التمرد النفسي عند المراهقين وكيف تتعامل معه؟

من أهم المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان وأخطرها هي مرحلة المراهقة، فهي بمنزلة ميلاد جديد ونقلة نوعية للفرد من الطفولة البريئة إلى المراهقة، بالإضافة إلى ما تتضمنه هذه المرحلة من تغيرات حرجة وحساسة؛ بل خطيرة أحياناً، فهي مرحلة أزمة وقلق واضطراب في حياة الإنسان إن صح التعبير، وفي ظل التغيرات التي يعيشها العالم حالياً وازدياد المتطلبات والحاجات التي يحتاجها الفرد يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى التحديات الموجودة والمحيطة به كالحروب الدائرة والصراعات وقمع الحريات وغيرها بحيث أثرت هذه الأحداث في المجتمع بأكمله، ولعلَّ أكثر الفئات التي تأثرت هي فئة المراهقين والشباب؛ إذ أثرت تأثيراً واضحاً وسلبياً في الوضع النفسي لهم؛ وهذا ما جعلهم يقومون بأفعال وسلوكات معارضة للمتعارف عليه يغلب عليها التمرد والعدوانية.



فإنَّ مشكلة التمرد مشكلة نفسية وتنعكس من خلال سلوك المراهق وأفعاله؛ إذ تمتاز مرحلة المراهقة بالانفعالات المتنوعة والحادة والمبالغة فيها، بالإضافة إلى الميل والنزعة الكبيرة باتجاه الاستقلالية بعيداً عن مصدر كل سلطة موجودة سواء سلطة الأسرة أم المجتمع أم حتى المدرسة، وفي رحلة إثبات ذواتهم هذه يميلون لانتهاج التمرد والسلوك العدواني عند تعرضهم لأقل معارضة لرغباتهم أو تلقيهم الإهانة أو النقد، وسوف نبحث في هذا المقال عن مشكلة التمرد النفسي لدى فئة المراهقين ونحدد أسبابها وطريقة التعامل الصحيحة معها.

أولاً: مرحلة المراهقة وخصائصها

مرحلة المراهقة هي أكثر مراحل النمائية في عمر الإنسان تأثيراً، وتُعبِّر عن الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج استعداداً لمرحلة الرشد، ولم يتم الاتفاق على العمر المحدد لها بسبب اختلاف البيئات والثقافات، لكن بالمجمل تتراوح في معظم الدراسات والأدبيات بين سن (13 – 18). وتُعَدُّ المراهقة فترة حاسمة في حياة الفرد وأساساً لما سوف يكون عليه الفرد في المستقبل، فهي مرحلة الاعتماد على النفس والخروج من كنف الأسرة والتكيف مع المحيط الاجتماعي وجماعة الأقران، فهي رحلة بناء الهوية واكتشاف الذات والاستقلالية.

وتتميز هذه المرحلة بمجموعة من الخصائص منها:

الخصائص الجسدية:

تترافق مرحلة المراهقة بمجموعة من التغيرات الجسدية أهمها نمو الأعضاء الجنسية وتغيرات مميزة في الصوت؛ إذ تزيد خشونة الصوت لدى الذكور بينما يحدث العكس عند الإناث؛ فيزداد نعومة، ويحدث تغيير في إفرازات الغدد، وعموماً يبدأ المراهق بالاهتمام بمظهره وجسمه بشكل ملحوظ، وفي بعض الأحيان يصل إلى درجة الهوس بذلك.

الخصائص الاجتماعية:

إنَّ أكثر ما يرغب به المراهق هو أن يتم التعامل معه بوصفه شخصاً ناضجاً والرفض المطلق للتعامل معه بوصفه طفلاً؛ إذ يحاول اكتشاف قيم المجتمع ويقوم ببناء آرائه الخاصة وتبنِّي اتجاهات محددة، كما يبدأ بإقامة العلاقات الاجتماعية الخاصة به خارج نطاق الأسرة وتكوين الصداقات القوية؛ إذ يكون كثير التأثر بجماعة الأقران.

الخصائص الانفعالية والنفسية:

توصَف انفعالات المراهق بأنَّها حادة وعنيفة؛ إذ تظهر العديد من الانفعالات القوية والمؤثرة في شخصيته في أثناء محاولته الاستقلال عن سلطة الوالدين والمجتمع فيتعرض للقلق والتوتر والتردد وعدم الثقة بالنفس والإحباط والاكتئاب، وكذلك يكون عرضة للخجل والعزلة والانطواء والبعد عن التجمعات والبقاء بمفرده، وعموماً تكون انفعالات المراهق غير مستقرة وكثيرة التقلب.

الخصائص العقلية:

يتطور البناء المعرفي للمراهق تطوراً ملحوظاً؛ إذ يكون بإمكانه القيام بالعمليات المنطقية وممارسة التفكير الاستدلالي والمنهجي والمجرد والبحث في الاحتمالات المتاحة أمامه ومناقشتها بشكل ناضج.

ثانياً: التمرد النفسي عند المراهقين

تُعَدُّ مظاهر التمرد التي تتولد عند المراهقين من أعقد المشكلات التربوية والنفسية التي يمر بها المراهقون، فأبرز سمات المراهقة هي العدوانية والعناد والتمرد على كل مصدر سلطة، ويُقصد بالتمرد شعور الفرد بالرفض والقيام بسلوكات مخالفة لكل مصدر سلطة سواء كان أسرة أم مؤسسة تعليمية أم المجتمع عامة.

وقد عرَّف "بريم" (Brehm) التمرد "بأنَّه محاولة الفرد لاستعادة أو استرجاع الحرية المزالة أو المهددة بالإزالة عن طريق القيام بالسلوك المحظور أو الممنوع بصورة مباشرة أو تشجيع الآخرين للقيام بالسلوك المحظور الممنوع والقيام بسلوك مشابه له أو رؤية آخرين يقومون به أو تحريضهم على القيام به بصورة غير مباشرة".

وعرَّفته "شادية عبد الخالق" بأنَّه "معاناة الفرد من إحساسه بعدم الرضى عن كل ما يحيط به في مجتمعه من موضوعات تضم أساليب للتعامل وإحساسه بالإحباط والغضب والرغبة في التعبير أو الاحتجاج والتحطيم والعدوان". ويصف "علي كاظم" التمرد بالقول "هو الخروج عن الأعراف والتقاليد الاجتماعية ومقاومة سلطة الآخرين".

وعموماً التمرد هو إحساس يتولد لدى الفرد بضرورة الاحتجاج والعصيان والثورة على ما هو كائن ومألوف من فكر وتقاليد وأعراف ومبادئ ومطالب الكبار وكل ما من شأنه أن يقف عائقاً أمام تحقيق رغباته.

إقرأ أيضاً: الآثار السلبية لوسائل الإعلام على المراهقين

ثالثاً: أسباب التمرد النفسي عند المراهقين

تتعدد الأسباب التي تدفع بالمراهق للتمرد وتختلف من فرد لآخر، ومنها:

  • أسباب أسرية: مثل الحرمان من أحد الوالدين أو كليهما أو معاناة الأسرة من التفكك كوجود حالة الطلاق، أو الحرص الشديد من قِبل الوالدين والتحكم بالمراهق بشكل يقيد حريته وخياراته بشكل كبير، أو التمييز بين الأخوة، وهناك أيضاً أساليب المعاملة الوالدية من مثل:
    1. الأسلوب الأوتوقراطي: وهنا لا يتيح الوالدان الفرصة للابن بالتصرف حسب ما يريد؛ بل حتى لا يسمحون له بالتعبير عن رأيه بحرية عندما يريد.
    2. الأسلوب التسلطي: الذي يعبَّر عنه بوضع القواعد الصارمة التي يجب احترامها وعدم الخروج عنها؛ إذ يثير هذا النمط الخوف والقلق الدائم والكبت والعزلة.
    3. الأسلوب العقابي: مثل الحرمان من بعض الأشياء التي يحبها المراهق ويفضلها أو ممارسة العقاب البدني عليه أو حتى التهديد بذلك.
    4. أسلوب تجاهل الأبناء: إذ يعبِّر الآباء عن عدم استحسانهم لأبنائهم ورفض القيام بدورهم كما يجب مثل الاستماع لمشكلاتهم وما إلى ذلك.
    5. أسلوب النبذ: إذ يعمد الآباء إلى إهانة أبنائهم والتلفظ بألفاظ سيئة تجاههم وسيادة الجو المتوتر والحذر بينهم والمشاجرة المستمرة والخصومة.
  • الأسباب الجسمية: مثل تفاصيل المظهر الخارجي وظهور حب الشباب والجسم غير المتناسق.
  • رغبة المراهق في أن تتم معاملته على قدم المساواة مع الراشد: إذ يجب أن يتم معاملته بالاحترام والتقدير ويرفض الإهانة أو الاستخفاف به بشكل قاطع.
  • الدخول إلى حياته الشخصية وإفشاء ما تحويها من أسرار: فالمراهق يخلق لنفسه عالماً خاصاً مغلقاً بإحكام ويتضمن العديد من الأسرار التي يحاول كتمانها والحفاظ عليها بشتى الوسائل واقتراب أي أحد منها يؤدي به إلى الغضب والتمرد.
  • الغيرة: المراهق عرضة للشعور بالغيرة أكثر من غيره من الأفراد، فهو يسعى إلى التفوق بهدف لفت النظر وجذب الانتباه إليه، ورؤية أحد ما يتفوق عليه من زملائه أو حتى إخوته يدفعه لاختلاق المشكلات والتمرد والتصرف بعدوانية واضحة.
  • الرغبة في إثبات الذات والحصول على الاستقلال العاطفي.
  • القيود المفروضة في المؤسسات التعليمية و العلاقة المتوترة التي تجمعه مع المعلم وإدارة المدرسة.
  • غياب التوجيه والإرشاد الصحيح وإتباع أسلوب الأوامر.
  • التقدم التكنولوجي السريع وتأثير ما يشاهده المراهق في حياته.
  • معاناة الفرد من ضعف المستوى الاقتصادي والفقر: فقد يضطر إلى العمل وترك الدراسة بسبب ذلك؛ وهذا يولد لديه النقمة على المحيط الاجتماعي بأكمله.

شاهد بالفديو: أسباب انخفاض الطاقة عند الشباب والمراهقين

رابعاً: خصائص المراهق المتمرد

  • الثورة على أفراد الأسرة والزملاء والعدوان عليهم بطرائق مختلفة.
  • العناد وعصيان الأوامر حتى الصغيرة منها.
  • الإسراف في إنفاق المال لا سيما على المظهر الخارجي والشكل.
  • توتر العلاقات مع الزملاء والدخول في المشاجرات والمشاحنات بسبب أقل الأشياء والميل إلى مرافقة الأصدقاء الذين يتتبعون نفس السلوك.
  • قلة الرضى عن مجريات الأحداث والاعتراض الدائم على كيفية سيرها.

خامساً: ما هي آثار التمرد النفسي عند المراهقين؟

  • تدني مستوى التحصيل الدراسي؛ وذلك بسبب إهمال الواجبات المدرسية والالتزام بالمدرسة الذي يمارَس بوصفه نوعاً من التمرد.
  • قد يقود التمرد الفرد إلى اتباع سلوكات خطيرة مثل الإجرام كالسرقة أو الاعتداءات الجنسية أو الضرب أو حتى القتل.
  • الاندفاعية وفقدان السيطرة على الذات.
  • الجنوح مثل الإدمان على المخدرات أو الكحول.
  • القيام بتخريب الممتلكات العامة والخاصة وتكسير وتحطيم الأشياء للتعبير عن غضبه.
  • يعيش المراهق وفق قاعدة "كل ممنوع مرغوب"؛ إذ يصبح السلوك الذي تمت إزالته أكثر جاذبية بنظره ويحاول القيام به بشتى الوسائل.
  • عند عجز الفرد المراهق عن استعادة السلوك الذي تمت إزالته سوف يحاول تعويض ذلك من خلال القيام بتحريض الآخرين على القيام بالسلوك المحظور.
  • الإصابة بالأمراض النفسية كالاكتئاب والصراع.
  • الاندفاعية؛ إذ يصبح المراهق مندفعاً قليل الصبر وغير قادر على السيطرة على نفسه.
  • يصبح المراهق في حالة من عدم الاستقرار والشك بكل ما يحدث أمامه، كما يتفوق لديه شعور الكراهية تجاه كل ما يقف عائقاً في وجه تحقيق رغباته.

سادساً: كيف تتعامل مع المراهق الذي يعاني من التمرد النفسي؟

هناك مجموعة من الأشياء التي تساعد على علاج هذه المشكلة الخطيرة لدى المراهقين مثل:

  • توعية الوالدين والإدارة المدرسية والمعلمين بضرورة إقامة علاقة جيدة مع المراهقين بالشكل الذي يتيح لهم التعبير عن آرائهم بحرية وبالوقت نفسه يمكن الوالدين من تصويبها ووضعها ضمن المسار الصحيح.
  • دراسة الأسباب الحقيقية الكامنة خلف سلوك التمرد عند المراهق بهدف تحديد كيفية العلاج المناسب.
  • هناك مجموعة من الأساليب التي يمكن اتباعها بهدف تعديل السلوك عند المراهق منها:
    1. إعادة البناء المعرفي للمراهق: فهذا الأسلوب يقوم على إكساب المراهق معارف جديدة صحيحة ذات صلة مباشرة بمشكلته لتحل مكان معارفه الخاطئة، ومن ثمَّ دفعه باتجاه الفهم العميق لها وإمكانية اتخاذها في سلوكه الجديد.
    2. أسلوب الإقناع: يُعَدُّ اتباع أسلوب الإقناع من الأمور الأساسية والجيدة لتغيير أفكار المراهق وتعديل سلوكه.
    3. أسلوب التعزيز؛ أي الثناء ومدح كل تصرف جيد يقوم به سواء بقول كلمات الشكر أم بتقديم الهدايا المادية أو المعنوية لتحفيزه على المضي في ذلك السلوك.
    4. استخدام أساليب القصة أو بعض الألعاب مثل لعبة (تبادل الأدوار) فالمراهق فرد سريع التأثر بكل ما يقال أمامه ويتمسك فيما يراه جذاباً بنظر الآخرين.
    5. تركيز المدرسة على اتباع أساليب تعديل السلوك من خلال استراتيجيات التعليم الكثيرة والمؤثرة، بالإضافة إلى إعطاء الواجبات المدرسية التي تثري المفاهيم الأخلاقية والسلوكات الجيدة لديه.
إقرأ أيضاً: نصائح لتقوية الروابط بين الآباء والأطفال

في الختام:

إنَّ مشكلة التمرد النفسي مشكلة متعددة الأبعاد (تربوية ونفسية وسلوكية) وذات تأثير كبير وواضح خلال فترة المراهقة، وهي من أعقد المشكلات التي تمر بها الأسر والمجتمعات، والتمرد مشكلة مليئة بالصراعات النفسية التي تبدأ بالتمرد على الوالدين داخل الأسرة ورفض الانصياع لطلباتهم، ومن ثم تمتد إلى المؤسسة التعليمية ومعارضة قوانينها وإقامة علاقات متوترة مع الزملاء والمعلمين، ومن ثم تمتد للتمرد على المجتمع والسلطة الموجودة به ومخالفة قيمه والسلوكات التي يحث عليها.

لكن يجب الانتباه إلى إنَّ هذا التمرد ليس وليد نفسه؛ بل له أسباب كثيرة منها ما يتعلق بالبيئات التي يعيش فيها الفرد كالأسرة والمدرسة والمجتمع ومنها ما يتعلق بشخصية الفرد ذاته وطموحه ورغباته؛ لذا يجب التأكيد دائماً على سلامة العلاقة التي تجمع المراهق مع الوالدين والجماعات التي ينتمي إليها وتوجيهه بطريقة جيدة خالية من أساليب التخويف والترهيب واستعمال العقاب والقسوة معه؛ بل يجب استخدام أسلوب يقوم على الإقناع؛ وذلك بهدف الحفاظ على الأمان النفسي لديه ولا ننسى أهمية تضافر جهود المؤسسات التي ينتمي إليها في تحقيق ذلك.

المصادر:

  • 1
  • عبير غانم، فاعلية برنامج إرشادي لخفض التلوث النفسي لدى المراهقين المتمردين نفسياً، كلية التربية، جامعة دمنهور، مجلة الدراسات التربوية والنفسية- المجلد الثامن –العدد الرابع – الجزء الثالث، 2016
  • سلام خليل، المساندة الاجتماعية وعلاقتها بالتمرد النفسي لدى المراهقين، كلية التربية، جامعة دمشق، 2017
  • محمد ماجد ديب الشاعر، التنبئو بالتمرد النفسي في ضوء إشباع الوالدين للحاجات النفسية لدى عينة من المراهقين بمحافظة خان يونس، جامعة الاقصى، غزة، 2014
  • فايز خضر محمد بشير، التمرد وعلاقته بأساليب المعاملة الوالدية لدى طلبة جامعة الازهر بغزة، كلية التربية، جامعة الأزهر، غزة، 2012.



مقالات مرتبطة