التشوهات المعرفية: مفهومها وأسبابها وأنواعها

هل رأيت شخصاً يتكلَّم عن نفسه بطريقة سيئة دوماً؟ هل رأيت أحدهم يحكم على نفسه بالفشل قبل التجربة حتى؟ هل لاحظت أنَّ شخصاً يهوِّل ويضخِّم الأمور البسيطة وينظر نظرة سلبية إلى كل ما يحدث معه؟ هل لامك أحدهم على ألمه العاطفي دون أن تكون لك علاقة بذلك؟ أم كنت أنت ذلك الشخص؟



لا بدَّ أنَّك صادفت في حياتك أحد الأشخاص ممَّن يفكرون تفكيراً سلبياً دائماً، وجعلك تسأل نفسك عن سبب تفكيره بهذه الطريقة، وهل هو على حق أم أنَّه إنسان متشائم وسلبي، إنَّه التشوه المعرفي والذي يُعَدُّ أشد فتكاً من التشوه الجسدي أو الخلقي؛ وذلك لأنَّ أفكارنا لها تأثير كبير في صحتنا النفسيَّة، ومن ثم قد يتسبب التشوه المعرفي بتدمير حياة الإنسان وفشله في مختلف النواحي، وإن كنتَ تريد معرفة المزيد عن التشوه المعرفي وأنواعه المختلفة، فسنوضِّح لك ذلك في هذا المقال.

مفهوم التشوهات المعرفية:

هي نمط من أنماط تفكير الإنسان الخاطئة والمُبالغ فيها أو غير الدقيقة أبداً، وتُعَدُّ السلبية هي السمة الأساسية التي تميز هذا النمط، وبعض الناس قد يكون لديهم تشوه معرفي لفترة قصيرة من حياتهم فقط، أمَّا بعضهم الآخر قد تكون أفكاره ومعتقداته سلبية دائماً؛ أي يصدِّق أشياء سيِّئة عن حياته وعن نفسه وهي ليست صحيحة بالضرورة، فهو يتبنى طريقة تفكير غير عقلانية وغير منطقية وتقوده غالباً إلى الشعور بالاستياء تجاه نفسه وتجاه عالمه المحيط، كما أنَّ ذلك ينعكس على سلوكه المُتَّبع في حياته، وقد يؤدي إلى القلق المزمن والاكتئاب والمشكلات السلوكية أيضاً.

أسباب التشوهات المعرفية:

تحدث التشوهات المعرفية نتيجة اضطرابات في الصحة العقلية للإنسان، فغالباً تشيع عند الأشخاص ممَّن يعانون من الاكتئاب أو القلق المزمن كنتيجة لتجارب سيِّئة قد مرُّوا بها، وجميعنا قد نمتلك أفكاراً سلبية في بعض الأحيان لكن نتكلم هنا عمَّن يمتلكون هذه المشكلة بشكل متكرر ومكثف للغاية؛ إذ إنَّ أفكارهم السلبية واليائسة تكون تلقائية وواضحة لمن يحيط بهم أو لمن يقابلهم لمرة واحدة فقط، فسرعان ما يكتشف ذلك من خلال حديثهم وتصرفاتهم.

شاهد بالفيديو: التشوهات المعرفية وأنواعها

أنواع التشوهات المعرفية الأكثر شيوعاً:

توجد الكثير من الأنواع للتشوهات المعرفية سنذكر أبرزها:

1. التصفية أو الفلترة الذهنيَّة:

يصفي الشخص جميع الجوانب الإيجابية من أي أمر أو موقف يحدث في حياته، وينظر جيداً إلى الجانب السلبي فيه ويركز في التفكير فيه، وينطبق ذلك على وجهة نظره في الأشخاص أيضاً، فمثلاً الشخص الكريم واللطيف والذي يمتلك الكثير من الصفات الإيجابية ولكنَّه غير جميل الشكل، فيركز أحدهم في صفته السلبية هذه ويقلل من أهمية أخلاقه الحميدة، أو يمكن ملاحظة ذلك عندما يتكلَّم شخص عن فشله في عمله بشكل دائم لمجرد إخفاقه في أمر معيَّن على الرغم من امتلاكه لعدة نجاحات هامة ومميزة أخرى، ولكنَّه يقلل من أهميتها ويَعُدُّها أمراً طبيعياً جداً.

2. خصم الإيجابيات:

يشبه التصفية الذهنية لكن هنا الأمر أسوأ بكثير؛ إذ يتجاهل الشخص الجوانب الإيجابية تماماً ويخصمها من أي أمر اعتقاداً منه بعدم أهميتها إطلاقاً.

3. التفكير المستقطب "أبيض أو أسود":

يرى الإنسان في هذه الحالة الأشياء إمَّا مثالية وإيجابية أو سيئة وفاشلة دون وجود حل وسط أبداً، ومن ثم يطلق أحكاماً غير منطقية على المواقف التي يمر بها وعلى جوانب حياته وعلاقته مع الآخرين، فمثلاً عند اختيار الشريك العاطفي يسعى الشخص إلى إيجاد شريك ليست لديه أيَّة صفة سلبية أو عيب، وحتى الصفات السلبية البسيطة لا يمكنه أن يصرف النظر عنها، وإيجاد شخص بهذا الكمال مستحيل فلدى الجميع جوانب أو صفات سلبية أمَّا الكمال فهو لله تعالى فقط.

إقرأ أيضاً: مفهوم إدارة المعرفة وأهميتها وأهدافها

4. التعميم المفرط:

في هذه الحالة يعتقد الشخص أنَّ ما حدث معه لمرة واحدة سوف يتكرر دائماً؛ أي توصَّل إلى استنتاج عام بناءً على موقف واحد؛ مثلاً كأن يتأخر طالب عن امتحانه نتيجة عدم قدرته على الاستيقاظ في الوقت المناسب فيعتقد أنَّه سيتأخر دائماً ولا يمكنه الوصول في الموعد المحدد، فقد يحاول في المرات القادمة البقاء مستيقظاً حتى موعد الامتحان نتيجة قلقه وخوفه من التأخير مرة أخرى.

5. التصنيف الكلي الخاطئ:

هذا النوع هو أسوأ من التعميم المفرط؛ وذلك لأنَّه سيطلق صفة سلبية على وضع عام نتيجة موقف سيِّئ قد حدث لمرة واحدة؛ فمثلاً رسب شخص في إحدى المواد الدراسية، فلن يعتقد أنَّه فاشل دراسياً فقط؛ بل سيعتقد أنَّه فاشل في مختلف مجالات الحياة وغبي جداً ولا يستطيع النجاح في أيَّة مهمَّة أو حتى النجاح في علاقاته مع الآخرين.

6. القفز إلى الاستنتاجات:

في هذا النوع من التشوهات المعرفية يعتقد الشخص أنَّه يدرك كل شيء، ويمكنه قراءة أفكار الآخرين ومعرفة غاياتهم والدوافع الكامنة وراء سلوكهم وتصرفاتهم دون أن يخبره أحد بذلك ودون اعتماده على أقوال وأفعال الآخرين قبل إصداره الأحكام عليهم، فمثلاً شخص يمتلك الكثير من الأموال يعتقد أنَّ كل شخص يقترب منه ويريد إنشاء علاقة اجتماعية معه هو شخص يطمع به كشكل من أشكال التكهُّن.

7. التهويل:

يتوقَّع الشخص حدوث الكوارث دائماً على الرغم من عدم وجود سبب منطقي لشعوره بذلك، ويتخيَّل أسوأ ما قد يحدث، فمثلاً بعد أن حضَّر طالب جيداً للامتحان يبدأ بسؤال نفسه: "ماذا لو رسبت غداً؟ ماذا لو نسيت كل ما درسته؟"، ومن ثم قد يتسبب ذلك بتراجعه عن الذهاب إلى الامتحان خوفاً مما سيحدث معه.

لا ينطبق هذا التفكير على الإنسان نفسه؛ وإنَّما قد يسمع خبراً ما عن شخص ويهوِّله؛ فمثلاً وصلَهُ أنَّ أحد معارفه تعرَّض لحادث بسيط فبدأ بالتفكير والتساؤل: "هل سيموت؟ لن يستطيع المشي ثانيةً بالتأكيد" على الرغم من عدم وجود أي دليل يُشير إلى ذلك سوى نظرته الكارثية إلى الأمور.

8. التخصيص "الشخصنة":

الأشخاص ممَّن يعتقدون أنَّ كل كلمة يقولها الآخرون أو كل تصرف يتصرفونه هو عبارة عن رد فعل شخصي تجاههم، وقد يلومون أنفسهم نتيجة ذلك؛ فمثلاً شخص ما اشترى أحد معارفه هاتفاً محمولاً جديداً ومتطوراً، فاعتقد أنَّه اشتراه بهدف إغاظته فقط على الرغم من عدم وجود مواقف سابقة جعلته يبني هذا الرأي اعتماداً عليه.

أو مثلاً المدير يتحدَّث في اجتماعه إلى الموظفين عن أهمية الالتزام بوقت الدوام وعدم التأخير صباحاً، فاعتقد أحدهم أنَّه يوجه الكلام له تحديداً، على الرغم من عدم تأخيره صباحاً، وكل ذلك يؤدي إلى الشعور بالاستياء والحزن.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح علمية لتحسين تفكيرك المعرفي

9. مغالطات التحكم:

هنا يوجد نوعان من المعتقدات، فإمَّا أن يشعر الشخص بأنَّ الآخرين يسيطرون على حياته؛ فينظر إلى نفسه وكأنَّه ضحية دائماً؛ فمثلاً يعتقد بأنَّ لا علاقة له بسوء سير العمل في الشركة وبأنَّه مظلوم لأنَّ رئيسه من العمل طلب منه العمل لوقت إضافي أو زيادة الجهد المبذول في العمل ريثما يتم التغلُّب على المشكلات في العمل، أو أن يعتقد الشخص بأنَّه المسؤول عن حياة الآخرين دائماً وبأنَّه السبب الرئيس بحزنهم أو سعادتهم؛ فمثلاً يرى الشخص صديقه حزيناً أو منزعجاً بسبب أمر ما، فيعتقد أنَّه السبب في حزنه ويسأله: "هل فعلت شيئاً يحزنك؟".

10. مغالطة العدالة:

يشعر الإنسان في هذه الحالة بأنَّ ما يفعله هو العدل فقط وبأنَّه الوحيد العادل أمَّا من يخالفه بالرأي فليس عادلاً، ولأنَّ الحياة ليست دائماً عادلة؛ فيعتقد بأنَّ الأمور لا تسير لمصلحته لهذا السبب فقط.

11. لوم الآخرين:

يعتقد الشخص بأنَّ الآخرين هم السبب بحزنه وألمه، وعند فشله في أمر ما يبدأ بلوم الآخرين على الرغم من أنَّ الإنسان هو المسؤول الأول عما يحدث معه؛ فمثلاً يلوم الطالب زميله لأنَّه لم يذكِّره بأنَّ عليه أن يحل واجباته المنزلية إن نسيَ حلَّها.

12. التفكير والاستنتاج العاطفي:

يعتقد الشخص أنَّ المشاعر التي يشعر بها هي دليل قاطع يجعله يحكم على الأشياء وعلى الآخرين أيضاً، فمثلاً إن شعرَ بأنَّ شخصاً ما يكذب في أثناء تحدُّثه إليه، فهو يكذب دون وجود دليل منطقي على ذلك، أو إن شعرَ بالخوف من حدوث شيء، فسيؤمن بأنَّ شيئاً ما سيِّئاً سوف يحدث قريباً جداً، أو كأن يشعر بأنَّ ركوب الطائرة مخيف جداً دون تجربة ذلك ومن ثم يؤمن بأنَّ ركوبها مخيف.

شاهد بالفيديو: ما هي أهمية إدارة المعرفة؟

13. الالتزام الصارم:

يَعُدُّ الشخص مخالفة القواعد أمراً كارثياً جداً؛ فمثلاً يغضب الشخص الملتزم بالوصول إلى دوامه في الوقت المناسب دوماً ممَّن يتأخر ويقول لنفسه دائماً: "ينبغي ألَّا أتأخر"، كما لو أنَّه يعاقب نفسه دون أن يفعل شيئاً خاطئاً، فنلاحظ أنَّ هذا الشخص يُكثِر من كلمة "ينبغي" في حياته فيجعله ذلك يشعر بالذنب والإحباط واليأس نتيجة قلقه الدائم.

14. دائماً محق:

يسعى الشخص إلى إثبات أنَّ رأيه دائماً صحيح وأنَّه لا يمكن أن يكون على خطأ أبداً، فمثلاً عند نقاشه مع أحد يحاول أن يُظهِر أخطاء الطرف الآخر وأنَّ اعتقاداته هي الصحيحة حتى إن تسبب نقاشه بجرح مشاعر الآخرين؛ فذلك غير هام بالنسبة إليه أبداً؛ وإنَّما الهام هو الفوز بالجدال.

15. مغالطة مكافأة الضحية:

يظن الإنسان في هذه الحالة أنَّه سوف يُكافأ على تضحياته التي قدمها وعلى جهده المبذول في أمر ما، أو سيحصل على مكافأة إلهية بعد معاناته من فقدان شيء غالٍ؛ وذلك لأنَّ كل إنسان سوف يلقى نتيجة تعبه في الحياة، وهذا يعني أنَّه سوف يُصاب بالإحباط والحزن الشديد إن لم يحصل على تلك المكافأة الرائعة المُنتظرة.

16. مغالطة التغيير:

يعتقد الشخص أنَّه يستطيع تغيير الآخرين ليتناسبوا مع أفكاره ومعتقداته من خلال الضغط عليهم أو التملُّق إليهم؛ فمثلاً يحدث ذلك عادةً في العلاقات العاطفية؛ إذ يسعى أحد الأطراف إلى تغيير صفة يراها سلبية في الطرف الآخر لأنَّه يعتقد أنَّ علاقتهما سوف تكون سعيدة أكثر إن حصل التغيير المطلوب، على الرغم من أنَّ هذه الصفة التي يعتقد بأنَّها سلبية قد تكون ثانوية وغير هامة لاستقرار العلاقة العاطفية واستمرارها، ومن ثم قد يتسبب ذلك بفشل العلاقة.

في الختام:

بعد تعرُّفك إلى أنواع التشوه المعرفي المتعددة التي ذكرناها آنفاً سوف تبدو إحداها على الأقل مألوفة لك، فقد تعرف شخصاً يفعل ذلك أو قد تقع أنت في إحدى الأنواع السابقة، لكن يوجد حل للأمر؛ وذلك من خلال انتباهك الشديد إلى طريقة تفكيرك ومعتقداتك وفحص مدى صحتها والتحقُّق منها كي تدرك إن كانت طريقتك في التفكير تساعدك على التقدم في حياتك بمختلف جوانبها وتدفعك إلى النجاح والسعادة أم تحبطك وتقلل من عزيمتك دوماً، فعندها عليك تغييرها فوراً، ولا تنسَ أنَّ قول الأشياء الإيجابية لنفسك هام جداً وليس خداعاً للذات كما يعتقد بعض الأشخاص.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة