التسويق الاجتماعي وسيلة للتغيير

عند سماع مصطلح التسويق الاجتماعي أول ما يتبادر إلى الأذهان هو التسويق عبر الـ "فيسبوك" و"تويتر" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، أو أنَّه عبارة عن إعلان وبيع كأي عمل تسويقي آخر، ولكنَّ التسويق الاجتماعي أكبر من ذلك بكثير.



فهل تُصدق إن قلنا إنَّ التسويق الاجتماعي هو وسيلة لتغيير المجتمعات وزيادة وعي أفرادها ومستوى الرفاهية والرقي فيها وبات إحدى الاستراتيجيات الهامة التي تستخدمها الدول المتقدمة للنهوض بمجتمعاتها؟ دعونا في هذا المقال نتعرف أكثر عن التسويق الاجتماعي.

مفهوم التسويق الاجتماعي (Social marketing):

يرجع ظهور التسويق الاجتماعي إلى أوائل السبعينيات على يد البروفيسور "فيليب كوتلر" الذي نشر مقالاً بعنوان "التسويق الاجتماعي: مدخل إلى التغيير الاجتماعي المخطط" في مجلة التسويق انطلاقاً من أنَّ التسويق لا يقتصر فقط على التجارة؛ وإنَّما يمكن استخدامه في بناء وتطوير المجتمع.

ويُعرَّف التسويق الاجتماعي بأنَّه:

  1. نهج طويل الأمد يتم التخطيط له بدقة وعناية بغاية تغيير السلوك البشري أو المعتقدات الاجتماعية والإقلاع عن السلوك الضار.
  2. عملية تهدف إلى إقناع الناس بتغيير سلوكهم عن طريق تطبيق تقنيات التسويق التجاري.
  3. نشاط يستهدف التأثير في الجمهور المستهدف وتغيير سلوكاته وتحقيق إفادة المجتمع وإحداث التغيير الاجتماعي.
  4. لا يهدف التسويق الاجتماعي إلى التوعية وتحريك المشاعر فقط؛ بل يهدف إلى تغيير سلوك الجمهور إلى الأفضل.
  5. يستفيد التسويق الاجتماعي من العلوم الآتية: التسويق وعلم النفس والاقتصاد السلوكي وسلوك المستهلك والسياسات العامة.
  6. يعتقد الكثيرون أنَّ التسويق الاجتماعي هو نفسه التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو التسويق المستدام، لكن حقيقة الأمر أنَّه يختلف عنهما:
  • التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي: هو التسويق للمنتجات والخدمات من خلال استخدام منصات التواصل الاجتماعي (Facebook، YouTube، Twitter، LinkedIn).
  • التسويق المُستدام: هو التسويق الذي تستخدمه شركة ما لأعمالها الخاصة تجاه المجتمع؛ وذلك إثباتاً لالتزامها بالمسؤولية الاجتماعية.

أمثلة عالمية عن التسويق الاجتماعي:

1. في أستراليا:

حملة (Quit) أو توقف، وتتناول هذه الحملة النتائج السلبية للتدخين بطريقة مختلفة عن الرسائل الصحية النمطية، وركَّزت الحملة على فهم سلوك الفئة المستهدفة ودوافع سلوكها، فنجحت في صياغة رسائل بسيطة وإبداعية.

2. في بريطانيا:

حملة (Gamification) التي هدفت إلى إرشاد الجمهور المستهدف إلى رمي أعقاب السجائر في الأماكن المخصصة، وتخللت الحملة أسئلة مثيرة تتعلق بالجمهور المستهدف وتحثه على السلوك المطلوب، وتقوم أيضاً الجهة المختصة والمستقلة في الحكومة البريطانية (Think) بالكثير من الحملات المرورية التوعوية التي أدت إلى انخفاض الوفيات من الحوادث بنسبة 46%.

3. في الصين:

انطلقت حملة تركز على الترابط الأسري وتسلط الضوء على منظر انشغال الأهل بالهواتف الذكية وإهمالهم للأبناء، وكانت الحملة على شكل رسالة بسيطة ومبدعة تقول: "كل ما يزيد الاتصال، يقُل الاتصال الأهم".

4. في أمريكا:

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية التسويق الاجتماعي استخداماً كبيراً من خلال الاعتماد على الأجهزة الحكومية والمؤسسات غير الربحية في التأثير في الناس وتغيير سلوكهم، ومن الأمثلة عن ذلك، تعاون هذه الأجهزة مع القطاع الصحي بالقيام بحملات توعوية تستهدف شرائح معينة من الناس لتغيير عاداتهم السيئة كالإقلاع عن التدخين أو العادات الغذائية الخاطئة أو حملات حول تحذير الناس من مخاطر استعمال الهاتف المحمول في أثناء القيادة.

مجالات التسويق الاجتماعي:

غالباً ما يتبنى التسويق الاجتماعي القضايا الآتية:

1. الصحة:

مثل مكافحة التدخين والكحول والمخدرات والفحص المبكر للأمراض وأخذ اللقاحات والتحفيز على ممارسة الرياضة والتغذية السليمة وتوعية الناس لخطر التعرض لأشعة الشمس لوقت طويل لعدم الإصابة بسرطان الجلد.

2. البيئة والطاقة:

مثل ترشيد استخدام الماء والكهرباء والنظافة ورمي القمامة في الأماكن المخصصة والتشجيع على شراء سيارات تعتمد على الطاقة الشمسية.

3. الأمن والسلامة:

مثل استخدام حزام الأمان أو تخفيض السرعة وعدم استخدام الهاتف في أثناء القيادة واتخاذ إجراءات وقائية لتجنب الإصابات.

4. الترابط الأسري:

مثل تحديد النسل وتخطيط الإنجاب ومكافحة العنف الأسري والتوعية لقضاء أكبر وقت مع الأطفال ونصائح للتعامل معهم وحل المشكلات باللجوء إلى الاختصاصيين.

5. الاقتصاد والتخطيط المالي:

مثل ترشيد سلوك المستهلك وتشجيعه على الادخار والإنفاق المسؤول.

شاهد بالفديو: ما هي مراحل عملية التسويق؟

الفرق بين التسويق الاجتماعي والتسويق التجاري:

التسويق التجاري: هو التسويق لمنتجات ملموسة أو خدمات بهدف تحقيق الربح وزيادة معدل المبيعات، ولا يُعنى بالمجتمع أو بالصالح العام، ويختلف التسويق الاجتماعي عن التسويق التجاري تماماً، وفيما يأتي أبرز جوانب الاختلاف:

1. اختلاف القضايا:

يركز التسويق الاجتماعي على القضايا الاجتماعية والإنسانية (بيئة وصحة وأسرة وغيرها)، بينما يركز التسويق التجاري على قضايا تجارية وربحية.

2. المنافسة:

تكمن المنافسة في التسويق الاجتماعي في مقاومة الجمهور المستهدف له أو في العادات التي تمنعه من تبني السلوك الجديد، أما المنافسة في التسويق التجاري تكون من شركات وعلامات تجارية منافِسة.

3. المنتَج:

غالباً ما يكون المنتَج غير ملموس في التسويق الاجتماعي، بينما غالباً ما يكون ملموساً في التسويق التجاري.

4. الإنفاق:

يتوقف الإنفاق على التسويق الاجتماعي على كرم الحكومات أو مؤسسات المجتمع المدني والجهات غير الربحية وفائض ميزانية القطاع الخاص، بينما نجد أنَّ الإنفاق على التسويق التجاري غير محدود ويتم من قِبل القطاعات العامة والخاصة.

5. الجمهور المستهدف:

يستهدف التسويق الاجتماعي فئات واسعة من الجمهور بغض النظر على قدرتهم الشرائية، فالهدف هو زيادة الوعي وليس تشجيعهم على الشراء، أما في التسويق التجاري يتم التركيز على فئات محددة قادرة على الشراء.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعد المعلنين في إنجاح حملاتهم الإعلانية

عناصر التسويق الاجتماعي:

يتكون التسويق الاجتماعي من العناصر الآتية:

1. المنتَج:

غالباً لا يكون المنتَج في التسويق الاجتماعي منتجاً ملموساً، كالتوعية لفكرة معينة أو تقديم خدمة ما أو الترويج لممارسة سلوك أو نشاط معين أو التحذير من نشاط آخر.

2. السعر:

القاعدة العامة في التسويق الاجتماعي أنَّه ليس هناك سعر أو تكلفة يدفعها المستخدم للحصول على المنتج، لكن هناك وقت أو جهد يمكن أن يتحمله للتوقف عن سلوك معين واتخاذ السلوك الجديد الذي يتم الترويج له.

3. المكان:

المكان في التسويق الاجتماعي هو طريقة إيصال المنتج إلى الناس، وهو إما بالتوزيع المجاني للمنشورات العامة أو بالنشر عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

4. الترويج:

يشمل الترويج الدعاية والإعلان التلفزيونية أو الطرقية وسائر أنواع وسائل الترويج المختلفة.

إقرأ أيضاً: أهمية العلاقات في الترويج لمنتجاتك

التحديات التي تواجه التسويق الاجتماعي:

من أبرز التحديات التي يواجهها التسويق الاجتماعي والتي يجب تجنبها من قِبل القائمين به:

  1. الفشل في تحديد أهداف الحملة التسويقية بشكل صحيح.
  2. عدم تحديد الفئة المستهدفة واهتماماتها بدقة.
  3. الفشل في وضع استراتيجية جيدة للتسويق الاجتماعي.
  4. التركيز على مُقدِّمي الخدمة أكثر من التركيز على الجمهور.
  5. عدم تنويع المحتوى حسب وسيلة الإعلان المستخدمة.

مراحل التسويق الاجتماعي:

يمر التسويق الاجتماعي بالمراحل الآتية:

1. تحديد السلوك المراد تغييره:

السلوك المراد تغييره أو زرعه لدى الأفراد هو نقطة البداية في التسويق الاجتماعي؛ لذا يجب تحديده بدقة وبعيداً عن أي مصالح شخصية.

2. تحديد الجمهور والتحديات التي تعوقه عن التغيير:

يجب تحديد فئة الجمهور المستهدف بدقة والاهتمام بتفاصيلهم كالعمر والجنس ومستوى التعليم وطريقة تفكيرهم وأفكارهم ومعتقداتهم وما هي التحديات التي تعوقهم عن التغيير، وأحد الأمثلة عن ذلك هو التسويق الاجتماعي لفكرة زيارة الطبيب النفسي؛ إذ يجب تحديد العوائق التي تعوق الناس عن زيارة الطبيب النفسي، مثل خوفهم من إطلاق الأحكام من قِبل الآخرين عليهم والتركيز على تغيير هذا الاعتقاد لديهم.

3. تحديد الوسائل التسويقية:

أن يتم اختيار الوسيلة التسويقية المناسبة التي ستُستخدم في إيصال الرسالة إلى الجمهور وأن تكون من الوسائل التي تؤثر فيه ويتابعها ويثق فيها سواء كانت الإعلانات أم لافتات الشوارع أم الإعلان على شبكة الإنترنت أم التسويق عبر المؤثرين وهو ايصال الفكرة المراد إيصالها إلى الجمهور عن طريق أشخاص مؤثرين فيه.

4. تحديد الفائدة المرجوة:

حتى ينجح التسويق الاجتماعي في التأثير في الناس وإقناعهم بتغيير سلوكهم إلى السلوك الجديد، لا بد أن يتم تحديد الفائدة التي ستجنيها الفئة المستهدَفة بعينها، ومثال عن ذلك التسويق لفكرة ممارسة الرياضة، فإن كان الجمهور المستهدف من فئة الشباب، يجب التركيز على فائدة الرياضة في منحهم اللياقة البدنية، أما إن كان الجمهور المستهدف هم كبار السن، يجب التركيز على دور الرياضة في تقوية العظام وزيادة الطاقة.

5. توجيه الرسالة:

وهي المرحلة الحاسمة؛ إذ يتم فيها توجيه الرسالة إلى الجمهور المستهدف، ويجب الانتباه إلى أن يكون مضمونها واضحاً تماماً لا يحتمل أي لَبس واستخدام الحجج والأدلة المنطقية مع بعض المثيرات العاطفية كالحماسة أو التحذير واستخدام الإحصاءات؛ إذ يُفضِّل الأفراد سماع نسب مئوية ومعلومات دقيقة بدلاً من السرد والاسترسال، كما يجب الابتعاد عن أسلوب الخطاب المسطح أو المعلومات غير المؤكدة.

6. تقييم الحملة التسويقية:

يجب تقييم الحملة التسويقية لقياس نجاحها أو فشلها في تحقيق أهدافها المجتمعية، ويتم ذلك من خلال التغذية الراجعة واستطلاع التغيير الحاصل في الأفراد كأفكار أو سلوك.

في الختام، أهمية التسويق الاجتماعي:

وفي ختام مقالنا نصل إلى نتيجة مفادها أنَّ التسويق الاجتماعي وسيلة لتغيير المجتمع وحل مشكلاته ورفع الوعي لدى أفراده وحثهم على ممارسة السلوكات الصحيحة والإقلاع عن السلوكات الخاطئة وزيادة شعورهم بانتمائهم لبلادهم من خلال تسليط الضوء على مسؤوليتهم في بنائها وتطويرها، وهذا ما تنبَّهت إليه الدول المتقدمة وبدأت باستخدام التسويق الاجتماعي من خلال إطلاقها لحملات توعوية في كافة المجالات، أما الدول النامية فما تزال تجربتها خجولة في هذا النوع من التسويق؛ لذا لا بد لها من التركيز والاعتماد عليه بشكل أكبر في توعية أفرادها ورقي مجتمعاتها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة