تشير الدراسات إلى أنَّ العادات الغذائية في الطفولة، تؤثر في صحة الفرد مدى الحياة، من الوقاية من السمنة والسكري، إلى تحسين الصحة النفسية وزيادة القدرة على التركيز والتعلم؛ لذا سنقدِّم في هذا المقال نصائح غذائية للأطفال عملية تساعدكم على غرس عادات صحية تدوم مع الطفل مدى الحياة، لبناء جيل أكثر وعياً وصحة واستعداداً للمستقبل.
لماذا تعد التغذية السليمة أساسية في حياة الطفل؟
تدعم التغذية السليمة للأطفال النمو الجسدي والعقلي والسلوكي للأطفال، فقد أظهرَت الدراسات أنَّ سوء التغذية في الطفولة المبكرة، قد يؤدي إلى مشكلات صحية وأكاديمية طويلة الأمد، وتُقدِّر اليونيسف أنَّ قرابة 149 مليون طفل دون الخامسة، يعانون من التقزم بسبب التغذية غير المتوازنة.
تشير دراسة في مجلة (The Lancet) إلى أنَّ الأطفال الذين يتلقون تغذية جيدة في سن مبكرة، يحققون أداءً أفضل في اختبارات الذكاء ويكونون أقل عرضة للأمراض المزمنة مستقبلاً، بالتالي تعد التغذية السليمة للأطفال في حياة الطفل أساسية، فهي قادرة على:
1. التغذية السليمة للأطفال تبني الصحة الجسدية والنفسية
يحتاج الطفل خلال مراحل النمو إلى تغذية متوازنة تزوِّده بالعناصر الضرورية التي تضمن له نمواً صحياً ومتوازناً، وتبني جهازاً مناعياً قوياً، وعظاماً وأسناناً سليمة، إضافة إلى الحفاظ على طاقته الذهنية والجسدية، بالتالي فإنَّ الأطعمة المفيدة للأطفال، تؤدي دوراً أساسياً في هذا السياق، فهي مصدر طبيعي لفيتامينات ومعادن لا غنى عنها.
يحافظ فيتامين (A) على صحة العينين والجلد، بينما يبني الكالسيوم والمغنيسيوم العظام والأسنان، ويأتي الحديد ليقوي الدم ويعزز القدرة على التعلم والتركيز، بالتالي فإنَّ توفير هذه المغذيات من خلال اتباع عادات صحية للأطفال، يضمن كل طفل أن ينمو بصحة جيدة ويعيش أفضل حالاته الجسدية والعقلية.
2. تدعم التركيز والصحة النفسية
يركِّز الطفل الذي يتناول وجبات متوازنة وغنية بالفيتامينات والمعادن أكثر في المدرسة، فالتغذية الجيدة تحسِّن المزاج، وتقلل التوتر والانفعالات، وتدعم الصحة النفسية عموماً.
3. الوقاية من الأمراض المزمنة
تقي التغذية السليمة للأطفال واتباع عادات الأكل الصحية التي تُزرع في الطفولة الطفل من الإصابة بأمراض، مثل: السمنة، والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب مستقبلاً، بالتالي فإنَّ ما يأكله الطفل اليوم، يحدد صحته الجسدية على الأمد الطويل.
4. بناء عادات إيجابية تدوم
يبدأ بناء عادات صحية للأطفال من خلال إشراكهم في تفاصيل الحياة اليومية المتعلقة بالغذاء، مثل اختيار الأطعمة المفيدة للأطفال في التسوق وإعدادها داخل المطبخ، وهذا التفاعل يعزز وعيهم بقيمة ما يأكلونه، ويُنمِّي لديهم شعوراً بالمسؤولية تجاه صحتهم.
يتعلم الأطفال كثيراً من خلال الملاحظة، فعندما يرون والديهم يتناولان طعاماً صحياً بانتظام، فإنَّهم غالباً ما يقلِّدونهم، مما يُرسخ هذه العادات الإيجابية لتدوم معهم مدى الحياة.
شاهد بالفيديو: 6 أطعمة فعّالة لتعزيز ذكاء الطفل
نصائح غذائية لبناء عادات صحية لدى الأطفال
تشكل مرحلة الطفولة الأساس الذي تُبنى عليه صحة الإنسان مدى الحياة، ولذلك فإنَّ ترسيخ العادات الغذائية السليمة في سن مبكرة، يُعد من أولويات الرعاية الصحية والتربوية، فمع تزايد انتشار الأطعمة المعالجة وقلة النشاط البدني، تبرز الحاجة إلى تقديم نصائح غذائية للأطفال تساعد الأسر على توجيه اختياراتهم تجاه نمط غذائي متوازن ومغذٍ:
1. تناوَلْ وجبات متوازنة
تدعم التغذية المتوازنة النمو الشامل للأطفال؛ إذ تزوِّد أجسامهم بالعناصر الضرورية للنمو البدني والعقلي والسلوكي من خلال وجبات تحتوي على الحبوب الكاملة، والبروتينات، والدهون الصحية، والفواكه والخضروات.
وقد أظهرت دراسة أُجريت في الهند أنَّ الأطفال الذين يلتزمون بتناول ثلاث وجبات متوازنة يومياً، يحققون أداءً أكاديمياً أفضل، فتجاوزَ 75% منهم المستوى المتوسط في التحصيل الدراسي، كما تقوِّي التغذية الجيدة الجهاز المناعي، مما يقلل خطر الإصابة بالأمراض، وفقاً لما أكدته عدة مراجعات علمية.
2. تجنَّب الأطعمة المعالجة والمصنعة
يجب أن تخلو التغذية السليمة للأطفال من الأطعمة فائقة المعالجة، وهي المنتجات التي تحتوي على مكونات صناعية مثل النكهات والملونات الاصطناعية، والمواد الحافظة، والسكريات المضافة، وغالباً تكون مصنَّعة بدرجة كبيرة ولا تشبه مكوناتها الأصلية (مثل رقائق البطاطس، والنقانق، والوجبات الجاهزة، والمشروبات الغازية).
وقد أظهرت دراسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أنَّ الأطفال والمراهقين، يحصلون على ما بين 66% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية من هذه الأطعمة، مما يشير إلى سيطرة هذا النمط الغذائي غير الصحي على النظام الغذائي اليومي للأطفال وهذا يسبب:
- الربط الصحي الخطير: يرتبط ارتفاع استهلاك هذه الأطعمة بزيادة في السمنة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، والأمراض القلبية.
- التأثير في اللياقة والتحصيل: تؤدي السكريات البسيطة والدهون المشبعة في هذه الأطعمة إلى نقص الطاقة المستقرة، وزيادة التشتت، وانخفاض النشاط البدني.
- استمرارية العادات الغذائية السيئة: عندما يبدأ الطفل في تناول الأطعمة فائقة المعالجة في سن مبكرة (مثل السنتين أو الثلاث سنوات الأولى)، يكون من الصعب جداً تغيير هذه العادة لاحقاً.
3. انتبِهْ للوجبات الخفيفة الصحية
تسد الوجبات الخفيفة الصحية الفجوات بين الوجبات الرئيسة عندما تُعَد من مكونات مغذية، مثل الفواكه الطازجة، أو الخضروات المقطعة، أو الزبادي الطبيعي، أو المكسرات غير المحمصة، وهذه الخيارات أساس التغذية السليمة للأطفال؛ إذ تزوِّد الطفل بالفيتامينات والألياف دون تحميله بسكريات أو دهون زائدة، كما تضبط الشهية، وتخفف تقلبات السكر في الدم، مما يُحسن التركيز والسلوك.
وقد أظهرت دراسات متعددة فوائد الاستعاضة عن الوجبات السريعة بأخرى خفيفة ومغذية، مثل ألواح الشوفان مع الجزر أو الزبادي، لما تحتويه من عناصر متوازنة وخالية من المواد الصناعية والدهون الضارة.
كيفية تشجيع الأطفال على تناول الطعام الصحي؟
تعد التغذية السليمة للأطفال من أهم الركائز التي يقوم عليها نموهم البدني والعقلي والنفسي، غير أنَّ كثيراً من الأهل يواجهون تحديات يومية في إقناع أطفالهم بتناول الطعام الصحي، خصيصاً في ظل الإغراءات المتنوعة للأطعمة المعالجة والمصنعة. ولتحقيق هذا الهدف، لا يكفي مجرد تقديم الطعام المفيد؛ بل لا بد من تبنِّي استراتيجيات فعالة تشجع الأطفال على تقبله والاستمتاع به، مثل:
1. التنوع في الطعام
تقوم التغذية السليمة للأطفال على أساس التنوع في الطعام؛ إذ يعرِّضهم ذلك لنكهات وقوام وروائح مختلفة، ما يقلِّل خوفهم أو ترددهم تجاه تجربة أطعمة جديدة، وقد أظهرت دراسة من جامعة ليدز أنَّ تقديم صنف، مثل الخرشوف لعدة مرات (من 5 إلى 10 مرات) زادَ نسبة الأطفال الذين استمتعوا به من 20% إلى 40%، مما يدل على أهمية التكرار والتنوع في بناء تقبل الطفل للأطعمة الصحية.
يرتبط تناول الخضروات والفواكه بانتظام في تحسين الصحة النفسية والرفاه لدى الأطفال في مراحل لاحقة. ويمكن تعزيز هذا التنوع من خلال تقديم الخضار والفواكه بأشكال وألوان جذابة، والتدرُّج في تقديم الأصناف الجديدة، إلى جانب تنظيم نشاطات ممتعة، مثل أسابيع الطعام العالمي التي تتيح للطفل استكشاف نكهات من ثقافات مختلفة، مما يعزّز فضوله ويحفّزه على التجرِبة.
2. التفاعل مع الأطفال بإيجابية حول الطعام
يعد التفاعل الإيجابي حول الطعام من العوامل الحاسمة في تشكيل عادات صحية للأطفال؛ إذ إنَّ الأطفال غالباً ما يقتدون بسلوك والديهم، فقد أظهرت دراسة أُجريت في هولندا على أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات أنَّ تشجيع الأهل يرتبط بزيادة استهلاك الفواكه وتحسين نمط التغذية عموماً.
كما أنَّ خلق بيئة مريحة في الوجبات العائلية، وتمديد وقت الجلوس على المائدة، يعزز فرص تناول الأطفال لمزيد من الخضروات والفواكه.
يجب استخدام أساليب تشجيعية ذكية، مثل التركيز على تجربة تذوق الطعام بعدد "اللقمات" بدلاً من اللجوء إلى المكافآت الخارجية، مما ينمِّي حب الأكل الصحي لديهم.
ومن الوسائل الفعالة أيضاً الحديث مع الطفل عن ملمس ونكهة الطعام بلغة مشوِّقة، واستخدام عبارات مشجعة بدلاً من الضغط أو الرفض، مع الحرص على أن يكون وقت الوجبة مريحاً بعيداً عن العقاب أو الثواب المرتبط بالأكل.
شاهد بالفيديو: كاتي كيمبل" 5 أسباب وراء مشكلة الانتقائية في الطعام لدى الأطفال وكيفية علاجها "Katie Kimball"
التغذية السليمة ودورها في الوقاية من الأمراض
لا تزوِّد التغذية السليمة للأطفال الجسم بالطاقة فقط؛ بل تؤدي دوراً وقائياً هاماً ضد عدد من الأمراض المزمنة التي قد تبدأ جذورها في سن مبكرة، فمن خلال اختيار الأطعمة المتوازنة والغنية بالعناصر الغذائية، يمكن تقليل مخاطر الإصابة بعدد من المشكلات الصحية التي تؤثر في جودة حياة الطفل ونموه السليم.
1. الوقاية من السمنة وأمراض القلب
تحد التغذية السليمة للأطفال من خطر االإصابة بالسمنة منذ الطفولة، وهي خطوة وقائية حاسمة ضد أمراض القلب لاحقاً في الحياة، وعندما يعتمد الطفل على نظام غذائي غني بالخضروات، والفواكه، والحبوب الكاملة، والبروتينات قليلة الدهون، والدهون الصحية (مثل الأوميغا-3)، يحافظ الجسم على توازن صحي بين الطاقة الداخلة والخارجة، مما يمنع تراكم الدهون الزائدة.
يطوِّر النظام الغذائي الفقير (الغني بالسكريات والدهون المشبعة والمتحولة) مقاومة الإنسولين والدهون الحشوية، وهي من أخطر أنواع الدهون التي تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب حتى في عمر مبكر.
2. التغذية وعلاقتها بصحة الأسنان
تبدأ صحة الفم من الملعقة الأولى وتعتمد مباشرة على التغذية السليمة للأطفال، فمن الأطعمة الضارة للأطفال والتي يتناولها الطفل وتؤثر مباشرة في صحة أسنانه، فالسكريات البسيطة (مثل تلك الموجودة في الحلويات والمشروبات الغازية والعصائر الصناعية) والتي تعد من أبرز أسباب تسوُّس الأسنان؛ إذ تتغذى البكتيريا الفموية عليها وتنتج أحماضاً تؤدي إلى تآكل طبقة المينا.
تعزز الأطعمة المفيدة للأطفال والتي تعد أساس التغذية المتوازنة وتتضمن الكالسيوم (من الحليب ومشتقاته)، والفوسفات، وفيتامين (D) صلابة الأسنان ونموها السليم، كما أنَّ تناول الأطعمة الغنية بالألياف (كالفواكه والخضروات الطازجة) يُنتِج اللعاب، وهو خط الدفاع الطبيعي للفم؛ لأنَّه يوازن درجة الحموضة ويزيل بقايا الطعام.
أكَّدت دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الأمريكية لطب الأسنان (JADA) أنَّ الأطفال الذين يستهلكون كميات أقل من السكريات الحرة ويتمتعون بنظام غذائي غني بالكالسيوم والمغذيات الدقيقة الأخرى، يكونون أقل عرضة لتسوُّس الأسنان بنسبة تصل إلى 30%.
في الختام
تعد التغذية السليمة للأطفال ركيزة أساسية في تأسيس صحة متينة لهم تدوم معهم مدى الحياة، فمن خلال تطبيق النصائح الغذائية التي تناولناها، يوفر كل والد ووالدة لأطفالهم بيئة داعمة للنمو الجسدي والعقلي السليم.
ندعوكم اليوم إلى تبنِّي نهج التغذية السليمة للأطفال بوصفها خياراً واعٍ ومستداماً، لما له من أثر وقائي كبير في الحاضر والمستقبل. وإن وجدت في هذا المقال ما يفيدك، فلا تتردد في مشاركته مع من حولك لنشر الوعي وتعزيز ثقافة الصحة منذ البدايات الأولى.
أضف تعليقاً