التعلق العاطفي طبيعي ولكن!

التعلق العاطفي هو جزء طبيعي من التطور، ولأنَّك مدفوع للاتصال بأولئك الذين يوفرون إحساساً بالحماية والراحة والعناية، يمكن أن يصبح التعلق ساماً إذا اعتمدت كثيراً على الآخرين لتلبية الاحتياجات العاطفية، فالهدف من الارتباط العاطفي الصحي هو إيجاد توازن بين تلبية احتياجاتك العاطفية بنفسك ومن خلال الآخرين.



يقدم بحث جديد دليلاً على أنَّ التجارب الإيجابية في العلاقة تؤدي دوراً هاماً في تجنب التعلق غير الآمن، وتشير النتائج التي تم نشرها في مجلة (psypost) إلى أنَّ أحداث العلاقة الإيجابية في الحياة اليومية تعني انخفاض التعلق غير الآمن مع مرور الوقت.

ما هي المشاعر التي نكتسبها من التعلق أو الارتباط العاطفي؟

في الحقيقة نحن مرتبطون بالناس والحيوانات الأليفة والعلاقات والأماكن والأشياء وحتى التواريخ بسبب الراحة التي توفرها هذه الروابط، سواء كانت صحية أم غير صحية، وقد تكون هذه العلاقة مع شخص آخر أو مكان معين مثل منزل الطفولة أو تاريخ مثل الذكرى السنوية أو شيء جامد مثل بطانية.

المشاعر التي تتلقاها من الارتباط العاطفي هي الشعور بالأمان والحماية والشعور بالانتماء والراحة والموثوقية، فالارتباط العاطفي هو جزء صحي من التطور، ومع ذلك يمكن أن يصبح غير صحي، فإذا لم تكن قادراً على التحكم بهذا الارتباط العاطفي، فقد تصبح قلقاً ومتوتراً بشأن قدرتك على أن تكون محبوباً أو متصلاً.

ما هي الاضطرابات النفسية التي يزيد احتمال الإصابة بها عند المصابين بالتعلق العاطفي؟

تشير الدراسات إلى أنَّ التعلق المرضي يمكن أن يؤدي إلى الإصابة باضطرابات نفسية متعددة مثل:

  1. كآبة.
  2. قلق.
  3. اضطراب الشخصية الحدية.
  4. تفاقم اضطراب ما بعد الصدمة.

ما هو الحل مع الارتباط العاطفي؟

كما هو الحال مع أي شيء في الحياة، توجد حاجة إلى التوازن؛ إذ إنَّ الإفراط في الارتباط العاطفي أو عدم وجود ارتباط عاطفي يضر بصحتك العقلية، والحل هو عدم الإلحاح في البحث عن احتياجاتك العاطفية وإيجاد طرائق صحية لتلبية هذه الاحتياجات.

ما هي أنواع التعلق العاطفي؟

تشمل أنواع الارتباط العاطفي ما يأتي:

1. التعلق الآمن:

يتيح التعلق الآمن للشخص أن يشعر بالراحة والأمان والاستقرار في علاقة صحية.

2. التعلق القلق:

يؤدي التعلق القلق إلى مشكلات في الثقة؛ إذ يعاني أصحابها من حاجة قوية إلى الطمأنينة العاطفية.

3. التعلق غير المنظم:

يولد من الصدمة وسوء المعاملة، ويتميز نمط التعلق غير المنظم بعدم الانسجام وعدم القدرة على التنبؤ بمستقبل العلاقة.

ما هو الفرق بين التعلق العاطفي والحب؟

قد يبدو الارتباط أو التعلق العاطفي مشابهاً للحب، لكن يوجد فرق كبير، فالاختلاف الأكبر الذي حدده العديد من الخبراء هو أنَّ الحب حالة من العطاء، أما التعلق العاطفي هو حاجة أنانية، والأنانية ليست بالضرورة أمراً سيئاً، ولكنَّها تشير إلى أنَّك في علاقة لتلبي احتياجاتك الفطرية، فالحب لا ينبع من إرضاء قاعدة الاحتياجات، لكن من الرغبة في إعطاء الأولوية لرفاهية وسعادة شخص آخر.

من الأمثلة الجيدة التي يمكن أن تساعدك على فهم الاختلاف هي العلاقة بين الوالد والطفل، بافتراض أنَّ الأب لديه حالة من الارتباط الصحي، فلا يتوقع أحد الوالدين أن يؤدي ارتباطه بطفله إلى توفير أيَّة احتياجات مثل الحماية أو الأمان أو السلامة، ومع ذلك فإنَّ حبه للطفل يأتي من مجرد الرغبة في توفير الأفضل لرفاهية ذلك الطفل.

شاهد بالفديو: أجمل 10 مقولات عن الحب

هل يعني التعلق العاطفي أنَّك تعيش في حالة حب؟

نعم، أنت بحاجة إلى ارتباط أو تعلق عاطفي صحي لتحظى بالحب، ولكنَّ التعلق العاطفي لا يعني أنَّك في حالة حب، ومرة أخرى، يعتمد الارتباط العاطفي على الاحتياجات، ونحن نسعى إلى أن نكون مع الآخرين لتلبية احتياجاتنا الخاصة، فعندما تتمكن من فهم الارتباط العاطفي بناءً على هذا التعريف، يمكنك تحديد ما إذا كانت العلاقات التي تربطك بها تستند إلى الحب أو الارتباط العاطفي أو كليهما.

إذا كنت في علاقة من نوع الارتباط العاطفي، فقد تشعر بالركود أو الخوف أو الهشاشة، وهذا قد يجعل العلاقة سامة أو مدمرة بسهولة، ويحدث هذا لأنَّك أصبحت معتمداً على هذا الشخص، وهذا بدوره يؤدي إلى نتائج عكسية لنموك الشخصي.

متى يصبح التعلق العاطفي غير صحي؟

يوجد خيط رفيع بين الارتباط العاطفي الصحي والتعلق العاطفي غير الصحي، ولدينا جميعاً حاجة إلى التواصل العاطفي والترابط مع الآخرين، ومع ذلك عندما توجِّهنا هذه الاحتياجات إلى التخلي عن تقديرنا لذاتنا وسلامنا النفسي وحريتنا في الاختيار، يمكن أن يصبح هذا الارتباط أو التعلق غير صحي.

دور أنماط التعلق في العلاقات الرومانسية:

تتناول نظرية التعلق كيف يرتبط الناس بالآخرين ويحافظون على علاقاتهم، وقد يكون الناس آمنين أو غير آمنين في ارتباطاتهم، ويكون الأفراد غير الآمنين إما قلقين أو متجنبين، وكثيراً ما يقلق الأفراد المصابون بقلق التعلق من التعرض للرفض أو التخلي عنهم، وفي المقابل يميل أولئك الذين لا يتعلقون إلى الاستقلال ويواجهون صعوبة في الثقة بالآخرين؛ إذ أثبتت الأبحاث أنَّ كلا النوعين من التعلق غير الآمن يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية في العلاقات، مثل مشكلات الاتصال وصعوبات العلاقة الحميمة.

"لقد أثبت علماء النفس الاجتماعي منذ فترة طويلة أنَّ جودة روابط التعلق مع شركائنا الرومانسيين هامة جداً للأداء الصحي للعلاقات، لذلك كنا مهتمين بفهم دور التجارب اليومية في مساعدة الأزواج على تحقيق قدر أكبر من الأمان مع مرور الوقت"، هذا ما قالته "جول غونايدن" (gul gunaydin) أستاذة علم النفس في جامعة (Sabanci) في "تركيا".

إقرأ أيضاً: سايكولوجيا العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة وسر نجاحها

هل تؤثر التجارب الإيجابية في العلاقة في نمط التعلق؟

في إحدى الدراسات كان لدى الباحثين 151 زوجاً في مرحلة المواعدة (كانوا على علاقة لمدة 1 إلى 3 أشهر) و168 من المتزوجين حديثاً (الذين تزوجوا لمدة تصل إلى 6 أشهر) أكملوا استطلاعات يومية لمدة ثلاثة أسابيع؛ إذ طلبت الاستطلاعات من المشاركين الإبلاغ عما إذا كانوا قد مروا بمجموعة متنوعة من الأحداث الإيجابية التي كان شركاؤهم سبباً في حدوثها، كما طلبت الاستطلاعات من المشاركين توضيح ما إذا كانوا قد مروا بمزاج إيجابي مثل السعادة أو الهدوء.

وجد الباحثون أنَّ زيادة الأحداث الإيجابية في العلاقة تنبأت بانخفاض الملل وعدم الانسجام في المستقبل، والأهم من ذلك زيادة الثقة في نقطة التعلق الآمن مع الشريك، وبعبارة أخرى، أصبح المشاركون الذين أبلغوا عن علاقة إيجابية أقل عرضة لقول عبارات مثل: "أجد صعوبة في السماح لنفسي بالاعتماد على شريكي" بعد فترة الأسابيع الثلاثة (مقارنة بالسابق).

كما وجدت "غونايدن" وزملاؤها أيضاً أنَّ زيادة الأحداث الإيجابية في العلاقة ارتبطت بزيادة الأيام التي ظهرت فيها الحالة المزاجية الإيجابية طاغية، والتي بدورها تنبأت بانخفاض هاجس التعلق غير الآمن.

قالت "غونايدن" لمجلة (PsyPost): "تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنَّ تجارب العلاقات الإيجابية تساهم في الشعور بالاقتراب وإيجاد سهولة في الاعتماد على الشريك؛ أي تقليل التعلق غير الآمن مع مرور الوقت، وبناءً على هذه النتائج، نشجع الأزواج على تعزيز فرص للانخراط في تجارب ممتعة في الحياة اليومية مهما كانت صغيرة".

شاهد بالفديو: 10 أسرار تضمن لك السعادة في زواجك

دور استرجاع التجارب والذكريات الإيجابية في تحسين أنماط التعلق:

لفهم السلوكات المحددة التي تتنبأ بتقليل التعلق القلق أو التعلق غير الآمن، دعا الباحثون أكثر من 150 زوجاً لزيارة مختبرهم ومناقشة ذكريات العلاقة الإيجابية، وتم تصوير المناقشة بالفيديو ومراجعتها من قِبل اثني عشر خبيراً بشكل منفرد، وقد لاحظت "غونايدن" وزملاؤها أنَّ سلوكات المتعة والسعادة في العلاقة تنبأت بانخفاض التعلق القلق في العلاقات الرومانسية، وذلك طوال شهر واحد من المتابعة.

عندما يتذكر الشركاء هذه التجارب أو الذكريات السعيدة بشكل مشترك، فإنَّهم يتحققون من صحة العلاقة، على سبيل المثال، من خلال الإفصاح لشركائهم عن مدى امتنانهم لمشاركة تفاصيل التجربة، أو الكشف عن المشاعر الإيجابية التي شعروا بها في أثناء التجربة أو التعبير عن مدى تطلعهم إلى مشاركة الذكريات في المستقبل، نستطيع مراكمة تجارب العلاقات الإيجابية مع مرور الوقت، فمن المحتمل أن يساهم ذلك في تقليل قلق التعلق، وهو جانب رئيس للشعور بالأمان في العلاقة.

إقرأ أيضاً: 10 أمور يقوم بها الأزواج الذي يتمتّعون بعلاقة جيدة (و 10 لايقومون بها)

هل تُعَدُّ تجارب العلاقات الإيجابية علاجاً لكل شيء؟

قالت "غونايدن" لمجلة (PsyPost): "يجب على المرء أن يضع في حسبانه أنَّ تجارب العلاقات الإيجابية ليست علاجاً لكل شيء، وقد لا تؤدي دائماً إلى تحقيق تعلق آمن، وفي بحثنا هذا ساهمت تجارب العلاقات الإيجابية في تقليل التعلق غير الآمن، ولكنَّها لم تقلل من القلق العاطفي؛ أي القلق من أنَّ شريكك قد يرفضك أو يتخلى عنك، وبدا أنَّ التجارب الإيجابية لا تقلل من هذه المخاوف".

يرتبط القلق العاطفي بوجود آراء سلبية حيال الذات، لذلك بناءً على هذه المعطيات، من المحتمل أن تؤدي السلوكات التي تتعارض مع وجهات النظر الذاتية السلبية (مثل تشجيع شريكك على السعي وراء أهدافه الخاصة) دوراً محورياً في تقليل القلق العاطفي.

في الختام:

ما يزال البحث مستمراً، فقد شهد جميع المشاركين في الدراسة تحولاً في العلاقة عما كانوا في الأشهر الأولى من علاقة مواعدة جديدة أو زواج، وغالباً ما يُنظر إلى بدء علاقة جديدة أو زواج أو الأبوة والأمومة أو الانفصال على أنَّها أحداث رئيسة توفر إمكانية أكبر لتغيير أنماط التعلق، لذلك كان المشاركون في وقت مثالي لاختبار الروابط بين تجارب العلاقة الإيجابية والتعلق غير الآمن، ومع ذلك توجد حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة ما إذا كانت النتائج التي توصلنا إليها ستكون مناسبة للأزواج في فترات أكثر استقراراً من علاقتهم.




مقالات مرتبطة