التعاطف: مستقبل القيادة ومصلحة الشركات

القادة المتعاطفون ماهرون في التواصل وتكوين العلاقات بفضل قدرتهم على التفكير أبعد من ذاتهم؛ فحين تفكر في شخص ساعدك على النمو، ستدرك أنَّه في الغالب إنسان متعاطف.



سيكون حالنا جميعاً أفضل لو احتذينا بنموذج جيل الألفية، ألا وهو إظهار المزيد من التعاطف في العمل؛ فهو اتجاه جديد يتصدره جيل الألفية منذ بضعة سنوات، وإن لم تتأقلم معه الشركات والقادة قريباً، فسيصعب عليهم العثور على المواهب والاحتفاظ بها، وفي حين نسمع كثيراً من الشكاوى عن جيل الألفية الذين دمَّروا كلَّ شيء، لكنَّهم في الواقع على حق حين يتوقعون معاملةً أفضل من قِبَل زملائهم وأرباب عملهم.

منذ انضمام جيل الألفية إلى القوة العاملة وهم يطالبون بأمور زعزعَت افتراضاتنا عنهم، فكل المزايا التي يمكِن أن تُقدِّمها لهم لن تعني شيئاً إذا أجبرتَهم على العمل في بيئة سامَّة، ولهذا كان موضوع التعاطف في القيادة رائجاً مؤخراً، حيث يشكل جيل الألفية أكبر جزء من القوة العاملة، مما يعني أنَّهم يحركونها، ومنذ أن أصبح التعاطف مطلباً أساسياً للعاملين من هذه الفئة، بدأ القادة من كافة الأجيال بالنظر إلى أدوارهم بشكل مختلف، ومع تغير المواقف، سيتحتم عليهم التأقلم كي ينجحوا.

نستعرض فيما يلي لمَ ستستفيد أنت أيضاً حين تكون قائداً متعاطفاً:

1. مقدرة المتعاطفين على فهم مشاعر الآخرين:

التعاطف أمر معقد، ولا يفهم العديدون ما الذي يعنيه تماماً، فهو يتعدى اللطافة ويختلف كثيراً عن الشفقة؛ فالشخص المتعاطف هو إنسان يتفهَّم ما يعيشه الشخص الآخر عبر النظر إلى الوضع من وجهة نظره، والقادة المتعاطفون ماهرون في التواصل وتكوين العلاقات بفضل قدرتهم على التفكير أبعد من ذاتهم؛ فحين تفكر في شخص ساعدك على النمو، ستدرك أنَّه في الغالب إنسان متعاطف.

يعني التعاطف في مجال القيادة إدراك أنَّ موظفيك لديهم أساليب خاصة ومعقدة للعمل والتواصل، وحياة أخرى منفصلة عن العمل، في حين لا يشعر معظم الموظفين بالراحة الكافية للتحدث عن القلق في العمل، الأمر الذي يضيف المزيد من القلق، لكن يستطيع القائد المتعاطف أن يخلق بيئةً يشعر فيها الموظفون بالأمان ويستطيعون التعبير عن قلقهم، فأنت لستَ بحاجة إلى معرفة تفاصيل حياة موظفك الشخصية؛ بل ما يجب عليك فعله هو العمل معه على تخفيف القلق المرتبط بالعمل عبر فهم طريقة عمله ونقاط قوَّته والصعوبات التي يواجهها والشكوك التي تراوده حول دوره؛ إذ من المعروف أنَّ الموظفين يكونون أعلى إنتاجيةً حين يشعرون بالدعم من قِبَل رب عملهم، والرقم الدقيق لهذا الفرق هو 13% أعلى إنتاجية؛ فبصفتك قائداً أنت تخلق البيئة ولك أثر كبير في سعادة موظفك في العمل.

إقرأ أيضاً: ما مدى جودة مهارات الاستماع لديك؟ كيفية فهم رسائل الآخرين

2. تحلِّي القائد المتعاطف بعقلية الكوتشينغ:

مهمة الكوتش هي تحديد موهبة وإمكانية اللاعب والعمل معه على استثمارها لفائدة الفريق بأكمله؛ ففي هذه الحالة، اللاعب هو موظفك والفريق هو شركتك، فرحِّب بنقاط قوتهم واعمل معهم على نقاط ضعفهم، واسمح لهم بالعمل في مجال مهاراتهم، وأدرِك أنَّه لن يكون الجميع بارعاً في كلِّ شيء؛ ومثل أيِّ كوتش جيد، يجب أن تستخدم فريقك لتعوِّض نقاط ضعف الموظف كي لا يشعر بضغط لتقديم أداء يتعدى قدراته.

الأسئلة جزء هام من عملية الكوتشينغ، فتشجيع موظفيك على طرح الأسئلة والنظر إلى العمل على أنَّه أمر يمكِنهم استكشافه يعود بالفائدة على الجميع، وبالطبع ما زال عليك أن تجيب عن أسئلتهم، لكنَّ منح الناس الاستقلالية ليستخدموا فضولهم وإبداعهم سيحفز أفكار جديدة لم تخطر لك من قبل.

لا يعني الكوتشينغ التحكم المطلق، على عكس مفهوم رب العمل التقليدي؛ وبينما تتطور القوة العاملة بسرعة، يشهد أرباب العمل الحاجة المتزايدة للكوتشينغ، فهو ينمِّي شركةً قائمة على التعلم وفقاً لمجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)؛ من أجل أسلوب العمل الجديد يجب أن يعتاد أرباب العمل على الإدارة غير المباشرة وترك العمل للموظفين الخبيرين في المجال، فيصبح دورهم تسهيل عمل الموظفين والتركيز على أولوياتهم.

3. الصلة بين التعاطف والشمولية:

حين تكون قائداً متعاطفاً وشاملاً فأنت تفتح مجالاً في مكان العمل للأفكار ووجهات النظر الجديدة؛ إذ يشجع التفكير الجماعي في القيادة الأفكار المبتكرة والحلول، بينما يغلق الانفراد الباب في وجه الإبداع، كما ينظر القادة المتعاطفون غالباً إلى الشمولية والتنوع على أنَّهما عنصران أساسيان لنجاح العمل؛ لذا يسهل على أماكن العمل التي تركز على الشمولية جذب المواهب والاحتفاظ بها وتحسين الأداء وتعزيز الابتكار وإدماج الموظفين؛ لكن لسوء الحظ يقول ثلاث أرباع الموظفين الذين ينتمون إلى المجموعات الأقل تمثيلاً في الشركة أنَّهم لا يستفيدون من برامج الشمولية والتنوع في الشركات حيث يعملون.

يقع على عاتقك أنت كقائد أن تجعل الشمول جزءاً أساسياً من شركتك؛ فالخطوة الأولى هي تثقيف نفسك؛ فابحث عن الخبراء لتحصل منهم على المعلومات وتستشيرهم، وكلما كنتَ مطلعاً أكثر على الممارسات الصحيحة، ستكون مثالاً أفضل لموظفيك، وحدَّدَ الخبراء والموظفون الذين تحترم تغذيتهم الراجعة، واعمل معهم على تكوين لجنة للتنوع والشمول؛ لأنَّه عند الحصول على آراء من وجهات نظر عدَّة، ستخرج بحلول أفضل واقتراحات وتحسينات لتضيفها على شركتك.

إقرأ أيضاً: ماهي القيادة؟ وماهو دورها في الوصول للنجاح في العمل؟

4. تخفيف حدَّة ردات الفعل:

توجيه أصابع الاتهام هو ردة الفعل الأولى بالنسبة إلى العديدين، لكن بدل التسرع في الوصول إلى الاستنتاجات وتوبيخ موظفك، فابحث عن السبب؛ إذ قد تحصل على نتائج فورية وتثبت، سيطرتك حين تكون صارماً وحازماً، لكنَّ القائد سريع الغضب يسبب قلقاً لا مبرر له للموظفين، مما يؤثر سلباً في الشركة.

نشرت "جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية" (The Anxiety and Depression Association of America) دراسة عن أثر العمل في مستويات القلق والتوتر، حيث قال فيها 50% من الذين شملهم الاستطلاع أنَّ القلق يؤثر في أدائهم ونوعية عملهم وعلاقاتهم المهنية؛ والأخطر من ذلك، قال 7 من كلِّ 10 أشخاص أنَّ الضغوطات في العمل تؤثر في علاقاتهم الشخصية؛ إذ تسبَبت الإدارة بجزء كبير من هذا القلق، حتى أنَّ 50 بالمئة من المشاركين يقولون أنَّ الإدارة لها أثر على صحتهم النفسية.

يدرك أيُّ شخص عمل في وظيفة ما هي الإدارة السيئة، حين تتوتر إذا وصلك بريد من رب عملك الذي لا يرضيه شيء ويتعكر صفو أمسيتك أو عطلة نهاية الأسبوع كلِّها؛ كما أنَّ إشارة أصابع الاتهام والتوبيخ مباشرة يدفع الموظف إلى اتخاذ موقف دفاعي.

يتواصل القائد المتعاطف مع الموظَّف ويساعده على حلِّ المشكلات، بدلاً من أن يغضب فوراً، لإنَّه يسأل نفسه أولاً إن كان قد قدَّم للموظف كل ما قد يحتاجه؛ ويدرك المدير الجيد أنَّ نجاح الموظف ينعكس على القيادة أيضاً، فأنت لا تعرف ما الذي يجري في حياة الموظف الشخصية خارج العمل، وليس هناك من حاجة لتعرف، لكن تعامَل معهم باحترام.

حين تترك مجالاً لارتكاب الأخطاء وحلِّ المشكلات، قد يشعر الموظف بالراحة في استكشاف مهاراته، واستشارتك عند مواجهة الصعوبات، وبأن يكون شفافاً عند عرض عمله؛ فمن الأسهل التعامل مع رب عمل مستعد للإصغاء وتقديم المساعدة على النجاح من رب عمل يتوقع نتائج مثالية كلَّ مرَّة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة