ إلى الطرف الآخر من الكون بكلِّ بساطة.
لنأخُذ علم النفس كمثالٍ آخر؛ فقد يسأل أحدُهم عن سر السعادة، وهنا أتحداك أن تجدَ حلاً أو إجابةً واحدةً تلائم جميع الحالات.
إذاً، كما ترى لا طريقةَ للإجابة عن الأسئلة السابقة، والأمرُ مشابهٌ تماماً لحياتنا اليومية، فمعظم الأمور والأسئلة تبقى دون حلول أو إجابات، ومن أمثلة تلك الأمور أو الأسئلة ما يأتي:
- لِمَ غضبتَ؟
- لمَ اخترتَ مجالاً أو صناعةً مُعيَّنة للعمل فيها؟
- لماذا قررتَ الانتقال؟
- ما الذي جعلك تنسى إرسال البريد الإلكتروني؟
شاهد بالفديو: 8 أشياء لا تحتاج إلى موافقة الآخرين للقيام بها
إجابةُ "لا أعرف":
أظنُّ أنَّ بضعةَ سطورٍ من رواية الكاتب الأمريكي "إرنست هيمنغواي" (Ernest Hemingway) المُسمَّاة "وداعاً للسلاح" (A Farewell To Arms) تعبِّر عن هذه الفكرة وتشرحُها جيداً، وسأذكرُ فيما يأتي محادثةً بين بطلِ تلك الرواية المَدعو "فريدريك هنري" (Frederic Henry) - وهو شخصٌ أمريكي يعمل بوصفه سائق سيارة إسعاف للجيش الإيطالي خلال الحرب العالمية الأولى - وممرضةٍ إنجليزية يلتقيها، وتُدعَى "كاثرين باركلي" (Catherine Barkley)؛ إذ يسير لقاؤهم الأول على النحو الآتي:
- الممرضة "باركلي": "كيف حالُك، أنتَ لستَ إيطالياً، أليس كذلك؟".
- "هنري": "لا لستُ إيطالياً".
- الممرضة "باركلي": "إنَّه لأمرٌ غريبٌ أن تعمل في الجيش الإيطالي".
- "هنري": "لا أعمل في الجيش حقاً؛ وإنَّما أقود سيارة الإسعاف فقط".
- الممرضة "باركلي": "يا له من أمرٍ عجيبٍ فعلاً، لمَ اخترتَ ذلك؟".
- "هنري": "لا أعلم، فليسَ هناك دائماً تفسيرٌ لكلِّ شيء".
- الممرضة "باركلي": "أحقاً ذلك؟ لقد تربَّيتُ على الاعتقاد بوجود إجابةٍ وسببٍ وراء كلِّ أمرٍ في هذا العالم".
- "هنري": "إنَّه لأمرٌ شديدُ اللُّطف".
حُفِرَ في رؤوس مُعظَمنا أنَّه يجب أن يكون ثمة دائماً تفسيرٌ وشرح لكلِّ ما يحدث في حياتنا وعملنا وعلاقاتنا ومهنتنا وإلى آخره؛ أحذِّرُك بأنَّك لن تجدَ سوى الإحباط والعراقيل إن استمررتَ بالبحث عن تبرير لكلِّ شيء وتفسير له، ولا أقصد بذلك الفضول وحب الاستطلاع لأنَّه أمرٌ جيد للغاية؛ بل أتحدث عن الهوس بأشياءٍ ليس من الهام أن تعرفَ إجابتَها أو لا.
ما ينبغي فعلُه بصورة صحيحة:
علينا أن نتقبَّل بأنَّنا لا نملك إجاباتٍ لكلِّ شيء، والأمرُ أصعبُ مما يبدو عليه في الواقع، وذلك لأنَّنا جميعاً مهووسون بالسيطرة والتحكُّم، إضافة إلى كُرهنا المُشترَك لعدم الثقة بالنفس، وينطبق هذا أيضاً على الأشخاص الذين يقولون إنَّهم مجازفون ويعشقون المُغامَرات.
في الختام:
عليك أن تبقى حذراً وتحاول فعلَ أشياء مفيدة بدلاً من التشكيك الدائم في كلِّ الأمور، حتَّى غير الهامة منها؛ كما عليك اتباع حدسك والإصغاء لصوت قلبك ومشاعرك بدلاً من محاولة تبرير كلِّ ما حولك بتفكيرك المنطقي؛ لأنَّك لن تحصل على أيِّ نتيجةٍ إطلاقاً دون التصرُّف واتخاذ الإجراءات سواء استفهمتَ عن الأمور أم لا؛ ومن ثَمَّ ربَّما عليك أن تتصرَّف وتُنجز بدلاً من الإكثار من التساؤل.
أضف تعليقاً